ففي أبي داود عن عبد الله بن زيد : nindex.php?page=hadith&LINKID=10351258لما أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالناقوس يعمل ليضرب به للناس ليجتمعوا للصلاة طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوسا ( فأري عبد الله بن زيد ) بن ثعلبة بن عبد ربه أبو محمد ( الأنصاري ثم من بني الحارث بن الخزرج ) فيقال له شهد العقبة وبدرا قال الترمذي : لا نعرف له عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئا إلا هذا الحديث الواحد في الأذان وكذا قال ابن عدي ، قال في الإصابة : وأطلق غير واحد أنه ما له غيره وهو خطأ فقد جاءت عنه أحاديث ستة أو سبعة جمعتها في جزء مفرد ، ومات سنة اثنين وثلاثين وهو ابن أربع وستين وصلى عليه عثمان قاله ولده محمد بن عبد الله نقله المدايني ، وقال الحاكم : الصحيح أنه قتل بأحد فالروايات عنه كلها منقطعة ، وخالف ذلك في المستدرك ( خشبتين في النوم ) متعلق بأري ( فقال : إن هاتين لنحو مما يريد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) أن يجمع به الناس للصلاة ( فقيل : ألا تؤذنون للصلاة ) وأسمعه الأذان فاستيقظ ( فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين استيقظ فذكر له ذلك ) فقال : إنها لرؤيا حق إن شاء الله ( فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالأذان ) كذا أورد الحديث مرسلا مختصرا كما سمعه من يحيى بن سعيد ، قال ابن عبد البر : وروى قصة عبد الله بن زيد هذه في بدء الأذان جماعة من الصحابة بألفاظ مختلفة ومعان متقاربة والأسانيد في ذلك متواترة وهي من وجوه حسان انتهى .
ونقل ابن خزيمة عن محمد بن يحيى الذهلي بذال ولام أن هذه الطريق أصح طرقه ، وشاهده حديث عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب مرسلا ، ومنهم من وصله عن سعيد عن عبد الله بن زيد والمرسل أقوى إسنادا .
قال الحافظ : ولا مخالفة لأنه يحمل على أنه لم يخبر بذلك عقب إخبار عبد الله بن زيد بل متراخيا عنه ، فقوله : ما منعك أن تخبرني أي عقب إخبار عبد الله فاعتذر بالاستحياء فدل على أنه لم يخبره على الفور انتهى .
وللطبراني في الأوسط أن أبا بكر أيضا رأى الأذان ، وذكر الجيلي في شرح التنبيه أنه رآه أربعة عشر رجلا وأنكره ابن الصلاح ، فقال : لم أجده بعد إمعان البحث ، ثم النووي فقال في تنقيحه : هذا ليس بثابت ولا معروف وإنما الثابت خروج عمر يجر رداءه ، وفي سيرة مغلطاي عن بعض كتب الفقهاء أنه رآه سبعة من الأنصار قال الحافظ : ولا يثبت شيء من ذلك إلا لعبد الله بن زيد ، وقصة عمر جاءت في بعض طرقه ، وفي مسند الحارث بن أبي أسامة بسند واه عن كثير الحضرمي قال : أول من أذن بالصلاة جبريل في السماء الدنيا [ ص: 262 ] فسمعه عمر وبلال فسبق عمر بلالا النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم جاء بلال فقال له : " سبقك بها عمر " قال : وقد استشكل إثبات حكم الأذان برؤيا عبد الله بن زيد لأن رؤيا غير الأنبياء لا ينبني عليها حكم شرعي ، وأجيب باحتمال مقارنة الوحي لذلك أو لأنه - صلى الله عليه وسلم - أمر بمقتضى الرؤيا لينظر أيقر على ذلك أم لا ، ولا سيما لما رأى نظمها يبعد دخول الوسواس فيه ، وهذا ينبني على القول بجواز اجتهاده في الأحكام وهو المنصور في الأصول ، ويؤيد الأول ما رواه عبد الرزاق وأبو داود في المراسيل عن عبيد بن عمير أحد كبار التابعين أن عمر لما رأى الأذان جاء ليخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - فوجد الوحي قد ورد بذلك فما راعه إلا أذان بلال فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : " سبقك بذلك الوحي " ، وهذا أصح مما حكى الداودي عن ابن إسحاق أن جبريل أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - بالأذان قبل أن يخبره عبد الله بن زيد وعمر بثمانية أيام وجاءت أحاديث تدل على أن الأذان شرع بمكة قبل الهجرة منها للطبراني عن ابن عمر قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=10351266لما أسري بالنبي - صلى الله عليه وسلم - أوحى الله إليه الأذان فنزل به فعلمه بلالا ، وفي إسناده طلحة بن زيد وهو متروك ، وللدارقطني عن أنس nindex.php?page=hadith&LINKID=10351267أن جبريل أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالأذان حين فرضت الصلاة وإسناده ضعيف أيضا ولابن مردويه عن عائشة مرفوعا : " لما أسري بي أذن جبريل فظنت الملائكة أنه يصلي بهم فقدمني فصليت " وفيه من لا يعرف .
وفي إسناده زياد بن المنذر أبو الجارود وهو متروك أيضا ، ويمكن على تقدير الصحة أن يحمل على تعدد الإسراء فيكون وقع ذلك بالمدينة ، وقول القرطبي لا يلزم من كونه سمعه ليلة الإسراء أن يكون مشروعا في حقه فيه نظر لقوله أوله : لما أراد الله أن يعلم رسوله الأذان وكذا قول المحب الطبري : يحمل الأذان ليلة الإسراء على الأذان اللغوي وهو الإعلام فيه نظر أيضا لتصريحه بصفته المشروعة فيه ، والحق أنه لا يصح شيء من هذه الأحاديث ، وقد جزم ابن المنذر بأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي بلا أذان منذ فرضت الصلاة بمكة إلى أن هاجر إلى المدينة إلى أن وقع التشاور في ذلك على ما في حديث ابن عمر ، ثم في حديث عبد الله بن زيد ، انتهى .
ومن الواهي أيضا ما لابن شاهين عن زياد بن المنذر حدثني العلاء قال : قلت لابن الحنفية : كنا نتحدث أن الأذان رؤيا رآها رجل من الأنصار ففزع وقال : عمدتم إلى أحسن دينكم فزعمتم أنه كان رؤيا هذا والله الباطل ، ولكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما عرج به انتهى إلى مكان من السماء وقف وبعث الله ملكا ما رآه أحد في السماء قبل ذلك اليوم فعلمه الأذان ، ففيه كما رأيت زياد بن المنذر متروك ، وقد صرح الحافظ الذهبي بأن هذا باطل .
قال الحافظ : وقد حاول السهيلي الجمع فتكلف وتعسف والأخذ بما صح أولى ، فقال بانيا على صحة [ ص: 263 ] الحكمة في مجيء الأذان على لسان الصحابي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمعه فوق سبع سموات وهو أقوى من الوحي ، فلما تأخر الأمر بالأذان عن فرض الصلاة وأراد إعلامهم بالوقت رأى الصحابي المنام فقصه فوافق ما كان - صلى الله عليه وسلم - سمعه فقال : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10351273إنها لرؤيا حق " ، وعلم حينئذ أن مراد الله بما أراه في السماء أن يكون سنة في الأرض ، وتقوى ذلك بموافقة عمر لأن السكينة تنطبق على لسانه ، والحكمة أيضا في إعلام الناس به على غير لسانه - صلى الله عليه وسلم - التنويه بقدره والرفع لذكره بلسان غيره ليكون أقوى لأمره وأفخر لشأنه ، انتهى ملخصا .
والثاني : حسن بديع ويؤخذ من عدم الاكتفاء برؤية عبد الله بن زيد حتى أضيف إليه عمر للتقوية التي ذكرها ولم يقتصر على عمر ليصير في معنى الشهادة ، وجاء في رواية ضعيفة ما ظاهره : أن بلالا رأى أيضا لكنها مؤولة فإن لفظها سبقك بها بلال فيحمل على مباشرة التأذين برؤيا عبد الله بن زيد ، ومما يكثر السؤال عنه هل باشر النبي - صلى الله عليه وسلم - الأذان بنفسه ؟ وقد روى الترمذي بإسناد حسن عن يعلى بن مرة الثقفي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أذن في سفر وصلى بأصحابه وهم على رواحلهم السماء من فوقهم والبلة من أسفلهم ، قال السهيلي : فنزع بعض الناس بهذا الحديث أنه - صلى الله عليه وسلم - أذن بنفسه ، لكن روى الحديث الدارقطني بسند الترمذي ومتنه وقال فيه : فأمر بالأذان فقام المؤذن فأذن ، والمفصل يقضي على المجمل المحتمل ، انتهى .
وتبع هذا البعض النووي فجزم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أذن مرة في سفره وعزاه للترمذي وقواه وتعقبه الحافظ فقال : ولكن وجدنا الحديث في مسند أحمد من الوجه الذي أخرجه منه الترمذي بلفظ : فأمر بلالا فأذن ، فعرف أن في رواية الترمذي اختصارا ، وأن معنى " أذن " أمر بلالا به ، كما يقال : أعطى الخليفة العالم الفلاني ألفا وإنما باشر العطاء غيره ونسب للخليفة لكونه أمر به ، انتهى .
وانتصر بعض للنووي تبعا للبعض بأن هذا إنما يصار إليه لو لم يحتمل تعدد الواقعة ، أما إذا أمكن فيجب المصير إليه إبقاء لأذن على حقيقته عملا بقاعدة الأصول أنه يجب إبقاء اللفظ على حقيقته وهو مردود بأن ذلك إنما يصح إذا اختلف سند الحديث ، ومخرجه أما مع الاتحاد فلا ، ويجب رجوع المجمل إلى المفصل عملا بقاعدة الأصول وأهل الحديث ، وقال بعض المحدثين : لو لم نكتب الحديث من ستين وجها ما عقلناه لاختلاف الرواة في ألفاظه ونحوها ، نعم قال السيوطي : في شرح البخاري : قد ظفرت بحديث آخر مرسلا رواه سعيد بن منصور حدثنا أبو معاوية حدثنا عبد الرحمن بن أبي بكر عن ابن أبي مليكة قال : أذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرة فقال : " حي على الفلاح " ، قال : وهذه رواية لا تقبل التأويل ، انتهى .
فهذا الذي يجزم فيه بالتعدد لاختلاف سنده ، وانظر ما أحسن قوله آخر لكن لم يبين هل كان في سفر أو حضر ؟