( ولا تحاسدوا ) بأن يتمنى أحدكم زوال النعمة عن أخيه فإن سعى في ذلك كان باغيا وإن لم يسع في ذلك ولا تسبب فيه ، فإن كان المانع عجزه بحيث لو تمكن فعل فإنه آثم ، وإن كان المانع التقوى فقد يعذر لأنه لا يملك دفع الخواطر النفسانية ، فيكفيه في مجاهدة نفسه عدم العمل والعزم عليه .
( ولا تدابروا ) أي : لا يعرض أحدكم بوجهه عن أخيه ويوله دبره استثقالا وبغضا له بل يقبل عليه ويبسط له وجهه ما استطاع .
( وكونوا ) يا ( عباد الله ) فهو منادى بحذف الأداة ( إخوانا ) زاد في رواية قتادة عن أنس : " كما أمركم الله " ، أي : متواخين متوادين باكتساب ما تصيرون به كإخوان النسب في الشفقة والرحمة والمحبة والمواساة والنصيحة .
قال ابن العربي : إنما جوز في الثلاث لأن المرء في ابتداء الغضب مغلوب فرخص له في ذلك حتى يسكن غضبه ، زاد عياض : وقيل : يحتمل السكوت عن حكمها ليطلب في الشرع واقتصر على ما وراءها ، وهذا على رأي من لا يقول بالمفهوم من الأصوليين ، قال الأبي : والمراد بالأخوة أخوة الإسلام فمن لم يكن كذلك جاز هجره فوق الثلاث ، والمراد بالهجرة فيما يقع بين الناس من عتب أو موجدة ، أي : غضب أو تقصير في حقوق العشرة والصحبة دون ما كان في جانب الدين ، فإن هجرة أهل البدع دائما ما لم تظهر التوبة ، ومر له مزيد .
[ ص: 414 ] ( قال مالك : لا أحسب التدابر ) أي : معناه في الحديث ( إلا الإعراض عن أخيك المسلم ) وترك الكلام والسلام ونحوهما ( فتدبر عنه بوجهك ) لأن من أبغضته أعرضت عنه ومن أعرضت عنه وليته دبرك ، وكذلك يصنع هو بك .
ومن أحببته أقبلت عليه وواجهته لتسره ويسرك ، فمعنى تدابروا وتقاطعوا وتباغضوا معنى متداخل متقارب كالمعنى الواحد في الندب إلى التواخي والتحابب ، فبذلك أمر صلى الله عليه وسلم وأمره للوجوب إلا لدليل يخرجه إلى الندب كذا قال أبو عمر ، وظاهره التنافي إلا أن يكون مراده بالأمر ا هـ ، أي : أنه للتحريم فيجب تركه ، ثم بعد ذلك يستحب التواخي والتحابب ، قال : وقد زاد سعيد بن أبي مريم عن مالك عقب قوله nindex.php?page=hadith&LINKID=10354069ولا تدابروا ولا تنافسوا قال حمزة الكناني : لا أعلم أحدا قالها غيره عن مالك في هذا الحديث ، وأخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى عن مالك به ، وتابعه شعيب عند البخاري والزبيدي ويونس وابن عيينة وزاد : " ولا تقاطعوا " ومعمر أربعتهم عند مسلم والخمسة عن ابن شهاب وله طرق في الصحيحين وغيرهما .