أما الصيام في الشريعة فمعناه الإمساك عن الأكل والشرب ووطء النساء نهارا إذا كان تارك ذلك يريد به وجه الله وينويه ، هذا معنى الصيام في الشريعة عند جميع علماء الأمة ، وأما أصله في اللغة فالإمساك مطلقا ، وكل من أمسك عن شيء فقد صام عنه ، ألا ترى قول الله عز وجل ( إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا ) فسمى الإمساك عن الكلام صوما ، وكل ممسك عن حركة أو عمل أو طعام أو شراب فهو صائم في أصل اللسان ، لكن الاسم الشرعي ما قدمت لك ، وهو يقضي في المعنى على الاسم اللغوي ، وقد ذكرنا شواهد الشعر على الاسم اللغوي في الصيام ، واستوعبنا القول في معناه في باب nindex.php?page=showalam&ids=15614ثور بن زيد ، والحمد لله .
[ ص: 54 ] وأما قوله : الصيام جنة ، في هذا الحديث فكذلك رواه nindex.php?page=showalam&ids=15020القعنبي ، ويحيى ، وأبو مصعب ، وجماعة ، ولم يذكر ابن بكير في هذا الحديث " الصيام جنة " وإنما قال : عن مالك ، عن nindex.php?page=showalam&ids=11863أبي الزناد ، عن nindex.php?page=showalam&ids=13723الأعرج ، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=1015509إذا كان أحدكم صائما فلا يرفث ، الحديث ، والجنة : الوقاية والستر من النار ، وحسبك بهذا فضلا للصائم .
حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16502عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16802قاسم بن أصبغ قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=12429إسماعيل بن إسحاق قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16604علي بن المديني قال : حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب الحجبي قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16503عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي قال : حدثنا عنبسة الغنوي ، عن الحسن أن عثمان بن أبي العاصي كان يحدث أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : nindex.php?page=hadith&LINKID=1015510الصيام جنة يستجن بها العبد من النار .
وأما قوله : فإذا كان أحدكم صائما فلا يرفث . فإن الرفث هنا الكلام القبيح ، والتشاتم والخنا والتلاعن ، ونحو ذلك من قبيح الكلام الذي هو سلاح اللئام ، ومنه اللغو كله والباطل والزور . قال العجاج :
عن اللغا ورفث الكلام .
قرأت على أبي عبد الله محمد بن عبد الملك ، أن أبا محمد عبد الله بن مسروق حدثهم قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16751عيسى بن مسكين قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن سنجر الجرجاني قال : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16797فطر قال : حدثني زياد بن الحصين ، عن nindex.php?page=showalam&ids=11873رفيع أبي العالية قال : خرجنا مع nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس حجاجا فأحرم فأحرمنا ، ثم نزل يسوق الإبل وهو يرتجز ويقول :
وهن يمشين بنا هميسا إن تصدق الطير تجامع لميسا
قلت : يا أبا عباس ، ألست محرما ؟ قال : بلى . قلت : فهذا الكلام الذي تكلم به ؟ قال : إنه لا يكون الرفث إلا ما واجهت به النساء وليس معي نساء .
[ ص: 55 ] وفي غير هذه الرواية في هذا الحديث :
وهن يمشين بنا هميسا إن تصدق الطير تنك لميسا
قال أبو عمر :
الرفث في كلام العرب على وجهين : أحدهما : الجماع ، والآخر : الكلام القبيح ، والفحش من المقال ، واختلف العلماء في قول الله عز وجل ( فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ) فأكثر العلماء على أن الرفث هاهنا جماع النساء وغشيانهن ، والفسوق : المعاصي بإجماع ، والجدال : المراء ، وقيل : السباب والمشاتمة ، وقيل : ألا تغضب صاحبك ، وقيل : أي لا جدال في الحج بعد اليوم ، لأنه قد استقام في ذي الحجة ، ولم يختلف العلماء في قول الله عز وجل ( أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ) أن الرفث ههنا الجماع .
حدثنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=12298أحمد بن يونس قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=12493ابن أبي ذئب عن nindex.php?page=showalam&ids=15985المقبري ، عن أبيه [ ص: 56 ] ، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : nindex.php?page=hadith&LINKID=1015512من لم يدع قول الزور والعمل به ، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=12298أحمد بن يونس : فهمت الإسناد من nindex.php?page=showalam&ids=12493ابن أبي ذئب ، وأفهمني الحديث رجل إلى جنبه أراه ابن أخيه ، ورواه nindex.php?page=showalam&ids=16418ابن المبارك عن nindex.php?page=showalam&ids=12493ابن أبي ذئب بإسناده مثله .
والقول الثاني : أن الصائم يقول في نفسه لنفسه : إني صائم يا نفسي ، فلا سبيل إلى شفاء غيظك بالمشاتمة ، ولا يظهر قوله " إني صائم " لما فيه من الرياء وإطلاع الناس على عمله ; لأن الصوم من العمل الذي لا يظهر ، ولذلك يجزي الله الصائم أجره بغير حساب على حسب ما نذكر في الباب بعد هذا إن شاء الله .