( nindex.php?page=hadith&LINKID=10350874كأنما وتر ) بضم الواو وكسر الفوقية ، ونائب الفاعل ضمير عائد على الذي يفوته ؛ أي : هو ، فقوله : ( أهله وماله ) بالنصب في رواية الجمهور مفعول ثان لوتر إذ يتعدى لمفعولين كقوله : ولن يتركم أعمالكم ( سورة محمد : الآية 35 ) والمعنى : أصيب بأهله وماله . وقيل : " وتر " بمعنى نقص ؛ فيرفع وينصب ؛ لأن من رد النقص إلى الرجل نصب وأضمر نائب الفاعل ، ومن رده إلى الأهل رفع .
وقال القرطبي : روي بالنصب على أن " وتر " بمعنى سلب يتعدى لمفعولين ، وبالرفع [ ص: 97 ] على أن وتر بمعنى أخذ ، فأهله هو نائب الفاعل ، وقيل : بدل اشتمال أو بعض ، وقيل النصب على التمييز أي وتر من حيث الأهل نحو : غبن رأيه وألم نفسه ، ومنه : إلا من سفه نفسه ( سورة البقرة : الآية 130 ) في وجه أو على نزع الخافض أي في أهله .
وقال النووي : روي بنصب اللامين ورفعهما ، والنصب هو الصحيح المشهور على أنه مفعول ثان ، ومن رفع فعلى ما لم يسم فاعله ومعناه انتزع منه أهله وماله وهذا تفسير مالك ، وأما النصب فقال الخطابي وغيره : معناه نقص أهله وماله وسلبهم ، فبقي وترا بلا أهل ولا مال ، فليحذر من تفويتها كحذره من ذهاب أهله وماله .
وقال ابن عبد البر : معناه عند أهل الفقه واللغة أنه كالذي يصاب بأهله وماله إصابة يطلب بهما وترا ، والوتر الجناية التي تطلب ثأرها ، فيجتمع عليه غمان : غم المصيبة وغم مقاساة طلب الثأر ولذا قال : وتر ، ولم يقل : مات أهله .
وقال الداودي : معناه يتوجه عليه من الاسترجاع ما يتوجه على من فقدهما ، فيتوجه عليه الندم والأسف لتفويته الصلاة ، وقيل : معناه فاته من الثواب ما يلحقه من الأسف عليه كما يلحق من ذهب أهله وماله .
وقال الحافظ : حقيقة الوتر كما قال الخليل : هو الظلم في الدم فاستعماله في غيره مجاز ، لكن قال الجوهري : الموتور هو الذي قتل له قتيل فلم يدرك دمه ، ويقال أيضا : وتره حقه أي نقصه ، وقيل : الموتور من أخذ أهله وماله وهو ينظر وذلك أشد لغمه ، فوقع التشبيه بذلك لمن فاتته الصلاة لأنه يجتمع عليه غمان : غم الإثم وغم فوات الصلاة ، كما يجتمع على الموتور غمان : غم السلب وغم الثأر .
ويؤيده رواية أبي مسلم الكجي من طريق حماد بن سلمة عن أيوب عن نافع في آخر الحديث وهو قاعد ، فهو إشارة إلى أنهما أخذا منه وهو ينظرهما .
وقال الحافظ زين الدين العراقي : كأن معناه أنه وتر هذا الوتر وهو قاعد غير مقاتل عنهم ولا ذاب وهو أبلغ في الغم لأنه لو فعل شيئا من ذلك كان أسلى له ، ويحتمل أن معناه وهو مشاهد لتلك المصائب غير غائب عنهم فهو أشد لتحسره ، قال : وإنما خص الأهل والمال بالذكر لأن الاشتغال في وقت العصر إنما هو بالسعي على الأهل والشغل بالمال ، فذكر أن تفويت هذه الصلاة نازل منزلة فقدهما ، فلا معنى لتفويتهما بالاشتغال بهما مع أن تفويتهما كفواتهما أصلا ورأسا ، واختلف في معنى الفوات في هذا الحديث فقال ابن وهب : هو فيمن لم يصلها في وقتها المختار ، وقيل : بغروب الشمس .
وفي موطأ ابن وهب قال مالك : تفسيرها ذهاب الوقت وهو محتمل للمختار وغيره .
وأخرج عبد الرزاق هذا الحديث عن ابن جريج عن نافع وزاد في آخره : قلت لنافع : حتى تغيب الشمس ؟ قال : نعم .
قال الحافظ : وتفسير الراوي إذا كان فقيها أولى من غيره .
وقال الأوزاعي : فواتها أن تدخل الشمس صفرة ، أخرجه أبو داود .
قال الحافظ : ولعله على مذهبه في خروج وقت العصر .
وقال مغلطاي في العلل لابن أبي حاتم عن أبيه : إن التفسير بذلك من قول نافع .
وقال المهلب ومن تبعه : إنما أراد فواتها في الجماعة لما يفوته من شهود الملائكة الليلية والنهارية ، ويؤيده رواية ابن منده : الموتور أهله وماله من وتر صلاة الوسطى في جماعة ، وهي صلاة العصر .
قال المهلب : وليس المراد فواتها باصفرار الشمس أو مغيبها ، إذ لو كان كذلك لبطل اختصاص العصر ، لأن ذهاب الوقت موجود في كل صلاة ونوقض بعين ما ادعاه لأن فوات الجماعة موجود في كل صلاة .
ويروى عن سالم أن هذا فيمن فاتته ناسيا ، ومشى عليه الترمذي فبوب على الحديث ما جاء في السهو عن وقت العصر ، وعليه فالمراد أنه يلحقه من الأسف عند معاينة الثواب لمن صلى ما يلحق من ذهب أهله وماله ، ويؤخذ منه التنبيه على أن أسف العامد أشد لاجتماع فقد الثواب وحصول الإثم ، وقال الداودي : إنما هو العامد .
النووي : وهو الأظهر ، وأيد بقوله في الرواية السابقة : من غير عذر . واختلف أيضا في تخصيص صلاة العصر بذلك ، فقيل : نعم ، لزيادة فضلها وأنها الوسطى ولأنها تأتي في وقت تعب الناس في مقاساة أعمالهم وحرصهم على قضاء أشغالهم وتسويفهم بها إلى انقضاء وظائفهم ولاجتماع المتعاقبين من الملائكة فيها ، ورجحه الرافعي والنووي ، وتعقبه ابن المنير بأن الفجر أيضا فيها اجتماع المتعاقبين فلا يختص العصر بذلك ، قال : والحق أن الله تعالى يخص ما شاء من الصلوات بما شاء من الفضيلة .
وقال ابن عبد البر : يحتمل أن الحديث خرج جوابا لسائل عن من تفوته العصر ، وأنه لو سئل عن غيرها لأجاب بمثل ذلك فيكون حكم سائر الصلوات كذلك ، وتعقبه النووي بأن الحديث ورد في العصر ولم تحقق العلة في هذا الحكم فلا يلحق بها غيرها بالشك والوهم وإنما يلحق غير المنصوص به إذا عرفت العلة واشتركا فيها .
قال ابن عبد البر : في هذا الحديث إشارة إلى تحقير الدنيا وأن قليل العمل خير من كثير منها .
وقال ابن بطال : لا يوجد حديث يقوم مقام هذا الحديث لأن الله قال : حافظوا على الصلوات ( سورة البقرة : الآية 238 ) ولا يوجد حديث فيه تكليف المحافظة غير هذا الحديث .
وأخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف ، ومسلم عن يحيى ، كلاهما عن مالك به .