وهذا الحديث معناه عند أهل العلم فيما يعانيه المرء عند حضور أجله ، فإذا رأى ما يكره لم يحب الخروج من الدنيا ، ولا لقاء الله لسوء ما عاين مما يصير إليه ، وإذا رأى ما يحب أحب لقاء الله والإسراع إلى رحمته لحسن ما عاين وبشر به ، وليس حب الموت ولا كراهيته ، والمرء في صحته من هذا المعنى في شيء ، والله أعلم .
وقال أبو عبيد في معنى قوله عليه السلام من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ، قال : ليس وجهه عندي أن يكون يكره علز الموت وشدته ; لأن هذا لا يكاد يخلو منه أحد [ ص: 26 ] نبي ولا غيره ، ولكن المكروه من ذلك إيثار الدنيا والركون إليها ، والكراهة أن يصير إلى الله والدار الآخرة ، ويؤثر المقام في الدنيا ، قال : ومما يبين ذلك أن الله قد عاب قوما في كتابه بحب الحياة ، فقال ( إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها ) ، وقال ( ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة ) ، وقال ( ولا يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم ) ، قال : فهذا يدل على أن الكراهية للقاء الله ليست بكراهية الموت ، وإنما هو الكراهية للنقلة من الدنيا إلى الآخرة .
قال أبو عمر : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته عن أن يتمنى أحدهم الموت لضر نزل به ، فالمتمني للموت ليس بمحب للقاء الله بل هو عاص لله عز وجل في تمنيه الموت إذا كان بالنهي عالما .
وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن تمني الموت جماعة من الصحابة ، منهم : nindex.php?page=showalam&ids=211خباب بن الأرت ، nindex.php?page=showalam&ids=11696وأم الفضل بنت الحارث أم ابن عباس ، وعابس الغفاري ، nindex.php?page=showalam&ids=3وأبو هريرة ، وغيرهم .
حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16502عبد الوارث بن سفيان ، حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16802قاسم بن أصبغ ، حدثنا بكر بن حماد ، حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=17072مسدد ، حدثنا يحيى ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12428إسماعيل بن أبي خالد ، قال : حدثني قيس ، قال : أتيت خبابا وقد اكتوى سبعا في بطنه ، فقال : لولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا أن ندعو بالموت لدعوت به .
حدثنا أحمد بن قاسم ، nindex.php?page=showalam&ids=16502وعبد الوارث بن سفيان ، قالا : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16802قاسم بن أصبغ ، حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=14060الحارث بن أبي أسامة ، حدثنا [ ص: 28 ] محمد بن جعفر الوركاني ، حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن nindex.php?page=showalam&ids=13283ابن شهاب ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16523عبيد الله بن عبد الله ، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم nindex.php?page=hadith&LINKID=1015166لا يتمنى أحدكم الموت : إما محسن فلعله يزداد خيرا ، وإما مسيء فلعله يستعتب .
وقد يجوز تمني الموت لغير البلاء النازل ، مثل أن يخاف على نفسه المرء فتنة في دينه ، قال مالك : كان nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز لا يبلغه شيء عن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب إلا أحب أن يعمل به حتى لقد بلغه أن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب دعا على نفسه بالموت فدعا nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز على نفسه بالموت ، فما أتت الجمعة حتى مات رحمه الله ، وقد أوضحنا هذا المعنى في هذا الكتاب عند قوله صلى الله عليه وسلم nindex.php?page=hadith&LINKID=1015167لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر أخيه ، فيقول : يا ليتني مكانه .
وأما معنى حديث هذا الباب فإنما هو والله أعلم عند [ ص: 29 ] حضور الموت ، ومعاينة بشرى الخير أو الشر ، فعلى هذا تنزل الآثار ، وعلى ذلك فسره العلماء .
حدثنا عبد الرحمن بن يحيى ، nindex.php?page=showalam&ids=15829وخلف بن القاسم ، قالا : حدثنا أحمد بن محمد بن الحداد بكير ، حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=17182موسى بن هارون ، حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16905أبو إسماعيل الترمذي ، حدثنا إسحاق بن موسى الهروي ، حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=12430إسماعيل بن جعفر ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16656عمارة بن غزية ، عن nindex.php?page=showalam&ids=17183موسى بن وردان المصري ، عن nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن المسلم إذا حضره الموت رأى بشره فلم يكن شيء أبغض إليه من المكث في الدنيا ، وإذا حضر الكافر الموت رأى بشره فلم يكن شيء أحب إليه من المكث في الدنيا .
قال أبو عمر : بشر جمع بشير مثل سرير وسرر ، وقد يخفف ذلك ويثقل مثل رسل ورسل ، وسبل وسبل ، وقد تكون البشرى بالخير والشر ، كما قال الله عز وجل : [ ص: 30 ] ( فبشرهم بعذاب أليم ) وقال أهل اللغة أيضا إنه قد يكون البشر جمع بشارة .
وفيه ما يدل على أن البشارة قد تكون بالخير والشر ، وبما يسوء وبما يسر ، وقد روي عن النبي عليه السلام أنه قال لبعض أصحابه في حديث ذكره : أينما مررت بقبر كافر فبشره بالنار وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال : بشر قاتل ابن صفية بالنار ، وقد حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16002سعيد بن نصر ، nindex.php?page=showalam&ids=16502وعبد الوارث بن سفيان ، قالا : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16802قاسم بن أصبغ ، حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=13629ابن وضاح ، حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=12508أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا يزيد [ ص: 32 ] بن هارون ، أخبرنا محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - nindex.php?page=hadith&LINKID=1015171من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه قيل : يا رسول الله ، ما منا أحد إلا وهو يكره الموت ، ويقطع به ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كان ذلك كشف له .