413 413 - ( مالك ، عن أبي الزناد ) بكسر الزاي وخفة النون عبد الله بن ذكوان ( عن الأعرج ) عبد الرحمن بن هرمز ( عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : يتعاقبون فيكم ) أي : تأتي طائفة عقب طائفة ثم تعود الأولى عقب الثانية ، قال ابن عبد البر : وإنما يكون التعاقب بين طائفتين أو رجلين يأتي هذا مرة ويعقبه هذا ومنه تعقيب الجيوش ، وتوارد جماعة من الشراح ، ووافقهم ابن مالك على أن الواو علامة الفاعل المذكر المجموع على لغة بني الحارث القائلين : أكلوني البراغيث وهي فاشية حمل عليها الأخفش : وأسروا النجوى الذين ظلموا ( سورة الأنبياء : الآية 3 ) قال القرطبي : وتعسف بعض النحاة وردها للبدل وهو تكلف مستغنى عنه لاشتهار تلك اللغة ولها وجه من القياس واضح ، وقال غيره في تأويل الآية : ( وأسروا ) عائد إلى الناس أولا ، و ( الذين ظلموا ) بدل من الضمير ، وقيل : تقديره لما قيل : وأسروا النجوى قيل : من هم ؟ قال : الذين ظلموا .
وحكاه النووي والأول أقرب ، ولم يختلف على مالك في لفظ يتعاقبون فيكم ملائكة ، وتابعه عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن أبيه أخرجه سعيد بن منصور عنه ، وللبخاري في بدء الخلق من طريق شعيب بن أبي جمرة ، عن أبي الزناد بلفظ : الملائكة يتعاقبون فيكم ، ملائكة بالليل وملائكة بالنهار .
والنسائي من طريق موسى بن عقبة ، عن أبي الزناد بلفظ : إن الملائكة يتعاقبون فيكم ، فاختلف فيه على أبي الزناد ، فالظاهر أنه كان تارة هكذا وتارة هكذا ، فيقوي قول أبي حيان هذه الطريقة اختصرها الراوي ، ويؤيده أن غير الأعرج من أصحاب أبي هريرة رواه تاما ، فأخرجه أحمد ومسلم من طريق همام بن منبه ، عن أبي هريرة مثل رواية موسى بن عقبة لكن بحذف " إن " من أوله ، ولابن خزيمة والسراج والبزار ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة بلفظ : " إن لله ملائكة يتعاقبون " ولذا شرح أبو حيان في العزو للبزار بأن العزو للطريق المتحدة مع الطريق التي وقع القول فيها أولى من طريق مغايرة لها فليعز إلى البخاري والنسائي ، قاله الحافظ ملخصا .
( ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ) بتنكيرهما لإفادة أن الثانية [ ص: 588 ] غير الأولى كما قيل في قوله تعالى : فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا ( سورة الشرح : الآية 5 ، 6 ) إنه استئناف وعده تعالى بأن العسر مشفوع بيسر آخر ، ولذا قال - صلى الله عليه وسلم - : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10352113لن يغلب عسر يسرين " فالعسر معرف لا يتعدد ، سواء كان للعهد أو للجنس ، واليسر منكر ، فيراد بالثاني فرد يغاير ما أريد بالأول .
ونقل عياض وغيره عن الجمهور أنهم الحفظة وتردد فيه ابن بزيزة .
وقال القرطبي : الأظهر عندي أنهم غيرهم ، وقواه الحافظ بأنه لم ينقل أن الحفظة يفارقون العبد ولا أن حفظة الليل غير حفظة النهار ، وبأنه لو كانوا هم الحفظة لم يقع الاكتفاء في السؤال منهم ، عن حالة الترك دون غيرها في قوله : كيف تركتم عبادي ، وتعقبه السيوطي بقوله : بل نقل ذلك أخرج ابن أبي زمنين في كتاب السنة بسنده عن الحسن قال : الحفظة أربعة يعتقبونه ملكان بالليل وملكان بالنهار تجتمع هذه الأملاك الأربعة عند صلاة الفجر وهو قوله : إن قرآن الفجر كان مشهودا ( سورة الإسراء : الآية 78 ) ، وأخرج أبو الشيخ في كتاب العظمة ، عن ابن المبارك قال : وكل به خمسة أملاك .
ملكان بالليل وملكان بالنهار يجيئان ويذهبان وملك خامس لا يفارقه ليلا ولا نهارا .
وأخرج أبو نعيم في كتاب الصلاة عن الأسود بن يزيد النخعي قال : يلتقي الحارسان عند صلاة الصبح فيسلم بعضهم على بعض فتصعد ملائكة الليل وتلبث ملائكة النهار وفيه نظر ، فالحافظ ذكر أثر الأسود بعد ذلك وحمله على أن المراد بالحارسين ملائكة الليل والنهار ويأتي كلامه ، ومثله يحمل أثر الحسن لقوله : يعتقبونه فهما بمعنى حديث الباب المختلف في المراد بالملائكة فيه ، وكذا هو الظاهر من أثر ابن المبارك لقوله : " يجيئان ويذهبان " ، على أن الظاهر أن مراد الحافظ لم ينقل في المرفوع بل نقل فيه خلافه ، وأن الحفظة إنما تفارق الإنسان حين قضاء الحاجة وإفضائه إلى أهله .
( ويجتمعون في صلاة العصر وصلاة الفجر ) أي : الصبح ، قال الزين بن المنير : التعاقب مغاير للاجتماع لكن على حالين ، قال الحافظ : وهو ظاهر .
وقال ابن عبد البر : الأظهر أنهم يشهدون معهم الصلاة في الجماعة واللفظ محتمل للجماعة وغيرها كما يحتمل أن التعاقب يقع بين طائفتين دون غيرهم وأن يقع التعاقب بينهم في النوع لا في الشخص .
قال عياض : وحكمة اجتماعهم في هاتين الصلاتين من لطف الله تعالى بعباده وإكرامه لهم بأن جعل اجتماع ملائكته في حال طاعة عباده لتكون [ ص: 589 ] شهادتهم لهم بأحسن الشهادة وفيه شيء لأنه رجح أنهم الحفظة ، ولا شك أن الصاعدين كانوا مقيمين عندهم مشاهدين لأعمالهم في جميع الأوقات ، فالأولى أن يقال : حكمة كونه تعالى لا يسألهم إلا عن الحالة التي تركوهم عليها ما ذكر .
( ثم يعرج الذين باتوا فيكم ) أي : المصلون ( فيسألهم ) ربهم ( وهو أعلم بهم ) أي : بالمصلين من الملائكة فحذف صلة أفعل التفضيل ، قال الحافظ : اختلف في سؤال الذين باتوا دون الذين ظلموا ، فقيل : من الاكتفاء بذكر أحد المثلين عن الآخر كقوله تعالى : فذكر إن نفعت الذكرى ( سورة الأعلى : الآية 9 ) أي : وإن لم تنفع ، و سرابيل تقيكم الحر ( سورة النحل : الآية 81 ) أي : والبرد أشار إليه ابن التين وغيره .
ثم قيل : حكمة الاقتصار على ذلك أن حكم طرفي النهار يعلم من حكم طرفي الليل ، فلو ذكره كان تكرارا ، وحكمة الاقتصار على هذا الشق دون الآخر أن الليل مظنة المعصية ، فلما لم يقع فيه مع إمكان دواعي الفعل من الإخفاء ونحوه واشتغلوا بالطاعة كان النهار أولى بذلك ، فالسؤال عن الليل أبلغ من النهار ؛ لأنه محل الاشتهار ، وقيل : لأن ملائكة الليل إذا صلوا الفجر عرجوا في الحال ، وملائكة النهار إذا صلوا العصر لبثوا إلى آخر النهار لضبط بقية عمل النهار ، وهذا ضعيف ؛ لأنه يقتضي أن ملائكة النهار لا يسألون عن وقت العصر وهو خلاف ظاهر الحديث ، ثم هو مبني على أنهم الحفظة وفيه نظر ، وقيل : بناء أيضا على أنهم الحفظة أنهم ملائكة النهار فقط وهم لا يبرحون ، عن ملازمة بني آدم ، وملائكة الليل هم الذين يعرجون ويتعاقبون ، ويؤيده ما رواه أبو نعيم في كتاب الصلاة عن الأسود بن يزيد النخعي قال : يلتقي الحارسان ؛ أي : ملائكة الليل وملائكة النهار عند صلاة الصبح فيسلم بعضهم على بعض ، فتصعد ملائكة الليل وتلبث ملائكة النهار .
وقيل : يحتمل أن العروج إنما يقع عند صلاة الفجر خاصة ، وأما النزول فيقع في الصلاتين معا وفيه التعاقب وصورته أن تنزل طائفة عند العصر وتبيت ثم تنزل طائفة عند الفجر فتجتمع الطائفتان في صلاة الفجر ، ثم يعرج الذين باتوا فقط ويستمر الذين نزلوا وقت الفجر إلى العصر فتنزل الطائفة الأخرى فيحصل اجتماعهم ثم العصر أيضا ولا يصعد منهم أحد ، بل تبيت الطائفتان أيضا ، ثم يعرج إحدى الطائفتين ويستمر ذلك فتصح صورة التعاقب مع اختصاص النزول بالعصر والعروج بالفجر فلذا خص السؤال بالذين باتوا .
قال ابن عبد البر : ليس في هذا دفع للرواية التي فيها ذكر العصر فلا يلزم من عدم ذكر العصر في الآية ، والحديث الآخر عدم اجتماعهم في العصر ؛ لأن المسكوت عنه قد يكون في حكم المذكور بدليل آخر .
قال : ويحتمل أن الاقتصار وقع في الفجر لأنها جهرية ، وبحثه الأول متجه ؛ لأنه لا سبيل إلى دعوى توهيم الراوي الثقة مع إمكان التوفيق بين الروايات ، ولا سيما والزيادة من العدل الضابط مقبولة ، ولم لا يقال رواية من لم يذكر سؤال الذين أقاموا في النهار تقصير من بعض الرواة ، أو يحمل قوله : " ثم يعرج " الذين باتوا على أعم من المبيت بالليل والإقامة بالنهار ، فلا يخلص ذلك بليل دون نهار ولا عكسه ، بل كل طائفة منهم إذا صعدت سئلت ، غايته أنه استعمل لفظ بات في أقام مجازا ، ويكون قوله : " فيسألهم " أي : كلا من الطائفتين في الوقت الذي تصعد فيه ، ويدل على هذا العمل رواية موسى بن عقبة ، عن أبي الزناد عند النسائي ولفظه : ثم يعرج الذين كانوا ، فعلى هذا لم يقع في المتن اختصار ولا اقتصار وهذا أقرب الأجوبة ، وقد وقع لنا هذا الحديث من طريق أخرى واضحا ، وفيه التصريح بسؤال كل من الطائفتين ، وذلك فيما رواه ابن خزيمة والسراج عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10352116قال - صلى الله عليه وسلم - : " تجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر وصلاة العصر فتصعد ملائكة النهار وتبيت ملائكة الليل ، فيسألهم ربهم كيف تركتم عبادي " الحديث .
وهذه الرواية تزيل الإشكال وتغني عن كثير من الاحتمالات المتقدمة فهي المعتمدة ، ويحمل ما نقص منها على تقصير من بعض الرواة ، انتهى ، فما أكثر فوائده .
( كيف تركتم عبادي ) المذكورين في قوله تعالى : إن عبادي ليس لك عليهم سلطان ( سورة الحجر : الآية 42 ) ووقع السؤال عن آخر الأعمال ؛ لأن الأعمال بخواتيمها قاله ابن أبي جمرة .
قال عياض : هذا السؤال على سبيل التعبد للملائكة كما أمروا أن يكتبوا أعمال بني آدم ، وهو سبحانه أعلم بالجميع من الجميع .
وقال غيره : الحكمة فيه استدعاء شهادتهم لبني آدم بالخير واستعطافهم بما يقتضي التعطف عليهم ، وذلك لإظهار الحكمة في خلق نوع الإنسان في مقابلة من قال من الملائكة : أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون ( سورة البقرة : الآية 30 ) أي : قد وجدتم فيهم من يسبح ويقدس مثلكم بشهادتكم ( فيقولون : تركناهم وهم يصلون ) الواو للحال ولا يلزم منه أنهم [ ص: 591 ] فارقوهم قبل انقضاء الصلاة فلم يشهدوها معهم ، والخبر ناطق بأنهم يشهدونها ؛ لأنه محمول على أنهم شهدوا الصلاة مع من صلاها أول وقتها وشهدوا من دخل فيها بعد ذلك ومن شرع ذلك قاله ابن التين .
وقال غيره : ظاهره أنهم فارقوهم عند شروعهم في الصلاة سواء تمت أو منع مانع من تمامها ، وسواء شرع الجميع فيها أم لا ؛ لأن المنتظر في حكم المصلي ، ويحتمل أن المراد بقوله : وهم يصلون ؛ أي : ينتظرون صلاة المغرب وبدءوا بالترك قبل الإتيان مطابقة للسؤال فلم يراعوا الترتيب الوجودي ، لأن المخبر به صلاة العباد ، والأعمال بخواتيمها فناسب إخبارهم عن آخر عملهم قبل أوله ، ثم زادوا في الجواب لإظهار فضيلة المصلين والحرص على ذكر ما يوجب مغفرة ذنوبهم ، فقالوا : ( وأتيناهم وهم يصلون ) زاد ابن خزيمة : فاغفر لهم يوم الدين .
قال ابن أبي جمرة : أجابت الملائكة بأكثر مما سئلوا عنه لعلمهم أنه سؤال يستدعي التعطف فزادوا في موجب ذلك ، قال : وفيه أن الصلاة أعلى العبادات ؛ لأن عليها وقع السؤال والجواب ، وإشارة إلى عظم هاتين الصلاتين ؛ لاجتماع الطائفتين فيهما وفي غيرهما طائفة واحدة ، وإلى شرف الوقتين المذكورين ، وقد ورد أن الرزق يقسم بعد صلاة الصبح وأن الأعمال ترفع آخر النهار ، فمن كان في طاعة بورك في رزقه وفي عمله ويترتب عليه حكمة الأمر بالمحافظة عليهما والاهتمام بهما ، وفيه تشريف هذه الأمة على غيرها ، ويستلزم تشريف نبيها على غيره ، والإخبار بالغيوب ، ويترتب عليه زيادة الإيمان والإخبار بما نحن فيه من ضبط أحوالنا حتى نتيقظ ونتحفظ في الأوامر والنواهي ونفرح في هذه الأوقات بقدوم رسل ربنا عنا ، وفيه إعلامنا بحب الملائكة لنا لنزداد فيهم حبا ونتقرب إلى الله بذلك ، وكلام الله مع ملائكته وفيه غير ذلك .
وأخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف ، وفي التوحيد عن إسماعيل ومسلم ، عن يحيى بن يحيى الثلاثة عن مالك به .