1875 1828 - ( مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة : أنه سمع أنس بن مالك يقول : كان أبو طلحة ) زيد بن سهل الخزرجي ( أكثر أنصاري ) ، أي أكثر كل واحد من الأنصار ، ولذا لم يقل أكثر الأنصار ، فهو من التفضيل على التفضيل ، قاله الكرماني ( بالمدينة مالا ) ، تمييز أي من حيث المال ( من نخل ) بيان لمال ، ( وكان أحب أمواله ) ، هي حوائط ، قال ابن عبد البر : كانت دار أبي جعفر ، والدار التي تليها حوائط لأبي طلحة ، وكان قصر بني حديلة حائطا له ، يقال لها : بيرحاء ، قال الحافظ : ومراده بدار أبي جعفر التي صارت إليه بعد ذلك ، وعرفت به ، وهو أبو جعفر المنصور الخليفة العباسي ، وقصر بني حديلة - بحاء مهملة - مصغر ، ووهم من قال بجيم بطن من الأنصار ، فنسب إليه بسبب المجاورة ، وإلا فالذي بناه معاوية ، لما اشترى حصة حسان بمائة ألف درهم ، ليكون له حصنا ، وجعل له بابين أحدهما شارع على خط بني حديلة ، والآخر في الزاوية الشرقية ، والذي بناه لمعاوية الطفيل بن أبي بن كعب ، كما ذكره ابن شبة ، وغيره ( بيرحاء ) ، قال الباجي : قرأناه على أبي ذر - بفتح الراء - في موضع الرفع والنصب [ ص: 665 ] والخفض والجمع واللفظان اسم لموضع ، وليست مضافة إلى موضع ، وقال الحافظ أبو عبد الله الصوري : إنما هي بفتح الباء والراء ، واتفق هو وأبو ذر وغيرهما من الحفاظ على أن من رفع الراء حال الرفع ، فقد غلط ، وعلى ذلك كنا نقرؤه على شيوخ بلدنا ، وعلى الأول أدركت أهل العلم بالمشرق ، وهذا الموضع بقصر بني حديلة قبلي مسجد المدينة .
وفي فتح الباري : بيرحاء ، بفتح الموحدة ، وسكون التحتية ، وبفتح الراء ، وبالمهملة والمد ، وجاء في ضبطها أوجه ، جمعها في النهاية ، فقال : يروى بفتح الباء وكسرها ، وبفتح الراء وضمها ، وبالمد والقصر فهذه ثمانية .
وفي رواية حماد بن سلمة ، يعني في مسلم بريحا - بفتح وكسر الراء - مقدمة على التحتية .
وفي أبي داود : بأريحاء مثله ، لكن بزيادة ألف ، وقال الباجي : أفصحها بفتح الباء ، وسكون الياء ، وفتح الراء مقصور ، وكذا جزم به الصغاني ، وقال : إنه فعيلا من البراح ، قال : ومن ذكره بكسر الموحدة ، فظن أنها بئر من آبار المدينة ، فقد صحف ، انتهى .
وتعقب فيما نسبه للنهاية بأن الذي فيها إنما هو خمس فقط ، فنصبها بفتح الباء وكسرها ، وبفتح الراء وضمها ، والمد فيها ، وبفتحهما والقصر .
وقال عياض : روينا بفتح الباء ، والراء وبكسر الباء مع فتح الراء ، وضمها ، يسمى به ، وليس اسم بئر ، وجزم التيمي بأن المراد البستان ، قال : لأن بساتين المدينة تدعى بآبارها ، أي البستان الذي فيه بيرحاء ، وجزم الصغاني بأنها اسم أرض لا بئر ، قال في اللامع : ولا تنافي بين ذلك ، فإن الأرض أو البستان تسمى باسم البئر التي فيه ، وصوب الصغاني ، والزمخشري ، والمجد الشيرازي من هذا كله فتح الموحدة والراء ، وقال الباجي : إنها المسموعة على أبي ذر وغيره .
قال في الفتح : واختلف في حاء هل هي اسم رجل أو امرأة أو مكان ، أضيفت إليه البئر ، أو هي كلمة زجر للإبل ؟ فكأن الإبل كانت ترعى هناك وتزجر بهذه اللفظة ، فأضيفت البئر إلى اللفظة المذكورة .
( وكانت مستقبلة المسجد ) النبوي ، أي مقابلته قريبة منه ، ( وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدخلها ) ، زاد في رواية للبخاري : ويستظل فيها ، ( ويشرب من ماء فيها ) ، أي في بيرحاء ( طيب ) بالجر صفة ماء ، وفيه إباحة استعذاب الماء ، وتفضيل بعضه على بعض ، وإباحة الشرب من دار الصديق ، ولو لم يكن حاضرا إذا علم طيب نفسه ، واتخاذ الحوائط والبساتين ، ودخول أهل العلم والفضل فيها ، والاستظلال بظلها ، والراحة والتنزه فيها ، وقد يكون ذلك مستحبا يثاب عليه إذا قصد به إجمام النفس من تعب العبادة ، وتنشيطها في الطاعة .
( قال أنس : فلما أنزلت هذه الآية : nindex.php?page=hadith&LINKID=10354664لن تنالوا البر ) ، أي لا تبلغوا حقيقة البر الذي هو كمال الخير ، أو لن تنالوا بر الله الذي هو الرحمة والرضا والجنة ، ( حتى تنفقوا مما تحبون ) ، [ ص: 666 ] أي بعض ما تحبون من المال ، أو ما يعمه وغيره ، كبذل الجاه في معاونة الناس ، والبدن في طاعة الله ، والمهجة في سبيل الله .
لكن لا تصريح فيه بأنه جعلها وقفا ، ولذا قيل : لا ينهض الاستدلال بهذه القصة لشيء من مسائل الوقف .
( قال ) أنس : ( فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : فبخ ) ، بفتح الموحدة ، وسكون المعجمة ، وقد تنون مع التثقيل والتخفيف بالكسر وبالرفع والسكون ، ويجوز التنوين ، لغات ، ولو كررت فالمختار تنوين الأولى ، وتسكين الثانية ، ومعناه تفخيم الأمر والإعجاب به ، قاله الحافظ : ( ذلك مال رابح ، ذلك مال رابح ) مرتين ، قال الباجي : رواه يحيى ، وجماعة بتحتية وجيم ، أي يروح ثوابه في الآخرة ، انتهى .
وهو مخالف لقول ابن عبد البر ، رواه يحيى ، وجماعة " رابح " من الربح ، أي رابح صاحبه ومعطيه .
ورواه ابن وهب وغيره بتحتية ، أي يروح على صاحبه بالأجر العظيم ، والأول أولى عندي ، انتهى .
ونحوه قول أبي العباس الداني في أطراف الموطأ ، رواه يحيى الأندلسي بالموحدة ، والحاء المهملة ، وتابعه جماعة ، ورواه يحيى النيسابوري بالتحتية ، والحاء المهملة ، وتابعه إسماعيل ، وابن وهب ، ورواه القعنبي بالشك ، انتهى .
ومعنى رابح - بموحدة - : ذو ربح كلابن وتامر ، أي يربح صاحبه في الآخرة ، وقيل فاعل بمعنى مفعول ، أي مال مربوح فيه ، ومعناه بتحتية اسم فاعل من الرواح نقيض الغد ، وأنه قريب الفائدة يصل نفعه إلى صاحبه كل رواح ، لا يحتاج أن يتكلف فيه إلى مشقة وسير ، أو يروح بالأجر ، ويغدو به ، واكتفى بالرواح عن الغدو لعلم السامع ، أو من شأنه الرواح ، وهو [ ص: 667 ] الذهاب والفوات ، فإذا ذهب في الخير فهو أولى ، وادعى الإسماعيلي أن رواية التحتية تصحيف .
( وقد سمعت ) أنا ( ما قلت ) أنت ( فيه ، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين ) ، وفي رواية للبخاري : قبلناه منك ، ورددناه عليك فاجعله في الأقربين ، ( فقال أبو طلحة : أفعل ) - بضم اللام مضارع - ( يا رسول الله فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه ) ، عطف خاص على عام .
قال ابن عبد البر : روى إسماعيل القاضي عن القعنبي عن مالك بلفظ : nindex.php?page=hadith&LINKID=10354669فقسمها - صلى الله عليه وسلم - في أقاربه وبني عمه ، أي أقارب أبي طلحة ، وإضافة القسم إلى المصطفى - صلى الله عليه وسلم - على أنه الآمر به ، وإن شاع في لسان العرب ، لكن أكثر الرواة لم يقولوا ذلك ، والصواب علي بن عبد العزيز ، فقسمها أبو طلحة كرواية الجماعة ، وفيه التمسك بالعموم ; لأن أبا طلحة فهم من الآية تناول ذلك الجمع أفراده ، فلم يقف حتى يرد عليه البيان عن شيء بعينه بل بادر إلى إنفاق ما يحبه وأقره - صلى الله عليه وسلم - وفيه فضيلة لأبي طلحة لأن الآية تضمنت الحث على الإنفاق من المحبوب ، فترقى هو إلى إنفاق أحب المحبوب فصوبه - صلى الله عليه وسلم - وشكر فعله ، ثم أمره أن يخص بها أهله ، وكنى عن رضاه بذلك بقوله : بخ ، وزيادة صدقة التطوع على نصاب الزكاة ، خلافا لمن قيدها به ، وصدقة الصحيح بأكثر من ثلثه ; لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يستفصل أبا طلحة عن قدر ما تصدق به ، وقال لسعد بن أبي وقاص : nindex.php?page=hadith&LINKID=10354670الثلث والثلث كثير ، وفيه جواز حب المال للرجل الفاضل العالم ، وأنه لا نقص عليه من ذلك ، وقد أخبر الله عن الإنسان بقوله : ( وإنه لحب الخير لشديد ) ( سورة العاديات : الآية 8 ) ، والخير : المال اتفاقا وفيه غير ذلك .
وأخرجه البخاري في الزكاة عن عبد الله بن يوسف ، وفي الوكالة عن يحيى النيسابوري ، وفي الوقف ، وفي الأشربة عن القعنبي ، وفي التفسير عن إسماعيل بن أبي أويس ، ومسلم في الزكاة عن يحيى النيسابوري أربعتهم عن مالك به ، وتابعه عبد العزيز الماجشون عن إسحاق عند البخاري .