1746 1697 - ( مالك عن محمد بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف ) - بضم المهملة - مصغر الأنصاري الثقة ( أنه سمع أباه ) أبا أمامة ، واسمه أسعد سماه النبي - صلى الله عليه وسلم - باسم جده أبي أمه ، وكناه بكنيته لما ولد قبل الوفاة النبوية بسنتين ، ومات سنة مائة ( يقول : اغتسل أبي ) سهل بن حنيف البدري وظاهره الإرسال ، لكنه محمول على أن أبا أمامة سمع ذلك من أبيه ، ففي بعض طرقه عن أبي أمامة : حدثني أبي أنه اغتسل ( بالخرار ) - بفتح المعجمة ، والراء الأولى الشديدة - موضع قرب الجحفة ، قاله ابن الأثير وغيره ، وقال ابن عبد البر : موضع بالمدينة ، وقيل : من أوديتها ، انتهى .
ويؤيد الأول أن في بعض طرق الحديث حتى إذا كان بشعب الخرار من الجحفة ، ( فنزع جبة كانت عليه ، وعامر بن ربيعة ) بن كعب بن مالك العنزي - بسكون النون - حليف الخطاب أسلم قديما ، وهاجر ، وشهد بدرا ، مات ليالي قتل عثمان ( ينظر ) إليه ، ( قال ) أبو أمامة : ( وكان سهل رجلا أبيض حسن ) مليح ( الجلد قال : فقال له عامر بن ربيعة : ما رأيت كاليوم عذراء ) ، أي بكر ( قال : فوعك سهل مكانه واشتد ) قوي ( وعكه ) ، أي ألمه .
وفي الطريق الثاني : فلبط ، أي صرع فكأنه صرع من شدة الوعك .
( فأتي ) - بضم الهمزة - ( رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبر ) بالبناء للمفعول ( أن سهلا وعك وأنه غير رائح معك يا رسول الله ) لعدم [ ص: 506 ] استطاعته بشدة الوعك .
( فأتاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره سهل بالذي كان من شأن عامر بن ربيعة ) ، أي نظره إليه ، وقوله ما ذكر .
( فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) ، وفي رواية : فدعا عامرا فتغيظ عليه ، فقال ( علام ) بمعنى لم ، وفيه معنى الإنكار ، ( يقتل أحدكم أخاه ) في الدين ، زاد في بعض طرقه : وهو غني عن قتله .
( ألا ) بالفتح والتشديد بمعنى هلا ، وبها جاء في بعض طرقه ( بركت ) ، أي قلت : بارك الله فيك فإن ذلك يبطل المعنى الذي يخاف من العين ، ويذهب تأثيره .
قال الباجي : وقال ابن عبد البر : يقول : تبارك الله أحسن الخالقين اللهم بارك فيه ، فيجب على كل من أعجبه شيء أن يبارك ، فإذا دعا بالبركة صرف المحذور لا محالة ، انتهى .
قال القرطبي : هذا قول عامة الأمة ، ومذهب أهل السنة ، وأنكره قوم مبتدعة وهم محجوجون بما يشاهد منه في الوجود ، فكم من رجل أدخلته العين القبر ، وكم من جمل أدخلته القدر لكن بمشيئة الله سبحانه ، ولا يلتفت إلى معرض عن الشرع والعقل يتمسك باستبعاد لا أصل له ، فإنا نشاهد من خواص الأحجار ، وتأثير السحر ما يقضي منه العجب ، ويحقق أن ذلك فعل بسبب كل سبب ، انتهى .
( توضأ له ) الوضوء المذكور في الطريق التالية المعبر عنه باغتسل ، ليس على صفة غسل الأعضاء في الوضوء ، وغيره ، كما يأتي بيانه ، والأمر للوجوب قال المازري : والصحيح عندي للوجوب ، ويبعد الخلاف فيه إذا خشي على المعين الهلاك ، وكان وضوء العائن مما جرت العادة بالبرء به ، أو كان الشرع أخبر به خبرا عاما ، ولم يكن زوال الهلاك إلا بوضوء العائن ، فإنه يصير من باب من تعين عليه إحياء نفس مشرفة على الهلاك ، وقد تقرر أنه يجبر على بذل الطعام للمضطر ، فهذا أولى ، وبهذا التقرير يرتفع الخلاف .
( فتوضأ له عامر ) على الصفة الآتية في الطريق بعده ، ثم صب على سهل ، ( فراح سهل مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس به بأس ) ، أي شدة لزوال وعكه الذي صرعه ، وفيه إباحة النظر إلى المغتسل ما لم تكن عورة ; لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يقل لعامر : لم نظرت إليه ، إنما لامه على ترك التبريك .
قال ابن عبد البر : وقد يستحب العلماء أن لا ينظر الإنسان إلى المغتسل خوف أن [ ص: 507 ] يرى عورته ، وإن من الطبع البشري الإعجاب بالشيء الحسن ، والحسد عليه ، وهذا لا يملكه المرء من نفسه ، فلذا لم يعاتب عامر عليه ، بل على ترك التبريك الذي في وسعه ، وأن العين قد تقتل ، وتوبيخ من كان منه أو بسببه سوء ، وإن كان الناس كلهم تحت القدر السابق بذلك كالقاتل يقتل ، وإن كان المقتول يموت بأجله ، وأن العين إنما تعدو إذا لم يبرك ، فيجب على كل من أعجبه شيء أن يبارك ، انتهى ، ملخصا .
وقال القرطبي : لو أتلف العائن شيئا ضمنه ، ولو قتل فعليه القصاص ، أو الدية إذا تكرر ذلك منه بحيث يصير عادة ، وهو في ذلك كالساحر القاتل بسحره عند من لا يقتله كفرا ، وأما عندنا فيقتل ، قتل بسحره أم لا ; لأنه كالزنديق ، وقال النووي : لا يقتل العائن ، ولا دية ، ولا كفارة ; لأن الحكم إنما يترتب على منضبط عام دون ما يختص ببعض الناس ، وبعض الأحوال مما لا انضباط له ، كيف ولم يقع منه فعل أصلا ، وإنما غايته حسد وتمن لزوال النعمة ، وأيضا فالذي ينشأ عن الإصابة بالعين حصول مكروه لذلك الشخص ، ولا يتعين ذلك المكروه في إزالة الحياة ، فقد يحصل له مكروه بغير ذلك من أثر العين ، قال الحافظ : ولا يعكر عليه إلا الحكم بقتل الساحر ، فإنه في معناه والفرق بينهما عسر .
ونقل ابن بطال عن بعض العلماء أنه ينبغي للإمام منع العائن إذا عرف بذلك من مداخلة الناس ، ويأمره بلزوم بيته ، وإن كان فقيرا رزقه ما يكفيه ويكف أذاه عن الناس ، فإن ضرره أشد من ضرر آكل الثوم والبصل الذي منعه النبي - صلى الله عليه وسلم - من دخول المسجد لئلا يؤذي المسلمين ، ومن ضرر المجذوم الذي منعه عمر والعلماء بعده الاختلاط بالناس ، ومن ضرر المؤذيات من المواشي الذي يؤمر بإبعادها إلى حيث لا يتأذى بها أحد .
قال عياض : وهذا الذي قاله هذا القائل صحيح متعين ، ولا يعرف عن غيره تصريح بخلافه .