306 303 - ( مالك عن ابن شهاب عن أنس بن مالك ) قال أبو عمر : لم تختلف رواة الموطأ في سنده ، ورواه سويد بن سعيد عن مالك عن الزهري عن الأعرج عن أبي هريرة وهو خطأ لم يتابعه أحد عليه .
( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب فرسا ) في ذي الحجة سنة خمس من الهجرة أفاده ابن حبان ( فصرع ) بضم الصاد وكسر الراء أي سقط عن الفرس ، وللتنيسي ومعن فصرع عنه ، وفي أبي داود وابن خزيمة بسند صحيح عن جابر : " وركب صلى الله عليه وسلم فرسا بالمدينة فصرعه على جذع نخلة " ، ( فجحش ) بضم الجيم وكسر الحاء المهملة أي خدش ، وقيل : الجحش فوق الخدش ، وحسبك أنه لم يقدر أن يصلي قائما قاله ابن عبد البر ، والخدش قشر الجلد ( شقه الأيمن ) بأن قشر جلده ، ولعبد الرزاق عن ابن جريج عن الزهري : ساقه الأيمن وليست مصحفة كما زعم بعضهم لموافقة رواية حميد لها ، وإنما هي مفسرة لمحل الخدش من الشق الأيمن لأن الخدش لم يستوعبه ، ( فصلى صلاة من الصلوات ) قال القرطبي : اللام للعهد ظاهرا والمراد الفرض لأنها التي عرف من عادتهم أنهم يجتمعون لها بخلاف النافلة وحكى عياض عن ابن القاسم أنها كانت نفلا ، وتعقب بأن في أبي داود وابن خزيمة عن جابر الجزم بأنها فرض ، قال الحافظ : لكن لم أقف على تعيينها إلا أن في حديث أنس : فصلى بنا يومئذ - فكأنها نهارية - الظهر أو العصر ، ( وهو قاعد ) قال عياض : يحتمل أنه أصابه من السقطة رض في الأعضاء منعه من القيام ، قال الحافظ : وليس كذلك وإنما كانت قدمه منفكة كما في رواية بشر بن المفضل عن حميد عن أنس عند الإسماعيلي ، وكذا لأبي داود وابن خزيمة عن جابر فصرعه على جذع نخلة فانفكت قدمه لا ينافيه " جحش شقه " لاحتمال وقوع الأمرين ( وصلينا وراءه قعودا ) ظاهره يخالف حديث عائشة بعده ، والجمع بينهما أن في رواية أنس اختصارا وكأنه اقتصر على ما آل إليه الحال بعد أمره لهم بالجلوس .
وفي الصحيحين عن حميد عن أنس : " فصلى بهم [ ص: 480 ] جالسا وهم قيام " ، وفيها أيضا اختصار لأنه لم يذكر قوله لهم اجلسوا والجمع بينهما أنهم ابتدءوا الصلاة قياما ، فأومأ إليهم أن يقعدوا فقعدوا ، فنقل كل من الزهري وحميد أحد الأمرين وجمعتهما عائشة وكذا جابر في مسلم ، وجمع القرطبي باحتمال أن بعضهم قعد من أول الحال وهو ما حكاه أنس ، وبعضهم قام حتى أشار إليه بالجلوس وهو ما حكته عائشة ، وتعقب باستبعاد قعود بعضهم بغير إذنه صلى الله عليه وسلم لاستلزامه النسخ بالاجتهاد لأن فرض القادر في الأصل القيام ، وجمع آخرون باحتمال تعدد الواقعة وفيه بعد لأن حديث أنس إن كان سابقا لزم النسخ بالاجتهاد ، وإن كان متأخرا لم يحتج إلى إعادة ، إنما جعل الإمام . . . . إلخ ، لأنهم امتثلوا أمره السابق وصلوا قعودا لقعوده .
وفي حديث جابر ثم أبي داود أنهم دخلوا يعودونه مرتين فصلى بهم فيهما لكن بين أن الأولى كانت نافلة وأقرهم على القيام وهو جالس ، والثانية كانت فريضة وابتدءوا قياما فأشار إليهم بالجلوس ، ونحوه في رواية بشر عن حميد عن أنس عند الإسماعيلي .
( فلما انصرف ) من الصلاة ( قال : إنما جعل الإمام ) إماما ( ليؤتم ) ليقتدى ( به ) ويتبع ، ومن شأن التابع أن لا يسبق متبوعه ولا يساويه ولا يتقدم عليه في موقفه بل يراقب أحواله ويأتي على أثره بنحو فعله ، ومقتضى ذلك أن لا يخالفه في شيء من الأحوال ، قاله البيضاوي وغيره ، قال في الاستذكار : زاد معن في الموطأ عن مالك : " فلا تختلفوا عليه " ، ففيه حجة لقول مالك والثوري وأبي حنيفة وأكثر التابعين بالمدينة والكوفة أن من خالفت نيته نية إمامه بطلت صلاة المأموم ، إذ لا اختلاف أشد من اختلاف النيات التي عليها مدار الأعمال انتهى .
وفي التمهيد روى الزيادة ابن وهب ويحيى بن مالك وأبو علي الحنفي عن مالك عن الزهري عن أنس ، وليست في الموطأ إلا بلاغات مالك وقد رواها معن وأبو قرة عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعا انتهى .
وثبتت زيادة معن هذه في رواية همام عن أبي هريرة في الصحيحين ، وأفادت أن الأمر بالاتباع يعم جميع المؤمنين ولا يكفي اتباع بعض دون بعض .
( فإذا صلى قائما فصلوا قياما وإذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا وإذا قال سمع الله ) أي أجاب الدعاء ( فقولوا ربنا ولك الحمد ) بالواو لجميع الرواة في حديث أنس هذا إلا في رواية شعيب عن الزهري رواه البخاري بدونها ورجح إثباتها باتفاق رواة حديث عائشة وأبي هريرة على ذلك أيضا ، وبأن فيها معنى زائدا لأنها عاطفة على محذوف تقديره : ربنا استجب أو ربنا أطعناك ولك الحمد ، فتشتمل على الدعاء والثناء معا ، ورجح قوم حذفها لأن الأصل عدم التقدير فتصير عاطفة على كلام غير تام ، قال ابن دقيق العيد : والأول أوجه .
وقال النووي : ثبتت الرواية بإثبات الواو وحذفها والوجهان جائزان بغير [ ص: 481 ] ترجيح ، وزاد في بعض طرق حديث عائشة عند البخاري وغيره : وإذا سجد فاسجدوا ، ( فإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا ) ظاهره صحة إمامة الجالس المعذور بمثله وجلوس مأمومه القادر معه لكن الثاني منسوخ قاله الشافعي وغيره .
وقال الباجي : مقتضى سياق الحديث أن معناه إذا صلى جالسا في موضع الجلوس أن يقتدى به في جلوسه في التشهد وبين السجدتين لأنه وصف أفعال الصلاة من أولها فصلا فصلا ، وانتقل إلى الائتمام به في حال الجلوس وهو موضع التشهد فأمر أن يقتدى به فيها ، وأيد بأنه ذكر ذلك عقب الرفع من الركوع ، فيحمل على أنه لما جلس للتشهد قاموا تعظيما له فأمرهم بالجلوس تواضعا ، وقد نبه على ذلك بقوله في حديث جابر : " إن nindex.php?page=hadith&LINKID=10351900كدتم آنفا تفعلون فعل فارس والروم يقومون على ملوكهم وهم قعود فلا تفعلوا " رواه أبو داود وابن خزيمة بإسناد صحيح ، واستبعد ذلك ابن دقيق العيد بأن سياق طرق الحديث تأباه ، وبأنه لو كان الأمر بالجلوس في الركن لقال : وإذا جلس فاجلسوا ليناسب قوله : وإذا سجد فاسجدوا ، فلما عدل إلى قوله : وإذا صلى جالسا كان كقوله : وإذا صلى قائما ، والمراد بذلك جميع الصلاة ، ويؤيده قول أنس : وصلينا وراءه قعودا ( أجمعون ) بالواو في جميع طرق حديث أنس تأكيدا لضمير الفاعل في قوله : فصلوا ، وأخطأ من ضعفه فإن المعنى عليه ، واختلفوا في رواية همام عن أبي هريرة فقال بعضهم أجمعين بالياء نصب على الحال أي جلوسا مجتمعين ، أو على التأكيد لضمير مقدر منصوب كأنه قيل : أعنيكم أجمعين ، وفيه مشروعية ركوب الخيل والتدرب على أخلاقها والتأسي لمن يحصل له منها سقوط ونحوه بما اتفق له صلى الله عليه وسلم في هذه الواقعة وبه الأسوة الحسنة ، وفيه أنه يجوز عليه ما يجوز على البشر من الأسقام ونحوها من غير نقص في مقداره لذلك ، بل ليزداد قدره رفعة ومنصبه جلالة ، وأخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم من طريق معن كلاهما عن مالك به .