458 460 - ( مالك ، عن عبد الله بن دينار ) العدوي مولاهم المدني أبي عبد الرحمن مولى ابن عمر ، مات سنة سبع وعشرين ومائة ، ولعبد العزيز بن يحيى ، عن مالك ، عن نافع قال ابن عبد البر : والصحيح عن ابن دينار ( عن عبد الله بن عمر أنه قال : بينما الناس ) المعهودون في الذهن وهم أهل قباء ومن حضر معهم ( بقباء ) بضم القاف والمد والتذكير والصرف على الأشهر ، ويجوز قصره وتأنيثه ، ومنع الصرف موضع معروف ظاهر المدينة . وفيه مجاز الحذف ؛ أي : بمسجد قباء ( في صلاة الصبح ) ولمسلم في صلاة الغداة وهو أحد أسمائها وكره بعضهم تسميتها بذلك . قال الحافظ : وهذا لا يخالف حديث البراء في الصحيحين أنهم كانوا في صلاة العصر ؛ لأن الخبر وصل وقت العصر إلى من هو داخل المدينة وهم بنو حارثة وذلك في حديث البراء ، والآتي إليهم بذلك عباد بن بشر كما رواه ابن منده وغيره ، وقيل عباد بن نهيك بفتح النون وكسر الهاء ، ورجح أبو عمر الأول . وقيل : عباد بن نصر الأنصاري ، والمحفوظ عباد بن بشر ، ووصل الخبر وقت الصبح إلى من هو خارج المدينة وهم بنو عمرو بن عوف أهل قباء ، وذلك في حديث ابن عمر ( إذ جاءهم آت ) لم يسم ، وإن نقل ابن طاهر وغيره أنه عباد بن بشر ففيه نظر ؛ لأن ذلك إنما ورد في حق بني حارثة في صلاة العصر ، فإن كان ما نقلوه محفوظا فيحتمل أن عبادا أتى بني حارثة أولا ، في صلاة العصر ثم توجه إلى أهل قباء فأعلمهم بذلك في الصبح ، ومما يدل على تعددهما أن في مسلم عن [ ص: 665 ] أنس : " أن رجلا من بني سلمة مر وهم ركوع في صلاة الفجر " فهذا موافق لرواية ابن عمر في تعيين الصلاة ، وبنو سلمة غير بني حارثة ( فقال : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أنزل عليه الليلة قرآن ) بالتنكير لإرادة البعضية ، فالمراد قوله تعالى : ( قد نرى تقلب وجهك في السماء ) ( سورة البقرة : الآية 144 ) الآيات ، وفيه إطلاق الليلة على بعض اليوم الماضي وما يليه مجازا ، انتهى .
وقال الباجي : أضاف النزول إلى الليل على ما بلغه ، ولعله لم يعلم بنزوله قبل ذلك ، أو لعله - صلى الله عليه وسلم - أمر باستقبال الكعبة بالوحي ثم أنزل عليه القرآن من الليلة ، انتهى . ( وقد أمر ) بضم الهمزة مبني للمجهول ( أن ) أي : بأن ( يستقبل ) بكسر الباء ( الكعبة ) وفيه أن ما يؤمر به - صلى الله عليه وسلم - يلزم أمته ، وأن أفعاله يؤتسى بها كأقواله حتى يقوم دليل الخصوص ( فاستقبلوها ) بفتح الموحدة ؛ رواية الأكثر ؛ أي : فتحول أهل قباء إلى جهة الكعبة ( وكانت وجوههم ) أي : أهل قباء ( إلى الشام ) أي : بيت المقدس ( فاستداروا إلى الكعبة ) فالضمائر لأهل قباء وهو تفسير من الراوي للتحول المذكور ، ويحتمل أن فاعل استقبلوها النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن معه ، وضمير وجوههم له ولأهل قباء على الاحتمالين .
وفي رواية : فاستقبلوها - بكسر الموحدة - أمر . ويأتي في ضمير " وجوههم " الاحتمالان المذكوران ، وعوده إلى أهل قباء أظهر ، ويرجح رواية الكسر رواية البخاري في التفسير من طريق سليمان بن بلال ، عن عبد الله بن دينار بلفظ : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10352305وقد أمر أن يستقبل الكعبة ألا فاستقبلوها " فدخول حرف الاستفتاح يشعر بأن ما بعده أمر لا بقية الخبر الذي قبله ، ووقع بيان كيفية التحويل في حديث تويلة بنت أسلم عند ابن أبي حاتم قالت فيه : فتحول النساء مكان الرجال والرجال مكان النساء فصلينا السجدتين الباقيتين إلى البيت الحرام ؛ أي : الركعتين ، هن تسمية الكل باسم البعض ، وتصويره أن الإمام تحول من مكانه إلى مؤخر المسجد ؛ لأن من استقبل القبلة استدبر بيت المقدس ، وهو لو دار كما هو في مكانه لم يكن خلفه مكان يسع الصفوف ولما تحول الإمام تحولت الرجال . وهذا يستدعي عملا كثيرا في الصلاة ، فيحتمل أنه وقع قبل تحريم العمل الكثير كما كان الكلام قبل غير حرام ، ويحتمل أنه اغتفر للمصلحة أو لم تتوال الخطا عند التحويل بل وقعت مفترقة .
وفي الحديث أن حكم الناسخ لا يثبت في حق المكلف حتى يبلغه ؛ لأن أهل قباء لم يؤمروا بالإعادة ، مع أن الأمر باستقبال الكعبة وقع قبل صلاتهم بتلك الصلوات ، واستنبط منه الطحاوي أن من لم تبلغه الدعوة ولم يمكنه استعلام ذلك فالفرض لا يلزمه ، وفيه جوار الاجتهاد في زمنه - صلى الله عليه وسلم - لأنهم لما تمادوا على الصلاة ، ولم يقطعوها دل على أنه رجح عندهم التمادي والتحول على القطع والاستئناف ، ولا يكون ذلك إلا عن اجتهاد كذا قيل ، وفيه نظر ، لاحتمال أن يكون عندهم في ذلك نص سابق ؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 666 ] كان مترقبا التحول المذكور فلا مانع أن يعلمهم ما صنعوا من التمادي والتحول ، وفيه قبول خبر الواحد ، ووجوب العمل به ، ونسخ ما تقرر بطريق العلم به ؛ لأن صلاتهم إلى بيت المقدس كانت قطعية لمشاهدتهم صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى جهته فتحولوا بخبر الواحد .
وأجيب بأن الخبر المذكور احتفت به قرائن ومقدمات أفادت القطع عندهم بصدق المخبر فلم ينسخ عندهم ما يفيد العلم إلا بما يفيد العلم . وقيل : كان النسخ بخبر الواحد جائز في زمنه - صلى الله عليه وسلم - مطلقا وإنما منع بعده ويحتاج إلى دليل ، وفيه جواز إعلام من ليس في الصلاة من هو فيها ، وأن الكلام لسماع المصلي لا يفسد صلاته ، وأخرجه البخاري هنا عن عبد الله بن يوسف ، وفي التفسير عن قتيبة بن سعيد ، ويحيى بن قزعة ، ومسلم عن قتيبة الثلاثة عن مالك به .