قال النووي : معنى يحتجر يحوط موضعا من المسجد بحصير يستره ليصلي فيه ولا يمر بين يديه مار ليتوفر خشوعه ويتفرغ قلبه .
وتعقبه الكرماني بأن لفظ الحديث لا يدل على أن احتجاره كان في المسجد ، ولو كان كذلك لزم أن يكون تاركا للأفضل الذي أمر الناس به بقوله : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10351704صلوا في بيوتكم فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة " ثم أجاب بأنه صح أنه كان في المسجد فهو إذا احتجر صار كأنه بيت بخصوصه ، أو أن سبب كون صلاة التطوع في البيت أفضل عدم شوبه بالرياء غالبا والنبي - صلى الله عليه وسلم - منزه عن الرياء في بيته وفي غير بيته .
( فصلى بصلاته ناس ثم صلى الليلة القابلة ) وللبخاري من هذا الطريق من القابلة ولبعض رواته من القابل بالتذكير أي الوقت ، ولأحمد من رواية معمر عن ابن شهاب من الليلة المقبلة .
( nindex.php?page=hadith&LINKID=10351718ولم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم ) صلاة الليل فتعجزوا عنها كما في رواية يونس عند مسلم ونحوه في رواية عقيل عند البخاري أي تشق عليكم فتتركوها مع القدرة عليها ، وليس المراد العجز الكلي لأنه يسقط التكليف من أصله ، وقد استشكلت هذه الخشية مع قوله سبحانه : nindex.php?page=hadith&LINKID=10350829هن خمس وهن خمسون لا يبدل القول لدي فإذا أمن التبديل كيف يخاف من الزيادة ؟ وأجاب الخطابي بأن صلاة الليل كانت واجبة عليه - صلى الله عليه وسلم - وأفعاله الشرعية يجب على الأمة الاقتداء به [ ص: 413 ] فيها عند المواظبة ، فترك الخروج إليهم لئلا يدخل ذلك في الواجب بطريق الأمر بالاقتداء به لا من طريق إنشاء فرض جديد زائد على الخمس ، وهذا كما يوجب المرء على نفسه صلاة نذر فيجب عليه ولا يلزم زيادة فرض في أصل الشرع ، وباحتمال أن الله لما فرض الصلاة خمسين ثم حط معظمها بشفاعة نبيه فإذا عادت الأمة فيما استوهب لها والتزمت ما استعفى لهم نبيهم - صلى الله عليه وسلم - لم ينكر أن يثبت ذلك فرضا كما التزم ناس الرهبانية من قبل أنفسهم ثم عاب الله التقصير فيها بقوله : فما رعوها حق رعايتها ( سورة الحديد : الآية 27 ) فخشي - صلى الله عليه وسلم - أن يكون سبيلهم سبيل أولئك فقطع العمل شفقة عليهم انتهى . وتبعه جماعة من الشراح وهو مبني على وجوب قيام الليل ووجوب الاقتداء بأفعاله في كل شيء وفي كل من الأمرين نزاع .
وجواب الكرماني بأن حديث الإسراء يدل على أن المراد الأمن من نقص شيء ولم يتعرض للزيادة ، فيه نظر ; لأن ذكر المضعف بقوله : nindex.php?page=hadith&LINKID=10350829هن خمس وهن خمسون إشارة إلى عدم الزيادة أيضا لأن التضعيف لا ينقص عن العشر ، ودفع بعضهم في أصل السؤال بأن الزمان قابل للنسخ فلا مانع من خشية الافتراض ، فيه نظر ؛ لأن قوله " ما يبدل القول لدي " خبر ولا يدخله النسخ على الراجح وليس كقوله مثلا : صوموا الدهر أبدا فإنه يجوز فيه النسخ .
وقال الباجي : قال القاضي أبو بكر يحتمل أن يكون أوحى الله إليه أنه إن واصل الصلاة معهم فرضها عليهم ، ويحتمل أنه - صلى الله عليه وسلم - ظن أن ذلك سيفرض عليهم لما جرت عادته بأن ما داوم عليه على وجه الاجتماع فرض على أمته ، ويحتمل أن يريد بذلك أنه خاف أن يظن أحد من أمته بعده إذا داوم عليها وجوبها ، وإلى الثالث نحا القرطبي فقال : قوله أن يفرض عليكم أي تظنونه فرضا فيجب من ظن ذلك كما إذا ظن المجتهد حل شيء أو حرمته فيجب عليه العمل به ، وقيل : كان حكمه - صلى الله عليه وسلم - إذا واظب على شيء من الأعمال واقتدى الناس به فيه أنه يفرض عليهم اهـ .
ولا يخفى بعده فقد واظب على رواتب الفرائض وتابعه أصحابه ولم تفرض .
وقال ابن بطال : يحتمل أن هذا القول صدر منه - صلى الله عليه وسلم - لما كان قيام الليل فرضا عليه دون أمته فخشي إن خرج إليهم والتزموه معه أن يسوي بينهم وبينه في حكمه لأن أصل الشرع المساواة بين النبي وأمته في العبادة .
ويحتمل أنه خشي من مواظبتهم عليها أن يضعفوا عنها فيعصي تاركها بترك اتباعه - صلى الله عليه وسلم - .
قال : وأقوى هذه الثلاثة في نظري الأول ، وفي الحديث ندب قيام الليل ولا سيما في رمضان جماعة لأن الخشية المذكورة أمنت بعده ولذا جمعهم عمر كما في الحديث التالي ، وفيه أن الكبير إذا فعل شيئا خلاف ما اعتاده أتباعه أن يذكر لهم عذره وحكمه ، وشفقته - صلى الله عليه وسلم - على أمته ورأفته بهم وترك بعض المصالح لخوف المفسدة وتقديم أهم المصلحتين وجواز الاقتداء بمن لم ينو الإمامة ، وفيه نظر لأن نفي النية لم ينقل ولم يطلع عليه بالظن وترك الأذان والإقامة للنوافل إذا صليت جماعة وأخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به .