1424 1391 - ( مالك ، عن هشام بن عروة ) بن الزبير بن العوام ( عن أبيه ، عن nindex.php?page=showalam&ids=170زينب بنت أبي سلمة ) عبد الله بن عبد الأسد المخزومي الصحابي ( عن ) أمها ( nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة ) هند بنت أبي أمية ( زوج النبي صلى الله عليه وسلم ) قال أبو عمر : هذا حديث لم يختلف في إسناده ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ) وفي رواية في الصحيح : أنه سمع خصومة بباب حجرته فخرج إليهم . وفي أخرى : جلبة خصام ، بفتح الجيم واللام والموحدة ، اختلاط الأصوات . وفي أبي داود عن عبد الله بن نافع مولى nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة عنها قالت : أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان يختصمان في مواريث لهما فلم يكن لهما بينة إلا دعواهما فقال صلى الله عليه وسلم : ( إنما أنا بشر ) بفتحتين ، الخلق ، يطلق على الواحد والجماعة بمعنى أنه منهم ، والمراد أنه مشارك لهم في أصل الخلقة ولو زاد عليهم بالمزايا التي اختص بها في ذاته ، والحصر مجازي لأنه حصر خاص ، أي باعتبار علم البواطن ويسمى عند علماء البيان : قصر قلب لأنه أتى به للرد على من زعم أن من كان رسولا يعلم كل غيب حتى لا يخفى عليه المظلوم ونحو ذلك ، فأشار إلى أن الوضع البشري يقتضي أن لا يدرك من الأمور إلا ظواهرها ، فإنه خلق خلقا لا يسلم من قضايا تحجبه عن حقائق الأشياء ، فإذا ترك على ما جبل عليه من القضايا البشرية ولم يؤيد بالوحي السماوي طرأ عليه ما يطرأ على سائر البشر ، زاد في رواية في الصحيح : مثلكم ( وإنكم تختصمون إلي ) [ ص: 4 ] فيما بينكم لأنه الإمام ، فلا يصلح أن يحكم إلا هو أو من قدمه لذلك قال تعالى : ( فلا وربك لا يؤمنون ) ( سورة النساء : الآية 65 ) الآية ، وقال : ( وأن احكم بينهم بما أنزل الله ) ( سورة المائدة : الآية 49 ) الآية . وقال : ( إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق ) ( سورة النساء : الآية 105 ) الآية ، قاله الباجي . ثم تردونه إلي ، ولا أعلم باطن الأمر ( فلعل بعضكم أن يكون ألحن ) بالحاء المهملة ، أي أبلغ وأعلم ( بحجته ) وفي رواية للبخاري " أبلغ " وهو بمعناه لأنه من اللحن ، بفتح الحاء ، الفطنة ، أي أبلغ وأفصح ، وأعلم بتقرير مقصوده ، وأعلم ببيان دليله ، وأقدر على البرهنة على دفع دعوى خصمه بحيث يظن أن الحق معه وهو كاذب . هذا ما عليه أكثر الشراح ، وجوز بعضهم أنه من اللحن ، بسكون الحاء ، وهو الصرف عن الصواب ، أي يكون أعجز عن الإعراب بالحجة ، وضعفه لا يخفى ، وجملة " أن يكون " خبر " لعل " من قبيل رجل عدل ، أي كائن ، أو " أن " زائدة ، أو المضاف محذوف ، أي لعل وصف بعضكم أن يكون ألحن بحجته ( من بعض ) فيغلب خصمه وهو كاذب . وفي رواية البخاري : فأحسب أنه صدق ( فأقضي ) فأحكم ( له ) أي للذي غلب بحجته على خصمه ، فلا حاجة إلى قوله في الاستذكار " فأقضي له " ، أي عليه ، وإن كان الواقع أن الحق لخصمه ، لكنه لم يفطن لحجته ولم يقدر على معارضته .
( فمن قضيت له بشيء من حق أخيه ) بحسب الظاهر وليس كذلك في الباطن . وفي رواية : بحق مسلم ، وذكره ليكون أهول على المحكوم له لأن وعيد غيره معلوم عند كل أحد ، فذكر المسلم تنبيها على أنه في حقه أشد وإن كان الذمي والمعاهد كذلك . ( فلا يأخذن منه شيئا ، فإنما أقطع له قطعة من النار ) أي مآله إلى النار ، فأطلق عليه ذلك لأنه سبب في حصول النار له ، فهو من مجاز التشبيه كقوله تعالى : ( إنما يأكلون في بطونهم نارا ) ( سورة النساء : الآية 10 ) قال السبكي : هذه قضية شرطية لا تستدعي وجودها ، بل معناها بيان أن ذلك جائز الوقوع ، قال : ولم يثبت لنا قط أنه صلى الله عليه وسلم حكم بحكم ثم بان خلافه ، لا بسبب تبين حجة ولا بغيرها ، وقد صان الله أحكام نبيه عن ذلك مع أنه لو وقع لم يكن فيه محذور . وفي رواية في الصحيحين : فليأخذها أو ليتركها ، وليس الأمر للتخير بل للتهديد كقوله : ( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) ( سورة الكهف : الآية 29 ) وقال ابن التين : هو خطاب للمقضي له ، ومعناه أنه أعلم بنفسه هل هو محق أو مبطل ؟ فإن كان محقا فليأخذ وإن كان مبطلا فليترك ; لأن الحكم لا ينقل الأصل عما كان عليه ، وفيه دلالة قوية لمذهب الأئمة الثلاثة والجمهور : أن الحكم في ما باطن الأمر فيه بخلاف الظاهر لا يحل الحرام ولا عكسه ، فإذا شهد شاهدا زور لإنسان بمال فحكم به القاضي لظاهر العدالة ، لم يحل له ذلك المال ، وإن شهدا بقتل لم يحل للولي قتله مع علمه بكذبهما ، وإن شهدا عليه أنه طلق امرأته لم يحل لمن علم كذبهما أن يتزوجها بعد الحكم بالطلاق . وقال أبو حنيفة : يحل الحرام في العقود كنكاح وطلاق وبيع وشراء ، فإذا ادعت امرأة على رجل أنه تزوجها وأقامت شاهدي زور ، حل له وطؤها ، وادعاه الرجل وهي تجحد أو تعمد رجلان شهادة الزور أنه طلق زوجته فيحل لأحدهما بعد العدة تزوجها مع علمه بكذبه وأن زوجها لم يطلقها ; لأن حكم الحاكم لما أحلها للأزواج إجماعا كان الشهود وغيرهم سواء وهذا بخلاف الأموال ، وتعقب بأن هذا خلاف الحديث في الصحيح ، فمن حق الرجل عصمة زوجته التي لم يطلقها ، وخلاف الإجماع من قبله ، ومخالف لقاعدة اتفق هو وغيره عليها وهي أن الأبضاع أولى بالاحتياط من الأموال . هذا وقال النووي رحمه الله ملخصا لكلام من تقدمه كابن عبد البر والباجي وعياض وغيرهم : معنى الحديث التنبيه على حالة البشرية ، وأن البشر لا يعلمون من الغيب وبواطن الأمر شيئا إلا أن يطلعهم الله على شيء من ذلك ، وأنه يجوز عليه في أمور الأحكام ما يجوز عليهم ، وأنه إنما يحكم بين الناس في الظاهر مع إمكان أنه في الباطن بخلافه ، ولكنه إنما كلف بالحكم بالظاهر ، ولو شاء الله لأطلعه على باطن أمر الخصمين فحكم فيه بيقين نفسه من غير حاجة إلى شهادة أو يمين ، ولكن لما [ ص: 6 ] أمر الله أمته باتباعه والاقتداء بأقواله وأحكامه أجرى له حكمهم في عدم الاطلاع على باطن الأمور ليكون حكم الأمة في ذلك حكمه ، فأجرى الله أحكامه على الظاهر الذي يستوي فيه هو وغيره ليصح الاقتداء به وتطيب نفوس العباد للانقياد للأحكام الظاهرة من غير نظر إلى الباطن ، فإن قيل : هذا الحديث ظاهره أنه قد يقع منه صلى الله عليه وسلم حكم في الظاهر مخالف للباطن ، وقد اتفق الأصوليون على أنه صلى الله عليه وسلم لا يقر على خطأ في الأحكام . فالجواب أنه لا تعارض بين الحديث وقاعدة الأصوليين ; لأن مرادهم فيما حكم فيه باجتهاده ، أما إذا حكم فيما خالف ظاهره باطنه فإنه لا يسمى الحكم خطأ ، بل الحكم صحيح بناء على ما استقر به التكليف وهو وجوب العمل بشاهدين مثلا ، فإن كانا شاهدي زور ونحو ذلك فالتقصير منهما وممن ساعدهما ، وأما الحاكم فلا حيلة له في ذلك ولا عتب عليه بسببه ، بخلاف ما إذا أخطأ في الاجتهاد فإن هذا الذي حكم به ليس هو حكم الشرع . اهـ . وقال القرطبي في المفهم : قد أطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم في مواطن كثيرة على بواطن كل من يتخاصم إليه فيحكم بخفي ذلك ، لكن لما كان ذلك من جملة معجزاته لم يجعل الله ذلك طريقا عاما ولا قاعدة كلية للأنبياء ولا غيرهم لاستمرار العادة بأن ذلك لا يقع لهم وإن وقع فنادر ، وتلك سنة الله ( ولن تجد لسنة الله تبديلا ) . فمن خصائصه أن يحكم بالباطن أيضا وأن يقتل بعلمه ، وأجمعت الأمة على أنه ليس لأحد أن يقتل بعلمه إلا النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : وقد شاهدت بعض المخرفين وسمعت منهم أنهم يعرضون عن القواعد الشرعية ويحكمون بالخواطر القلبية ويقولون : الشاهد المتصل بي أعدل من الشاهد المنفصل عني ، وهذه مخرقة أبرزتها زندقة يقتل صاحبها قطعا ، وهذا خير البشر يقول في مثل هذه المواطن : " إنما أنا بشر " معترفا بالقصور عن إدراك المغيبات وعاملا بما نصبه الله تعالى له من اعتبار الأيمان والبينات . اهـ .