أما قوله : لا تلقوا الركبان ، فهو النهي عن تلقي السلع ، وقد روي هذا المعنى بألفاظ مختلفة ، فروى nindex.php?page=showalam&ids=13723الأعرج ، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : nindex.php?page=hadith&LINKID=1015291لا تلقوا الركبان ، كما ترى .
وروى أبو صالح وغيره ، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، عن النبي عليه السلام أنه نهى أن تتلقى السلع حتى تدخل الأسواق .
[ ص: 185 ] وروى nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : لا تستقبلوا السوق ، ولا يتلق بعضكم لبعض ، والمعنى في ذلك كله واحد ، وقد مضى القول في ذلك وفي معنى قوله : لا يبع بعضكم على بيع بعض ، في باب نافع ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ؛ لأن nindex.php?page=showalam&ids=15020القعنبي ذكر ذلك عن مالك في حديث نافع ، وذكر يحيى وغيره من ذلك ما وصفنا هنالك ، وسنزيد المعنيين هاهنا بيانا من قول أصحابنا وغيرهم إن شاء الله .
فجملة قول مالك في ذلك أنه لا يجوز أن يشتري أحد من الجلب والسلع الهابطة إلى الأسواق ، وسواء هبطت من أطراف المصر أو من البوادي حتى يبلغ بالسلعة سوقها ، هذا إذا كان التلقي في أطراف المصر أو قريبا منه ، وقيل لمالك : أرأيت إن كان ذلك على رأس ستة أميال ؟ فقال : لا بأس بذلك ، والحيوان وغير الحيوان في ذلك كله سواء .
وروى عيسى ، وأصبغ ، nindex.php?page=showalam&ids=15968وسحنون ، عن ابن القاسم أن السلعة إذا تلقاها متلق واشتراها قبل أن يهبط بها إلى السوق ، قال ابن القاسم : تعرض السلعة على أهل السلع في السوق فيشتركون فيها بذلك الثمن لا زيادة ، فإن لم يكن لها سوق عرضت على الناس في المصر فيشتركون فيها إن أحبوا ، فإن [ ص: 186 ] نقصت عن ذلك الثمن لزمت المشتري ، قال nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون : وقال لي غير ابن القاسم : يفسخ البيع .
وقال عيسى ، عن ابن القاسم : يؤدب ملتقي السلع إذا كان معتادا بذلك ، وروى nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون عنه أيضا أنه يؤدب إلا أن يعذر بالجهالة .
وقال عيسى ، عن ابن القاسم : إن فاتت السلعة فلا شيء عليه .
وروى nindex.php?page=showalam&ids=12321أشهب ، عن مالك أنه كره أن يخرج الرجل من الحاضرة إلى أهل الحوائط فيشتري منهم الثمرة مكانها ورآه من التلقي ، ومن بيع الحاضر للبادي ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=12321أشهب : لا بأس بذلك ، وليس هذا بمتلق ، ولكنه اشترى الشيء في موضعه .
وروى nindex.php?page=showalam&ids=12131أبو قرة ، قال : قال لي مالك : إني لأكره تلقي السلع ، وأن يبلغوا بالتلقي أربعة برد .
قال أبو عمر : لا أعلم خلافا في جواز خروج الناس إلى البلدان في الأمتعة والسلع ، ولا فرق بين القريب والبعيد من ذلك في النظر ، وإنما التلقي تلقي من خرج بسلعة يريد بها السوق ، وأما من قصدته إلى موضعه فلم تتلق .
[ ص: 187 ] وقال nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث بن سعد : أكره تلقي السلع وشراءها في الطريق أو على بابك حتى تقف السلعة في سوقها التي تباع فيها ، فإن تلقى أحد سلعة فاشتراها ثم علم به ، فإن كان بائعها لم يذهب ردت إليه حتى تباع في السوق ، وإن كان قد ذهب ارتجعت منه وبيعت في السوق ودفع إليه ثمنها ، قال : وإن كان على بابه أو في طريقه فمرت به سلعة يريد صاحبها سوق تلك السلعة ، فلا بأس أن يشتريها إذا لم يقصد لتلقي السلع ، وليس هذا بالتلقي ، إنما التلقي أن يعمد لذلك .
قال أبو عمر : أما مذهب مالك ومن قال بمثل قولهما في النهي عن تلقي السلع ، فمعناه عندهم الرفق بأهل الأسواق لئلا يقطع بهم عما له جلسوا يبتغون من فضل الله ، فنهى الناس أن يتلقوا السلع التي يهبط بها إليهم لأن في ذلك فسادا عليهم .
وأما nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، فمذهبه في ذلك أن النهي إنما ورد رفقا بصاحب السلع لئلا يبخس في ثمن سلعته .
قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : لا تتلقى السلعة ، فمن تلقاها فصاحبها بالخيار إذا بلغ السوق ، وقد روي بمثل ما قاله nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي خبر صحيح يلزم العمل به : [ ص: 188 ] حدثنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=11955أبو توبة الربيع بن نافع ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16525عبيد الله بن عمرو الرقي ، عن أيوب ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16972ابن سيرين ، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - nindex.php?page=hadith&LINKID=1015294نهى عن تلقي الجلب ، فإن تلقاه متلق فاشتراه فصاحب السلعة بالخيار إذا وردت السوق .
قال أبو عمر : فقوله في خبر هشام " فهو بالخيار " يريد البائع لئلا يتناقض الحديثان ، وهو جائز في اللغة أن يقصده وإن لم يذكره إلا بالمعنى ، وقد روينا من حديث هشام كما قال أيوب ، وهو الصواب ، وما خالفه فليس بشيء .
وقال أصحاب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : تفسير النهي عن التلقي : أن يخرج أهل الأسواق فيخدعون أهل القافلة ، ويشترون منهم شراء رخيصا ، فلهم الخيار ؛ لأنهم قد غروهم وخدعوهم .
[ ص: 189 ] وأما nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة وأصحابه ، فالنهي عن تلقي السلع عندهم إنما هو من أجل الضرر ، فإن لم يضر بالناس تلقي ذلك لضيق المعيشة ، وحاجتهم إلى تلك السلع ، فلا بأس بذلك .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14695أبو جعفر الطحاوي : لما جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخيار في السلعة المتلقاة إذا هبط بها إلى السوق دل على جواز البيع ؛ لأنه ثبته وجعل فيه الخيار ، قال : وهذا يدل على أن التلقي المكروه إذا كان فيه ضرر ، فلذلك جعل فيه الخيار ، فإن لم يكن فيه فهو غير مكروه .
وقال ابن خواز منداد : البيع في تلقي السلع صحيح على قول الجميع ، وإنما الخلاف هو أن المشتري لا يفوز بالسلعة ويشركه فيها أهل الأسواق ولا خيار للبائع أو أن البائع بالخيار .
قال أبو عمر : ما حكاه ابن خواز منداد عن الجميع في جواز البيع في ذلك مع ما دل عليه الحديث هو الصحيح لا ما حكاه nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون عن غير ابن القاسم أنه يفسخ البيع ، وبالله التوفيق .
وكان ابن حبيب يذهب إلى فسخ البيع في ذلك ، فإن لم يوجد البائع عرضت السلعة على أهل الأسواق واشتركوا [ ص: 190 ] فيها إن أحبوها ، وإن أبوا منها ردت على مبتاعها ، إلى كلام كثير ذكره ، وفرق بين الطعام في ذلك وغيره ، وقال : الطعام يوقف للناس كلهم يشترونه بالثمن وإن كان له أهل راتبون في السوق ولم يفسخ فيه البيع .
حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16002سعيد بن نصر ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16802قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=13629محمد بن وضاح ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=12508أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا أبو أسامة ، عن هشام ، عن محمد ، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، عن النبي عليه السلام ، قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=1015295لا تلقوا الأجلاب ، فمن تلقى منه شيئا فاشتراه فصاحبه بالخيار إذا أتى السوق .
ذكر nindex.php?page=showalam&ids=14161الحسن بن علي الحلواني ، قال : حدثنا عفان ، قال : حدثنا إسماعيل ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16453ابن عون ، قال : قال nindex.php?page=showalam&ids=16972محمد بن سيرين : أتدري متى لا يستام الرجل على سوم أخيه ؟ قلت : لا أدري ، قال : وأنا لا أدري ، وقال سفيان : هو أن يقول عندي خير منه ، وقال مالك : معنى ذلك الركون .
[ ص: 191 ] قال مالك : تفسير قول رسول الله " nindex.php?page=hadith&LINKID=1013818لا يبع بعضكم على بيع بعض " فيما نرى والله أعلم أنه إنما نهى أن يسوم الرجل على سوم أخيه إذا ركن البائع إلى السائم ، وجعل يشترط وزن الذهب ، ويتبرأ من العيوب ، وما أشبه هذا مما يعرف به أن البائع قد أراد مبايعة السائم ، فذلك الذي نهى عنه ، والله أعلم .
قال مالك : ولا بأس بالسوم بالسلعة توقف للبيع ، فيسوم بها غير واحد ، قال : ولو ترك الناس السوم عند أول من يسوم بالسلعة أخذت بشبه الباطل من الثمن ، ودخل على الباعة في سلعهم المكروه والضرر ، قال : ولم يزل الأمر عندنا على هذا .
قال أبو عمر : أقوال الفقهاء كلهم في هذا الباب متقاربة المعنى ، وكلهم قد أجمعوا على جواز البيع فيمن يزيد ، وهو يفسر لك ذلك ، ومذهب مالك أن البيع في ذلك يفسخ ما لم يفت ، ومذهب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبي حنيفة أن البيع لازم والفعل مكروه ، وذكر ابن خواز منداد ، قال : قال مالك : لا يبيع الرجل على بيع أخيه ، ولا يخطب على خطبته ، ومتى فعل ذلك فسخ البيع ما لم يفت ، وفسخ النكاح قبل الدخول .
[ ص: 192 ] وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة فيمن باع على بيع أخيه : العقد صحيح ويكره له ما فعل .
وأجمع الفقهاء أيضا على أنه لا يجوز دخول المسلم على الذمي في سومه إلا nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي وحده فإنه قال : لا بأس بدخول المسلم على الذمي في سومه لقوله - صلى الله عليه وسلم - nindex.php?page=hadith&LINKID=1015297لا يبع بعضكم على بيع بعض ، ولا يسم على سوم أخيه وحجة سائر الفقهاء : أن الذمي لما دخل في نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الغرر ، وبيع ما لم يقبض ، والنجش ، وربح ما لم يضمن ، ونحو ذلك كان كذلك في السوم على سومه ، وإذا أطلق الكلام على المسلمين دخل فيه أهل الذمة ، والدليل على ذلك اتفاقهم على كراهية سوم الذمي على الذمي ، فدل على أنهم مرادون .
وكان ابن حبيب يقول : إنما نهي أن يشتري الرجل على شراء الرجل ، وأما أن يبيع على بيعه فلا ، قال : لأنه لا يبيع أحد على بيع أحد ، قال : وإنما هو أن يشتري مشتر على شراء مشتر ، قال : والعرب تقول : بعت الشيء ، في معنى [ ص: 193 ] اشتريته ، وأنشد أبياتا في ذلك ، وجعل البيع فيه صحيحا وفاعله عاصيا أمره بالتوبة والاستغفار ، وأن يعرض السلعة على أخيه الذي دخل فيها عليه ، فإن أحبها أخذها .
قال أبو عمر : لا أدري وجها لإنكاره أن يراد بذلك البيع ، والعرب وإن كان يعرف من لغتها أن تقول بعت بمعنى اشتريت ، فالذي هو أعرف وأشهر عنها أن يقول : بعت بمعنى بعت ، وأي ضرورة بنا إلى هذا ، والمعنى فيه واضح على ما قال مالك وغيره ، وبالله العون والتوفيق .
وأما قوله : لا تناجشوا ، فقد مضى القول في معناه عند ذكر حديث مالك ، عن نافع ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - nindex.php?page=hadith&LINKID=1015298أنه نهى عن النجش ، ولا تختلف الفقهاء أن المناجشة معناها : أن يدس الرجل إلى الرجل ليعطي بسلعته عطاء وهو لا يريد شراءها ليعتبر به من أراد شراءها من الناس ، أو يفعل ذلك هو بنفسه في سلعته إذا لم يعلم أنها له .
واختلفوا في هذا البيع ، فقال مالك : من اشترى منجوشة فهو بالخيار إذا علم ، وهو عيب من العيوب ، وهذا [ ص: 194 ] تحصيل مذهب مالك عند المصريين والعراقيين من أصحابه ذكر ذلك ابن خواز منداد وغيره عن مالك ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة ذلك مكروه ، والبيع لازم .
وقال ابن حبيب : من فعل ذلك جاهلا أو مجترئا فسخ البيع إن أدرك قبل أن يفوت إلا أن يحب المشتري أن يتمسك بالسلعة بذلك الثمن الذي أخذها به ، قال : فإن فاتت في يده كانت عليه بالقيمة ، وذلك إذا كان البائع هو الذي دسه أو كان المعطي من سبب البائع ، وإن لم يكن شيئا من ذلك وكان أجنبيا لا يعرف البائع ولا يعرف قصته فلا شيء على البائع والبيع تام صحيح والفاعل آثم ، هذا كله قول ابن حبيب .
وأما قوله في هذا الحديث " nindex.php?page=hadith&LINKID=1015299ولا يبع حاضر لباد " فإن العلماء اختلفوا في ذلك ، فكان مالك يقول : تفسير ذلك أهل البادية وأهل القرى ، فأما أهل المدائن من أهل الريف فإنه ليس بالبيع لهم بأس ممن يرى أنه يعرف السوم إلا من كان منهم يشبه أهل البادية فإني لا أحب أن يبيع لهم حاضر ، وقال في البدوي يقدم فيسأل الحاضر عن السعر : أكره له أن يخبره ، ولا بأس أن يشتري له ، إنما يكره أن يبيع له ، فأما أن يشترط [ ص: 195 ] له فلا بأس ، هذه رواية ابن القاسم عنه ، قال ابن القاسم : ثم قال بعد : ولا يبيع مصري لمدني ، ولا مدني لمصري ، ولكن يشير عليه .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب عن مالك : لا أرى أن يبيع الحاضر للبادي ولا لأهل القرى ، وقد حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=15829خلف بن القاسم ، قال : حدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن ، قال : حدثنا المفضل بن محمد الجندي ، قال : حدثنا علي بن زياد ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=12131أبو قرة ، قال : قلت لمالك : قول النبي عليه السلام " nindex.php?page=hadith&LINKID=1015299لا يبع حاضر لباد " ما تفسيره ؟ قال : لا يبع أهل القرى لأهل البادية سلعهم ، قلت : فإن بعث بالسلعة إلى أخ له من أهل القرى ولم يقدم مع سلعته ، قال : لا ينبغي له ، قلت له : ومن أهل البادية ؟ قال : أهل العمود ، قلت له : القرى المسكونة التي لا يفارقها أهلها يقيمون فيها تكون قرى صغارا في نواحي المدينة العظيمة فيقدم بعض أهل تلك القرى الصغار إلى أهل المدينة بالسلع فيبيعها لهم أهل المدينة ؟ قال : نعم ، إنما معنى الحديث أهل العمود .
وروى أصبغ ، عن ابن القاسم فيمن فعل ذلك من بيع الحاضر للبادي أنه يفسخ بيعه ، وكذلك روى عيسى عن ابن القاسم ، قال : وإن فات فلا شيء عليه .
[ ص: 196 ] وروى nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون ، عن ابن القاسم أنه يمضي البيع ، قال nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون : وقال لي غير ابن القاسم أنه يرد البيع ، وروى nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون وعيسى ، عن ابن القاسم أنه يؤدب الحاضر إذا باع للبادي ، قال في رواية عيسى : إن كان معتادا لذلك .
وروى عبد الملك بن الحسن زونان ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب أنه لا يؤدب عالما كان بالنهي عن ذلك أو جاهلا .
قال أبو عمر : لم يختلف قول مالك والله أعلم في كراهية بيع الحاضر للبادي ، واختلف قوله في شراء الحاضر للبادي ، فمرة قال : لا بأس أن يشتري له ، ومرة قال : لا يشتري له ، ولا يشير عليه ، ذكر ذلك في كتاب السلطان من المستخرجة ، وبه قال ابن حبيب ، قال : والبادي الذي لا يبيع له الحاضر هم أهل العمود ، وأهل البوادي والبراري مثل الأعراب ، قال : وجاء النهي في ذلك إرادة أن يصيب الناس غرتهم ثم ذكر عن الخزامي ، عن سفيان ، عن أبي الزبير ، عن جابر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=1015299لا يبع حاضر لباد دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض قال : فأما أهل القرى [ ص: 197 ] الذين يعرفون أثمان سلعهم وأسواقها ، فلم يعنوا بهذا الحديث ، قال : فإذا باع الحاضر للبادي فسخ البيع لأن عقده وقع منهيا عنه فالفسخ أولى به .
قال : وكذلك أخبرني أصبغ ، عن ابن القاسم ، قال nindex.php?page=showalam&ids=16487عبد الملك بن حبيب : والشراء للبادي مثل البيع ، ألا ترى إلى قوله عليه السلام : nindex.php?page=hadith&LINKID=1013818لا يبع بعضكم على بيع بعض ، إنما هو : لا يشتري بعضكم على شراء بعض ، قال : فلا يجوز للحضري أن يشتري للبدوي ولا يبيع له ، ولا أن يبعث البدوي إلى الحضري بمتاع فيبيعه له الحضري ، ولا يشير عليه في البيع إن قدم عليه .
قال أبو عمر : قال nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث بن سعد : لا يشير الحاضر على البادي لأنه إذا أشار عليه فقد باع له ؛ لأن شأن أهل البادية أن يرخصوا على أهل الحضر لقلة معرفتهم بالسوق ، فنهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن البيع له ، قال : ولا بأس أن يبتاع الحاضر للبادي ، وأما أهل القرى فلا بأس أن يبيع لهم الحاضر .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي : لا يبع حاضر لباد ، ولكن لا بأس أن يخبره بالسعر .
[ ص: 198 ] وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة وأصحابه : لا بأس أن يبيع الحاضر للبادي ، ومن حجتهم أن هذا الحديث قد عارضه قوله - صلى الله عليه وسلم - : الدين النصيحة لكل مسلم .
قال أبو عمر : هذا اللفظ يقضي على أن النهي عن بيع الحاضر للبادي إنما هو لئلا يمنع المشتري فضل ما يشتريه ، وهو موافق للنهي عن تلقي السلع على تأويل مالك وأصحابه ، ومخالف لذلك على تأويل nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في النهي عن تلقي السلع ، وهذا لفظ صحيح .
[ ص: 199 ] وحدثنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=15424عبد الله بن محمد النفيلي ، حدثنا زهير ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=11862أبو الزبير ، عن جابر ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - nindex.php?page=hadith&LINKID=1015299لا يبع حاضر لباد ، ذروا الناس يرزق الله بعضهم من بعض .
[ ص: 200 ] حدثنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن عمر ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16610علي بن حرب ، قال : حدثنا سفيان ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16406ابن أبي نجيح ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد ، قال : إنما نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يبيع حاضر لباد في زمانه أراد أن يصيب الناس بعضهم من بعض ، فأما اليوم فليس به بأس .
قال nindex.php?page=showalam&ids=16406ابن أبي نجيح : وقال عطاء : لا يصلح ذلك لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عنه .
وحدثنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن عمر ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16610علي بن حرب ، قال : حدثنا سفيان ، عن مسلم الخياط ، سمع nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ينهى أن يبيع حاضر لباد ، قال nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم : وقال nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة : لا يبيعن حاضر لباد .
قال أبو عمر : من فسخ البيع من أهل العلم في المناجشة ، وبيع الحاضر للبدوي ، وبيع المرء على بيع أخيه ، ونحو ذلك من الآثار ، فحجتهم أنه بيع طابق النهي ففسد ، وكذلك البيع عندهم بعد النداء للجمعة أو مع الأذان لها ، وكان nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة ، nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري ، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، وداود ، وجماعة من أصحابهم وغيرهم يذهبون إلى أن البيع عند الأذان للجمعة جائز ماض ، وفاعله عاص [ ص: 201 ] ، وكذلك البيوع المذكورة المنهي عنها في الحديث المذكور في هذا الباب ، واستدل من ذهب هذا المذهب بأن النهي عن ذلك لم يرد به نفس البيع ، إنما أريد به معنى غير البيع ، وهو ترك الاشتغال عن الجمعة بما يحبس عنها ، وسواء كان بيعا أو غير بيع ، وجرى في ذلك ذكر البيع ؛ لأنهم كانوا يبتاعون ذلك الوقت فنهوا عن كل شاغل يشغل عن الجمعة ، وعن كل ما يحول بين من وجبت عليه وبين السعي إليها والبيع ، وغيره في ذلك سواء ، قالوا : ولا معنى لفسخ البيع لأنه معنى غير شهود الجمعة ؛ لأنه قد يبيع ذلك الوقت ويدرك الجمعة ، قالوا : ألا ترى أن رجلا لو ذكر صلاة لم يبق من وقتها إلا ما يصليها فيه كان عاصيا بالتشاغل عنها بالبيع وجاز بيعه ، قالوا : فكذلك من باع بعد أذان الجمعة سواء ، قالوا : وكذلك لو كان في صلاة ، فقال له رجل : قد بعتك عبدي هذا بألف ، فقال : قد قبلت ، صح البيع وإن كان منهيا عن قطع صلاته بالقول .
وأما قوله في هذا الحديث : ولا تصروا الإبل والغنم ، فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها إن رضيها أمسكها وإن سخطها ردها وصاعا من تمر ، فقد اختلف [ ص: 202 ] العلماء في القول بهذا الحديث ، فمنهم من قال به ، ومنهم من رده ولم يستعمله .
وممن قال به : nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك بن أنس ، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وجمهور أهل الحديث ، ذكر أسد nindex.php?page=showalam&ids=15968وسحنون ، عن ابن القاسم أنه قال له : أيأخذ مالك بهذا الحديث ؟ فقال : قلت لمالك : تأخذ بهذا الحديث ؟ قال : نعم ، وقال مالك : أو لأحد في هذا الحديث رأي ؟ قال ابن القاسم : وأنا آخذ به ، إلا أن مالكا قال لي : أرى لأهل البلدان إذا نزل بهم هذا أن يعطوا الصاع من عيشهم ، قال : وأهل مصر عيشهم الحنطة .
قال أبو عمر : رده nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة وأصحابه ، وزعم بعضهم أنه منسوخ ، وأنه كان قبل تحريم الربا ، وبأشياء لا يصلح لها معنى إلا مجرد الدعوى ، وقد روى nindex.php?page=showalam&ids=12321أشهب ، عن مالك نحو ذلك .
ذكر العتبي من سماع nindex.php?page=showalam&ids=12321أشهب ، عن مالك أنه سئل عن قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - nindex.php?page=hadith&LINKID=1015302من ابتاع مصراة فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها : إن شاء أمسكها ، وإن شاء ردها وصاعا من تمر فقال : قد سمعت ذلك وليس بالثابت ولا الموطأ عليه ، ولئن لم يكن ذلك أن له اللبن بما أعلف وضمن ، قيل [ ص: 203 ] له : نراك تضعف الحديث ؟ فقال : كل شيء يوضع موضعه ، وليس بالموطأ ولا الثابت ، وقد سمعته .
قال أبو عمر : هذه رواية منكرة ، والصحيح عن مالك ما رواه ابن القاسم ، والحديث عند أهل العلم بالحديث صحيح من جهة النقل رواه جماعة عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، منهم : nindex.php?page=showalam&ids=17184موسى بن يسار ، nindex.php?page=showalam&ids=12045وأبو صالح السمان ، nindex.php?page=showalam&ids=17257وهمام بن منبه ، nindex.php?page=showalam&ids=16972ومحمد بن سيرين ، ومحمد بن زياد بأسانيد صحاح ثابتة ، فرواية nindex.php?page=showalam&ids=13723الأعرج قد ذكرناها من حديث مالك .
وحدثنا أحمد بن قاسم بن عيسى ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=13052عبيد الله بن محمد بن حبابة ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=13890عبد الله بن محمد البغوي ، قال : حدثنا جدي ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=17376يزيد بن هارون ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16962محمد بن زياد ، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - nindex.php?page=hadith&LINKID=1015303من اشترى مصراة فهو بالخيار ثلاثا ، وإن ردها رد معها صاعا من تمر .
وحدثنا أحمد بن قاسم بن عيسى ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=13052عبيد الله بن حبابة ، قال : حدثنا البغوي ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16598علي بن الجعد ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=11960أبو جعفر الرازي ، عن هشام ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16972ابن سيرين ، عن [ ص: 204 ] nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - nindex.php?page=hadith&LINKID=1015304من اشترى مصراة فهو بالخيار ثلاثة أيام ، فإن ردها رد معها صاعا من تمر لا سمراء .
وحدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16002سعيد بن نصر ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16802قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=13629ابن وضاح ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=12508أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا أبو أسامة ، عن هشام ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16972ابن سيرين ، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فذكره حرفا بحرف ، وزاد : لا سمراء - يعني الحنطة - .
قال أبو عمر : أما قوله في حديث nindex.php?page=showalam&ids=11863أبي الزناد : nindex.php?page=hadith&LINKID=1015305ولا تصروا الإبل والغنم فمن ابتاعها ، يريد من ابتاع المصراة من الإبل والغنم ، والمصراة هي المحفلة سميت بمصراة ؛ لأن اللبن صري في ضرعها أياما حتى اجتمع وكثر ، ومعنى صري حبس ، فلم تحلب حتى عظم ضرعها به ليغتر المشتري بذلك ، ويظن أن تلك حالها ، وأصل التصرية حبس الماء وجمعه ، تقول العرب : منه صريت الماء إذا حبسته ، وليس هذا اللفظ من الصرار والتصرير ، ولو كان منه لكانت مصرورة لا مصراة ، وإنما قيل للمصراة : المحفلة ؛ لأن اللبن اجتمع في ضرعها فصارت حافلا ، والشاة الحافل الكثيرة اللبن العظيمة الضرع ، ومنه قيل : [ ص: 205 ] مجلس حافل ، ومحتفل إذا كثر فيه القوم ، وهذا الحديث أصل في النهي عن الغش ، وأصل فيمن دلس عليه بعيب ، أو وجد عيبا بما ابتاعه أنه بالخيار في الاستمساك أو الرد ، وهذا مجتمع عليه بالمدينة في الرد بالعيوب ، كلهم يجعل حديث المصراة أصلا في ذلك .
وأما استعمال الحديث في المصراة على وجهه فمختلف فيه ، قال به أكثر أهل الحجاز واستعملوا كثيرا من معانيه ، ومن أهل العلم بالعراق والحجاز من يأبى استعمال حديث المصراة .
واختلف الذين أبوا ذلك ، فقال منهم قائلون : ذلك خصوص في المصراة غير مستعمل في غيرها ؛ لأن اللبن المحلوب منها فيه للمشتري حظ ؛ لأن بعضه حدث في ملكه فهو غلة له ، وذكروا قوله - صلى الله عليه وسلم - nindex.php?page=hadith&LINKID=1015306الخراج بالضمان ، والغلة بالضمان قالوا : والغلة والكسب لما كان عند الجميع بالضمان كان رد الصاع خصوصا في المصراة .
أخبرنا أحمد بن عبد الله بن محمد قراءة مني عليه أن الميمون بن حمزة الحسيني حدثهم ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=15215المزني ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، قال : أخبرنا nindex.php?page=showalam&ids=14429مسلم بن خالد ، عن nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، فذكره سواء .
وأخبرنا عبد الرحمن بن مروان ، قال : أخبرني الحسن بن يحيى القلزمي ، قال : حدثنا ابن الجارود ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16471عبد الله بن هشام ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=17314يحيى بن سعيد ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12493ابن أبي ذئب ، قال : حدثني مخلد بن خفاف ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة ، عن عائشة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=1015308الخراج بالضمان .
[ ص: 207 ] وقرأت على nindex.php?page=showalam&ids=16502عبد الوارث بن سفيان أن nindex.php?page=showalam&ids=16802قاسم بن أصبغ حدثهم ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=12070محمد بن إسماعيل ، وأبو يحيى بن أبي مسرة ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=17098مطرف بن عبد الله ، قال قاسم : وحدثنا أحمد بن حماد ببغداد ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16300عبد الأعلى بن حماد النرسي ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=14429مسلم بن خالد ، عن nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=1015308الخراج بالضمان .
وفي حديث nindex.php?page=showalam&ids=15921أحمد بن حماد أن رجلا اشترى غلاما فرده بعيب به ، فقال الرجل : إنه قد استغله يا رسول الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=1015309الغلة بالضمان .
وحدثنا عبد الوارث ، حدثنا قاسم ، حدثنا بكر ، حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=17072مسدد ، حدثنا يحيى ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12493ابن أبي ذئب ، عن مخلد بن خفاف بن إيماء ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة ، عن عائشة ، عن النبي عليه السلام قال nindex.php?page=hadith&LINKID=1015308الخراج بالضمان .
وقال منهم آخرون : حديث المصراة منسوخ كما نسخت العقوبات بالغرامات ، واعتلوا في جواز دعوى النسخ في ذلك بأن قالوا : العلماء لم يجعلوا حديث المصراة أصلا يقيسون عليه [ ص: 208 ] ولد الجارية إذا ولدت عند المشتري ثم اطلع على عيب لأنهم اختلفوا في ذلك ، فقال مالك : يردها وولدها على البائع .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : يحبس الولد لنفسه لأنه حدث في ملكه ، قالوا : ومعلوم أن في لبن المصراة جزءا حادثا في ملك المشتري في الحلبة الأولى ؛ لأن اللبن يحدث بالساعات ، فقد أمر في هذا الحديث برد ما حدث من ذلك في ملك المبتاع ، وهذا يعارضه قوله صلى الله عليه وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=1015309الغلة بالضمان ، فلهذا لم يجعلوا هذا الحديث أصلا يقيسون عليه .
هذه جملة ما اعتل به من رد حديث المصراة فيما ذكرنا ، وممن رده nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة وأصحابه ، وهو حديث مجتمع على صحته وثبوته من جهة النقل ، وهذا مما يعد وينقم على nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة من السنن التي ردها برأيه ، وهذا مما عيب عليه ، ولا معنى لإنكارهم ما أنكروه من ذلك ؛ لأن هذا الحديث أصل في نفسه ، والمعنى فيه والله أعلم على ما قال أهل العلم : أن لبن المصراة لما كان مغيبا لا يوقف على صحة مقداره ، وأمكن التداعي في قيمته ، وقلة ما طرأ منه في ملك المشتري وكثرته [ ص: 209 ] قطع النبي - صلى الله عليه وسلم - الخصومة في ذلك بما حده فيه ، كما فعل عليه السلام في دية الجنين قطع فيه مثل ذلك ؛ لأن الجنين لما أمكن أن يكون حيا فتكون فيه الدية ، وأمكن أن يكون ميتا فلا يكون فيه شيء قطع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حكمه بما حد فيه .
واتفق العلماء على القول به مع قولهم أن في الطفل الحي الدية كاملة ، والميت لا شيء فيه ، فكذلك حكم المصراة لا يلتفت فيها إلى ما خالفها من الأصول لأن حكمها أصل في نفسه ؛ لثبوت الخبر بها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كالعرايا وما أشبهها ، والله أعلم .
وأما الرد بما دلس فيه بائعه من العيب في سلعته ، فهذا الحديث عندهم أصل في ذلك ، وقد جعله العراقيون nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي أصلا في الخيار ثلاثة أيام لا يتجاوز .
حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16502عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16802قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=12529أبو يحيى بن أبي مسرة ، قال : حدثنا المقرئ ، قال : حدثنا المسعودي ، عن جابر ، وعن nindex.php?page=showalam&ids=11870أبي الضحى ، عن nindex.php?page=showalam&ids=17073مسروق [ ص: 210 ] قال : قال nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود : أشهد على الصادق المصدوق أبي القاسم - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=1015310بيع المحفلات خلابة ، ولا تحل خلابة مسلم .
حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16002سعيد بن نصر ، nindex.php?page=showalam&ids=16502وعبد الوارث بن سفيان ، قالا : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16802قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=12429إسماعيل بن إسحاق ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=12370إبراهيم بن حمزة ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16379عبد العزيز بن محمد ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16524عبيد الله بن عمر ، عن nindex.php?page=showalam&ids=11863أبي الزناد ، عن nindex.php?page=showalam&ids=13723الأعرج ، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=1015311أيما رجل اشترى محفلة ، فله أن يمسكها ثلاثا ، فإن أحبها أمسكها ، وإن سخطها ردها وصاعا من تمر .
[ ص: 211 ] قال أبو عمر : بهذا الحديث استدل من ذهب إلى أن الصاع إنما يرد عن الواحدة لا عن أكثر من واحدة ، وبهذا احتج من ذهب إلى ذلك من متأخري الفقهاء ، وقال : فإن كانت أكثر من واحدة رد صاعا عن كل واحدة ، وسواء في ذلك الناقة والشاة ، تعبدا وتسليما ، والله أعلم .
وقد اختلف المتأخرون من أصحابنا وغيرهم ، فيمن اشترى محفلات بصفقة ، فبعضهم قال بما ذكرنا ، وبعضهم قال : لا يرد معهن إن سخطهن إلا صاعا واحدا من تمر ، أو صاعا من عيش بلده ، وأظنه ذهب إلى ما رواه nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن nindex.php?page=showalam&ids=15938زياد بن سعد ، عن ثابت مولى عبد الرحمن بن زيد ، سمع nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - nindex.php?page=hadith&LINKID=1015313من اشترى غنما مصراة فاحتلبها ، فإن رضيها أمسكها ، وإن سخطها ففي حلبها صاع من تمر .
ذكره أبو داود ، عن عبد الله بن مخلد ، عن nindex.php?page=showalam&ids=17140مكي بن إبراهيم ، عن nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، وذكره nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، حدثنا محمد بن عمرو ، حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=17140مكي ، أخبرنا nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج أخبرني زياد أن [ ص: 212 ] ثابتا مولى عبد الرحمن بن زيد أخبره أنه سمع nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فذكره .
ومن استعمل ظواهر هذا الباب على جملتها لم يفرق بين شاة وغنم ، ولا بين ناقة ونوق في الصاع عما ابتاعه مما ضمن من ذلك ودلس عليه به ، والله أعلم .
والأكثر من أصحابنا وغيرهم يقولون إن الصاع إنما هو عن الشاة الواحدة المصراة ، أو الناقة الواحدة المحفلة ، واحتجوا برواية عكرمة ، وأبي صالح ، nindex.php?page=showalam&ids=15826وخلاس بن عمرو ، nindex.php?page=showalam&ids=16972وابن سيرين كلهم يقول : عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، عن النبي عليه السلام " nindex.php?page=hadith&LINKID=1015314من اشترى شاة مصراة أو نعجة مصراة " .
هكذا رواه جماعة في حديث nindex.php?page=showalam&ids=16972ابن سيرين وغيره ، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة " شاة مصراة " وبعضهم يقول في هذا الحديث : لا سمراء ، وبعضهم لا يذكره ويقول : صاعا من طعام ، وفسر بعضهم قوله : صاعا من طعام لا سمراء ، قال : يقول تمرا ليس ببر .
وأما أقاويل الفقهاء في هذا الباب ، فقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة وأصحابه : المحفلة عندنا وغيرها سواء ، ومن اشترى عنده وعند أصحابه شاة مصراة فحلب لبنها لم يردها بعيب ، ولكنه يرجع بنقصان العيب ، وقالوا : هذا الحديث في المصراة منسوخ ، واختلفوا فيما نسخه ، فمنهم من قال : نسخه ( وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ) وأنه لا يجب فيمن استهلك شيئا لأحد غيره إلا مثله أو قيمته ، ومنهم من قال : نسخه الخراج بالضمان [ ص: 215 ] والكالئ بالكالئ ؛ لأن لبن المصراة دين في ذمة المشتري ، وإذا ألزمناه في ذمته صاعا من تمر كان الطعام بالطعام نسيئة ، ودينا بدين ، وهذا كله منسوخ بما ذكرنا .
وأكثروا من التشغيب في ذلك بعد إجماعهم على أنه منسوخ كما نسخت العقوبات في الغرامات بأكثر من المثل في مانع الزكاة أنها تؤخذ منه مع شطر ماله ، وفي سارق التمر من غير الجرين غرامة مثليه وجلدات نكال ، ونحو ذلك .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=12526ابن أبي ليلى ، ومالك ، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري : هو بخير النظرين إذا احتلبها ووجد حلابها بخلاف ما ظهر ، فإن ردها رد معها صاعا من تمر ، ولا يرد اللبن الذي حلب ، وإن كان قائما بعينيه ، قال مالك : وأرى لأهل كل بلد أن يعطوا الصاع من عيشهم حنطة أو غيرها ، قالوا : وإنما تستبين المصراة ويعلم بأنها مصراة إذا حلبها المشتري مرتين أو ثلاثا فنقص اللبن في كل مرة عما كان عليه في الأولى ، وقال مالك : إنما يختبر بالحلاب الثاني ، فإذا حلب ما يعلم أنه قد اختبرها به فهو رضى .
[ ص: 216 ] وقال : روي عن زيد بن الهذيل في نوادر تنسب إليه فيمن اشترى شاة مصراة ، قال : هو بالخيار ثلاثا ليحلبها ، فإن شاء ردها ورد معها صاعا من تمر أو نصف صاع من بر ، قال : وإن اشتراها وليست بمحفلة فاحتلبها ، فليس له أن يردها ، ولكنه يرجع بنقصان العيب ؛ لأنا اتبعنا الأثر في المحفلة ، فإن حدث في المحفلة عيب فإنه يرد النقصان إلا أن يرضى البائع أن يأخذها كما هي .
قال أبو عمر : تلخيص اختلاف الفقهاء في هذا الباب أن نقول : قال مالك : من اشترى مصراة فاحتلبها ثلاثا ، فإن رضيها أمسكها ، وإن سخطها لاختلاف لبنها ردها ورد معها صاعا من قوت ذلك البلد تمرا كان أو برا أو غير ذلك ، وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=16741عيسى بن دينار في مذهب مالك : لو علم مشتري المصراة أنها مصراة بإقرار البائع ، فردها قبل أن يحلبها لم يكن عليه غرم ؛ لأنه لم يحلب اللبن الذي من أجله يلزم غرم الصاع .
قال أبو عمر : هذا ما لا خلاف فيه ، قال عيسى : ولو حلبها مرة ثم حلبها ثانية فنقص لبنها ردها ورد معها صاعا [ ص: 217 ] من تمر للحلبة الأولى ، ولو جاء باللبن بعينه الذي حلبه لم يقبل منه ولزمه غرم الصاع ، ولو لم يردها للحلبة الثانية ، وظن أن نقص لبنها كان من استنكار الموضع فحلبها ثالثة فتبين له صرها فأراد ردها فإنه يحلف بالله ما كان ذلك ممن رضي ، ويرد معها الصاع الذي أمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
واختلف المتأخرون من أصحاب مالك على القولين اللذين قدمنا ذكرهما في مشتري عدد من الغنم فوجدها كلها مصراة ، فبعضهم قال : يرد عن كل واحدة صاعا من تمر ، وقال بعضهم : بل يرد صاعا واحدا من تمر تعبدا ؛ لأنه ليس بثمن اللبن ولا قيمته .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في المصراة : يردها ويرد معها صاعا من تمر لا يرد غير التمر ، وكذلك قال nindex.php?page=showalam&ids=12526ابن أبي ليلى ، nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث بن سعد ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو عبيد ، nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور ، ويجيء على أصولهم أن التمر إذا عدم وجب رد قيمته .
وقد روي عن nindex.php?page=showalam&ids=12526ابن أبي ليلى ، nindex.php?page=showalam&ids=14954وأبي يوسف أنهما قالا : يعطي معهما قيمة اللبن .
[ ص: 218 ] وقال nindex.php?page=showalam&ids=15922زفر : يردها ويرد معها صاعا من تمر أو نصف صاع من بر .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة : إذا حلبها لم يردها ، وإنما يرجع بنقصان العيب .
قال أبو عمر : سواء كان اللبن المحلوب من المصراة حاضرا أو غائبا لا يرد اللبن ، وإنما يرد البدل المذكور في هذا الحديث ؛ لأنه قد أمر برد الصاع لا اللبن ، فلو رد اللبن كان قد فعل غير ما أمر به ، وهو نص لا يجوز خلافه إلى القياس ، ومعلوم أنه لا يستبين أنها مصراة إلا بالحلبة الثانية ، وإذا كان ذلك كذلك علم أن لبن الحلبة الأولى قد فات أو تغير ، فلو ألزموا المبتاع مثله خالفوا ظاهر الخبر إلى القياس وذلك غير جائز .
وأما أصحابنا ، فيزعمون أنه لو رد اللبن دخله بيع الطعام قبل أن يستوفى ؛ لأنه كأنه قد وجب له الصاع تمرا فأخذ فيه اللبن وباعه قبل أن يستوفيه ، ويدخل عليهم مثل ذلك في قولهم : يعطي بدل التمر صاعا من قوته وعيشه ، وبالله التوفيق .
[ ص: 219 ] قال أبو عمر : جعل العراقيون nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي حديث المصراة من رواية nindex.php?page=showalam&ids=16972ابن سيرين ، ومحمد بن زياد ، ومن تابعهما ، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أصلا في الخيار أنه لا يكون أكثر من ثلاثة أيام ، وذهب مالك إلى أن الخيار لا حد فيه ، وإنما هو على ما شرطه المتبايعان مما يليق ويعرف من مدة اختيار مثل تلك السلعة ، وحجته في ذلك عموم قوله - صلى الله عليه وسلم - : إلا بيع الخيار ، وقد مضى القول في الخيار ممهدا في باب نافع ، والحمد لله رب العالمين .