364 362 - ( مالك عن زيد بن أسلم ) العدوي ( عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري ) سعد بن مالك الأنصاري الخزرجي ثقة روى له مسلم والأربعة ، مات سنة اثنتي عشرة ومائة وله سبع وسبعون سنة .
( عن أبيه ) الصحابي ابن الصحابي ، وعنه ابن وهب عن مالك عن زيد عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا كان أحدكم يصلي ) زاد الشيخان من رواية أبي صالح عن أبي سعيد إلى شيء يستره ( فلا يدع ) يترك ( أحدا يمر بين [ ص: 534 ] يديه ) ولابن أبي شيبة عن ابن مسعود أن المرور بين يدي المصلي يقطع نصف صلاته .
( وليدرأه ) وللبخاري : يدفعه ، ولمسلم : ليدفع في نحره ( ما استطاع ) قال القرطبي : أي بالإشارة ولطيف المنع .
( فإن أبى فليقاتله ) بكسر اللام الجازمة وسكونها قال القرطبي : أي يزيد في دفعه الثاني أشد من الأول ، وأجمعوا على أنه لا يلزمه أن يقاتله بالسلاح لمخالفة ذلك لقاعدة الإقبال على الصلاة والاشتغال بها والخشوع فيها ، وقال أبو عمر : أحسبه خرج على التغليظ فإن دافعه مدافعة لا يقصد بها قتله فمات فالدية في ماله ، وقيل على عاقلته ، وقيل هدر ولا قود لأن أصله مباح اهـ .
وأطلق جماعة من الشافعية أن له قتاله حقيقة ، واستبعده في القبس وقال : المراد بالمقاتلة المدافعة ، وقال الباجي : يحتمل أن يريد فليلعنه كما قال : ( قتل الخراصون ) ( سورة الذريات : الآية 10 ) ، وقال تعالى : ( قاتلهم الله أنى يؤفكون ) ( سورة التوبة : الآية 30 ) قيل معناه لعنهم ، ويحتمل أن يريد يؤاخذه على ذلك بعد تمام صلاته ويؤنبه ، وقيل معناه فليدفعه دفعا أشد من الدرء ، وسمي ذلك مقاتلة مبالغة للإجماع ، على أنه لا يجوز أن يقاتله مقاتلة تفسد صلاته ، وتعقب بأن اللعن يستلزم التكلم في الصلاة وهو مبطل بخلاف الفعل اليسير ، ويمكن أنه أراد أنه يلعنه داعيا لا مخاطبا ، لكن فعل الصحابي يخالفه وهو أدرى بالمراد ، ففي الصحيح عن أبي صالح : رأيت أبا سعيد الخدري في يوم الجمعة يصلي إلى شيء يستره فأراد شاب أن يجتاز بين يديه فدفع أبو سعيد في صدره فنظر الشاب فلم يجد مساغا إلا بين يديه فعاد ليجتاز فدفعه أبو سعيد أشد من الأولى ، وقد رواه الإسماعيلي بلفظ : فإن أبى فليجعل يده في صدره وليدفعه ، وهو صريح في الدفع باليد .
ونقل ابن بطال وغيره الاتفاق على أنه لا يجوز له المشي من مكانه ليدفعه ، ولا العمل الكثير في مدافعته لأنه أشد في الصلاة من المرور ، وذهب الجمهور إلى أنه إذا مر ولم يدفعه فلا يرده لأن فيه إعادة للمرور .
قال النووي : لا أعلم أحدا من الفقهاء قال بوجوب هذا الدفع بل صرح أصحابنا بأنه مندوب وصرح أهل الظاهر بوجوبه وكأن النووي لم يراجع كلامهم أو لم يعتد بخلافهم .
( فإنما هو شيطان ) أي فعله فعل الشيطان لأنه أبى إلا التشويش على المصلي ، أو المراد شيطان من الإنس ، وإطلاق الشيطان على المار من الإنس شائع كقوله تعالى : ( شياطين الإنس والجن ) ( سورة الأنعام : الآية 112 ) ، وقال ابن بطال : فيه إطلاق لفظ شيطان على من يفتن في الدين ، وأن الحكم للمعاني دون الأسماء لاستحالة أن يصير الإشارة شيطانا بمجرد مروره ، قال الحافظ : وهو مبني على أن لفظ شيطان يطلق حقيقة على الجني ومجازا على الإنسي وفيه بحث ، ويحتمل أن المعنى فإنما الحامل له على ذلك شيطان ، وفي رواية الإسماعيلي : فإن معه الشيطان ، ولمسلم من حديث ابن عمر : فإن معه القرين ، واستنبط ابن أبي جمرة من قوله : فإنما هو شيطان أن المراد بقوله : فليقاتله [ ص: 535 ] المدافعة لا حقيقة القتال لأن مقاتلة الشيطان إنما هي بالاستعاذة والتسمية ونحوهما ، وإنما جاز الفعل اليسير في الصلاة للضرورة ، فلو قاتله حقيقة المقاتلة لكان أشد على صلاته من المار ، قال : وهل المقاتلة لخلل يقع في صلاة المصلي من المرور أو لدفع الإثم عن المار ؟ الظاهر الثاني ، وقال غيره : بل الأول أظهر لأن إقبال المصلي على صلاته أولى له من اشتغاله بدفع الإثم من غيره .