25 25 - ( مالك عن ابن شهاب ) الزهري ( عن سعيد بن المسيب ) بن حزن بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي أحد العلماء الأثبات الفقهاء الكبار من كبار التابعين ، وأبوه وجده صحابيان واتفقوا على أن مرسلاته أصح المراسيل ، وقال علي ابن المديني : لا أعلم في التابعين أوسع علما منه ، مات سنة أربع وقيل : ثلاث وتسعين وقد ناهز الثمانين ، وهذا مرسل عند جميع رواة الموطأ ، وقد تبين وصله ، فأخرجه [ ص: 102 ] مسلم وأبو داود وابن ماجه من طريق ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة : ( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) ورواية الإرسال لا تضر في رواية من وصله لأن يونس من الثقات الحفاظ ، احتج به الأئمة الستة ، وتابعه الأوزاعي وابن إسحاق في رواية ابن عبد البر ، وتابع مالكا على إرساله معمر في رواية عبد الرزاق عنه وسفيان بن عيينة ، ووصله في رواية أبان العطار عن معمر ، لكن عبد الرزاق أثبت في معمر من أبان .
ومحمد بن إسحاق في السيرة عن ابن شهاب عن سعيد مرسلا ، فيحمل على أن الزهري حدث به على الوجهين مرسلا وموصولا .
( حين قفل ) أي رجع ، والقفول الرجوع من السفر ، ولا يقال لمن سافر مبتدئا : قفل إلا القافلة تفاؤلا .
( من ) غزوة ( خيبر ) بخاء معجمة وراء آخره كما رواه يحيى وابن القاسم وابن بكير والقعنبي وغيرهم .
قال الباجي وابن عبد البر وغيرهما : وهو الصواب .
وقال الأصيلي : إنما هو من حنين بمهملة ونون يعني حتى لا يخالف قوله في حديث زيد بن أسلم بطريق مكة لأن طريقها غير طريق خيبر ، ورده أبو عمر وغيره بأن طريقهما من المدينة واحد فلا خلف ، فلا يحتاج لدعوى التصحيف ، وقد قال النووي : ما قاله الأصيلي غريب ضعيف . انتهى .
والمراد من خيبر وما اتصل بها من فتح وادي القرى لأن النوم كان حين قرب من المدينة .
وفي الصحيحين عن عمران وأبي قتادة : كنا في سفر بالإبهام .
ويأتي من مرسل زيد بن أسلم بطريق مكة ، ولعبد الرزاق من مرسل عطاء بن يسار ، والبيهقي عن عقبة بن عامر ، والطبراني عن ابن عمرو بطريق تبوك .
قال الحافظ : فاختلاف المواطن يدل على تعدد القصة ، واختلف هل كان نومهم عن الصبح مرة أو أكثر ؟ فجزم الأصيلي بأن القصة واحدة ، ورده عياض بمغايرة قصة أبي قتادة لقصة عمران وهو كما قال ، وحاول ابن عبد البر الجمع بأن زمان رجوعهم من خيبر قريب من زمان رجوعهم من الحديبية ، وطريق مكة تصدق بها ولا يخفى تكلفه ، ورواية غزوة تبوك ترد عليه . انتهى .
لكن ابن عبد البر ذكرها وقال : إنها مرسلة من عطاء لا تصح لأن الآثار الصحاح المسندة على خلاف قوله . انتهى .
ولعله لم يقف على حديثي عقبة وابن عمرو ، أو لم يصحا عنده .
وقال النووي : اختلف هل كان النوم مرة أو مرتين ؟ ورجحه القاضي عياض .
( عرس ) بتشديد الراء ، قال الخليل والجمهور : التعريس نزول المسافر آخر الليل للنوم والاستراحة ، ولا يسمى نزول أول الليل تعريسا ، ويقال : لا يختص بزمن بل مطلق نزول المسافر للراحة ، ثم يرتحل ليلا كان أو نهارا .
( وقال ) - صلى الله عليه وسلم - ( لبلال ) بن رباح المؤذن ، وهو ابن حمامة وهي أمه ، مولى أبي بكر ، من السابقين الأولين وشهد بدرا والمشاهد ، مات بالشام سنة سبع عشرة أو ثمان عشرة ، وقيل : سنة عشرين وله بضع وستون سنة .
( اكلأ ) بالهمزة ، قال تعالى : قل من يكلؤكم ( سورة الأنبياء : الآية 42 ) أي يحفظكم أي احفظ وارقب ( لنا الصبح ) بحيث إذا طلع توقظنا .
وفي مسلم ( الليل ) أي بحيث إذا تم بطلوع الفجر توقظنا .
وقال ابن عبد البر : يحتمل أن يكون تأسفا على ما فاتهم من وقت الصلاة ، قال : وفيه دلالة على أن ذلك لم يكن من عادته منذ بعث ، قال : ولا معنى لقول الأصيلي لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يتبعه عدو ، وفي انصرافه من خيبر ولا من حنين ولا ذكر ذلك أحد من أهل المغازي ، بل انصرف من كلتا الغزوتين ظافرا غانما .
وقال ابن عبد البر : أي إذا كنت أنت في منزلتك من الله قد غلبتك عينك وقبضت نفسك فأنا أحرى بذلك ، ومعناه قبض نفسي الذي قبض نفسك فالباء زائدة ، قال : وهذا قول من جعل النفس والروح شيئا واحدا ، لأنه قال في الحديث الآخر : إن الله قبض أرواحنا ، فنص على أن المقبوض هو الروح ، وفي القرآن : الله يتوفى الأنفس حين موتها ( سورة الزمر : الآية 42 ) الآية .
ومن قال : النفس غير الروح تأول أخذ بنفسي من النوم الذي أخذ بنفسك منه .
زاد في رواية ابن إسحاق : قال صلى الله عليه وسلم : " صدقت " .
ففي هذا الحديث أن أول من استيقظ النبي - صلى الله عليه وسلم - وأن الذي كلأ الفجر بلال .
ومثله في حديث أبي قتادة في الصحيحين ، وفيهما من حديث عمران أن أول من استيقظ أبو بكر ثم فلان ثم فلان ثم عمر الرابع فكبر حتى استيقظ صلى الله عليه وسلم .
وفي حديث أبي قتادة : أن العمرين لم يكونا معه لما نام .
وفي قصة عمران أنهما كانا معه .
وروى الطبراني سببها بقصة عمران وفيه : أن الذي كلأ الفجر ذو مخبر وهو بكسر الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الموحدة ، وفي صحيح ابن حبان عن أبي مسعود أنه كلأ لهم الفجر ، قال الحافظ : فهذا كله يدل على تعدد القصة ومع ذلك فالجمع ممكن ، ولا سيما مع ما في مسلم وغيره أن عبد الله بن رباح راوي الحديث عن أبي قتادة ذكر أن عمران سمعه وهو يحدث الحديث بطوله فقال : انظر كيف تحدث فإني كنت شاهد القصة فما أنكر عليه من الحديث شيئا ، فهذا يدل على اتحادها ، لكن لمدعي التعدد أن يقول : يحتمل أن عمران حضر القصتين فحدث بإحداهما وصدق ابن رباح لما حدث بالأخرى . انتهى .
فليتأمل الجمع بماذا مع هذا التغاير في الذي كلأ وأول من استيقظ ، وأن العمرين معه في قصة عمران دون قصة أبي قتادة ، وسبق اختلاف آخر في محل النوم ، فالمتجه ما رجحه عياض أن النوم عن صلاة الصبح وقع مرتين وإليه أومى الحافظ قبل ذلك كما مر ، ولذا قال السيوطي : لا يجمع إلا بتعدد القصة .
ويأتي في رواية زيد بن أسلم وقال : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10350906إن هذا واد به شيطان " فعلله - صلى الله عليه وسلم - بهذا ولا يعلمه إلا هو - صلى الله عليه وسلم - قال عياض : وهذا أظهر الأقوال في تعليله ويأتي له مزيد في التالي .
( فإن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه : وأقم الصلاة لذكري ) قال عياض : قال بعضهم : فيه تنبيه على ثبوت هذا الحكم وأخذه من الآية التي تضمنت الأمر لموسى - عليه السلام - وأنه مما يلزمنا اتباعه .
وقال غيره : استشكل وجه أخذ الحكم من الآية فإن معنى الذكرى إما لذكري فيها وإما لأذكرك عليها على اختلاف القولين في تأويلها وعلى كل فلا يعطى ذلك .
قال ابن جرير : ولو كان المراد حين تذكرها لكان التنزيل لذكرها ، وأصح ما أجيب به أن الحديث فيه تغيير من الراوي وإنما هو للذكرى بلام التعريف وألف القصر كما في سنن أبي داود ، وفيه وفي مسلم زيادة ، وكان ابن شهاب يقرؤها للذكرى فبان بهذا أن استدلاله - صلى الله عليه وسلم - إنما كان بهذه القراءة فإن معناها للتذكر أي لوقت التذكر ، قال عياض : وذلك هو المناسب لسياق الحديث ، وعرف أن التغيير صدر من الرواة عن مالك أو ممن دونهم لا من مالك ولا ممن فوقه .
[ ص: 106 ] قال النووي : هذا هو الصحيح المعتمد ، قال الحافظ : ولا يقال القلب وإن لم يدرك ما يتعلق بالعين من رؤية الفجر مثلا لكنه يدرك إذا كان يقظانا مرور الوقت الطويل ، فإن من ابتداء الفجر إلى أن حميت الشمس مدة لا تخفى على من لم يستغرق لأنا نقول : يحتمل أن قلبه كان مستغرقا بالوحي ولا يلزم وصفه بالنوم كما كان يستغرق حالة إلقاء الوحي يقظة ، وحكمة ذلك بيان التشريع بالفعل لأنه أوقع في النفس كما في سهوه في الصلاة ، قال : وقريب من هذا جواب ابن المنير بأن السهو قد يحصل له في اليقظة لمصلحة التشريع ، ففي النوم أولى أو على السواء ، وجمع أيضا بأنه كان له حالان : أحدهما ينام فيه القلب فصادف هذا الموضع ، والثاني لا ينام وهو الغالب من أحواله وهذا ضعيف وقيل غير ذلك كما بسطه في فتح الباري .