425 426 - ( مالك ، عن عمه أبي سهيل ) بضم السين نافع ( ابن مالك ، عن أبيه ) مالك بن أبي عامر الأصبحي ( أنه سمع طلحة بن عبيد الله ) بضم العين ابن عثمان القرشي التيمي ، أحد العشرة ( يقول : جاء رجل ) قال ابن عبد البر وابن بطال وعياض وابن العزلي والمنذري وغيرهم : هو ضمان بن ثعلبة وافد بني سعد بن بكر ، قال الحافظ : والحامل لهم على ذلك إيراد مسلم قصته عقب حديث طلحة ؛ ولأن في كل منهما أنه بدوي ، وأن كلا منهما قال في آخر حديثه : لا أزيد على هذا ولا أنقص ، لكن تعقبه القرطبي بأن سياقهما مختلف ، وأسئلتهما متباينة ، قال : ودعوى أنهما قصة واحدة دعوى فرط وتكلف شطط من غير ضرورة ، قال في المقدمة وهو كما قال ( إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أهل نجد ) بفتح النون وسكون الجيم ، وهو ما ارتفع من تهامة إلى أرض العراق كما في العباب وغيره ( ثائر ) بمثلثة ؛ أي : متفرق شعر ( الرأس ) من ترك الرفاهية ، ففيه إشارة إلى قرب عهده بالوفادة ، فحذف المضاف للقرينة العقلية ، أو أوقع اسم الرأس على الشعر ، إما مبالغة أو لأن الشعر منه ينبت وثائر بالرفع صفة ويجوز نصبه على الحال ولا تضر إضافته ؛ لأنها لفظية ، قال عياض : فيه [ ص: 605 ] أن ذكر مثل هذا على غير وجه التنقيص ليس بغيبة ( يسمع ) بالياء المضمومة على البناء للمفعول وبالنون المفتوحة على الجمع ( دوي ) بفتح الدال وكسر الواو وشد الياء والرفع أو النصب ( صوته ) قال عياض : وجاء عندنا في البخاري بضم الدال ، والصواب الفتح ( ولا نفقه ) بالنون والياء لا نفهم ( ما يقول ) قال الخطابي : الدوي صوت مرتفع متكرر لا يفهم ، وإنما كان كذلك لأنه نادى من بعد ( حتى دنا ) أي : إلى أن قرب فهمناه ( فإذا هو يسأل عن الإسلام ) أي : عن أركانه وشرائعه بعد التوحيد والتصديق ، أو عن حقيقته ، واستبعد بعدم المطابقة بين السؤال والجواب وهو ( فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ) هن ( خمس صلوات ) أو خذ خمس صلوات ، ويجوز الجر بدلا من الإسلام ، فظهر أن السؤال وقع عن أركان الإسلام وشرائعه ، ووقع الجواب مطابقا له ، ويؤيده رواية إسماعيل بن جعفر ، عن أبي سهيل عند البخاري أنه قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=10352137أخبرني ماذا فرض الله علي من الصلاة ؟ فقال : الصلوات الخمس ، وليست الصلوات عين الإسلام ففيه حذف تقديره : إقامة خمس صلوات ( في اليوم والليلة ) فلا يجب شيء غيرها ، خلافا لمن أوجب الوتر أو ركعتي الفجر أو صلاة الضحى أو صلاة العيد أو الركعتين بعد المغرب ، ولم يذكر الشهادة ؛ لأنه علم أنه يعلمها ، أو علم أنه إنما يسأل عن الشرائع الفعلية أو ذكرها فلم ينقلها الراوي لشهرتها .
وأما الحج فلأنه لم يكن فرض أو لأنه رآه غير مستطيع أو اختصره الراوي ، ويؤيده رواية البخاري في الصيام من طريق إسماعيل قال : فأخبره النبي - صلى الله عليه وسلم - بشرائع الإسلام فدخل فيه باقي المفروضات بل والمندوبات ، كما قال عياض ويأتي رده ( قال : هل علي غيرهن ؟ قال : لا إلا أن تطوع ) بشد الطاء والواو أصله تتطوع فأدغمت إحدى التاءين ، ويجوز تخفيف الطاء على حذف إحداهما ، وفيه أن الشروع في التطوع يجب إتمامه ؛ لأن الاستثناء متصل ، قال القرطبي : لأنه نفي وجوب شيء آخر ، والاستثناء من النفي إثبات ولا قائل بوجوب التطوع ، فتعين أن المراد إلا أن تشرع في تطوع فيلزمك إتمامه .
وتعقبه الطيبي بأنه مغالطة ؛ لأن الاستثناء هنا من غير الجنس ، لأن التطوع لا يقال فيه عليك وكأنه قال : لا يجب عليك شيء إلا إن أردت أن تطوع فذلك لك ، وقد علم أن التطوع لا يجب فلا يجب شيء آخر أصلا .
قال الحافظ : وفي استدلال الحنفية نظر لأنهم لا يقولون بفرضية الإتمام بل بوجوبه ، واستثناء الواجب من الفرض منقطع لتباينهما ، وأيضا فالاستثناء عندهم من النفي ليس للإثبات بل مسكوت عنه .
( قال ) الراوي طلحة بن عبيد الله ( وذكر ) له ( رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الزكاة ) وفي رواية إسماعيل بن جعفر قال : أخبرني بما فرض الله علي من الزكاة ؟ قال : فأخبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشرائع الإسلام فتضمنت هذه الرواية أن في القصة أشياء أجملت فيها بيان نصب الزكاة فإنها لم تفسر في الروايتين .
( فقال : هل علي غيرها ؟ قال : لا إلا أن تطوع ، قال ) طلحة ( فأدبر ) من الإدبار أي : تولى ( الرجل وهو يقول ) جملة حالية ( والله ) وفي رواية إسماعيل : والذي أكرمك ، وفيه الحلف من غير استحلاف ولا ضرورة ، وجواز الحلف في الأمر المهم ( لا أزيد على هذا ولا أنقص منه ) شيئا .
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أفلح الرجل " أي : فاز ، قال تعالى : فأولئك هم المفلحون ( سورة الأعراف : الآية 8 ) والفلاح أيضا البقاء ، والمراد به شرعا البقاء في الجنة قاله الباجي ( إن صدق ) في كلامه ، قال ابن بطال : دل على أنه إن لم يصدق فيما التزم لا يفلح ، وهذا بخلاف قول المرجئة ، فإن قيل : كيف أثبت له الفلاح بمجرد ما ذكر مع أنه لم يذكر له جميع الواجبات ولا المنهيات ؟ وأجاب باحتمال أن ذلك قبل ورود فرائض النهي ، وتعجب الحافظ منه لجزمه بأن السائل ضمام وقد وفد سنة خمس ، وقيل : بعد ذلك ؛ وأكثر المنهيات وقع قبل ذلك ، والصواب أن ذلك داخل في عموم قوله في رواية إسماعيل ، فأخبره بشرائع الإسلام ، [ ص: 607 ] وسبقه لذلك عياض قائلا : إن هذه الرواية ترفع الإشكال ، وتعقبه الأبي برجوع لفظ شرائع إلى ما ذكر قبله لأن العام المذكور عقب خاص يرجع إلى ذلك الخاص على الصحيح ، انتهى .
وأقره - عليه السلام - على الحلف مع ورود النكير على من حلف لا يفعل خيرا قال تعالى : ولا يأتل أولو الفضل ( سورة النور : الآية 22 ) وقال - صلى الله عليه وسلم - لمن حلف أن لا يحط عن غريمه : " تألى على الله " قال الباجي : لاحتمال أنه سومح في ذلك ؛ لأنه في أول الإسلام . ا هـ .
وأجاب غيره بأن ذلك يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص ، فإن قيل : أما فلاحه بأنه لا ينقص فواضح ، وأما بأن لا يزيد فكيف يصح ؟ ولأن فيه تسويغ التمادي على ترك السنن وهو مذموم ، أجاب النووي بأنه أثبت له الفلاح ؛ لأنه أتى بما عليه ، وليس فيه أنه إذا زاد لا يفلح لأنه إذا أفلح بالواجب بالمندوب مع الواجب أولى ، وبأنه لا إثم على غير تارك الفرائض فهو مفلح وإن كان غيره أكثر فلاحا منه ، ورده الأبي بأنه ليس الإشكال في ثبوت الفلاح مع ترك السنن حتى يجاب بأنه حاصل إذ ليس بعاص ، وإنما الإشكال في أن ثبوته مع عدم الزيادة على الفرض تسويغ لترك السنن .
وقال القرطبي : لم يسوغ له تركها دائما ولكن لقرب عهده بالإسلام اكتفى منه بالواجبات ، وأخره حتى يأنس ، وينشرح صدره ، ويحرص على الخير ، فيسهل عليه المندوبات .
وقال الطيبي : يحتمل أنه مبالغة في التصديق والقبول ، أي : قبلت كلامه قبولا لا مزيد عليه من جهة السؤال ولا نقصان فيه من جهة القبول .
وقال ابن المنير : يحتمل تعلق الزيادة والنقص بالإبلاغ ؛ لأنه كان وافد قومه ليتعلم ويعلمهم ، وقال غيره : يحتمل لا أغير صفة الفرض كمن ينقص الظهر مثلا ركعة أو يزيد المغرب ، ورد الحافظ الاحتمالات الثلاث بقوله في رواية إسماعيل بن جعفر : لا أتطوع شيئا ولا أنقص مما فرض الله علي شيئا .
وقال الباجي : يحتمل لا أزيد وجوبا وإن زاد تطوعا أو على اعتقاد وجوب غيره أو في البلاغ ، قال : ورواية مالك أصح من رواية إسماعيل بن جعفر ؛ لأنه أحفظ ، وقد تابعه الرواة ، ولعل إسماعيل نقله بالمعنى ، ولو صح احتمل المعنى لا أتطوع بشيء التزمه واجبا ، انتهى .
ولأبي داود مثله لكن بحذف " أو " ، وجمع بينه وبين النهي عن الحلف بالآباء بأنه كان قبل النهي ، أو بأنها كلمة جارية على اللسان لا يقصد بها الحلف كما جرى على لسانهم عقري وحلقي وما أشبه ذلك ، أو فيه إضمار اسم الرب كأنه قال : ورب أبيه ، وقيل : هو خاص بالنبي - صلى الله عليه وسلم - لأن النهي عن الحلف بالآباء إنما هو لخوف الله وهو - صلى الله عليه وسلم - لا يتوهم فيه ذلك ، قال الحافظ : ويحتاج إلى دليل .
وحكى السهيلي عن بعض مشايخه أنه تصحيف وإنما كان : والله فقصرت اللامان ، وأنكره القرطبي وقال : إنه يخرم الثقة بالروايات الصحيحة ، وغفل القرافي فادعى أن الرواية [ ص: 608 ] بلفظ : وأبيه ، لم تصح لأنها ليست في الموطأ ، وكأنه لم يرض الجواب فعدل إلى رد الخبر وهو صحيح لا مرية فيه ، وأقوى الأجوبة الأولان .
قال الباجي : وأدخل مالك هذا الحديث في الترغيب في الصلاة ، فإن أراد قوله : إلا أن تطوع ؛ كان ترغيبا في النافلة ، وإن أراد : أفلح إن صدق ؛ كان ترغيبا في الخمس ، انتهى .
والظاهر أنه أرادهما معا فالترجمة مطلقة ، وأخرجه البخاري عن إسماعيل بن أبي أويس ، ومسلم عن قتيبة بن سعيد كلاهما ، عن مالك به ، وتابعه إسماعيل بن جعفر ، عن أبي سهيل في الصحيحين بنحوه .