هذا من أحسن حديث في فضل الغزو في سبيل الله ، والحض على الثبوت عند لقاء العدو ، وأما قوله : " لا يكلم " فمعناه : لا يجرح أحد في سبيل الله ، والكلوم : الجراح ، معروف ذلك في لسان العرب معرفة يستغنى بها عن الاستشهاد عليها بشيء . ( ومن أملح ما جاء في ذلك قول nindex.php?page=showalam&ids=144حسان بن ثابت يصف امرأة ناعمة طرية ، زعم أن الذر لو مشى عليها لجرحها جراحا تصيح منها وتندب نفسها فقال :
، وأما قوله : في سبيل الله ، فالمراد به الجهاد والغزو وملاقاة أهل الحرب من الكفار ، على هذا خرج الحديث ، ويدخل فيه بالمعنى كل من خرج في سبيل بر وحق وخير مما قد أباحه الله ، كقتال أهل البغي الخوارج واللصوص والمحاربين ، أو أمر بمعروف أو نهي عن منكر ، ألا ترى إلى قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : nindex.php?page=hadith&LINKID=1015471من قتل دون ماله فهو شهيد . وفي قوله عليه السلام : " والله أعلم بمن يكلم في سبيله " دليل على أن ليس كل من خرج في الغزو تكون هذه حاله حتى تصح نيته ، ويعلم الله من قلبه أنه خرج يريد وجهه ومرضاته ، لا رياء ، ولا سمعة ، ولا مباهاة ، ولا فخرا .
وقد كان بعضهم يتأول في حديث أبي سعيد أنه يبعث على العمل الذي يختم له به ، وظاهره على غير ذلك ، والله أعلم .
وقد استدل جماعة من أهل العلم بهذا الحديث ، وما كان مثله في سقوط غسل الشهيد المقتول في دار الحرب بين الصفين ، ولا حاجة بنا إلى الاستدلال في ترك غسل الشهداء الموصوفين بذلك مع وجود النص فيهم ، وسيأتي ما للعلماء في غسل الشهداء والصلاة عليهم في بلاغات مالك من هذا الكتاب إن شاء الله .
أخبرنا عبد الله بن محمد أخبرنا محمد بن بكر ، حدثنا أبو داود ، حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل ، حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16937محمد بن جعفر ، حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة قال : سمعت عبد ربه يحدث عن nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ، عن nindex.php?page=showalam&ids=13031ابن جابر ، عن nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في قتلى أحد : nindex.php?page=hadith&LINKID=1015475لا تغسلوهم ، فإن كل جرح أو دم يفوح مسكا يوم القيامة . ولم يصل عليهم .
قال أبو داود : الذي تفرد به من هذا الحديث قوله : لا تغسلوهم ، واختلف عن nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري في الإسناد في هذا المعنى ، وقد ذكرنا بعض ذلك في بلاغات مالك ، والحمد لله .
وزعمت طائفة بأن في هذا الحديث دليلا على أن الماء إذا تغيرت رائحته بشيء من النجاسات ، ولونه لم يتغير ، أن الحكم للرائحة دون اللون ، فزعموا أن الاعتبار باللون في ذلك لا معنى له ; لأن دم الشهيد يوم القيامة يجيء [ ص: 16 ] ولونه كلون الدماء ، ولكن رائحته فصلت بينه ، وبين سائر الدماء ، وكان الحكم لها ; فاستدلوا في زعمهم بهذا الحديث على أن الماء إذا تغير لونه لم يضره ، وهذا لا يفهم منه معنى تسكن النفس إليه ، ولا في الدم معنى الماء فيقاس عليه ، ولا يشتغل بمثل هذا ( من له فهم ، وإنما اغترت هذه الطائفة بأن nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ذكر هذا الحديث في باب الماء ، والذي ذكره nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري لا وجه له يعرف ) وليس من شأن أهل العلم اللغز به وإشكاله ، وإنما شأنهم إيضاحه وبيانه ، وبذلك أخذ الميثاق عليهم ( لتبيننه للناس ولا تكتمونه ) وفي كتاب nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري أبواب لو لم تكن فيه كان أصح لمعانيه ، والله الموفق للصواب ) والماء لا يخلو تغيره من أن يكون بنجاسة أو بغير نجاسة ، فإن كان بنجاسة فقد أجمع العلماء على أنه غير طاهر ، ولا مطهر ، وكذلك أجمعوا أنه إذا تغير بغير نجاسة أنه طاهر على أصله ، وقال الجمهور : إنه غير مطهر ; إلا أن يكون تغيره من تربته ، وحمأته ، وما أجمعوا عليه فهو الحق الذي لا إشكال فيه ، ولا التباس معه ، وقد ذكرنا حكم الماء عند العلماء ، واجتلبنا مذاهبهم في ذلك ، والاعتلال لأقوالهم في باب إسحاق بن أبي طلحة من كتابنا هذا ، والحمد لله .