[ ص: 482 ] 1729 1679 - ( مالك عن سمي ) - بضم السين المهملة ، وفتح الميم ، وشد التحتية - ( مولى أبي بكر ) بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ( عن أبي صالح ) ذكوان ( السمان عن أبي هريرة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : بينما ) - بميم ، وفي رواية بدونها - ( رجل ) قال الحافظ : لم يسم ( يمشي بطريق ) ، وللدارقطني في الموطآت من طريق روح بن عبادة عن مالك : " يمشي بفلاة " ، وله من طريق ابن وهب عن مالك : " يمشي بطريق مكة " ، ( إذ اشتد عليه العطش ، فوجد بئرا فنزل فيها فشرب ) منها ، ( وخرج ) من البئر ، وفي رواية : " ثم خرج " ، ( فإذا كلب ) ، وفي رواية : " فإذا هو بكلب " ، ( يلهث ) - بفتح الهاء ، ومثلثة - أي يرتفع نفسه بين أضلاعه ، أو يخرج لسانه من العطش حال كونه ( يأكل الثرى ) - بفتح المثلثة ، والقصر - التراب الندي ( من العطش ) ، ويجوز أن " يأكل " خبر ثان ، ( فقال الرجل : لقد بلغ هذا الكلب ) - بالرفع والنصب - ( من العطش ) الشديد الذي أصابه ( مثل الذي بلغ مني ) ، وفي رواية " بي " ، وزاد ابن حبان من وجه آخر عن أبي صالح : " فرحمه " ، و " مثل " ضبطه الحافظ وغيره بالنصب نعتا لمصدر محذوف ، أي بلغ مبلغا مثل الذي بلغ مني ، قال في المصابيح : ولا يتعين لجواز أن المحذوف مفعول به ، أي عطشا ، وضبطه الحافظ الدمياطي وغيره بالرفع على أنه فاعل يبلغ ، فهما روايتان ، ( فنزل البئر فملأ خفه ) ماء ، ( ثم أمسكه بفيه ) ليصعد من البئر لعسر الرقي منها ، ( حتى رقي ) - بفتح الراء ، وكسر القاف - كصعد وزنا ومعنى ، ومقتضى كلام ابن التين أن الرواية رقى بفتح القاف ، فإنه قال : كذا وقع ، وصوابه : رقي على وزن علم ، ومعناه : صعد ، قال تعالى : ( أو ترقى في السماء ) ( سورة الإسراء : الآية 93 ) ، وأما رقى بفتح القاف ، فمن الرقية ، وليس هذا موضعه ، وخرجه على لغة طي في مثل : بقى يبقى ورضى يرضى يأتون بالفتحة مكان الكسرة ، فتقلب الياء ألفا ، وهذا دأبهم في كل ما هو من هذا الباب ، انتهى .
قال في المصابيح : ولعل المقتضي لإيثار الفتح هنا - إن صح - قصد المزاوجة بين رقى وسقى ، وهي من مقاصدهم التي يعتمدون فيها تغيير الكلمة عن وضعها الأصلي .
( فسقى الكلب ) ، زاد عبد الله بن دينار عن أبي صالح : " حتى أرواه " ، كما [ ص: 483 ] في الصحيحين ، أي جعله ريان ، ( فشكر الله له ) ، أثنى عليه ، أو قبل عمله ذلك ، أو أظهر ما جازاه به عند ملائكته .
( فغفر له ) ، الفاء للسببية ، أي بسبب قبوله غفر له ، وفي رواية ابن دينار بدله : " فأدخله الجنة " ، ( فقالوا ) : أي الصحابة ، وسمي منهم سراقة بن مالك بن جعشم عند أحمد ، وابن ماجه ، وابن حبان ( يا رسول الله ) الأمر كما قلت ، ( وإن لنا في ) سقي ( البهائم ) ، أو في الإحسان إليها ( لأجرا ) ثوابا ؟ ( فقال ) - صلى الله عليه وسلم - : ( في كل كبد ) - بفتح الكاف ، وكسر الموحدة - ويجوز سكونها ، وكسر الكاف ، وسكون الموحدة - : رطبة برطوبة الحياة من جميع الحيوان ، أو لأن الرطوبة لازمة للحياة فيكون كناية عنها ، أو هو من باب وصف الشيء باعتبار ما يؤول إليه فيكون معناه : في كل كبد حرى لمن سقاها حتى تصير رطبة ( أجر ) بالرفع ، مبتدأ قدم خبره ، أي حاصل وكائن في إرواء كل ذي كبد حية ، ويحتمل أن " في " سببية كقولك : في النفس الدية ، قال الداودي : المعنى : في كل كبد حي ، وهو عام في جميع الحيوان ، قال الأبي : حتى الكافر ، ويدل عليه قوله تعالى : ( ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا ) ( سورة الإنسان : الآية 8 ) ; لأن الأسير إنما يكون في الأغلب كافرا ، انتهى .
وقال أبو عبد الملك : هذا الحديث كان في بني إسرائيل ، وأما الإسلام فقد أمر بقتل الكلاب ، وقوله : في كل كبد ، مخصوص ببعض البهائم مما لا ضرر فيه ; لأن المأمور بقتله كالخنزير لا يجوز أن يقوى ليزداد ضرره ، وكذا قال النووي : عمومه مخصوص بالحيوان المحترم ، وهو مما لم يؤمر بقتله فيحصل الثواب بسقيه ، ويلتحق به إطعامه ، وغير ذلك من وجوه الإحسان .
فإن قيل : كيف ساغ مع مظنة الاستضرار بها من ساقط بليل ، أو وقوع بهيمة ، ونحوها فيها ؟ أجيب بأنه لما كانت المنفعة أكثر ومتحققة ، والاستضرار نادرا ، أو مظنونا غلب الانتفاع ، وسقط الضمان ، فكانت جبارا ، فلو تحققت الضرورة لم يجز ، وضمن الحافر ، وفيه الحث على الإحسان وأن سقي الماء من أعظم القربات .
وأخرجه البخاري في الشرب عن عبد الله بن يوسف ، وفي المظالم عن القعنبي ، وفي الأدب عن إسماعيل ، ومسلم في الحيوان عن قتيبة بن سعيد ، وأبو داود في الجهاد عن القعنبي ، كلهم عن مالك به .