بضم النون وإسكان الحاء المهملة ، مصدر نحله إذا أعطاه بلا عوض ، وبكسر النون وفتح الحاء جمع نحلة ، قال تعالى : ( وآتوا النساء صدقاتهن نحلة ) ( سورة النساء : الآية 4 ) أي هبة من الله لهن وفريضة عليكم .
1473 1431 - ( مالك عن ابن شهاب ) محمد بن مسلم الزهري ( عن حميد ) بضم الحاء ( بن عبد الرحمن بن عوف ) القرشي الزهري ، أحد الثقات الأثبات . ( وعن محمد بن النعمان بن بشير ) الأنصاري أبي سعيد التابعي الثقة ( أنهما حدثاه ) أي ابن شهاب ( عن النعمان بن بشير ) الخزرجي ، سكن الشام ثم ولي إمرة الكوفة ثم قتل بحمص سنة خمس وستين وله أربع وستون سنة ، صحابي وأبواه صحابيان ، هكذا رواه أكثر أصحاب الزهري ، وأخرجه النسائي من طريق الأوزاعي عن ابن شهاب أن محمد بن النعمان وحميد بن عبد الرحمن حدثاه عن بشير بن سعد ، جعله من مسند بشير ، فشذ بذلك ، والمحفوظ أنه عنهما عن النعمان [ ص: 81 ] ( أنه قال : إن أباه بشيرا ) بن سعد بن ثعلبة بن الجلاس ، بضم الجيم وخفة اللام آخره مهملة ، الخزرجي البدري وشهد غيرها ، ومات في خلافة أبي بكر سنة ثلاث عشرة ، ويقال : إنه أول من بايع أبا بكر من الأنصار ، وقيل : عاش إلى خلافة عمر ، وقد روى هذا الحديث عن النعمان عدد كثير من التابعين منهم عروة بن الزبير عند مسلم وأبي داود والنسائي ، وأبو الضحى عند النسائي وابن حبان وأحمد والطحاوي ، والمفضل بن المهلب عند أحمد وأبي داود والنسائي ، وعبد الله بن عتبة بن مسعود عند أبي عوانة ، وعامر الشعبي في الصحيحين وأبي داود وأحمد والنسائي وابن ماجه ، وغيرهم . ( أتى به ) ولمسلم من طريق الشعبي عن النعمان : انطلق أبي يحملني ( إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ولابن حبان : فأخذ بيدي وأنا غلام . وجمع بينهما بأنه أخذ بيده فمشى معه بعض الطريق وحمله في بعضها لضعف سنه ، أو عبر عن استتباعه إياه بالحمل ( فقال : إني نحلت ) بفتح النون والمهملة وإسكان اللام ، أي أعطيت ( ابني هذا ) النعمان ( غلاما ) لم يسم ( كان لي ) وفي الصحيحين عن الشعبي nindex.php?page=hadith&LINKID=10354864عن النعمان : أعطاني أبي عطية ، فقالت عمرة بنت رواحة : لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه فقال : إني أعطيت ابني من عمرة عطية . ولمسلم والنسائي : nindex.php?page=hadith&LINKID=10354865سألت أمي أبي بعض الموهبة لي من ماله فالتوى بها سنة ، أي مطلها . ولابن حبان : حولين ، وجمع بأن المدة أزيد من سنة فجبر الكسرة تارة وألغى أخرى ، قال : بدا له فوهبها لي ، فقالت له : لا أرضى حتى تشهد النبي صلى الله عليه وسلم ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ) زاد في رواية للشيخين فقال : ألك ولد سواه ؟ قال : نعم ، قال : ( أكل ولدك ) بهمزة الاستفهام الاستخباري والنصب بقوله : ( نحلته ) أعطيته ( مثل هذا ؟ ) ولمسلم : أكلهم وهبت له مثل هذا ؟ ( قال : لا ) وفي رواية ابن القاسم في الموطأ للدارقطني عن مالك قال : لا والله يا رسول الله . وقال مسلم لما رواه من طريق الزهري : أما يونس ومعمر فقالا : أكل بنيك ؟ وأما الليث وابن عيينة فقالا : أكل ولدك ؟ قال الحافظ : ولا منافاة بينهما لأن لفظ ولد يشمل الذكور والإناث . وأما لفظ بنين فإن كانوا ذكورا فظاهر وإن كانوا إناثا وذكورا فعلى سبيل التغليب ، ولم يذكر ابن سعد لبشير ولدا غير النعمان ، وذكر له بنتا اسمها أبية بموحدة تصغير أبي ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فارتجعه ) بهمزة وصل مجزوم أمرا ، زاد في رواية للبخاري : فرجع فرد عطيته ، أي الغلام . وهو ما في أكثر الروايات عن النعمان ، ومثله في حديث جابر في السلم ، وفي رواية لابن حبان والطبراني [ ص: 82 ] عن الشعبي : أن النعمان خطب بالكوفة فقال : nindex.php?page=hadith&LINKID=10354866إن والدي أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن عمرة بنت رواحة نفست بغلام وإني سميته النعمان ، وإنها أبت أن تربيه حتى جعلت له حديقة من أفضل ما هو لي وأنها قالت : أشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفيه قوله : لا أشهد على جور . وجمع ابن حبان بالحمل على واقعتين : إحداهما عند ولادة النعمان وكانت العطية حديقة ، والأخرى بعد أن كبر النعمان وكانت عبدا . قال الحافظ : ولا بأس بجمعه ، لكن يبعد أن ينسى بشير بن سعد مع جلالته حكم المسألة حتى يعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيشهده على العطية الثانية بعد قوله في الأولى له : لا أشهد على جور . وجوز ابن حبان أن بشيرا ظن نسخ الحكم ، وقال غيره : إنه حمل الأمر على كراهة التنزيه أو ظن أنه لا يلزم من الامتناع في الحديقة الامتناع في العبد; لأن ثمن الحديقة غالبا أكثر من ثمن العبد ، قال : وظهر لي وجه في الجمع سليم من هذا الخدش ، ولا يحتاج إلى جوابه ، وهو أن عمرة لما امتنعت من تربيته إلا أن يهب له شيئا ، وهبه الحديقة تطييبا لخاطرها ثم بدا له فارتجعها; لأنه لم يقبضها منه أحد غيره ، فعاودته عمرة في ذلك فمطلها سنة أو سنتين ، ثم طابت نفسه أن يهب له بدل الحديقة غلاما ، ورضيت عمرة به لكن خشيت أن يرتجعه أيضا فقالت : أشهد على ذلك النبي صلى الله عليه وسلم . تريد تثبيت العطية وأمن رجوعه فيها ، ويكون مجيئه لإشهاده صلى الله عليه وسلم مرة واحدة وهي الأخيرة ، وغاية ما فيها أن بعض الرواة حفظ ما لم يحفظ بعض ، أو كان النعمان يقص تارة بعض القصة ويقص بعضها أخرى ، فسمع كل ما رواه فاقتصر عليه . وفي رواية للشيخين قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=10354867لا تشهدني على جور ، وفي أخرى : nindex.php?page=hadith&LINKID=10354868لا أشهد على جور . ولمسلم فقال : nindex.php?page=hadith&LINKID=10354869فلا تشهدني إذا فإني لا أشهد على جور . وله أيضا : nindex.php?page=hadith&LINKID=10354870أشهد على هذا غيري . وفي حديث جابر : nindex.php?page=hadith&LINKID=10354871فليس يصلح هذا ، وإني لا أشهد إلا على حق . وللنسائي : وكره أن يشهد له . ولمسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=10354872اعدلوا بين أولادكم في النحل كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البر . ولأحمد : nindex.php?page=hadith&LINKID=10354873إن لبنيك عليك من الحق أن تعدل بينهم ، فلا تشهدني على جور ، أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء ؟ قال : نعم ، قال : فلا إذا . ولأبي داود : nindex.php?page=hadith&LINKID=10354874إن لهم عليك من الحق أن تعدل بينهم كما أن لك عليهم من الحق أن يبروك . وللنسائي : nindex.php?page=hadith&LINKID=10354875ألا سويت بينهم . وله ولابن حبان : سو بينهم . واختلاف الألفاظ في هذه القصة الواحدة يرجع إلى معنى واحد ، وتمسك به من أوجب التسوية في عطية الأولاد كطاوس وسفيان الثوري وأحمد وإسحاق والبخاري وبعض المالكية ، والمشهور عن هؤلاء أنها باطلة وعن أحمد تصح ، وعنه يجوز التفاضل لسبب كأن يحتاج الولد لزمانته أو دينه أو نحو ذلك دون الباقين . وقال أبو يوسف : تجب التسوية إن قصد بالتفضيل الإضرار ، واحتجوا أيضا بأنها مقدمة لواجب ; لأن قطع الرحم والعقوق [ ص: 83 ] محرمان فالمؤدي إليهما حرام والتفضيل يؤدي إليهما ، ثم اختلفوا في صفة التسوية : فقال محمد بن الحسن وأحمد وإسحاق وبعض المالكية والشافعية : العدل أن يعطى الذكر حظين كالميراث لأنه حظ الأنثى لو أبقاه الواهب حتى مات . وقال غيرهم : لا فرق بين الذكر والأنثى ، وفارق الإرث بأن الوارث راض بما فرض الله له بخلاف هذا ، وبأن الذكر والأنثى إنما يختلفان في الميراث بالعصوبة ، أما بالرحم المحددة فهما فيها سواء كالإخوة والأخوات من الأم ، والهبة للأولاد أمر بها صلة الرحم ، وظاهر الأمر بالتسوية يشهد لهذا القول ، واستأنسوا له بحديث ابن عباس رفعه : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10354876سووا بين أولادكم في العطية ، فلو كنت مفضلا أحدا لفضلت النساء " . أخرجه سعيد بن منصور والبيهقي من طريقه ، وإسناده حسن .
وقال الجمهور : التسوية مستحبة ، فإن فضل بعضا صح وكره ، وندبت المبادرة إلى التسوية أو الرجوع حملا للأمر على الندب والنهي على التنزيه ، وأجابوا عن حديث النعمان بأجوبة : أحدها أن الموهوب للنعمان كان جميع مال والده ، ولذا منعه فلا حجة فيه على منع التفضيل ، حكاه ابن عبد البر عن مالك ، وتعقبه بأن كثيرا من طرق حديث النعمان صريح بالبعضية . وقال القرطبي : ومن أبعد التأويلات أن النهي إنما يتناول من وهب جميع ماله لبعض ولده كما ذهب إليه سحنون ، وكأنه لم يسمع في نفس هذا الحديث أن الموهوب كان غلاما وأنه وهب له لما سألته أمه الهبة من بعض ماله ، وهذا يعلم منه بالقطع أنه كان له مال غيره . ثانيها : أن العطية المذكورة لم تتنجز ، وإنما جاءبشير يستشير النبي صلى الله عليه وسلم فأشار عليه بأن لا يفعل فترك ، حكاه الطحاوي وأكثر طرق الحديث ينابذه . ثالثها : أن النعمان كان كبيرا ولم يقبض الموهوب ، فجاز لأبيه الرجوع ، ذكره الطحاوي ، وهو خلاف ما في أكثر طرق الحديث خصوصا قوله " ارتجعه " فإنه يدل على تقدم وقوع القبض ، والذي تضافرت عليه الروايات أنه كان صغيرا وكان أبوه قابضا له لصغره ، فأمر برد العطية بعدما كانت في حكم المقبوض . رابعها : أن قوله : " فارتجعه " دليل على الصحة; إذ لو لم تصح الهبة ما صح الرجوع ، وإنما أمره به لأن الوالد له أن يرجع فيما وهبه لولده ، وإن كان الأفضل خلاف ذلك ، لكن استحباب التسوية رجح على ذلك . وفي الاحتجاج بذلك نظر ، والذي يظهر أن معنى " ارتجعه " ، أي لا تمض الهبة . ولا يلزم من ذلك تقدم صحتها . خامسها : أن قوله " nindex.php?page=hadith&LINKID=10354870أشهد على هذا غيري " إذن بالإشهاد عليه وإنما امتنع لأنه الإمام ، فكأنه قال : لا أشهد لأن الإمام ليس من شأنه الشهادة ، وإنما شأنه الحكم ، حكاه الطحاوي وارتضاه ابن القصار ، وتعقب بأنه لا يلزم من أن الإمام ليس من شأنه الشهادة أن يمتنع من تحملها ولا من أدائها إذا وجبت عليه ، وقد صرح المحتج بهذا أن الإمام إذا شهد عند بعض نوابه جاز ، وأما قوله إن " أشهد " صيغة إذن فليس [ ص: 84 ] كذلك بل هو للتوبيخ كما يدل عليه ألفاظ الحديث ، وبه صرح الجمهور في هذا الموضع . وقال ابن حبان : قوله " أشهد " صيغة أمر ، والمراد به نفي الجواز ، وهو كقوله لعائشة : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10354877اشترطي لهم الولاء " . سادسها : دل قوله " nindex.php?page=hadith&LINKID=10354875ألا سويت بينهم " على أن الأمر للاستحباب والنهي للتنزيه ، وهذا جيد لولا ورود تلك الألفاظ الزائدة على هذه اللفظة ولا سيما وتلك الرواية وردت بعينها بصيغة الأمر حيث قال : سو بينهم . سابعها : في مسلم عن ابن سيرين ما يدل على أن المحفوظ في حديث النعمان : قاربوا بين أولادكم ، لا : سووا ، وتعقب بأن المخالفين لا يوجبون المقاربة كما لا يوجبون التسوية . ثامنها : التشبيه الواقع في التسوية بينهم بالتسوية منهم في بر الوالدين على أن الأمر للندب ، وتعقب بأن إطلاق الجور على عدم التسوية ، والمفهوم من قوله : لا أشهد إلا على حق ، يدل للوجوب ، وقد قال في آخر الرواية التي فيها التشبيه : فلا إذا ، لكن في التمهيد يحتمل أنه أراد بقوله : إلا على حق ، الحق الذي لا تقصير فيه عن أعلى مراتب الحق وإن كان ما دونه حقا . وقال غيره : الجور الميل عن الاعتدال فالمكروه أيضا جور اهـ . تاسعها : عمل أبي بكر وعمر بعده صلى الله عليه وسلم على عدم التسوية قرينة ظاهرة في أن الأمر للندب ، فأبو بكر نحل عائشة دون سائر ولده كما يأتي ، وعمر نحل ابنه عاصما دون سائر أولاده . ذكره الطحاوي وغيره . وقد أجاب عروة عن قصة عائشة بأن إخوتها كانوا راضين بذلك ، ويجاب بمثله عن قصة عمر . عاشرها : انعقاد الإجماع على جواز عطية الرجل ماله لغير ولده ، فمن جاز أن يخرج جميع ولده عن ماله جاز له أن يخرج عن ذلك بعضهم . ذكره ابن عبد البر ، أي عن الشافعي وغيره ، ولا يخفى ضعفه فإنه قياس مع وجود النص ، وزعم بعضهم أن معنى " nindex.php?page=hadith&LINKID=10354868لا أشهد على جور " أي لا أشهد على ميل الأب لبعض أولاده . وفيه نظر ويرده قوله في الرواية : nindex.php?page=hadith&LINKID=10354878لا أشهد إلا على حق ، وفيه أن للأب الرجوع فيما وهبه لابنه وكذا للأم عند أكثر الفقهاء ، لكن قال مالك : إنما ترجع الأم إذا كان الأب حيا ، ومحل رجوع الأب ما لم يداين الابن أو ينكح للهبة ، وقال الشافعي : له الرجوع مطلقا ، وفيه ندب التألف بين الإخوة وترك ما يوقع بينهم الشحناء ويورث العقوق للآباء ، وأن عطية الأب لابنه الصغير في حجره لا يحتاج إلى قبض ، وأن الإشهاد فيها مغن عن القبض ، وكراهة تحمل الشهادة فيما ليس بمباح ، وأن الإشهاد في الهبة مشروع لا واجب ، وجواز الميل إلى بعض الأولاد والزوجات دون بعض ، وأن للإمام الأعظم أن يتحمل الشهادة ليحكم بعلمه عند من يجيزه أو يؤديها عند بعض نوابه ، ومشروعية استفصال الحاكم والمفتي عما يحتمل الاستفصال; لقوله : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10354879ألك ولد غيره ؟ قال : نعم ، قال : أكل ولدك نحلته ؟ قال : لا ، قال : لا أشهد " . ففهم منه أنه لو قال نعم ، لشهد ، وأن للإمام التكلم في [ ص: 85 ] مصلحة الولد والمبادرة إلى قبول الحق ، وأمر الحاكم والمفتي بتقوى الله في كل حال .
قال ابن المنير : وفيه إشارة إلى سوء عاقبة الحرص والتنطع; لأن عمرة لو رضيت بما وهبه زوجها لولده لما رجع فيه ، فلما اشتد حرصها في تثبيت ذلك أفضى إلى بطلانه ، وتعقبه في المصابيح بأن إبطالها ارتفع به جور وقع في القصة ، فليس من سوء العاقبة في شيء ، والحديث أخرجه البخاري في الهبة عن عبد الله بن يوسف ، ومسلم في الوصايا عن يحيى ، كلاهما عن مالك به ، وطرقه كثيرة في الصحيحين وغيرهما .