1728 1678 - ( مالك عن سعيد بن أبي سعيد ) كيسان ( المقبري ) - بضم الباء ، وفتحها - المدني - ( عن أبي شريح ) - بضم الشين المعجمة ، وآخره حاء مهملة - الخزاعي ، ثم ( الكعبي ) نسبة إلى كعب بن عمرو بطن من خزاعة اسمه خويلد بن عمرو على الأشهر ، وقيل عمرو بن خويلد ، وقيل : هانئ وقيل : كعب بن عمرو ، وقيل : عبد الرحمن ، أسلم قبل الفتح ، وكان معه لواء خزاعة يوم فتح مكة نزل المدينة ، وله أحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وروى أيضا عن ابن مسعود ، وروى عنه جماعة من التابعين ، مات بالمدينة سنة ثمان وستين ، ( أن رسول الله قال ) ، وفي رواية الليث عن سعيد عن أبي شريح : سمعت أذناي ، وأبصرت عيناي حين تكلم النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : ( من كان يؤمن بالله ) الذي خلقه إيمانا كاملا ، ( واليوم الآخر ) الذي إليه معاده ، وفيه جزاؤه ، فهو إشارة إلى المبدأ والمعاد ، وعبر بالمضارع هنا وفيما بعده قصدا إلى استمرار الإيمان ، وتجدده بتجدد أمثاله وقتا فوقتا ; لأنه عرض لا يبقى زمانين ، وذلك لأن المضارع لكونه فعلا يفيد التجدد والحدوث ، وهذا من خطاب التهييج من قبيل : ( وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين ) ( سورة المائدة : الآية 23 ) ، أي أن ذلك من صفة المؤمن ، وأن خلافه لا يليق بمن يؤمن بذلك ، ولو قيل : لا يحل لأحد لم يحصل هذا الغرض .
( فليقل خيرا ) يثاب عليه بعد التفكر ، فيما يريد التكلم به ، فإذا ظهر له أنه خير لا يترتب عليه مفسدة قاله .
( أو ليصمت ) [ ص: 477 ] - بضم الميم - أي يسكت عن الشر فيسلم ؛ لقوله في الحديث الآخر : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10354235من صمت نجا " ، قاله عياض ، وقد ضبطه غير واحد - بضم الميم - وكأنه الرواية المشهورة ، وإلا فقد قال الطوفي : سمعناه - بكسرها - وهو القياس ; لأن قياس فعل - بفتح العين - ماضيا يفعل - بكسرها - مضارعا نحو ضرب يضرب ، ويفعل - بضم العين - فيه دخيل كما في الخصائص لابن جني ، انتهى .
أي يسكت عن ما لا خير فيه ، وفواتهما ينافي حال المؤمنين ، وشرف الإيمان لأنه من الأمن ، ولا أمان لمن فاته الغنيمة والسلامة .
وفي رواية : أو ليسكت ، ومعناهما واحد ، لكن الصمت أخص ; لأنه السكوت مع القدرة وهو المأمور به ، أما السكوت مع العجز لفساد آلة النطق ، فهو الخرس ، أو لتوقفها فهو العي ، قال القرطبي : معناه أن المصدق بالثواب والعقاب المترتبين على الكلام في الدار الآخرة لا يخلو ، إما أن يتكلم بما يحصل له ثوابا ، أو خيرا فيغنم ، أو يسكت عن شيء يجلب له عقابا ، أو شرا فيسلم ، فـ " أو " للتنويع والتقسيم فيسن له الصمت حتى عن المباح لأدائه إلى محرم أو مكروه ، وبفرض خلوه عن ذلك فهو ضياع الوقت فيما لا يعني ، ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ، قال : وأفاد الحديث أن قول الخير أفضل من الصمت لتقديمه عليه ، وإنما أمر به عند عدم قول الخير ، وقد أكثر الناس في تفصيل آفات الكلام ، وهي أكثر من أن تدخل تحت حصر ، وحاصله أن آفات اللسان أسرع الآفات للإنسان وأعظمها في الهلاك والخسران ، فالأصل ملازمة الصمت حتى تتحقق السلامة من الآفات والحصول على الخيرات ، فحينئذ تخرج تلك الكلمة مخطومة وبأزمة التقوى مزمومة ، وهذا من جوامع الكلم ; لأن الكلام كله خير أو شر أو آيل إلى أحدهما ، فدخل في الخير كل مطلوب من فرض ، ونفل فأذن فيه على اختلاف أنواعه ، ودخل فيه ما يؤول إليه ، وما عدا ذلك مما هو شر ، أو يؤول إليه ، فأمر بالصمت عنه ، فكل من آمن بالله حق الإيمان خاف وعيده ورجا ثوابه ، ومن آمن باليوم الآخر استعد واجتهد في فعل ما يدفع به أهواله ، فيأتمر بالأوامر وينتهي عن النواهي ، ويتقرب لمولاه بما يقربه إليه ، ويعلم أن من أهم ما عليه ضبط جوارحه ، ومن أكثر المعاصي عددا وأيسرها فعلا معاصي اللسان ، وقد استقرأ المحاسبون لأنفسهم آفات اللسان ، فزادت على العشرين ، وأرشد - صلى الله عليه وسلم - إلى ذلك جملة ، فقال : nindex.php?page=hadith&LINKID=10354236وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم إلى غير ذلك ، فمن آمن بذلك حق إيمانه اتقى الله في لسانه .
وقد قال ابن مسعود وسلمان : ما شيء أحق بطول السجن من اللسان .
( ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر ) ، أي يوم القيامة ، وصف به لتأخره عن أيام الدنيا ، أو لأنه أخر الحساب إليه ، أو لأنه لا ليل بعده ، ولا يقال يوم إلا لما بعده ليل ، أي يصدق بوجوده مع ما اشتمل عليه من الأحوال والأهوال ، واكتفى بهما عن الإيمان بالرسل [ ص: 478 ] والكتب وغيرهما ; لأن الإيمان به على ما هو عليه يستلزم الإيمان بنبوءته - صلى الله عليه وسلم - وهو يستلزم الإيمان بجميع ما جاء به .
وفي رواية نافع عن جبير عن أبي شريح عند مسلم : " فليحسن إلى جاره " ، وفي رواية للشيخين من حديث أبي هريرة : " فلا يؤذي جاره " ، وقد أوصى الله بالإحسان إليه في القرآن ، وقال - صلى الله عليه وسلم - : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10354238ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه " ، قال القرطبي : فمن كان مع هذا التأكيد الشديد مضرا لجاره كاشفا لعوراته ، حريصا على إنزال البوائق به كان ذلك منه دليلا على فساد اعتقاد ونفاق ، فيكون كافرا ، ولا شك أنه لا يدخل الجنة ، وأما على امتهانه بما عظم الله من حرمة الجار ، ومن تأكيد عهد الجوار فيكون فاسقا فسقا عظيما ، ومرتكب كبيرة يخاف عليه من الإصرار عليها أن يختم له بالكفر ، فإن المعاصي بريد الكفر ، فيكون من الصنف الأول ، فإن سلم من ذلك ومات بلا توبة ، فأمره إلى الله ، وقد كانوا في الجاهلية يبالغون في رعايته وحفظ حقه .
حكى ابن عبد البر عن أبي حازم بن دينار قال : كان أهل الجاهلية أبر منكم بالجار ، هذا قائلهم قال :
ناري ونار الجار واحدة وإليه قبلي ينزل القدر ما ضر جاري إذ أجاوره أن لا يكون لبابه ستر أغض طرفي إذ ما جارتي برزت حتى يواري جارتي الخدر
قال ابن أبي جمرة : وإكرام الجار من كمال الإيمان ، والذي يشمل جميع وجوه ، الإكرام إرادة الخير له ، وموعظته بالحسنى ، والدعاء له بالهداية ، وترك الإضرار على اختلاف أنواعه حسيا كان أو معنويا ، إلا في الموضع الذي يجب فيه الإضرار بالقول أو الفعل ، والذي يخص الصالح هو جميع ما تقدم ، وغير الصالح كفه عما يرتكبه بالحسنى على حسب مراتب الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، ويعظ الكافر بعرض الإسلام عليه ، وإظهار محاسنه ، والترغيب فيه برفق ، والفاسق بما يليق به برفق ، فإن أفاد ، وإلا هجره قاصدا تأديبه مع إعلامه بالسبب ، وهنا تنبيه وهو أنه إذا أمر بإكرام الجار مع الحائل بين الإنسان وبينه ، فينبغي أن يرعى حق الحافظين اللذين ليس بينه وبينهما جدار ، ولا حائل ، فلا يؤذيهما بأنواع المخالفات في مرور الساعات ، فقد ورد أنهما يسران بالحسنات ويحزنان بالسيئات ، فينبغي إكرامهما ورعاية جانبهما بالإكثار من عمل الطاعات ، والمواظبة على تجنب المعاصي ، فهما أولى بالإكرام من كثير من الجيران اه .
وقال ابن العربي : حد الجوار في رواية بعضهم مرفوعا ، إلى أربعين دارا ، ولم يثبت ، وعنوا به من كل جهة ، وهذا دعوى لا برهان عليها ، والذي يتحصل عند النظر أن الجار له مراتب : الأول الملاصقة ، والثاني المخالطة بأن يجمعهما مسجد ، أو مجلس ، أو بيوت ، ويتأكد الحق مع المسلم ، ويبقى أصله مع الكافر والمسلم ، وقد يكون مع العاصي بالتستر عليه اه .
قال الباجي : ويحتمل أن الضيافة لمن أراد الجواز يوم وليلة ولمن أراد المقام ثلاثة أيام .
وقال الخطابي : أي يتكلف له يوما وليلة ، فيتحفه ويزيد في البر على ما يحضره في سائر الأيام ، وفي اليومين الآخرين يقدم له ما حضر ، فإذا مضت الثلاث فقد مضى حقه .
( فما كان بعد ذلك ) مما يحضره له بعد ذلك ، ( فهو صدقة ) عليه ، وفي التعبير بصدقة تنفير عنه ; لأن كثيرا من الناس لا سيما الأغنياء يأنفون غالبا من أكل الصدقة ، وكان ابن عمر إذا قدم مكة نزل على أصهاره ، فيأتيه طعامه من عند دار خالد بن أسيد ، فيأكل من طعامهم ثلاثة أيام ، ثم يقول : احبسوا عنا صدقتكم ، ويقول لنافع : أنفق من عندك الآن ، أخرجه أبو عمر في التمهيد .
( ولا يحل له ) للضيف ( أن يثوي ) - بفتح التحتية ، وسكون المثلثة ، وكسر الواو ، أي يقيم ( عنده ) عند من أضافه ( حتى يحرجه ) - بضم التحتية ، وسكون الحاء المهملة ، وكسر الراء ، وجيم - من الحرج ، وهو الضيق قال أبو عمر : أي يضيق عليه .
وقال الباجي : يحتمل أن يريد حتى يؤثمه ، وهو أن يضر به مقامه ، فيقول أو يفعل ما يؤثمه ، انتهى .
وأما حديث الأنصاري الذي أثنى الله تعالى عليه ، وعلى زوجته بإيثارهما الضيف على أنفسهما وصبيانهما حيث نومتهم أمهم حتى أكل الضيف ، فأجيب عن ظاهره من تقديم الضيف على حاجة الصبيان بأنهم لم تشتد حاجتهم للأكل ، وإنما خاف أبواهما أن الطعام لو قدم للضيف وهم منتبهون لم يصبروا على الأكل ، وإن لم يكونوا جياعا .
وهذا الحديث من جوامع الكلم لاشتماله على ثلاثة أمور تجمع مكارم الأخلاق الفعلية والقولية ، وحاصله أن كامل الإيمان متصف بالشفقة على خلق الله قولا بالخير ، أو سكوتا عن الشر ، أو فعلا لما ينفع ، أو تركا لما يضر ، فليس المراد ما اقتضاه ظاهره من توقف الإيمان على ما ذكر فيه ، بل المراد الإيمان الكامل كما علم ، أو على المبالغة في استجلاب هذه الأفعال كما تقول لولدك : إن كنت ابني فأطعمني تحريضا ، وتهييجا على الطاعة ; لأنه بانتفاء الطاعة تنتفي ولديته .
وأخرجه البخاري في الأدب عن عبد الله بن يوسف ، وإسماعيل كلاهما عن مالك به ، وتابعه الليث عند البخاري ، وعبد الحميد بن جعفر عند مسلم كلاهما عن سعيد نحوه ، وأخرجه مسلم أيضا من حديث نافع بن جبير عن أبي شريح نحوه .