362 360 - ( مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ) زيد بن سهل الأنصاري ( عن أنس بن مالك ) الصحابي الشهير ( أن جدته مليكة ) بضم الميم وفتح اللام على الصواب ، وقول الجمهور عن الأصيلي بفتح الميم وكسر اللام وهذا غريب مردود قاله النووي ، قال الحافظ : ضمير جدته يعود على إسحاق ، جزم به ابن عبد البر وعبد الحق وعياض وصححه النووي ، وجزم ابن سعد وابن منده وابن الحصار بأنها جدة أنس وهو مقتضى كلام إمام الحرمين في النهاية ومن تبعه وكلام عبد الغني في العمدة وهو ظاهر السياق ، ويؤيده ما رويناه في فوائد العراقيين لأبي الشيخ من طريق القاسم بن يحيى المقدمي عن عبيد الله بن عمر عن إسحاق بن أبي طلحة nindex.php?page=hadith&LINKID=10351983عن أنس قال : " أرسلتني جدتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم واسمها [ ص: 530 ] مليكة فجاءنا فحضرت الصلاة " الحديث .
وقال ابن سعد في الطبقات : nindex.php?page=showalam&ids=11088أم سليم بنت ملحان فساق نسبهما إلى عدي بن النجار ، قال : وهي الغميصا ويقال nindex.php?page=showalam&ids=11088الرميصا ويقال اسمها سهلة ويقال أنيفة أي بنون وفاء مصغرة ويقال رميثة وأمها مليكة بنت مالك بن عدي فساق نسبها إلى مالك بن النجار ، ثم قال : تزوج أم سليم مالك بن النضر فولدت له أنسا والبراء ثم خلف عليها أبو طلحة فولدت له عبد الله وأبا عمير انتهى .
وعبد الله هو والد إسحاق راوي هذا الحديث عن عمه أخي أبيه لأمه أنس بن مالك ، ومقتضى كلام من أعاد ضمير جدته إلى إسحاق أن يكون اسم أم سليم مليكة ، ومستندهم ما رواه ابن عيينة عن إسحاق بن أبي طلحة عن أنس قال : صففت أنا ويتيم في بيتنا خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأمي أم سليم خلفنا ، هكذا أخرجه البخاري والقصة واحدة طولها مالك واختصرها سفيان ويحتمل تعددها فلا يخالف ما تقدم وكون مليكة جدة أنس لا ينفي كونها جدة إسحاق لما بيناه ، لكن رواية الدارقطني في غرائب مالك بلفظ : " صنعت مليكة لرسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما فأكل منه وأنا معه " ظاهرة في أن مليكة اسم أم سليم نفسها .
وقال في الإصابة : قوى ابن الأثير قول من أعاد ضمير جدته إلى إسحاق بأن أنسا لم يكن في جداته من قبل أبيه ولا أمه من تسمى مليكة ، قلت : وهذا نفي مردود فقد ذكر العدوي في نسب الأنصار أن اسم والدة أم سليم مليكة فظهر بذلك أن ضمير جدته لأنس وهي أم أمه ، وبطل قول من جعل الضمير لإسحاق وبنى عليه أن اسم أم سليم مليكة انتهى .
( دعت رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام ) أي لأجله زاد التنيسي صنعته ( فأكل منه ) قال ابن عبد البر : زاد فيه إبراهيم بن طهمان وعبد الله بن عون وموسى بن أعين عن مالك : " وأكلت معه ثم دعا بوضوء فتوضأ ثم قال : قم فتوضأ ومر العجوز فلتتوضأ ومر هذا اليتيم فليتوضأ " انتهى .
يعني فلا دليل على ترك الوضوء مما مست النار ( ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قوموا فلأصلي ) بكسر اللام وضم الهمزة وفتح الياء وسكونها ، قال ابن مالك : وجهه أن اللام عند فتح الياء لام كي والفعل بعدها منصوب بأن مضمرة واللام ومصحوبها خبر مبتدأ محذوف والتقدير فقيامكم لأصلي ، ويجوز على مذهب الأخفش أن الفاء زائدة واللام متعلقة بقوموا ، وعلى رواية سكون الياء يحتمل أنها لام كي أيضا وسكنت الياء تخفيفا أو لام الأمر وثبتت الياء في الجزم إجراء للمعتل مجرى الصحيح كقراءة قنبل : ( من يتقي ويصبر ) وروي بحذف الياء فاللام لام الأمر وأمر المتكلم نفسه بفعل مقرون باللام فصيح قليل في الاستعمال : ومنه قوله تعالى : ( ولنحمل خطاياكم ) ( سورة العنكبوت : الآية 12 ) ، وحكى ابن قرقول عن بعض الروايات فلنصل بالنون وكسر اللام والجزم واللام على هذا لام الأمر وكسرها لغة معروفة ، وقيل : إن في رواية فأصل بحذف اللام وأخرى فلأصلي بفتح اللام مع سكون الياء على أنها لام ابتداء للتأكيد أو لام أمر فتحت [ ص: 531 ] على لغة بني سليم وثبتت الياء في الجزم إجراء للمعتل مجرى الصحيح أو جواب قسم محذوف والفاء جواب شرط أي إن قمتم فوالله لأصلي لكم ، قال ابن السيد : وهو غلط لأنه لا وجه للقسم إذ لو أريد القسم لقال لأصلين بالنون ، وأنكر الحافظ ورود الرواية بهذا وبما قبله .
( لكم ) أي لأجلكم ، قال السهيلي : الأمر هنا بمعنى الخبر وهو كقوله تعالى : ( فليمدد له الرحمن مدا ( سورة مريم : الآية 75 ) ويحتمل أنه أمر لهم بالائتمام لكنه أضافه إلى نفسه لارتباط فعله بفعلهم انتهى .
وبدأ صلى الله عليه وسلم في هذه القصة بالطعام قبل الصلاة ، وفي قصة عتبان بالصلاة قبل الطعام لأنه بدأ في كل منهما بأصل ما دعي لأجله ( قال أنس : فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس ) بضم اللام وكسر الموحدة أي استعمل ولبس كل شيء بحسبه ، ففيه أن الافتراش يسمى لبسا واستدل به على منع افتراش الحرير لعموم النهي عن لبسه ، ولا يرد أن من حلف لا يلبس حريرا لا يحنث بافتراشه لأن الأيمان مبناها العرف .
وقال ابن عبد البر : فيه إن من حلف لا يلبس ثوبا ولا نية له ولا بساط فإنه يحنث بافتراشه لأنه يسمى لبسا .
( فنضحته بماء ) ليلين لا لنجاسة قاله إسماعيل القاضي ، وقال غيره : النضح طهور لما شك فيه لتطيب النفس كما قال : اغسل ما رأيت وانضح ما لم تر ، قال أبو عمر : ثوب المسلم محمول على الطهارة حتى تتيقن النجاسة فالنضح الذي هو الرش لقطع الوسوسة فيما شك فيه .
وقال الباجي : الظاهر أنه إنما نضحه لما خاف أن يناله من النجاسة لأنهم كانوا يلبسونه ومعهم صبي فطيم .
وقال الحافظ : يحتمل أن النضح لتليين الحصير أو لتطهيره ، ولا يصح الجزم بالأخير بل المتبادر غيره لأن الأصل الطهارة .
( وصففت أنا واليتيم ) بالرفع عطفا على الضمير المرفوع وبالنصب مفعول معه أي مع اليتيم ( وراءه ) أي خلفه وهو ضميرة بن أبي ضميرة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا سماه عبد الملك بن حبيب ، وجزم البخاري بأن اسم أبي ضميرة سعد الحميري ويقال : سعيد ونسبه ابن حبان ليثيا ، وقيل اسمه روح ووهم من قال اسم اليتيم روح كأنه انتقل ذهنه من الخلاف في اسم أبيه إليه ، [ ص: 532 ] وكذا وهم من قال اسمه سليم كما بينه في الفتح .
( والعجوز من ورائنا ) هي مليكة المذكورة أولا جزم به الحافظ ، وقال النووي : هي nindex.php?page=showalam&ids=11088أم أنس أم سليم انتهى والمتبادر الأول .
لطيفة : روى السلفي في الطيوريات بسنده أن أبا طلحة زوج أم أنس قام إليها مرة يضربها فقام أنس ليخلصها ، وقال له : خل عن العجوز ، فقالت له : أتقول العجوز ؟ عجز الله ركبك .
( فصلى لنا ركعتين ثم انصرف ) أي إلى بيته أو من الصلاة ، واعترض إدخال هذا الحديث في سبحة الضحى وليس فيه ما يدل على ذلك ، وقد قال أنس : إنه لم ير النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى إلا مرة واحدة في دار الأنصاري الضخم الذي دعاه ليصلي في بيته ليتخذ مكانه مصلى ، رواه البخاري .
وأجاب الباجي بأن مالكا لعله بلغه أن حديث مليكة كان ضحى ، واعتقد أنس أن المقصود منها التسليم لا الوقت فلم يعتقدها صلاة ضحى .
وأجاب ابن العربي في القبس بأن مالكا نظر إلى كون الوقت الذي وقعت فيه تلك الصلاة هو وقت صلاة الضحى فحمله عليه ، وأن أنسا لم يطلع على أنه صلى الله عليه وسلم نوى بتلك الصلاة صلاة الضحى انتهى .
والجوابان متقاربان لكن ملحظهما مختلف .
وفي هذا الحديث إجابة الدعوة وإن لم يكن عرسا ولو كان الداعي امرأة لكن حيث تؤمن الفتنة والأكل من طعام الدعوة وصلاة النافلة جماعة في البيوت ، وكأنه صلى الله عليه وسلم أراد تعليمهم أفعال الصلاة بالمشاهدة لأجل المرأة لأنه قد يخفى عليها بعض التفاصيل لبعد موقفها ، وفيه تنظيف مكان المصلي ، وقيام الرجل مع الصبي صفا ، وتأخير النساء عن صفوف الرجال ، وقيام المرأة صفا وحدها إذا لم يكن معها امرأة غيرها ، وجواز صلاة المنفرد خلف الصف ولا حجة فيه ، لأن سنة المرأة أن تقوم خلف الرجال وليس لها القيام معهم في الصف ، وفي الاقتصار في نافلة النهار على ركعتين خلافا لمن اشترط أربعا ، وصحة صلاة الصبي المميز ، وأن محل الفضل الوارد في صلاة النافلة منفردا حيث لا يكون هناك مصلحة بل يمكن أن يقال هو إذ ذاك أفضل ولا سيما في حقه صلى الله عليه وسلم ، ورواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به .