هذا حديث صحيح لم يختلف في إسناده ، ولا في معناه . وروي عن عائشة من وجوه كثيرة صحاح .
وفيه من الفقه أن الحائض لا تطوف بالبيت ، وهو أمر مجتمع عليه لا أعلم خلافا فيه إلا أن طائفة منهم أبو [ ص: 266 ] حنيفة ، قالوا : لا ينبغي أن يطوف أحد إلا طاهرا ، فإن طاف غير طاهر من جنب ، أو حائض فيجزيه ، وعليه دم ، وقال مالك ، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي وأكثر أهل العلم : لا يجزيه ، وعليه أن يعود إليه طاهرا ، ولو من بلده إن كان طوافا واجبا ، وقد بينا الحجة في ذلك في باب nindex.php?page=showalam&ids=13283ابن شهاب ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة . وقد قيل : إن منع الحائض من الطواف إنما كان من أجل أنه في المسجد ، والحائض لا تدخل في المسجد ; لأنه موضع الصلاة ، والطواف الذي أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بقوله : nindex.php?page=hadith&LINKID=1014968ألم تكن طافت هو طواف الإفاضة .
وذلك ظاهر في حديث مالك ، عن عبد الله بن أبي بكر ، عن أبيه ، عن أبي سلمة ، عن أم سليم أنها حاضت أو ولدت بعد ما أفاضت ، وفي حديث nindex.php?page=showalam&ids=13283ابن شهاب ، عن أبي سلمة ، وعروة ، عن عائشة ، قالت : حاضت صفية بعد ما أفاضت ، وفي حديث nindex.php?page=showalam&ids=13723الأعرج ، عن أبي سلمة ، عن عائشة ، قالت : خرجنا حجاجا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفضنا يوم النحر وحاضت صفية .
وفي حديث مالك ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة أن nindex.php?page=showalam&ids=199صفية بنت حيي حاضت فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 267 ] فقال : nindex.php?page=hadith&LINKID=1012470أحابستنا هي فقيل : إنها قد أفاضت . فهذه الآثار كلها قد أوضحت أن الطواف الحابس للحائض الذي لا بد منه هو طواف الإفاضة ، وكذلك يسميه أهل الحجاز طواف الإفاضة ، ويسميه أهل العراق طواف الزيارة ، وكره مالك أن يقال : طواف الزيارة ، وهو واجب فرضا عند الجميع لا ينوب عنه دم ، ولا بد من الإتيان به ، وإياه عنى الله عز وجل بقوله : ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق إلا أن مذهب مالك في هذا الطواف أنه ينوب عنه غيره مع وجوبه عنده على حسب ما بيناه من مذهبه في ذلك في الكتاب الكافي .
ذكر nindex.php?page=showalam&ids=16991ابن عبد الحكم ، عن مالك ، قال : إذا حاضت المرأة ، أو نفست قبل الإفاضة ، فلا تبرح حتى تطهر وتطوف بالبيت ويحبس عليها الكري ما يحبس على الحائض خمسة عشر يوما ويحبس على النفساء حتى تطهر بأقصى ما يحبس النساء الدم ، ولا حجة للكري أن يقول : لم أعلم أنها حامل ، وليس عليها أن تعينه في العلف ، قال : وإن حاضت بعد الإفاضة فلتنفر ، قال : وإن اشترطت عليه عمرة المحرم ، فحاضت قبل أن تعتمر ، فلا يحبس عليها كريها ، ولا يرجع عليها شيء ، قال : وإن كان بين الحائض وبين طهرها اليوم ، واليومان أقام معها أبدا ، وإن كان بين ذلك أيام لم يحبس إلا كريها وحده ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=12927محمد بن المواز : لست أعرف حبس الكري وحده ، كيف يحبسه وحده ، يعرضه ليقطع عليه الطريق الموحدة .
وفي الحديث المذكور في هذا الباب دليل واضح على ما ذكرنا إلا أن الفقهاء اختلفوا فيمن ترك طواف الوداع غير الحائض .
[ ص: 269 ] فقال مالك : من ترك وداع البيت أساء ، ولا دم عليه ; لأن الوداع عنها من مستحبات الحج بدليل قوله صلى الله عليه وسلم : فاخرجن وفي غير هذا الحديث : فلا إذا ، وهذا تنبيه على أنه لم يبق عليها من النسك شيء ، ومما يدل على ذلك أن أهل مكة والمقيمين بها لا وداع عليهم فعلم أنه استحباب ، والمستحب إذا ترك ليس فيه دم ، ولما كان طواف الوداع بعد استباحة وطء النساء أشبه طواف المكي ، والمعتمر ، فلا شيء فيه .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة ، nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري ، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، وأصحابهم : عليه دم . ومن حجتهم أن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس كان يقول : من ترك شيئا من نسكه فعليه دم ، ومن أصحاب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي من يقول : إن هذا الدم استحباب ، وقد أجمعوا أن طواف الوداع من النسك ، ومن سنن الحج المسنونة .
قال أبو عمر : قد روي ذلك عن عمر ، nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ، وغيرهم ، ولا مخالف لهم من الصحابة .
وروى معمر ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ، عن سالم ، عن أبيه أن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب خطب الناس ، فقال : إذا نفرتم من منى فلا يصدر أحد حتى يطوف بالبيت ، فإن آخر المناسك الطواف بالبيت .
ونافع ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، عن عمر مثله ، ومعمر ، عن أيوب ، عن نافع ، وعن nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ، عن سالم أن صفية بنت أبي عبيد حاضت يوم النحر بعد ما طافت بالبيت فأقام nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر عليها سبعا حتى طهرت فطافت ، فكان آخر [ ص: 270 ] عهدها بالبيت ، قال nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري : وأخبرني nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس أنه سمع nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر قبل أن يموت بعام ، أو بعامين ، يقول : أما النساء فقد رخص لهن ، قال nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري : ولو رأيت nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوسا علمت أنه لا يكذب ، قال معمر : وأخبرنا nindex.php?page=showalam&ids=16446ابن طاوس ، عن أبيه أنه سمع nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، يقول : لا ينفرن أحد من الحاج حتى يطوف بالبيت ، فقلت : ما له لم يسمع ما سمع أصحابه ، ثم جلست إليه من العام القابل فسمعته يقول : أما النساء فقد رخص لهن . قال nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق : وأخبرنا معمر ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16446ابن طاوس ، عن أبيه أن nindex.php?page=showalam&ids=47زيد بن ثابت ، nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس تماريا في صدر الحائض قبل أن يكون آخر عهدها الطواف بالبيت ، فقال nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : تنفر ، وقال زيد : لا تنفر . فدخل زيد على عائشة فسألها ، فقالت : تنفر . فخرج زيد ، وهو يتبسم ، ويقول : ما الكلام إلا ما قلت .
قال أبو عمر : هكذا يكون الإنصاف وزيد معلم nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس فما لنا لا نقتدي بهم ، والله المستعان .
قال أبو عمر : كل من لم يطف طواف الوداع وأمكنه الرجوع إليه بغير ضرر يدخل عليه رجع فطاف ، ثم نفر ، وقد كان nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب يرد من لم يودع البيت بالطواف من مر الظهران ، وقال : مالك : هذا عندي بعيد . وفيه ضرر داخل على الناس ، وإنما يرجع إلى طواف الوداع من كان قريبا ، ولم يكن عليه في انصرافه ضرر ، يقال : إن بين مر الظهران ومكة خمسة عشر ميلا ، وأهل العلم كلهم يستحب أن لا يدع أحد وداع [ ص: 271 ] البيت إذا كان عليه قادرا ، فإن نفر ، ولم يودع ، فقد ذكرنا ما للعلماء في ذلك من إيجاب الدم ، وقال مالك : إذا حاضت المرأة بمنى قبل أن تطوف للإفاضة ، فإنها تقيم حتى تطهر ، ثم تطوف بالبيت للإفاضة ، ثم تخرج إلى بلدها ، قال مالك : وليس عليها أن تعينه في العلف .
قال أبو عمر : فهذان الطرفان قد مضى حكمهما ، أو الإجماع ، والاختلاف فيهما ، وبقي الطواف الثالث ، وهو طواف الدخول الذي يصله الحاج بالسعي بين الصفا والمروة إذا لم يخش فوت عرفة ، ولا خلاف بين العلماء أن هذا الطواف من سنن الحج وشعائره ونسكه ، واختلفوا فيمن قدم مكة ، وهو قادر على الطواف غير خائف فوت عرفة ، فلم يطف ، فقال nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك بن أنس فيمن قدم يوم عرفة : إن شاء أخر الطواف إلى يوم النحر ، وإن شاء طاف وسعى ، ذلك واسع كله ، قال : وإن قدم يوم التروية فلا يترك الطواف .
قال أبو عمر : فإن تركه فتحصيل مذهب مالك ، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي أن عليه لتركه دما ، والدم عندهم خفيف في ذلك ; لأنه نسك [ ص: 272 ] ساقط عن المكي ، وعن المراهق الذي يخاف فوت عرفة . وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد : إذا ترك الحاج طواف الدخول فطاف طواف الزيارة رمل في ثلاثة أشواط منه ، وسعى بين الصفا والمروة ، ولم يكن عليه شيء . وقال nindex.php?page=showalam&ids=11956أبو ثور : إن ترك الحاج إذا قدم مكة الطواف للدخول ، وهو بمكة حتى أتى منى كان عليه دم ، وذلك أن هذا شيء من نسكه تركه .
قال أبو عمر : حجة من أوجب فيه الدم أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله في حجته ، وقال : خذوا عني مناسككم وهو المبين عن الله مراده فصار من مناسك الحج وسننه فوجب على تاركه الدم . وحجة من لم ير فيه شيئا أن الله لم يأمر بذلك الطواف ، ولا رسوله ، ولا اتفق الجمع على وجوبه سنة ، والقول الأول أصح وأقيس ، والله أعلم .