1684 1634 - ( مالك عن أبي الزناد ) عبد الله بن ذكوان ( عن الأعرج ) عبد الرحمن بن هرمز ( عن أبي هريرة ) عبد الرحمن بن صخر ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إياكم ) كلمة تحذير ( والظن ) أي اجتنبوا ظن السوء بالمسلم ، فلا تتهموا أحدا بالفاحشة ما لم يظهر عليه ما يقتضيها ، والظن تهمة تقع في القلب بلا دليل ، قال الغزالي : وهو حرام كسوء القول لكن لست أعني به إلا عقد القلب وحكمه على غيره بالسوء ، أما الخواطر وحديث النفس فعفو بل الشك عفو أيضا ، فالمنهي عنه الظن وهو عبارة عما تركن إليه النفس ويميل إليه القلب ، وسبب تحريمه أن أسرار القلوب لا يعلمها إلا علام الغيوب ، فليس لك أن تعتقد في غيرك سوءا إلا إذا انكشفت لك بعيان لا يحتمل التأويل ، فعند ذلك لا تعتقد إلا ما علمته وشاهدته أو تسمعه ، ثم يوقع في قلبك ، فإن الشيطان يلقيه إليك ، فينبغي لك أن تكذبه فإنه أفسق الفساق ا هـ .
وقال العارف زروق : إنما ينشأ الظن الخبيث عن القلب الخبيث لا في جانب الحق ولا في جانب الخلق كما قيل : [ ص: 415 ] إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه وصدق ما يعتاده من توهم وعادى محبيه بقول عدوه وأصبح في ليل من الشك مظلم ( فإن الظن ) أقام المظهر مقام المضمر لزيادة تمكين المسند إليه في ذكر السامع حثا على الاجتناب .
وأجيب بأن المراد عدم مطابقة الواقع ، سواء كان قولا أم لا ، ويحتمل أن المراد ما ينشأ عن الظن فوصف الظن به مجازا ، قال الخطابي وغيره : ليس المراد ترك العمل بالظن الذي تناط به الأحكام غالبا ، بل المراد ترك تحقيق الظن الذي يضر بالمظنون به ، وكذا ما يقع في القلب بلا دليل وذلك أن أوائل الظنون إنما هي خواطر لا يمكن دفعها وما لا يقدر عليه لا يكلف به ، ويؤيده حديث : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10354071تجاوز الله للأمة بما حدثت به أنفسها " وقال القرطبي : المراد بالظن هنا التهمة التي لا سبب لها كمن يتهم رجلا بالفاحشة من غير أن يظهر له عليه ما يقتضيها ولذا عطف عليه قوله : " ولا تجسسوا " وذلك أن الشخص يقع له خاطر التهمة فيريد أن يتحقق فيتجسس ويبحث ويستمع فينهى عن ذلك ، وهذا الحديث يوافق قوله تعالى : اجتنبوا كثيرا من الظن [ سورة الحجرات : الآية 12 ] الآية ، فدل سياقها على الأمر بصون عرض المسلم غاية الصيانة لتقدم النهي عن الخوض فيه بالظن ، فإن قال الظان : أبحث لأتحقق ، قيل له : ولا تجسسوا فإن قال : تحققته من غير تجسيس ، قيل له : ولا يغتب بعضكم بعضا .
وقال القاضي عياض : استدل بالحديث قوم على منع العمل في الأحكام بالاجتهاد والرأي ، وحمله المحققون على ظن مجرد عن الدليل ليس مبنيا على أصل ولا تحقيق نظر .
وقال النووي : ليس المراد في الحديث بالظن الاجتهاد المتعلق بالأحكام أصلا بل الاستدلال له بذلك ضعيف أو باطل ، وتعقب بأن ضعفه ظاهر ، وأما بطلانه فلا لأن اللفظ صالح لذلك ولا سيما إذا حمل على ما ذكره عياض .
وقد قربه في المفهم وقال : الظن الشرعي الذي هو تغليب أحد الجانبين أو الذي هو بمعنى اليقين ليس مرادا من الحديث ولا من الآية ، فلا يلتفت لمن استدل بذلك على إنكار الظن الشرعي .
( ولا تحسسوا ) بحاء مهملة .
( ولا تجسسوا ) بالجيم وروى بتقديمها على الحاء ابن عبد البر ، هما لفظتان معناهما واحد وهو البحث والتطلب لمعايب الناس ومساويهم إذا غابت واستترت لم يحل أن يسأل عنها ، ولا يكشف عن خبرها ، وأصل هذه اللفظة في اللغة من قولك حس الشيء ، أي : أدركه بحسه وجسه من المحسة والمجسة ، وكذا قال إبراهيم الحربي : هما بمعنى واحد .
قال ابن الأنباري : [ ص: 416 ] ذكر الثاني للتوكيد كقولهم بعدا وسحقا .
وقال الخطابي : أصل التي بالحاء من الحاسة إحدى الحواس الخمس ، وبالجيم من الجس بمعنى اختبار الشيء باليد وهي إحدى الحواس فتكون التي بالحاء أعم .
وقال غيره بالجيم البحث عن العورات وبالحاء استماع حديث القوم ، وقيل : بالجيم البحث عن بواطن الأمور وأكثر ما يقال في الشر ، وبالحاء البحث عما يدرك بحاسة العين أو الأذن ورجح هذا القرطبي .
وقيل : بالحاء تتبع الشخص لنفسه وبالجيم لغيره واختاره ثعلب .
وقال ابن العربي : التجسس بالجيم تطلب أخبار الناس في الجملة وذلك لا يجوز إلا للإمام الذي رتب لمصالحهم وألقي إليه زمام حفظهم ، فأما عرض الناس فلا يجوز لهم ذلك إلا لغرض مصاهرة أو جوار أو رفاقة في سفر أو معاملة أو ما أشبه ذلك من أسباب الامتزاج ، وأما بالحاء فطلب الخبر الغائب للشخص وذلك لا يجوز للإمام ولا لسواه .
وفي الأحكام السلطانية للماوردي : ليس للمحتسب أن يبحث عما لم يظهر من المحرمات ولو غلب على الظن استتار أهلها بها إلا إن تعين طريقا إلى إنقاذ نفس من الهلاك مثلا كإخبار ثقة بأن فلانا خلا بشخص ليقتله ظلما أو امرأة ليزني بها ، فيشرع في هذه الصورة التجسس والبحث عن ذلك حذرا من فوات استدراكه .
( ولا تنافسوا ) بحذف إحدى التاءين من المنافسة وهي الرغبة في الشيء ، قال القرطبي : أي : لا تتنافسوا حرصا على الدنيا إنما التنافس في الخير قال تعالى : وفي ذلك فليتنافس المتنافسون [ سورة المطففين : الآية 26 ] وكأن المنافسة هي الغبطة وأبعد من فسرها بالحسد ; لأنه عطفه عليها فقال : ( ولا تحاسدوا ) أي : لا يتمنى أحدكم زوال النعمة عن غيره .
وقال ابن العربي : التنافس هو التحاسد في الجملة إلا أنه يتميز عنه بأنه سببه .
وقال ابن عبد البر : المراد التنافس في الدنيا ومعناه طلب الظهور فيها على الناس والتكبر عليهم ومنافستهم في رياستهم والبغي عليهم وحسدهم على ما آتاهم الله منها ، وأما التنافس والحسد على الخير وطرق البر ، فليس من هذا في شيء .
( ولا تباغضوا ) أي : لا تتعاطوا أسباب البغض ; لأن البغض لا يكتسب ابتداء .
وقيل : المراد النهي عن الأهواء المضلة المقتضية للتباغض .
قال الحافظ : بل هو أعم من الأهواء ; لأن تعاطي الأهواء ضرب من ذلك ، وحقيقة التباغض أن يقع بين اثنين وقد يطلق إذا كان من أحدهما ، والمذموم منه ما كان في غير الله ، أما في الله فواجب يثاب فاعله لتعظيم حق الله ولو كانا أو أحدهما من أهل السلامة ، كمن يؤديه اجتهاده إلى اعتقاد ينافي الآخر فيبغضه على ذلك وهو معذور عند الله .
( ولا تدابروا ) قال الخطابي : لا تتهاجروا فيهجر أحدكم أخاه مأخوذ من تولية الرجل الآخر دبره إذا أعرض عنه حين يراه ، قال ابن عبد البر : إنما قيل للإعراض مدابرة لأن من أبغض أعرض ومن أعرض ولى دبره والمحب بالعكس ، وقيل : معناه لا [ ص: 417 ] يستأثر أحدكم على الآخر ، وقيل : للمستأثر مستدبر لأنه يولي دبره حتى يستأثر بشيء دون الآخر .
وقال المازري : معنى التدابر المعاداة ، تقول دابرته ، أي : عاديته ، وقيل : معناه لا تتخاذلوا بل تعاونوا على البر والتقوى .
قال القرطبي وغيره : هذه أمور غير مكتسبة فلا يصح التكليف بها فيصرف النهي إلى أسبابها ، أي : لا تفعلوا ما يوجب ذلك .
( nindex.php?page=hadith&LINKID=10354072وكونوا عباد الله إخوانا ) قال القرطبي : اكتسبوا ما تصيرون به كإخوان النسب في الشفقة والرحمة والمحبة والمواساة والمعاونة والنصيحة ولعل قوله في رواية مسلم : " كما أمركم الله " هذه الأوامر المتقدم ذكرها فإنها جامعة لمعاني الأخوة ونسبها إلى الله لأن الرسول مبلغ عنه ، قال الطيبي : يجوز أن إخوانا خبر بعد خبر وأنه بدل وأنه الخبر ، و " عباد الله " منصوب على الاختصاص ، وهذا الوجه أوقع ، يعني أنتم مستوون في كونكم عبيد الله وملتكم واحدة ، والتباغض وما معه مناف لذلك ، والواجب أن تكونوا إخوانا متواصلين متآلفين .
وقال الزركشي : انتصب عباد الله على النداء أو حذف حرفه وإخوانا خبر ، ويجوز أنهما خبران ، ويجوز أن الخبر عباد الله ، وإخوانا حال ، وهذا الحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى ، كلاهما عن مالك به لا أنه وقع في رواية عبد الله ولا تناجشوا بدل قوله ولا تنافسوا ، وكذا وقع في بعض طرق الحديث من وجه آخر قال عياض : النجش المنهي عنه في البيع أن يزيد في السلعة من لا يريد شراءها وليس المراد هنا ، وإنما المراد النهي عن ذم بعضهم بعضا ، وقيل : النجش التنفير نجش الصيد نفره ، والنجش أيضا الإطراء ، فمعنى لا تناجشوا لا ينافر بعضكم بعضا ، أي : لا يعامله من القول بما ينفره كما ينفر الصيد بل يسكنه ويؤنسه ، ويرجع إلى معنى لا تقاطعوا ولا تدابروا ، ولكن في رواية : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10353805ولا يبع بعضكم على بيع بعض " وهذا يوافق معنى المناجشة في البيع ، ويكون من الزيادة أو من التنفير عن سلعة غيره بإطراء سلعته .
وقال القرطبي : جعله من النجش في البيع بعيد لأن تناجشوا تفاعلوا وأصله أن يكون بين اثنين والنجش في البيع من واحد فافترقا .