1708 1658 - ( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر ) رضي الله عنهما ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أراني ) بفتح الهمزة ذكره بلفظ المضارع مبالغة في استحضار صورة الحال ، أي : أرى [ ص: 445 ] نفسي ( الليلة عند الكعبة ) في المنام ( فرأيت رجلا آدم ) بالمد اسم ( كأحسن ما أنت راء من أدم الرجال ) بضم الهمزة وسكون الدال ، وفي الصحيح من حديث أبي هريرة : " فأما عيسى فأحمر " والأحمر عند العرب الشديد البياض مع الحمرة ، والآدم الأسمر ، وجمع بين الوصفين بأنه احمر لونه بسبب كالتعب وهو في الأصل أسمر .
وقال القرطبي : كأن الأدمة تصير سمرة تضرب إلى الحمرة وهو غالب ألوان العرب ، وبه تجمع الروايتان .
وفي الصحيح عن ابن عمر : " لا والله ما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعيسى : أحمر ، ولكن قال : بينما أنا نائم رأيت أني أطوف بالكعبة فإذا رجل آدم " الحديث .
قال الحافظ : أقسم على غلبة ظنه أن الوصف اشتبه على الراوي وأن الموصوف بأنه أحمر إنما هو الدجال لا عيسى ، وقرب ذلك أن كلا منهما يقال له المسيح ، صفة مدح لعيسى وذم للدجال ، وكأن ابن عمر سمع ذلك جزما في وصف عيسى أنه آدم فساغ له الحلف لغلبة ظنه أن من وصفه بأحمر فقد وهم ، لكن قد وافق ابن عباس أبا هريرة على أن عيسى أحمر فظهر أن ابن عمر أنكر شيئا حفظه غيره وقد أمكن الجمع بينهما .
وأما قول الداودي : رواية من قال آدم - أثبت فلا أدري من أين وقع له ذلك مع اتفاق أبي هريرة وابن عباس على مخالفة ابن عمر .
( له لمة ) بكسر اللام وشد الميم : شعر جاوز شحمة الأذنين وألم بالمنكبين فإن جاوزهما فجمة بضم الجيم وإن قصر عنها فوفرة ( كأحسن ما أنت راء من اللمم ) جمع لمة ، وفي رواية موسى بن عقبة عن نافع : تضرب لمته بين منكبيه ( قد رجلها ) أي : سرحها ( فهي تقطر ماء ) من الماء الذي سرحها به أو هو استعارة كنى بها عن مزيد النظافة والنضارة ، ويؤيده أن في رواية لأحمد وأبي داود عن أبي هريرة : " يقطر رأسه ماء وإن لم يصبه بلل " وللبخاري عن سالم عن أبيه مرفوعا : " فإذا رجل آدم سبط الشعر " وله ولغيره من حديث ابن عباس وأبي هريرة : جعد ، والجعودة ضد السبوطة ، فجمع بينهما بأنه سبط الشعر جعد الجسم والمراد به اجتماعه واكتثاره ، وهذا نظير الخلاف السابق في لونه .
( متكئا ) حال ( على رجلين ) قال الحافظ : لم أقف على اسمهما ( أو ) للشك قال ( على عواتق رجلين ) جمع عاتق وهو ما بين المنكب والعنق ، وفي رواية موسى بن عقبة : واضع يده على منكبي رجلين ( يطوف بالكعبة ) حال ( فسألت ) الملك ( من هذا ؟ ) الطائف ( قيل : هذا المسيح عيسى ابن مريم ) بفتح الميم وكسر السين مخففة على المشهور وقد تشدد وحاء مهملة ، وصحف من أعجمها لأنه خرج من بطن أمه ممسوحا [ ص: 446 ] بالدهن ، أو لأن زكريا مسحه ، أو لأنه كان لا يمسح ذا عاهة إلا برئ ، أو لمسحه الأرض بسياحته ، أو لأن رجله لا أخمص لها ، أو للبسه المسوح ، أقوال .
وقيل : هو بالعبرانية ماسح فعرب المسيح ، وقيل : معناه الصديق ( ثم إذا برجل جعد ) بفتح الجيم وسكون العين المهملة شعره ( قطط ) بفتح القاف والمهملة الأولى على المشهور وقد تكسر ، أي : شديد جعودة الشعر ( أعور العين اليمنى كأنها عنبة طافية ) بتحتية بعد الفاء ، أي : بارزة من طفئ الشيء يطفو بغير همز إذا علا على غيره ، شبهها بالعنبة التي تقع في العنقود بارزة عن نظائرها وبالهمز ، أي : ذهب ضوءها .
قال عياض : رويناه بغير همز عن أكثر شيوخنا وصححوه وإليه ذهب الأخفش وأنكر بعضهم رواية الهمز ولا وجه لإنكارها ، ويصححها الرواية الأخرى أنه ممسوح العين وأنها ليست حجراء ولا ناتئة وأنها مطموسة ، وهذه صفة حبة العنب إذا طفيت وزال ماؤها ، ويصحح رواية الياء قوله في الرواية الأخرى : كأنها كوكب ، وأنها جاحظة ، وكأنها نخاعة في حائط مجصص وأنها عوراء ، ويجمع بين الأحاديث بأن ما صححت به رواية الياء يكون في عين ، وما صححت به رواية الهمز يكون في الأخرى ، وبه أيضا يجمع بين ما اختلف فيه الروايات ، ففي بعضها أنه أعور العين اليمنى ، وفي بعضها أنه أعور اليسرى لأن العور العيب وكلتا عينيه معيبة ، أحدهما بالطمس وهي اليمنى ، والأخرى بالبروز ، انتهى كلام عياض ملخصا .
قال النووي : وهو في نهاية من الحسن ، زاد في رواية موسى بن عقبة عن نافع : يطوف بالبيت .
( فسألت : من هذا ؟ قيل : هذا المسيح الدجال ) لأنه ممسوح العين ، أو لأن أحد شقي وجهه خلق ممسوحا لا عين فيه ولا حاجب ، أو لأنه يمسح الأرض إذا خرج .
وقال الجوهري : من خففه فلمسحه الأرض ، ومن شدد فلأنه ممسوح العين .
وجمع البيهقي كتابا لطيفا في حياة الأنبياء وروى فيه بإسناد صحيح عن أنس مرفوعا : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10354134الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون " وأخرج أيضا من رواية محمد بن أبي ليلى عن ثابت عن أنس رفعه : " إن الأنبياء لا يتركون في قبورهم بعد أربعين ليلة ولكنهم يصلون بين يدي الله حتى ينفخ في الصور " ومحمد سيئ الحفظ .
وذكر الغزالي ثم الرافعي حديثا مرفوعا : " أنا أكرم على ربي من أن يتركني في قبري بعد ثلاث " ، ولا أصل له إلا إن أخذ من رواية ابن أبي ليلى ، وليس الأخذ بجيد لأنها قابلة للتأويل ، قال البيهقي : إن صح فالمراد أنهم لا يتركون يصلون إلا هذا القدر ثم يكونون مصلين بين يدي الله فقد ثبتت حياة الأنبياء ، لكن يشكل عليه حديث أبي هريرة رفعه : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10354137ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام " أخرجه أبو داود ورجاله ثقات ووجه إشكاله ظاهر لأن عود الروح في الجسد يقتضي انفصالها عنه وهو الموت .
وأجاب العلماء بأن المراد أن روحه كانت سابقة عقب دفنه لأنها تعاد ثم تنزع ثم تعاد سلمنا لكن ليس بنزع موت بل لا مشقة فيه ، وبأن المراد بالروح الملك الموكل بذلك أو النطق ، فتجوز فيه من جهة خطابنا بما نفهمه وبأنه يستغرق في أمور الملأ الأعلى فإذا سلم عليه رجع إليه فهمه ليجيب من يسلم عليه ، وقد أشكل ذلك من جهة أخرى هي استلزام استغراق الزمان كله في ذلك لاتصال الصلاة والسلام عليه في أقطار الأرض ممن لا يحصر كثرة .
وأجيب بأن أمور الآخرة لا تدرك بالعقل وأحوال البرزخ أشبه بأحوال الآخرة . انتهى ملخصا .
وحديث الباب رواه البخاري في اللباس عن عبد الله بن يوسف وفي التعبير عن القعنبي ومسلم في الإيمان عن يحيى ، الثلاثة عن مالك به وتابعه موسى بن عقبة عن نافع بنحوه في الصحيحين ، وله طرق .