468 470 - ( مالك ، عن عبد الله بن أبي بكر ) بن محمد بن عمرو ( بن حزم : أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، لعمرو بن حزم ) بن زيد بن لوذان الأنصاري ، شهد الخندق فما بعدها وكان عامل النبي ، صلى الله عليه وسلم ، على نجران ، مات بعد الخمسين ، وقيل : في خلافة عمر وهو وهم : ( أن لا يمس القرآن إلا طاهر ) أي متوضئ ، قال الباجي : هذا أصل في كتابة العلم وتحصينه في الكتب ، وصحة الرواية على وجه المناولة ; لأنه ، صلى الله عليه وسلم ، دفعه إليه وأمره بالعمل بما فيه
وقال ابن عبد البر : لا خلاف عن مالك في إرسال هذا الحديث ، وقد روي مسندا من وجه صالح ، وهو كتاب مشهور ، عند أهل السير ، معروف عند أهل العلم معرفة يستغنى بها في شهرتها عن الإسناد ; لأنه أشبه المتواتر في مجيئه لتلقي الناس له بالقبول ، ولا يصح عليهم تلقي ما لا يصح ، انتهى .
وتابع مالكا على إرساله محمد بن إسحاق عند البيهقي ، وهو حديث طويل فيه أحكام ، قال البيهقي : ورواه سليمان بن داود ، عن الزهري ، عن أبي بكر بن محمد ، عن أبيه ، عن جده ، موصولا بزيادات كثيرة في الزكاة والديات ، وغير ذلك ، ونقص عما ذكرنا
( قال مالك : ولا يحمل أحد المصحف بعلاقته ) بكسر العين : حمالته التي يحمل بها ، ( ولا على وسادة إلا وهو طاهر ) ، وبه قال الشافعي ، وقال أبو حنيفة : لا بأس بذلك [ ص: 4 ] ( ولو جاز ذلك لحمل في خبيئته ) جلده الذي يخبأ فيه مع أنه لا يجوز ، فقياسه منعه بالعلاقة والوسادة إذ لا فارق ( ولم يكره ذلك لأن ) أي ليست علة الكراهة بمعنى التحريم لأجل أن ( يكون في يدي الذي يحمله شيء يدنس به المصحف ) ; إذ لو كان كذلك لجاز إذا كانتا نظيفتين لانتفاء المعلول بانتفاء علته ، ( ولكن إنما كره ذلك ) كراهة تحريم ( لمن يحمله وهو غير طاهر ، إكراما للقرآن وتعظيما له ) ، فيستوي في ذلك من في يديه دنس ومن لا ، ( قال مالك : أحسن ما سمعت في هذه الآية ) التي هي ( لا يمسه إلا المطهرون ) ، إنما هي بمنزلة هذه الآية التي في عبس ) : تطلب وجهه ، ( وتولى ) : أعرض ، وهي ( قول الله تبارك وتعالى : ( كلا ) : لا تفعل مثل ذلك ( إنها ) : أي السورة أو الآيات ( تذكرة ) : عظة للخلق ( فمن شاء ذكره ) : حفظ ذلك فاتعظ به ( في صحف ) : خبر ثان ; لأنها وما قبله اعتراض ( مكرمة ) : عند الله ( مرفوعة ) : في السماء ( مطهرة ) : منزهة عن مس الشياطين ( بأيدي سفرة ) : كتبة ينسخونها من اللوح المحفوظ ( كرام بررة ) : مطيعين لله تعالى وهم الملائكة
قال الباجي : ذهب مالك في تأويل آية ( لا يمسه إلا المطهرون ) ( سورة الواقعة : الآية : 79 ) إلى أنه خبر عن اللوح المحفوظ ، وذهب جماعة من أصحابنا إلى أن المراد به المصاحف التي بأيدي الناس ، وأنه خبر بمعنى النهي ; لأن خبر الله تعالى لا يكون خلافه ، وقد وجد من يمسه غير طاهر ، فثبت أن المراد به النهي ، قال : وأدخل مالك تفسير هذه الآية في هذا الباب وليس يقتضي تأويله لها بالأمر بالوضوء لأحد معنيين : أحدهما أنه أدخل أول الباب ما يدل على مذهبه في الأمر بالوضوء لمس القرآن ، وأدخل في آخره ما يحتج به مخالفه ، فأتى به وبين وجه ضعفه . والثاني : أنه تأوله على معنى الاحتجاج لمذهبه ; لأن الله وصف القرآن بأنه كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون ، فعظمه ، والقرآن المكنون في اللوح المحفوظ هو المكتوب في مصاحفنا ، فوجب أن يمتثل فيها ما وصف الله القرآن به ، انتهى .