1863 1816 - ( مالك عن سهيل ) - بضم السين - ( بن أبي صالح ) ذكوان ( عن أبيه ) ، قال ابن عبد البر : كذا أرسله يحيى ، وابن وهب ، والقعنبي ، وابن القاسم ، ومعن ، ومحمد بن المبارك الصوري ، فلم يقولوا عن أبي هريرة ، وأسنده يحيى بن بكير ، وأبو مصعب ، وعبد الله بن يوسف ، ومصعب الزبيري ، وسعيد بن عفير ، وأكثر الرواة عن مالك عن سهيل عن أبيه ( عن أبي هريرة ) ، وهو محفوظ وغيره مسندا ، هكذا ( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إن الله يرضى لكم ثلاثا ) من الخصال ، ( ويسخط لكم ثلاثا ) ، يعني يأمركم بثلاث ، وينهاكم عن ثلاث إذ [ ص: 652 ] الرضا عن الشيء يستلزم الأمر به ، والأمر به يستلزم الرضا ، فهو كناية ، وكذا الكلام في السخط ، وأتى باللام في الموضعين ، ولم يقل : يرضى عنكم بثلاث ، ويسخط منكم رمزا إلى أن فائدة كل من الأمرين عائدة إلى عباده ( يرضى ) ، فصله جوابا لسؤال مقدر ، اقتضاه الكلام ، كأنه قيل ما الثلاث ؟ وفي رواية لمسلم : فيرضى بفاء التفسير ( لكم أن تعبدوه ، ولا تشركوا به شيئا ) ; لأن من أشرك بعبادته أحدا ، لم يعبده ، فهذه واحدة ، وقول النووي " ثنتان " متعقب .
( و ) الثانية : ( أن تعتصموا ) : تتمسكوا ( بحبل الله جميعا ) ، زاد في رواية : " ولا تفرقوا " ، أي لا تختلفوا في ذلك الاعتصام ، كما اختلف أهل الكتاب ، فهو نفي عطف على " تعتصموا " ، أو هو نهي على أن الخبر قبله بمعنى الأمر ، أي اعتصموا ، ولا تفرقوا .
وعن ابن مسعود : أنه الجماعة ، قال ابن عبد البر : وهو الظاهر في الحديث ، والأشبه بسياقه .
وأما القرآن ، فمأمور بالاعتصام به في غير ما آية ، وغير ما حديث ، أن المراد هنا الجماعة على إمام يسمع له ويطاع ، فيكون ولي من لا ولي له في نكاح ، وتقديم قضائه للعقد على أيتام ، وسائر الأحكام ، ويقيم الجمعة ، والعيد ، ويأمن به السبل ، وينتصف به المظلوم ، ويجاهد عن الأمة عدوها ، ويقسم بينهما فيهما ; لأن الاختلاف والفرقة هلكة ، والجماعة نجاة ، قال : وهو عندي معنى متداخل متقارب ; لأن القرآن يأمر بالألفة ، وينهى عن الفرقة .
( و ) الثالثة : ( أن تناصحوا من ولاه الله أمركم ) ، وهو الإمام ، ونوابه بمعاونتهم على الحق ، وطاعته فيه ، وأمرهم به ، وتذكيرهم برفق ولطف ، وإعلامهم بما غفلوا عنه من حقوق المسلمين ، وترك الخروج عليهم ، والدعاء عليهم ، وبتألف قلوب الناس لطاعتهم ، والصلاة خلفهم ، والجهاد معهم ، وأداء الصدقات لهم ، وأن لا يطروا بالثناء الكاذب ، وأن يدعى لهم بالصلاح ، وقيل : هم العلماء ، فنصيحتهم قبول ما رووه ، وتقليدهم في الأحكام ، وإحسان الظن بهم .
( ويسخط ) ، وفي رواية : ويكره ( لكم قيل وقال ) ، قال مالك : هو الإكثار من الكلام نحو قول الناس : قال فلان ، وفعل فلان ، والخوض فيما لا ينبغي ، فهما مصدران أريد بهما المقاولة ، والخوض في أخبار الناس ، وقيل : فعلان ماضيان .
( وإضاعة المال ) بصرفه في غير وجوهه الشرعية ، وتعريضه للتلف ; لأن ذلك إفساد ، والله لا يحب الفساد ; لأنه إذا ضاع ماله ، تعرض لما في أيدي الناس .
وحكى أبو عمر في معناه ثلاثة أقوال : أحدها أنه [ ص: 653 ] الحيوان يحسن إليه ، ولا يضيعه مالكه فيهلك ، وحجته أن عامة الوصية النبوية الصلاة ، وما ملكت أيمانكم .
والثاني : ترك إصلاحه ، والنظر فيه وكسبه .
والثالث : إنفاقه في غير حقه من الباطل ، والسرف ، انتهى ، باختصار .
( وكثرة السؤال ) ، قال أبو عمر : معناه عند أكثر العلماء التكثير من المسائل النوازل ، والأغلوطات ، وتشقيق المولودات ، وقيل سؤال المال ، والإلحاح فيه على المخلوقين لعطفه على إضاعة المال ، وقال مالك : لا أدري أهو ما أنهاكم عنه من كثرة المسائل ، أم هو مسألة الناس أموالهم ؟ إلا أن الظاهر في الحديث كراهة السؤال عن المسائل ، إذا كان ذلك الإكثار لا على الحاجة عند نزول النازلة بين كثيرة وقليلة ، وكان أصل هذا أنهم كانوا يسألون عن أشياء ، ويلحون فيها فينزل تحريمها ، قال - تعالى - : ( لا تسألوا عن أشياء ) ( سورة المائدة : الآية 101 ) الآية ، والسؤال اليوم لا يخاف منه نزول تحريم ولا تحليل ، فمن سأل مستفهما راغبا في العلم ونفي الجهل عن نفسه باحثا عن معنى يجب الوقوف عليه ، فلا بأس ، فشفاء العي السؤال ما لم يبلغ الجدال المنهي عنه ، ومن سأل متعنتا ، لم يحل له قليل السؤال ، ولا كثيره ، انتهى ، ملخصا .
وقيل : المراد كثرة سؤال الإنسان عن حاله ، وتفاصيل أمره ، فيدخل في سؤاله عما لا يعنيه ، ويتضمن حصول الحرج في حق المسئول ، فإنه قد لا يحب إخباره بأحواله ، فإن أخبر شق عليه ، وإن كذب في الإخبار ، أو تكلف التعريض لحقته المشقة ، وإن أهمل جوابه ارتكب سوء الأدب ، والحديث رواه مسلم من طريق جرير عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة موصولا به ، وهو يقوي رواية الأكثر عن مالك موصولا ، ولعله حدث بالوجهين : الوصل والإرسال .