قال مالك إن أحسن ما سمعت في المكاتب يعتقه سيده عند الموت أن المكاتب يقام على هيئته تلك التي لو بيع كان ذلك الثمن الذي يبلغ فإن كانت القيمة أقل مما بقي عليه من الكتابة وضع ذلك في ثلث الميت ولم ينظر إلى عدد الدراهم التي بقيت عليه وذلك أنه لو قتل لم يغرم قاتله إلا قيمته يوم قتله ولو جرح لم يغرم جارحه إلا دية جرحه يوم جرحه ولا ينظر في شيء من ذلك إلى ما كوتب عليه من الدنانير والدراهم لأنه عبد ما بقي عليه من كتابته شيء وإن كان الذي بقي عليه من كتابته أقل من قيمته لم يحسب في ثلث الميت إلا ما بقي عليه من كتابته وذلك أنه إنما ترك الميت له ما بقي عليه من كتابته فصارت وصية أوصى بها قال مالك وتفسير ذلك أنه لو كانت قيمة المكاتب ألف درهم ولم يبق من كتابته إلا مائة درهم فأوصى سيده له بالمائة درهم التي بقيت عليه حسبت له في ثلث سيده فصار حرا بها قال مالك في رجل كاتب عبده عند موته إنه يقوم عبدا فإن كان في ثلثه سعة لثمن العبد جاز له ذلك قال مالك وتفسير ذلك أن تكون قيمة العبد ألف دينار فيكاتبه سيده على مائتي دينار عند موته فيكون ثلث مال سيده ألف دينار فذلك جائز له وإنما هي وصية أوصى له بها في ثلثه فإن كان السيد قد أوصى لقوم بوصايا وليس في الثلث فضل عن قيمة المكاتب بدئ بالمكاتب لأن الكتابة عتاقة والعتاقة تبدأ على الوصايا ثم تجعل تلك الوصايا في كتابة المكاتب يتبعونه بها ويخير ورثة الموصي فإن أحبوا أن يعطوا أهل الوصايا وصاياهم كاملة وتكون كتابة المكاتب لهم فذلك لهم وإن أبوا وأسلموا المكاتب وما عليه إلى أهل الوصايا فذلك لهم لأن الثلث صار في المكاتب ولأن كل وصية أوصى بها أحد فقال الورثة الذي أوصى به صاحبنا أكثر من ثلثه وقد أخذ ما ليس له قال فإن ورثته يخيرون فيقال لهم قد أوصى صاحبكم بما قد علمتم فإن أحببتم أن تنفذوا ذلك لأهله على ما أوصى به الميت وإلا فأسلموا لأهل الوصايا ثلث مال الميت كله قال فإن أسلم الورثة المكاتب إلى أهل الوصايا كان لأهل الوصايا ما عليه من الكتابة فإن أدى المكاتب ما عليه من الكتابة أخذوا ذلك في وصاياهم على قدر حصصهم وإن عجز المكاتب كان عبدا لأهل الوصايا لا يرجع إلى أهل الميراث لأنهم تركوه حين خيروا ولأن أهل الوصايا حين أسلم إليهم ضمنوه فلو مات لم يكن لهم على الورثة شيء وإن مات المكاتب قبل أن يؤدي كتابته وترك مالا هو أكثر مما عليه فماله لأهل الوصايا وإن أدى المكاتب ما عليه عتق ورجع ولاؤه إلى عصبة الذي عقد كتابته قال مالك في المكاتب يكون لسيده عليه عشرة آلاف درهم فيضع عنه عند موته ألف درهم قال مالك يقوم المكاتب فينظر كم قيمته فإن كانت قيمته ألف درهم فالذي وضع عنه عشر الكتابة وذلك في القيمة مائة درهم وهو عشر القيمة فيوضع عنه عشر الكتابة فيصير ذلك إلى عشر القيمة نقدا وإنما ذلك كهيئته لو وضع عنه جميع ما عليه ولو فعل ذلك لم يحسب في ثلث مال الميت إلا قيمة المكاتب ألف درهم وإن كان الذي وضع عنه نصف الكتابة حسب في ثلث مال الميت نصف القيمة وإن كان أقل من ذلك أو أكثر فهو على هذا الحساب قال مالك إذا وضع الرجل عن مكاتبه عند موته ألف درهم من عشرة آلاف درهم ولم يسم أنها من أول كتابته أو من آخرها وضع عنه من كل نجم عشره قال مالك وإذا وضع الرجل عن مكاتبه عند الموت ألف درهم من أول كتابته أو من آخرها وكان أصل الكتابة على ثلاثة آلاف درهم قوم المكاتب قيمة النقد ثم قسمت تلك القيمة فجعل لتلك الألف التي من أول الكتابة حصتها من تلك القيمة بقدر قربها من الأجل وفضلها ثم الألف التي تلي الألف الأولى بقدر فضلها أيضا ثم الألف التي تليها بقدر فضلها أيضا حتى يؤتى على آخرها تفضل كل ألف بقدر موضعها في تعجيل الأجل وتأخيره لأن ما استأخر من ذلك كان أقل في القيمة ثم يوضع في ثلث الميت قدر ما أصاب تلك الألف من القيمة على تفاضل ذلك إن قل أو كثر فهو على هذا الحساب قال مالك في رجل أوصى لرجل بربع مكاتب أو أعتق ربعه فهلك الرجل ثم هلك المكاتب وترك مالا كثيرا أكثر مما بقي عليه قال مالك يعطى ورثة السيد والذي أوصى له بربع المكاتب ما بقي لهم على المكاتب ثم يقتسمون ما فضل فيكون للموصى له بربع المكاتب ثلث ما فضل بعد أداء الكتابة ولورثة سيده الثلثان وذلك أن المكاتب عبد ما بقي عليه من كتابته شيء فإنما يورث بالرق قال مالك في مكاتب أعتقه سيده عند الموت قال إن لم يحمله ثلث الميت عتق منه قدر ما حمل الثلث ويوضع عنه من الكتابة قدر ذلك إن كان على المكاتب خمسة آلاف درهم وكانت قيمته ألفي درهم نقدا ويكون ثلث الميت ألف درهم عتق نصفه ويوضع عنه شطر الكتابة قال مالك في رجل قال في وصيته غلامي فلان حر وكاتبوا فلانا تبدأ العتاقة على الكتابة
- ( مالك : إن أحسن ما سمع ) وفي نسخة : سمعت ( في المكاتب يعتقه سيده عند الموت : أن المكاتب يقام ) أي يقوم ( على هيئته ) صفته ( تلك التي لو بيع كان ذلك الثمن الذي يبلغ ، فإن كانت القيمة أقل مما بقي عليه من الكتابة وضع ذلك في ثلث الميت ولم ينظر إلى عدة الدراهم التي بقيت عليه ، وذلك أنه لو قتل لم يغرم قاتله إلا قيمته يوم قتله ، ولو جرحه لم يغرم جارحه إلا دية جرحه يوم جرحه ، ولا ينظر في شيء من ذلك إلى ما كوتب عليه من الدنانير والدراهم ؛ لأنه عبد ما بقي عليه من كتابته شيء ، وإن كان الذي بقي عليه من كتابته أقل من قيمته لم يحسب في ثلث الميت إلا ما بقي عليه من كتابته ، وذلك أنه إنما ترك الميت له ما بقي عليه من كتابته فصارت وصية ) أي كوصية ( أوصى بها ) فهو تشبيه حذفت أداته إذ فرض المسألة أنه لم يوص ، وإنما نجز عتقه في مرض موته فحكمه كالوصية .
[ ص: 201 ] ( وتفسير ذلك ) إيضاحه بالمثال ( أنه لو كانت قيمة المكاتب ألف درهم ولم يبق من كتابته إلا مائة درهم ، فأوصى سيده له بالمائة درهم التي بقيت عليه حسبت له في ثلث سيده فصار حرا بها ) ولا يعطاها ويبقى بعضه رقيقا . ( قال مالك في رجل كاتب عبده عند موته : أنه يقوم عبدا فإن كان في ثلثه سعة لثمن العبد جاز له ذلك ) وعتق ( وتفسير ذلك أن يقول : قيمة العبد ألف دينار فيكاتبه سيده على مائتي دينار عند موته ، فيكون ثلث مال سيده ألف دينار ، فذلك جائز ) لحمل الثلث له ( وإنما هي وصية أوصى بها في ثلثه ) لا كتابة حقيقة .
( فإن كان السيد قد أوصى لقوم بوصايا وليس في الثلث فضل عن قيمة المكاتب بدئ بالمكاتب ؛ لأن الكتابة عتاقة ، والعتاقة تبدى على الوصايا ) لتشوف الشرع للحرية ( ثم تجعل تلك الوصايا في كتابة المكاتب يتبعونه بها ، وتخير ورثة الموصي فإن أحبوا أن يعطوا أهل الوصايا وصاياهم كاملة وتكون كتابة المكاتب لهم ) خاصة ( فذلك ) لهم ( وإن أبوا وأسلموا المكاتب ، وما عليه إلى أهل الوصايا ، فذلك لهم ) وإنما خيروا ( لأن الثلث صار في المكاتب ؛ ولأن كل وصية أوصى بها أحد ، فقال الورثة : الذي أوصى به صاحبنا ) أي مورثنا ( أكثر من ثلثه [ ص: 202 ] وقد أخذ ما ليس له ، فإن ورثته يخيرون ، فيقال لهم : قد أوصى صاحبكم بما قد علمتم فإن أحببتم أن تنفذوا ) تمضوا ( ذلك لأهله على ما أوصى به الميت ، وإلا فأسلموا لأهل الوصايا ثلث مال الميت كله ) وتعرف هذه المسألة بمسألة خلع الثلث ، وتقدمت وأعادها هنا استظهارا .
( فإن أسلم الورثة المكاتب إلى أهل الوصايا ، كان لأهل الوصايا ما عليه من الكتابة ، فإن أدى ) المكاتب ( ما عليه من الكتابة أخذوا ذلك في وصاياهم على قدر حصصهم ، وإن عجز المكاتب كان عبدا لأهل الوصايا لا يرجع إلى أهل الميراث ; لأنهم تركوه حين خيروا ) فصار لا حق لهم فيه ( ولأن أهل الوصايا حين أسلم إليهم ضمنوه ، فلو مات لم يكن لهم على الورثة شيء ) من التركة . ( وإن مات المكاتب قبل أن يؤدي كتابته وترك مالا هو أكثر مما عليه ، فماله لأهل الوصايا ) لملكهم له ( وإن أدى المكاتب ما عليه عتق ، ورجع ولاؤه إلى عصبته الذي عقد كتابته ) لأن الولاء لا ينتقل .
( قال مالك في المكاتب يكون لسيده عليه عشرة آلاف درهم فيضع ) يحط ( عنه عند موته ألف درهم : أنه يقوم المكاتب فينظر كم قيمته ، فإن كانت قيمته ألف درهم فالذي وضع عنه عشر الكتابة ، وذلك في القيمة مائة درهم وهو عشر القيمة فيوضع عنه عشر الكتابة فيصير ذلك إلى عشر القيمة نقدا ) يحط عنه [ ص: 203 ] ( وإنما ذلك كهيئته لو وضع عنه جميع ما عليه ، ولو فعل ذلك لم يحسب في ثلث مال الميت إلا قيمة المكاتب ألف درهم ) في الفرض المذكور . ( وإن كان الذي وضع عنه نصف الكتابة حسب في ثلث مال الميت نصف القيمة ، وإن كان أقل من ذلك ) كالثلث ( أو أكثر ) كالثلثين ( فهو على هذا الحساب ) الذي قلنا . ( وإذا وضع الرجل عن مكاتبه عند الموت ) أي موت السيد ( ألف درهم من عشرة آلاف درهم ) كاتبه عليها ( ولم يسم أنها من أول الكتابة أو من آخرها وضع عنه من كل نجم عشرة ) لأن هذا عدل بينه وبين ورثة سيده .
( وإذا وضع الرجل عن مكاتبه ألف درهم من أول كتابته أو من آخرها ، وكان أصل الكتابة على ثلاثة آلاف درهم قوم المكاتب قيمة النقد ثم قسمت تلك القيمة ، فجعل لتلك الألف التي من أول الكتابة حصتها من تلك القيمة بقدر قربها من الأجل وفضلها ، ثم الألف التي تلي الألف الأولى ) أي الثانية تجعل ( بقدر فضلها أيضا ثم الألف التي تليها ) أي الثالثة ( بقدر فضلها أيضا ، حتى يؤتى على آخرها بفضل كل ألف بقدر موضعها في تعجيل الأجل وتأخيره ; لأن ما ) أي الذي ( استأخر من ذلك أقل في القيمة ) مما يعجل . ( ثم يوضع في ثلث الميت قدر ما أصاب تلك الألف من القيمة على تفاضل ذلك إن قل أو كثر ، فهو على هذا الحساب ) [ ص: 204 ] المذكور . ( وفي رجل أوصى لرجل بربع مكاتب له أو أعتق ) وفي نسخ : وعتق ، بالواو ( ربعه ، فهلك الرجل ) الموصي ( ثم ) بعده ( هلك المكاتب وترك مالا كثيرا أكثر مما بقي عليه من الكتابة ، قال مالك : يعطى ورثة السيد ، والذي أوصى له بربع المكاتب ما بقي لهم على المكاتب ) من رأس المال ( ثم يقتسمون ما ) أي المال الذي ( فضل ، فيكون للموصى له بربع المكاتب ثلث ما فضل بعد أداء الكتابة ، ولورثة سيده الثلثان ) لأن حصة الحرية الربع لا يؤخذ بها شيء ، فرجع ذلك إلى النصف والربع ، فالنصف ثلثان ، والربع ثلث بما رجع إليه من حصة الحرية . ( وذلك أن المكاتب عبد ما بقي عليه من كتابته شيء ، فإنما يورث بالرق ) أي يؤخذ ما خلفه ، وتسميته إرثا مجاز .
( مالك : في مكاتب أعتقه سيده عند الموت ) للسيد ( إن لم يحمله ثلث الميت عتق منه قدر ما حمل الثلث ، ويوضع عنه من الكتابة قدر ذلك ) مثلا ( إن كان على المكاتب خمسة آلاف درهم وكانت قيمته ألفي درهم نقدا ويكون ثلث الميت ألف درهم ، عتق نصفه ويوضع عنه شطر الكتابة ) أي نصفها . ( وفي رجل قال في وصيته : غلامي فلان حر وكاتبوا فلانا ) لعبد آخر ( تبدى العتاقة ) عند ضيق الثلث ( على الكتابة ) لأن العتاقة تحرير ناجز بخلاف الكتابة .