اللقطة : الشيء الذي يلتقط ، وهي بضم اللام وفتح القاف على المشهور عند أهل اللغة والمحدثين ، وقال عياض : لا يجوز غيره ، وقال الزمخشري في الفائق : بفتح القاف والعامة تسكنها اهـ . لكن جزم الخليل بالسكون ، قال : وأما بالفتح فهو اللاقط ، وقال الأزهري : ما قاله هو القياس ، لكن الذي سمع من العرب وأجمع عليه أهل اللغة والحديث الفتح ، وفيها لغة ثالثة لقاطة بضم اللام ، ورابعة لقطة بفتح اللام . ووجه بعض المتأخرين فتح القاف في المأخوذ بأنه للمبالغة فيما اختصت به ، وهو أن كل من يراها يميل لأخذها فسميت باسم الفاعل لذلك .
1482 1438 [ ص: 94 ] - ( مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ) فروخ ، المعروف بربيعة الرأي ، بسكون الهمزة ( عن يزيد ) بتحتية فزاي ، المدني الصدوق ( مولى المنبعث ) بضم الميم وسكون النون وفتح الموحدة وكسر المهملة بعدها مثلثة ، وهو صحابي نزل إلى النبي صلى الله عليه وسلم في حصار الطائف ، وكان يسمى المضطجع فسماه المنبعث ، وكان من موالي آل عثمان بن عامر بن معتب ، ذكره ابن إسحاق ( عن زيد بن خالد الجهني ) بضم الجيم وفتح الهاء ، الصحابي المشهور رضي الله عنه ( أنه قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ) قال الحافظ : زعم ابن بشكوال وعزاه لأبي داود أنه بلال المؤذن ، ولم أره في شيء من نسخ أبي داود ، ويبعده رواية الشيخين : جاء أعرابي ، وبلال لا يوصف بذلك ، وقيل هو الراوي; لرواية الطبراني عن زيد أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم ، وفيه بعد لما ذكرنا . وقد رواه أحمد عن زيد أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم ، أو أن رجلا سأل على الشك ، وأيضا ففي رواية لمسلم عن زيد بن خالد : أتى رجل وأنا معه ، فدل أنه غيره ، ولعله نسب السؤال إلى نفسه لأنه كان مع السائل ثم ظهرت لي تسمية السائل ، وذلك فيما أخرجه الحميدي والبغوي وابن السكن والباوردي والطبراني ، كلهم من طريق محمد بن معن الغفاري عن ربيعة عن عقبة بن سويد الجهني عن أبيه قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اللقطة ، الحديث ، وهو أولى ما فسر به هذا المبهم لكونه من رهط زيد بن خالد ، وروى أبو بكر بن أبي شيبة والطبراني عن أبي ثعلبة الخشني قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=10354889قلت : " يا رسول الله الورق توجد عند القرية ، قال عرفها حولا " . الحديث ، وفيه سؤاله عن الشاة والبعير ، وجوابه وهو في أثناء حديث طويل ، أخرجه النسائي .
وروى الإسماعيلي في الصحابة من طريق مالك بن عمير عن أبيه : " أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اللقطة ، فقال : إن وجدت من يعرفها فادفعها إليه " . الحديث ، وإسناده واه جدا . وروى الطبراني عن الجارود العبدي قال : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10354891قلت : يا رسول الله اللقطة نجدها ، قال : أنشدها ولا تكتم ولا تغيب " . الحديث اهـ . يعني فيحتمل تفسير المبهم أيضا بأبي ثعلبة أو عمير والجارود ، لكن يرجح أنه سويد كونه من رهط زيد الراوي كما قال ، وإن تعقب بأنه لا يلزم من كون سويد من رهط زيد أن يكون حديثهما واحدا بحسب الصورة ، وإن كانا في المعنى من باب واحد فإن هذا جمود ، فالحافظ لم يجزم بأنه هو بدليل ذكره الروايات المصرحة بغيره ، وإنما رجحه بقوله أولى للتعليل المذكور ، ولا شك أنه من وجوه الترجيحات عندهم ( فسأله عن اللقطة ) هكذا في أكثر الروايات ، وفي رواية سفيان الثوري عن ربيعة : [ ص: 95 ] فسأله عما يلتقطه ، زاد مسلم من طريق يحيى بن سعيد عن يزيد : الذهب والفضة ، وهو كالمثال وإلا فلا فرق بينهما وبين الجوهر واللؤلؤ وغير ذلك مما يستمتع به غير الحيوان في تسميته لقطة ، وإعطائه حكمها وهو : ( فقال : اعرف عفاصها ) بكسر العين المهملة ففاء خفيفة فألف فصاد مهملة ، أي وعائها الذي يكون فيه النفقة جلدا كان أو غيرها ، من العفص وهو المثنى ، أي لأن الوعاء يثنى على ما فيه ( ووكاءها ) بكسر الواو الثانية وبالهمزة ممدود الخيط الذي يشد به الصرة والكيس ونحوهما ، زاد مسلم من وجه آخر عن زيد : وعددها ، وكذا في حديث أبي بن كعب : ليعرف صدق مدعيها عند طلبها ، وفي وجوب هذه المعرفة وندبها قولان أظهرهما الأمر ، وقيل : يجب عند الالتقاط ويستحب بعده ، فعلى الوجوب إذا عرف بعض الصفات دون بعض ، قال ابن القاسم : لا بد من ذكر جميعها ، وكذا قال أصبغ لكن قال : لا يشترط معرفة العدد ، قيل : وقول ابن القاسم أقوى لثبوت ذكر العدد في الرواية الأخرى ، وزيادة الحافظ حجة . ( ثم عرفها ) بكسر الراء الثقيلة ، أي اذكرها للناس ( سنة ) بمظان طلبها كأبواب المساجد والأسواق ونحوهما ، يقول : من ضاعت له نفقة ونحو ذلك من العبارات ، ولا يذكر شيئا من الصفات ، قال العلماء : يعرفها في كل يوم مرتين ثم مرة ثم في كل أسبوع ثم في كل شهر ، ولا يشترط أن يعرفها بنفسه بل يجوز توكيله . قال الحافظ : هكذا روى مالك ، والأكثر عن ربيعة أن التعريف بعد معرفة ما ذكر من العلامات . وفي رواية سفيان عن ربيعة : عرفها سنة ثم اعرف عفاصها ووكاءها . فجعل التعريف يسبق المعرفة ، ووافقه عبد الله بن يزيد مولى المنبعث عن أبيه عن أبي داود ، وجمع النووي بأن يكون مأمورا بالمعرفة في حالتين فيعرف العلامات أول ما يلتقط حتى يعلم صدق واصفها إذا وصفها ، ثم بعد تعريفها سنة إذا أراد أن يتملكها فيعرفها مرة أخرى تعرفا وافيا محققا ليعلم قدرها وصفتها فيردها إلى صاحبها . قلت : ويحتمل أن يكون " ثم " في الروايتين بمعنى الواو فلا تقتضي ترتيبا ولا تقتضي تخالفا يحتاج إلى الجمع ، ويقويه أن المخرج واحد والقصة واحدة ، وإنما يحسن ما تقدم لو اختلف المخرج فيحمل على تعدد القصة ، وليس الغرض إلا أن يقع التعرف والتعريف مع قطع النظر عن أيهما أسبق ، ثم أنه لم يختلف في حديث زيد أن التعريف سنة واحدة . وفي حديث أبي بن كعب في الصحيحين : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10354892وجدت صرة فيها مائة دينار فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال : عرفها حولا فعرفتها حولا ثم أتيته فقال : عرفها حولا فعرفتها حولا ، ثم أتيته فقال : عرفها حولا فعرفتها حولا ، ثم أتيته الرابعة فقال : اعرف عددها ووكاءها ووعاءها فإن جاء صاحبها وإلا استمتع بها " . وجمع بينهما بحمل حديث أبي على مزيد التورع عن التعرف في اللقطة والمبالغة في [ ص: 96 ] التعفف عنها . وحديث زيد على ما لا بد منه أو لاحتياج الأعرابي واستغناء أبي .
وقال ابن الجوزي : يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم علم أن تعريفها لم يقع على الوجه الذي ينبغي ، فأمر ثانيا بإعادة التعريف كما قال للمسيء صلاته : ارجع فصل فإنك لم تصل ، قال الحافظ : ولا يخفى بعد هذا على مثل أبي مع أنه من فقهاء الصحابة وفضلائهم . وقد حكى صاحب الهداية من الحنفية رواية عندهم أن التعريف مفوض للملتقط فعليه أن يعرفها حتى يغلب على ظنه أن صاحبها لا يطلبها بعد ذلك .
( فإن جاء صاحبها ) فأدها إليه ، فجواب الشرط محذوف ، وقد ثبت في البخاري من رواية إسماعيل بن جعفر عن ربيعة بلفظ : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10354893فإن جاء ربها فأدها إليه " . وله من رواية سفيان عن ربيعة : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10354894فإن جاء أحد يخبرك بعفاصها ووكائها " . فبهذا أخذ مالك وأحمد أنها تدفع لمن عرف العفاص والوكاء . وقال أبو حنيفة والشافعي : لمن وقع في نفسه صدقه جاز أن تدفع إليه ولا يجبر على ذلك إلا ببينة لأنه قد يصيب الصفة ، ووجه الأول أن هذا فائدة قوله أعرف عفاصها . . . إلخ ، وقد صحت هذه اللقطة ، أي الأمر بدفعها لمن عرف العفاص والوكاء في حديث زيد ، وفي حديث أبي بن كعب أيضا بلفظ : فأعطها إياه ، عند مسلم وأحمد وأبي داود والترمذي والنسائي من طرق فتعين المصير إليها ، ويخص ذلك من عموم حديث ( nindex.php?page=hadith&LINKID=10354895البينة على المدعي ) ، وقول أبي داود - إنها غير محفوظة ، وتمسك به من حاول تضعيفها - غير صواب ، بل هي صحيحة وليست بشاذة ، وما اعتل به بعضهم من أنه وصفها فأصاب فدفعها إليه ، فجاء آخر فوصفها فأصاب ، لا يقتضي الطعن في الثاني; لأنه يصير الحكم حينئذ كما لو دفعها إليه ببينة ، فجاء آخر فأقام بينة أخرى أنها له ، وفي ذلك تفاصيل للمالكية وغيرهم .
( وإلا ) يجيء صاحبها ( فشأنك ) أي الزم شأنك ، أي حالك ( بها ) أي تصرف فيها ، ويجوز الرفع بالابتداء والخبر بها ، أي شأنك متعلق بها ، وفي حديث أبي : فاستمتع بها . ولمسلم من طريق ابن وهب عن سفيان وغيره عن ربيعة : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10354896فإن لم يأت لها طالب فاستنفقها " . وفيه أن اللاقط يملكها بعد انقضاء مدة التعريف ; لأن قوله : شأنك بها ، تفويض إلى اختياره ، والأمر في قوله فاستنفقها للإباحة ، وفي اشتراط التلفظ بالتملك وكفاية النية ، وهو الأرجح دليلا ، ودخولها في ملكه بمجرد الالتقاط أقوال ، وقد روى الحديث سعيد بن منصور عن الدراوردي عن ربيعة بلفظ : " وإلا فتصنع بها ما تصنع بمالك " . وإذا تصرف فيها بعد تعريفها ثم جاء صاحبها ضمنها له فيردها إن كانت باقية وبدلها إن استهلكت عند الجمهور .
( قال ) السائل ( فضالة الغنم ) أي ما حكمها ، فحذف ذلك للعلم به ، قال العلماء : الضالة لا تقع إلا على الحيوان ، وما سواه يقال له لقطة ( يا رسول الله ، قال : هي لك ) إن أخذتها فهو إشارة إلى إباحة أخذها كأنه قيل : هي ضعيفة لعدم الاستقلال معرضة للهلاك مترددة بين أن تأخذها أنت فتكون لك ( أو لأخيك ) في الدين إن لم تأخذها ، والمراد به ما هو أعم من صاحبها أو من ملتقط آخر ، كذا قيل . وعورض بأن البلاغة تقتضي أن لا يقترن صاحبها بالدين العادي ، فالمراد ملتقط آخر . ( أو للذئب ) والمراد به جنس ما يأكل الشاة ، وفيه حث على أخذها; لأنه إذا علم أنه إذا لم يأخذها تعينت للذئب كان ذلك أدعى إلى أخذها . وفي رواية للبخاري : خذها فإنما هي لك . . . إلخ ، وهو صريح في الأمر بالأخذ ، فيدل على رد إحدى الروايتين عند أحمد بترك التقاط الشاة ، وتمسك به مالك على أنه إذا وجدها في فلاة ملكها ولا يلزمه بدلها ولا تعريفها; لأن اللام للملك ، بخلاف قوله في غيرها : فاستمتع بها ، فإن ظاهره أنه ليس على وجه التملك; إذ لو كان له لم يقتصر على التمتع ، ولأنه سوى بين الذئب والملتقط ، والذئب لا غرامة عليه فكذلك الملتقط . وقال الأكثر : يجب تعريفها ، فإذا انقضت مدة التعريف أكلها إن شاء وغرم لصاحبها ، وقالوا : إن اللام ليست للتمليك لأنه قال : أو للذئب وهو لا يملك باتفاق ، وقد أجمعوا على أن مالكها لو جاء قبل أن يأكلها الواجد لأخذها ، ويرد بأن اللام للملك ، وأطلقت على الذئب للمشاكلة أو التغليب فلا يمنع كونها للتمليك ، وأما الإجماع فليس من محل النزاع فلا يرد نقضا ، فإن التقطها في الفلاة ودخل بها العمران أو التقطها في العمران وجب التعريف وصارت لقطة ، وعليه يحمل حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده في ضالة الشاة : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10354902فاجمعها حتى يأتيها باغيها " . رواه أبو داود والترمذي والنسائي . وأما قول النووي : احتج أصحابنا بقوله في الرواية الأخرى : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10354903فإن جاء صاحبها فأعطها إياه " . وأجابوا عن رواية مالك بأنه لم يذكر الغرامة ولا نفاها فثبت حكمها بدليل آخر ، فتعقبه الحافظ أن الرواية الأخرى من رواياتمسلم فيها ذكر حكم الشاة إذا أكلها الملتقط ، ولم أر ذلك في شيء من روايات مسلم ولا في غيره في حديث زيد بن خالد .
( قال ) السائل ( فضالة الإبل ) ما حكمها ؟ ( قال : ما لك ولها ؟ ) [ ص: 98 ] استفهام إنكاري ، وفي رواية : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10354904فغضب حتى احمرت وجنتاه أو وجهه " . وفي أخرى : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10354905فتمعر وجه النبي صلى الله عليه وسلم " . بشد العين المهملة ، أي تغير من الغضب . وفي أخرى : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10354906فذرها حتى يلقاها ربها " . ( معها سقاؤها ) بكسر المهملة والمد ، جوفها ، أي حيث وردت الماء شربت ما يكفيها حتى ترد ماء آخر ، وقيل : عنقها فتشرب من غير ساق يسقيها لطوله . ( وحذاؤها ) بكسر الحاء المهملة وبالذال المعجمة والمد ، أخفافها فتقوى بها على السير وقطع البلاد البعيدة . قال ابن دقيق العيد : لما كانت مستغنية عن الحافظ والمتعهد وعن النفقة عليها بما ركب في طبعها من الجلد على العطش والجفاء ، عبر عن ذلك بالسقاء والحذاء مجازا ، وبالجملة فالمراد النهي عن التعرض لها لأن الأخذ إنما هو للحفظ على صاحبها إما بحفظ العين أو بحفظ القيمة ، وهي لا تحتاج إلى حفظ لأنها محفوظة بما خلق الله فيها من القوة والمنعة وما يسر لها من الأكل والشرب كما قال . ( ترد الماء ) فتشرب منه بلا تعب ( وتأكل من الشجر ) بسهولة لطولها وطول عنقها ( حتى يلقاها ربها ) أي مالكها . وفي رواية : " فذرها حتى يلقاها ربها " . والجمهور على القول بظاهر الحديث أنها لا تلتقط . قال العلماء : وحكمته أن بقاءها حيث ضلت أقرب إلى وجدان مالكها لها من تطلبه لها في رحال الناس . وقال الحنفية : الأولى أن تلتقط ، وحمل بعضهم النهي على من التقطها للتملك لا ليحفظها فيجوز له ، وهو قول الشافعية . وفيه جواز الالتقاط لاشتماله على مصلحة حفظها وصيانتها عن الخونة وتعريفها لتصل إلى صاحبها ، ومن ثم كان الأرجح من مذاهب العلماء أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال فمتى رجح أخذها وجب أو استحب ، ومتى رجح تركها حرم أو كره وإلا فهو جائز . وأخرجه البخاري في اللقطة عن عبد الله بن يوسف ، وفي المساقاة عن إسماعيل ، ومسلم في القضاء عن يحيى ، كلهم عن مالك به ، وتابعه السفيانان وإسماعيل بن جعفر وسليمان بن بلال في الصحيحين وغيرهما ، وله طرق عندهم .