1656 1608 - ( مالك عن محمد بن المنكدر ) بن عبد الله التيمي ( وعن سالم بن أبي النضر ) [ ص: 376 ] بضاد معجمة ( مولى عمر بن عبيد الله ) بضم العينين كلاهما ( عن عامر بن سعد بن أبي وقاص ) مالك القرشي الزهري المدني مات سنة أربع ومائة ( عن أبيه ) قال ابن عبد البر : كذا لأكثر رواة الموطأ ، والقعنبي عن مالك عن محمد بن المنكدر أن عامر بن سعد أخبره أن أسامة بن زيد أخبره أن رسول الله . . . . الحديث ، والمعنى واحد لأن ذكر أبيه في رواية الأكثرين لأنه سمعه يسأل أسامة فمن أسقط عن أبيه لم يضره وذكره صحيح ، نعم شذ القعنبي في حذف أبي النضر ، ورواه قوم عن عامر بن سعد عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو وهم عندهم ، إنما الحديث لعامر عن أسامة لا عن أبيه سعد انتهى .
، أي : فلم يرد بقوله عن أبيه الرواية بل أراد عن سؤال أبيه لأسامة كما أفصح عن ذلك بقوله : ( أنه سمعه يسأل أسامة بن زيد ) الحب ابن الحب فكان عامر حاضرا سؤال والده سعد لأسامة بقوله : ( ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ) شأن ( الطاعون ) ووقع في السيوطي عن أبي عمر : لا وجه لذكر " عن أبيه " ، إنما الحديث لعامر عن أسامة سمعه منه ولذا لم يقله ابن بكير ومعن وجماعة انتهى ولا يصح .
فالذي في التمهيد ما رأيته ( فقال أسامة : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم nindex.php?page=hadith&LINKID=10353956الطاعون رجز ) بالزاي على المعروف ، أي : عذاب ، ووقع لبعض الرواة رجس بالسين المهملة بدل الزاي ، قال الحافظ : والمحفوظ بالزاي والمشهور أن الذي بالسين الخبث أو النجس أو القذر ، ووجهه عياض بأن الرجس يطلق على العقوبة أيضا ، وقد قال الفارابي والجوهري : الرجس العذاب ، ومنه قوله تعالى : ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون [ سورة ص : الآية 28 ] وحكاه الراغب أيضا ( أرسل على طائفة من بني إسرائيل ) لما كثر طغيانهم ( أو على من كان قبلكم ) بالشك من الراوي ، وفي رواية ابن خزيمة بالجزم بلفظ رجس سلط على طائفة من بني إسرائيل والتنصيص عليهم أخص ، فإن كان ذلك المراد فكأنه أشار بذلك إلى ما جاء في قصة بلعام فأخرج الطبري من طريق سليمان التيمي أحد صغار التابعين عن يسار : " أن رجلا كان يقال له بلعام كان مجاب الدعوة وأن موسى أقبل في بني إسرائيل يريد الأرض التي فيها بلعام فأتاه قومه فقالوا : ادع الله عليهم فقال : حتى أؤامر ربي ، فمنع ، فأتوه بهدية فقبلها وسألوه ثانيا فقال : حتى أؤامر ربي فلم يرجع إليه بشيء فقالوا : لو كره لنهاك فدعا عليهم فصار يجري على لسانه ما يدعو به على بني إسرائيل فينقلب على قومه فلاموه على ذلك فقال : سأدلكم على ما فيه هلاكهم أرسلوا النساء في عسكرهم ومروهن لا يمتنعن [ ص: 377 ] من أحد فعسى أن يزنوا فيهلكوا ، فكان فيمن خرج بنت الملك فأرادها بعض الأسباط وأخبرها بمكانه فمكنته من نفسها فوقع في بني إسرائيل الطاعون فمات منهم سبعون ألفا في يوم ، وجاء رجل من بني هارون ومعه الرمح وأيده الله فانتظمهما جميعا " وهذا مرسل جيد وسيار شامي موثق ، وذكر الطبري أيضا هذه القصة عن محمد بن إسحاق عن سالم عن أبي النضر بنحوه وسمى المرأة كشتا بفتح الكاف وسكون المعجمة وفوقية ، والرجل زمري بكسر الزاي وسكون الميم وكسر الراء ، رأس سبط شمعون ، والذي طعنهما فنحاص - بكسر الفاء وسكون النون ثم مهملة فألف فمهملة - ابن هارون ، وقال في آخره : فحسب من هلك من الطاعون سبعون ألفا ، والمقلل يقول عشرون ألفا ، وهذه الطريق تعضد الأولى .
وذكر ابن إسحاق في المبتدأ أن بني إسرائيل لما كثر عصيانهم أوحى الله إلى داود فخيرهم ما بين ثلاث : إما أن أبتليهم بالقحط ، أو العدو شهرين ، أو الطاعون ثلاثة أيام ، فأخبرهم فقالوا : اختر لنا فاختار الطاعون فمات منهم إلى أن زالت الشمس سبعون ألفا ، وقيل : مائة ألف ، فتضرع داود إلى الله تعالى فرفعه .
وورد وقوع الطاعون في غير بني إسرائيل ، فيحتمل أن يكون هو المراد بقوله : أو من كان قبلكم .
فمن ذلك ما أخرجه الطبري وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : أمر موسى بني إسرائيل أن يذبح كل رجل منهم كبشا ثم يخضب كفه في دمه ثم يضرب به على بابه ففعلوا فسألهم القبط عن ذلك فقالوا : إن الله يبعث عليكم عذابا وإنا ننجو منه بهذه العلامة فأصبحوا وقد مات من قوم فرعون سبعون ألفا ، فقال فرعون ثم ذلك لموسى : ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز [ سورة الأعراف : الآية 134 ] الآية ، فدعا فكشفه عنهم ، وهذا مرسل جيد الإسناد .
وأخرج عبد الرزاق في تفسيره وابن جرير عن الحسن في قوله تعالى : الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت [ سورة البقرة : الآية 243 ] قال فروا من الطاعون فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم [ سورة البقرة : الآية 243 ] ليكملوا بقية آجالهم ، فأقدم من وقفنا عليه في المنقول ممن وقع الطاعون به من بني إسرائيل في قصة بلعام ومن غيرهم في قصة فرعون وتكرر بعد ذلك لغيرهم انتهى .
( فإذا سمعتم به بأرض فلا تدخلوا عليه ) لأنه تهور وإقدام على خطر ، وليكون ذلك أسكن للنفس وأطيب للعيش ، قال أبو عمر : لئلا يقعوا في اللوم المنهي عنه ، فنهوا عن ذلك تأديبا لئلا يلوموا أنفسهم فيما لا لوم فيه لأن الباقي والناهض لا يتجاوز أحد منهم أجله .
( وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه ) لأنه فرار من [ ص: 378 ] القدر ولئلا تضيع المرضى بعدم من يتفقدهم ، والموتى بعدم من يجهزهم ، فالأول تأديب وتعليم ، والثاني تفويض وتسليم ، وقيل : هو تعبدي لأن الفرار من المهالك مأمور به ، وقد نهي عن هذا فهو لسر فيه لا يعلم معناه .
( قال مالك ) هذا لفظ رواية محمد بن المنكدر ولا إشكال فيها .
( قال أبو النضر ) في روايته ( لا يخرجكم إلا فرار منه ) قال عياض : وقع لأكثر رواة الموطأ بالرفع وهو بين ، أي : لا يخرجكم الفرار ومجرد قصده لا غير ذلك ; لأن الخروج في الأسفار والحوائج مباح ، فهو مطابق لرواية محمد بن المنكدر : لا تخرجوا فرارا منه ، ورواه بعضهم إلا فرارا بالنصب .
قال ابن عبد البر : جاء بالوجهين ولعل ذلك من مالك ، وأهل العربية يقولون دخول إلا بعد النفي لإيجاب بعض ما نفي قبل من الخروج ، فكأنه نهى عن الخروج إلا للفرار خاصة وهو ضد المقصود ، فالمنهي عنه إنما هو الخروج للفرار خاصة لا لغيره ، وجوز ذلك بعضهم وجعل قوله " إلا " حالا من الاستثناء ، أي : لا تخرجوا إذا لم يكن خروجكم إلا فرارا ، أي : للفرار انتهى .
ووقع لبعض رواة الموطأ : لا يخرجكم إلا فرار بأداة التعريف بعدها إفرار بكسر الهمزة وهو وهم ولحن ، هذا كلام عياض في شرح مسلم .
وقال في المشارق ما حاصله : يجوز أن الهمزة للتعدية يقال : أفره كذا من كذا ، ومنه قوله عليه السلام لعدي بن حاتم : " إن كان لا يفرك من هذا إلا ما ترى " فيكون المعنى : لا يخرجكم إفراره إياكم .
وقال في المفهم : هذه الرواية غلط ; لأنه لا يقال أفر وإنما يقال فر ، وقال جماعة من العلماء : إدخال إلا فيه غلط ، وقال بعضهم : هي زائدة وتجوز زيادتها كما تزاد " لا " وهو الأقرب .
وقال الكرماني : الجمع بين قول ابن المنكدر : لا تخرجوا فرارا منه ، وبين قول أبي النضر : لا يخرجكم إلا فرار منه - مشكل ، فإن ظاهره التناقض ، وأجاب بأجوبة : أحدها أن غرض الراوي أن أبا النضر فسر لا تخرجوا بأن المراد منه الحصر يعني الخروج المنهي عنه هو الذي يكون لمجرد الفرار لا لغرض آخر ، فهو تفسير للمعلل المنهي لا للنهي ، قال الحافظ : وهو بعيد لأنه يقتضي أن هذا اللفظ من كلام أبي النضر زاده بعد الخبر ، وأنه موافق لابن المنكدر على رواية اللفظ الأول ، والمتبادر خلاف ذلك .
والجواب الثاني كالأول والزيادة مرفوعة أيضا فيكون روى اللفظين ويكون التفسير مرفوعا أيضا .
الثالث : " إلا " زائدة بشرط أن تثبت زيادتها في كلام العرب انتهى ، وهذا الحديث رواه البخاري في ذكر بني إسرائيل عن عبد العزيز بن عبد الله ومسلم في الطب عن يحيى كلاهما عن مالك به وتابعه جماعة في مسلم وغيره .