1791 1745 - ( مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ) زيد الأنصاري النجاري ( عن أبي مرة ) - بضم الميم ، وشد الراء - اسمه يزيد ، وقيل : عبد الرحمن ، مشهور بكنيته ( مولى عقيل ) - بفتح العين - ( ابن أبي طالب ) الهاشمي قيل له : ذلك للزومه إياه ، وإنما هو مولى أخته nindex.php?page=showalam&ids=94أم هانىء بنت أبي طالب ، وفي رواية إسماعيل : أن أبا مرة مولى عقيل أخبره ( عن أبي واقد ) - بقاف مكسورة ، ودال مهملة - اسمه الحارث بن مالك ، وقيل : ابن عوف ، وقيل : اسمه عوف بن الحارث الليثي بمثلثة " البدري " في قول بعضهم ، مات سنة ثمان وستين ، وهو ابن خمس وثمانين على الصحيح ، ولم يرو هذا الحديث عنه إلا أبو مرة .
وللنسائي من طريق يحيى بن بكير عن إسحاق عن أبي مرة : أن أبا واقد حدثه : ( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينما ) - بزيادة ما - ( هو جالس في المسجد ) النبوي ، ( والناس معه ) جملة حالية ، ( إذ أقبل نفر ) - بفتح النون ، والفاء - ( ثلاثة ) ، قال الحافظ : لم أقف في شيء من طرق الحديث على تسمية واحد منهم ، والمعنى : نفر هم ثلاثة ، إذ النفر : الرجال من ثلاثة إلى عشرة .
( فأقبل اثنان إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذهب واحد ) ، هما أقبلا كأنهم أقبلوا أولا من الطريق ، فدخلوا المسجد مارين كما في حديث أنس عند البزار ، والحاكم ، فإذا ثلاثة نفر ، فلما رأوا مجلس النبي - صلى الله عليه وسلم - أقبل اثنان منهم ، واستمر الثالث ذاهبا .
( فلما وقفا على مجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سلما ) ، أي على مجلسه ، أو " على " ، بمعنى " عند " [ ص: 571 ] قاله الحافظ ، وتعقب بأنها لم تجئ بمعناها ، وجوابه أن حروف الجر تنوب عن الأسماء ، وتأتي بمعناها ، وفي القرآن من ذلك كثير كقوله : ( لتركبن طبقا عن طبق ) ( سورة الانشقاق : الآية : 19 ) ، أي بعد طبق فعن نائب عن الاسم ، وفيه أن الداخل يبدأ بالسلام وأن القائم يسلم على القاعد ، ولم يذكر رد السلام عليهما اكتفاء بشهرته ، وأن المستغرق في العبادة يسقط عنه الرد ، ولم يذكر أنهما صليا تحية المسجد ، إما لأن ذلك كان قبل أن تشرع ، أو كانا على غير وضوء ، أو كان في غير وقت تنفل ، قاله عياض بناء على مذهبه : أنها لا تصلى في الأوقات المكروهة .
( فأما ) - بفتح الهمزة ، وشد الميم - ( أحدهما ) مبتدأ خبره ( فرأى ) دخلته الفاء لتضمن أما معنى الشرط ، ( فرجة ) - بضم الفاء ، وفتحها - معا ، هي الخلل بين الشيئين ، ( في الحلقة ) بإسكان اللام كل شيء مستدير خالي الوسط ، وحكي فتحها ، وهو نادر ، والجمع حلق بفتحتين .
( وأما الآخر ) - بفتح الخاء المعجمة - أي الثاني ، ففيه رد على من زعم أنه يختص بالأخير لإطلاقه هنا على الثاني .
( فجلس خلفهم ) بالنصب على الظرفية .
( وأما الثالث فأدبر ) حال كونه ( ذاهبا ) أي أدبر مستمرا في ذهابه ، ولم يرجع ، وإلا فأدبر بمعنى : مر ذاهبا .
( فلما فرغ رسول الله - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - ) مما كان مشتغلا به من تعليم العلم ، أو الذكر ، أو الخطبة ، أو نحو ذلك ، ( قال : ألا ) - بفتح الهمزة ، والتخفيف - حرف تنبيه لا تركيب فيه عند الأكثرين ، فمعناها التنبيه والاستفتاح محلها ، فهي حرف يستفتح به الكلام لتنبيه المخاطب على ذلك لتأكد مضمونه عند التكلم ، ( أخبركم عن النفر الثلاثة ؟ أما أحدهم فأوى ) - بالقصر - لجأ ( إلى الله ) تعالى ، ( فآواه ) - بالمد - ( الله ) إليه ، قال القرطبي : الرواية الصحيحة بقصر الأول ، ومد الثاني ، وهو المشهور في اللغة ، وفي القرآن : ( إذ أوى الفتية ) ( سورة الكهف : الآية : 10 ) ، بالقصر : ( وآويناهما إلى ربوة ) ( سورة المؤمنون : الآية : 50 ) بالمد ، وحكي القصر والمد معا ، فيهما لغة ، ومعنى أوى إلى الله : لجأ ، أو على الحذف ، أي إلى مجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعنى آواه : جازاه بنظير فعله بأن ضمه إلى رحمته ، ورضوانه ، أو يؤويه يوم القيامة إلى ظل عرشه ، فنسبة الإيواء إلى الله مجاز لاستحالته في حقه ; لأنه الإنزال معه في مكان حسي ، فالمراد لازمه وهو إرادة إيصال الخير ، ويسمى هذا المجاز مجاز المشاكلة والمقابلة .
( وأما الآخر ) - بالفتح - أي الثاني ، ( فاستحيا ) أي ترك المزاحمة كما فعل رفيقه حياءا منه - صلى الله عليه وسلم - ومن أصحابه ، قاله عياض .
وقال الحافظ : أي استحيا من الذهاب عن المجلس ، كما فعل الثالث ، فقد بين أنس سبب استحياء هذا الثاني ، فلفظه عند الحاكم : ومضى الثاني قليلا ، ثم جاء فجلس ، ( فاستحيا الله منه ) ، أي رحمه ، ولم يعاقبه فجازاه بمثل فعله ، وهذا أيضا مشاكلة ; لأن الحياء تغير وانكسار يعتري الإنسان من خوف ما يذم به ، وهذا محال على الله ، فهو مجاز عن ترك العقاب من ذكر الملزوم ، وإرادة اللازم .
( وأما الآخر ) - بالفتح - أي الثالث ، ( فأعرض ) عن مجلسه - صلى الله عليه وسلم - ولم يلتفت إليه ، بل ولى مدبرا ، ( فأعرض الله عنه ) ، أي جازاه بأن سخط عليه ، وهذا أيضا مشاكلة ; لأن الإعراض هو الالتفات إلى جهة أخرى ، وذلك لا يليق بالله تعالى ، فهو مجاز عن السخط والغضب .
قال الحافظ : وهو محمول على من أعرض لا لعذر ، هذا إن كان مسلما ، ويحتمل أنه منافق وأطلع - صلى الله عليه وسلم - على أمره ، كما يحتمل أن قوله : " فأعرض الله عنه " إخبار ودعاء .
وفي حديث أنس : " فاستغنى فاستغنى الله عنه " ، وهذا يرشح أنه خبر .