صفحة جزء
وحدثني مالك عن ابن شهاب عن حمزة وسالم ابني عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الشؤم في الدار والمرأة والفرس
1817 1770 - ( مالك عن ابن شهاب عن حمزة ) العمري المدني شقيق سالم ، تابعي ، ثقة من رجال الجميع .

( وسالم بن عبد الله بن عمر ) ، واقتصر شعيب ، ويونس من رواية عثمان بن عمر عنه كلاهما عند البخاري ، وابن جريج عند أبي عوانة عن الزهري عن سالم ، ونقل الترمذي أن ابن عيينة ، قال : لم يرو الزهري هذا الحديث إلا عن سالم ، قال الحافظ : وهو حصر مردود ، فقد حدث به مالك عنه عن حمزة ، وسالم ، وهو من كبار الحفاظ ، ولا سيما في [ ص: 602 ] الزهري ، وتابعه يونس من رواية ابن وهب عنه عند البخاري ، وصالح بن كيسان عند مسلم ، وأبو أويس عند أحمد ، ويحيى بن سعيد ، وابن أبي عتيق ، وموسى بن عقبة ثلاثتهم عند النسائي الستة عن الزهري عنهما .

وقد رواه ابن أبي عمر عن سفيان نفسه عن الزهري عنهما عند مسلم ، والترمذي ، وهو يقتضي رجوع سفيان عن ذلك الحصر ، ورواه إسحاق بن راشد عند النسائي ، وأحمد عن معمر ، خمستهم عن الزهري ، عن حمزة وحده ، والظاهر أن الزهري كان يجمعهما تارة ، ويفرد أحدهما أخرى ، وله أصل عن حمزة من غير رواية الزهري ، أخرجه مسلم من طريق عتبة بن مسلم عن حمزة ، ( عن ) أبيهما ( عبد الله بن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : الشؤم ) الذي هو ضد اليمن ، يقال : تشاءمت بكذا ، وتيمنت بكذا ، قال الطيبي : واوه همزة خففت ، فصارت واوا ، ثم غلب عليها التخفيف حتى لم ينطق بها مهموزة ، انتهى .

ومقتضى كلام الحافظ خلافه ، فإنه قال بضم المعجمة ، وسكون الهمزة ، وقد تسهل فتصير واوا .

( في الدار والمرأة والفرس ) ، أي : كائن فيها ، وقد يكون في غيرها ، فالحصر فيها كما قال ابن العربي بالنسبة إلى العادة لا بالنسبة إلى الخلقة ، وقال غيره : خصها بالذكر لطول ملازمتها .

وقال الخطابي : اليمن والشؤم علامتان لما يصيب الإنسان من الخير والشر ، ولا يكون شيء من ذلك إلا بقضاء الله ، وهذه الأشياء الثلاثة ظروف جعلت مواقع لأقضية ليس لها بأنفسها وطبائعها فعل ، ولا تأثير في شيء إلا أنها لما كانت أعم الأشياء التي يقتنيها الإنسان ، وكان في غالب أحواله لا يستغني عن دار يسكنها ، وزوجة يعاشرها ، وفرس مرتبطة ، ولا يخلو عن عارض مكروه في زمانه أضيف اليمن والشؤم إليها إضافة مكان ، وهما صادران عن مشيئة الله - عز وجل - انتهى .

واتفقت طرق الحديث على الثلاثة المذكورة .

وروى جويرية بن أسماء ، وسعيد بن داود عن مالك عن الزهري عن بعض أهل أم سلمة ، عنها : والسيف أخرجه الدارقطني ، والبعض المبهم بين في ابن ماجه عن عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن أبي عبيد بن عبد الله بن زمعة عن أمه زينب ابنة أم سلمة عن أمها : أنها حدثت بهذه الثلاثة ، وزادت : والسيف ، ثم اختلف في معنى الحديث ، فقيل هو على ظاهره ، ولا يمتنع أن يجري الله العادة بذلك في هؤلاء ، كما أجرى العادة بأن من شرب السم مات ، ومن قطع رأسه مات ، وقد روى أبو داود عن ابن القاسم عن مالك : أنه سئل عنه فقال : كم من دار سكنها ناس فهلكوا .

قال المازري : فحمله مالك على ظاهره ، والمعنى أن قدر الله ربما وافق ما يكره عند سكنى الدار ، فيصير ذلك كالسبب ، فيتشاءم في إضافة الشؤم إليه اتساعا .

وقال ابن العربي : لم يرد مالك إضافة الشؤم إلى الدار ، وإنما هو عبارة عن جري العادة ، فأشار إلى أنه ينبغي الخروج عنها صيانة لاعتقاده عن التعلق بالباطل ، وكذا حمله ابن قتيبة [ ص: 603 ] وغيره على ظاهره .

قال القرطبي : ولا يظن بمن حمله على الظاهر أنه يحمله على معتقد الجاهلية أن ذلك يضر وينفع بذاتهم ، وأن ذلك خطأ ، وإنما عنى أن هذه الثلاثة هي أكثر ما يتطير به ، فمن وقع في نفسه شيء منها أبيح له تركه ، ويستبدل به غيره ، وقيل : معنى الحديث أن هذه الأشياء يطول تعذيب القلب بها مع كراهية أمرها لملازمتها بالسكنى والصحبة ، ولو لم يعتقد الإنسان الشؤم فيها ، فأشار الحديث إلى الأمر بفراقها ليزول التعذيب ، قال الحافظ : والأولى ما أشار إليه ابن العربي في تأويل كلام مالك ، وهو نظير الأمر بالفرار من المجذوم مع صحة نفي العدوى ، والمراد بذلك حسم المادة ، وسد الذريعة لئلا يوافق شيء من ذلك القدر ، فيعتقد من وقع له أن ذلك من العدوى ، أو من الطيرة ، فيقع في اعتقاد ما نهي عن اعتقاده ، فأشير إلى اجتناب مثل ذلك ، والطريق فيمن وقع له ذلك في الدار مثلا أن يبادر إلى التحول منها ؛ لأنه متى بقي فيها ربما حمله اعتقاد صحة الطيرة والتشاؤم ، وقيل : شؤم الدار : ضيقها وسوء جوارها ، وبعدها من المسجد لا يسمع فيها الأذان ، والمرأة : أن لا تلد ، وسوء خلقها ، أو غلاء مهرها ، أو عدم قنعها ، أو بسط لسانها ، والفرس : أن لا يغزو عليها ، أو حرونها .

وروى الدمياطي بإسناد ضعيف : " إذا كان الفرس حرونا ، فهو مشئوم ، وإذا حنت المرأة إلى بعلها الأول فهي مشئومة ، وإذا كانت الدار بعيدة من المسجد ، لا يسمع منها الأذان ، فهي مشئومة " ، وللطبراني من حديث أسماء : " أن من شقاء المرء في الدنيا ، سوء الدار ، والمرأة ، والدابة " ، وفيه : " سوء الدار ضيق ساحتها ، وخبث جيرانها ، وسوء الدابة منع ظهرها ، وسوء طبعها ، وسوء المرأة عقم رحمها ، وسوء خلقها " ، وروى أحمد وصححه ابن حبان ، والحاكم عن سعد بن أبي وقاص مرفوعا : " من سعادة ابن آدم ثلاثة : المرأة الصالحة ، والمسكن الصالح ، والمركب الصالح ، ومن شقاء ابن آدم ثلاثة : المرأة السوء ، والمسكن السوء ، والمركب السوء " ، وفي رواية لابن حبان : " المركب الهني ، والمسكن الواسع " ، وفي رواية للحاكم : " وثلاثة من الشقاوة : المرأة تراها تسوءك ، وتحمل لسانها عليك ، والدابة تكون قطوفا ، فإذا ضربتها تعبت ، وإن تركتها لم تلحق أصحابك ، والدار تكون ضيقة قليلة المرافق " ، وهذا تخصيص ببعض أنواع الأجناس المذكورة دون بعض ، وبه صرح ابن عبد البر فقال : يكون لقوم دون قوم ، وذلك كله بقدر الله .

وقال المهلب ما حاصله : المخاطب بقوله : الشؤم من التزم التطير ، ولم يستطع صرفه عن نفسه ، فقال لهم : إنما يقع ذلك في هذه الثلاثة التي تلازم في غالب الأحوال ، فإذا كان كذلك فانزعوها عنكم ، ولا تعذبوا أنفسكم بها ، ويدل على ذلك تصديره في بعض طرق الحديث بنفي الطيرة ، واستدل لذلك بما رواه ابن حبان بإسناد فيه مقال عن أنس رفعه : " لا طيرة ، والطيرة على من تطير " ، وقيل : الحديث سيق لبيان اعتقاد الناس في [ ص: 604 ] ذلك لا أنه إخبار من النبي - صلى الله عليه وسلم - بثبوت ذلك ، وسياق الأحاديث الصحيحة ببعده ، بل قالابن العربي : إنه ساقط ؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يبعث ليخبر الناس عن معتقداتهم الماضية ، أو الحاصلة ، وإنما بعث ليعلمهم ما يلزمهم أن يعتقدوه ، وما رواه الترمذي عن حكيم بن معاوية : " سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : لا شؤم ، وقد يكون اليمن في المرأة والدابة والفرس " ، ففي إسناده ضعف مع مخالفته للأحاديث الصحيحة .

وروى أبو داود الطياليسي عن مكحول أنه قيل لعائشة : إن أبا هريرة قال : قال - صلى الله عليه وسلم - : الشؤم في ثلاثة .

فقالت : لم يحفظ أنه دخل ، وهو يقول : قاتل الله اليهود يقولون : الشؤم في ثلاثة
، فسمع آخر الحديث ، ولم يسمع أوله ، وهو منقطع ، فمكحول لم يسمع عائشة ، لكن روى أحمد ، وابن خزيمة ، والحاكم عن أبي حسان : أن رجلين دخلا على عائشة فقالا : إن أبا هريرة قال : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : الشؤم في الفرس ، والمرأة ، والدابة ، فغضبت غضبا شديدا ، وقالت ما قاله ، وإنما قال : إن أهل الجاهلية كانوا يتطيرون من ذلك .

قال الحافظ : ولا معنى لإنكار ذلك على أبي هريرة ، مع موافقة جمع من الصحابة له على رواية ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كابن عمر ، وسعد بن أبي وقاص ، وغيرهما ، وقيل : كان قوله ذلك في أول الأمر ، ثم نسخ بقوله تعالى : ( ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم ) ( سورة الحديد : الآية 22 ) الآية ، حكاه ابن عبد البر ، والنسخ لا يثبت بالاحتمال ، لا سيما مع إمكان الجمع ، خصوصا وقد ورد في نفس هذا الحديث نفي التطير ، ثم إثباته في الثلاثة المذكورة في بعض طرقه عند الشيخين ، " لا عدوى ولا طيرة ، وإنما الشؤم في ثلاثة " ، فذكرها .

ولأبي داود عن سعد بن أبي وقاص : " لا هامة ، ولا عدوى ، ولا طيرة " ، وإن تكن الطيرة في شيء ، ففي الدار والفرس والمرأة ، والطيرة والشؤم بمعنى واحد ، انتهى .

وقال التقي السبكي في هذا الحديث ، وسابقه مع قوله تعالى : ( إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم ) ( سورة التغابن : الآية 14 ) ، إشارة إلى تخصيص الشؤم بالمرأة التي تحصل منها العداوة ، والفتنة لا كما يفهمه بعض الناس من التشاؤم بكعبها ، وإن لها تأثيرا في ذلك ، وهو شيء لا يقول به أحد من العلماء ، ومن قال ذلك فهو جاهل ، وقد أطلق الشارع على من نسب المطر إلى النوء الكفر ، فكيف من نسب ما يقع من الشر إلى المرأة مما ليس لها فيه مدخل ؟ وإنما يتفق موافق قضاء وقدر ، فتنفر النفس من ذلك ، فمن وقع له ذلك فلا يضره أن يتركها من غير اعتقاد نسبة الفعل إليها ، انتهى .

ثم لا يشكل هذا مع الحديث السابق في الجهاد : " الخيل في نواصيها الخير إلى يوم القيامة " ، لاحتمال أن الشؤم في غير التي ربطت للجهاد والتي أعدت له هي المخصوصة بالخير والبركة ، أو يقال : الخير والشر يمكن اجتماعهما في ذات واحدة ، فإنه فسر الخير بالأجر والمغنم ، ولا يمنع ذلك أن يكون الفرس مما يتشاءم به أو [ ص: 605 ] المراد جنس الخير ، أي : أنها بصدد أن فيها الخير ، فلا ينافي حصول غيره عارض ، قاله عياض .

وسأل بعضهم : ما الفرق بين الدار يباح الانتقال منها ، وبين موضع الوباء ينهى عن الانتقال عنه ؟ وأجاب النووي بقول بعض العلماء : الأمور بالنسبة إلى هذا المعنى ثلاثة أقسام : قسم لم يقع به ضرر ، ولا اطردت به العادة كصريخ بوم على دار ، ونعيق غراب في سفر ، فهذا لا يصغى إليه ، وهو الذي أنكر الشرع الالتفات إليه ، وهو الذي كانت العرب تتطير به .

وثانيها : ما يقع به الطيرة ، ولكنه لا يعم كالدار والمرأة والفرس ، فيباح لصاحب ذلك أن يفارق ، ولما مر من وجه استثنائها .

الثالث : ما يقع ويعم ، ولا يخص ويندر ، ولا يتكرر كالوباء ، هذا لا يقدم عليه احتياطا ، ولا ينتقل عنه ؛ لأنه لا يفيد .

قال : فهذا التفسير الذي ذكره يشير إلى الفرق ، والحديث رواه البخاري عن إسماعيل ، ومسلم عن القعنبي ، ويحيى ، الثلاثة عن مالك به ، وتابعه جماعة في الصحيحين وغيرهما .

التالي السابق


الخدمات العلمية