قد ذكرنا أبا مرة فيما سلف من كتابنا هذا ، وهو الذي يقال له مولى أم هانئ ، اسمه يزيد ، وهو - إن شاء الله - أصح ما قيل فيه ، وهو مدني ثقة ، وذكرنا أم هانئ في كتاب الصحابة بما يغني ، عن ذكرها هاهنا ، واسمها هند ، ويقال : بل اسمها فاختة .
وفي هذا الحديث : صلاة الضحى ، وقد مضى القول فيها مستوعبا بما في ذلك من الأثر في باب nindex.php?page=showalam&ids=13283ابن شهاب ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة من هذا الكتاب ، ومضى القول أيضا في معان من هذا الحديث مجردة من إسناده ومتنه في باب موسى [ ص: 187 ] بن ميسرة من هذا الكتاب ، وأما قوله : قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ ، فقد استدل به قوم على جواز أمان المرأة ، وقالوا : جائز أمانها على كل حال ، وقال آخرون : أمانها موقوف على جواز الإمام ، فإن أجازه جاز ، وإن رده رد ، واحتج من قال هذه المقالة ، بأن أمان أم هانئ لو كان جائزا على كل حال دون إذن الإمام ما كان علي ليريد قتل من لا يجوز قتله ، لأمان من يجوز أمانه .
وفي قوله : قد أجرنا من أجرت دليل على ذلك ; لأنه لو كان أمان محتاج إلى إجازة الإمام ، لقال لها من أمنته أنت أو غيرك ، فلا سبيل إلى قتله ، وهو آمن ، ولما قال لها : قد أمنا من أمنت وأجرنا من أجرت كان ذلك دليلا على أن أمان المرأة موقوف على إجازة الإمام ، فهذه حجة من ذهب هذا المذهب .
قالوا : وهذا هو الظاهر في معنى هذا الحديث ، والله أعلم .
وأما من قال يجوز أمان المرأة على كل حال بإذن الإمام وبغير إذنه فمن حجتهم : قوله - صلى الله عليه وسلم : المسلمون تتكافأ دماؤهم ، ويسعى بذمتهم أدناهم ، ويجير عليهم أقصاهم ، وهم يد على من سواهم ، قالوا : فلما قال : أدناهم ، جاز بذلك أمان العبد ، وكانت المرأة الحرة أحرى بذلك .
واحتجوا أيضا بما [ ص: 188 ] حدثناه عبد الله بن محمد ، حدثنا محمد بن بكر ، حدثنا أبو داود ، حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16544عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16008سفيان بن عيينة ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة ، قالت : إن كانت المرأة لتجير على المسلمين فيجوز .
ورواه nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة ، قالت : إن كانت المرأة لتجير على المسلمين .
ومن حجتهم أيضا : ما حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16502عبد الوارث بن سفيان ، حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16802قاسم بن أصبغ ، حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16530عبيد بن عبد الواحد البزار ، حدثنا محبوب بن موسى ، حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=11816أبو إسحاق الفزاري ، عن أبي سعد ، قال : أخبرنا nindex.php?page=showalam&ids=16718عمرو بن مرة ، عن أبي البختري ، عن عائشة ، قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : ذمة المسلمين واحدة ، وإن جارت عليهم جائرة فلا تخفروها ، فإن لكل غادر لواء يوم القيامة يعرف به .
الآثار كلها تدل على جواز أمان المرأة على كل حال .
وقد اختلف العلماء أيضا في أمان العبد ، فقال مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي وأصحابهما nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي والليث وأحمد وإسحاق nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور وداود بن علي : أمانه جائز ، قاتل أو لم يقاتل ، وهو قول محمد بن الحسن .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة : أمانه غير جائز إلا أن يقاتل ، وهو قول أبي يوسف ، وروي عن عمر معناه .
في هذا الخبر وخبر مالك : أن الذي أجارته أم هانئ ولد هبيرة بن أبي وهب بن عمرو بن عائد بن عمران بن مخزوم - واحدا كان أو اثنين - لأن في حديث أبي النضر ما يدل على أنه كان واحدا ، وفي حديث nindex.php?page=showalam&ids=15985المقبري اثنين ، وهبيرة بن أبي وهب زوجها وولده حمو لها ، وقد قيل : إن الذي أجارته يومئذ وأراد علي قتله : nindex.php?page=showalam&ids=14062الحارث بن هشام ، وعبد الله بن أبي هبيرة ، وكلاهما من بني مخزوم ، وقيل فيه غير ذلك .
وأما قول من قال : إنه جعدة بن هبيرة ، أو أن أحدهما جعدة بن هبيرة ، فما أدري ما هو ؟ لأن جعدة بن هبيرة ابنها ، لا حموها ، ولم تكن تحتاج إلى إجارة ابنها ، ولا كانت مثل تلك المخاطبة تجري بينها وبين أخيها علي في [ ص: 190 ] ابنها ، والله أعلم .
ولم يذكر أهل النسب فيما علمت لهبيرة ابنا يكنى جعدة من غير أم هانئ ، ولا ذكروا له بنين من غير أم هانئ ، والله أعلم .
وذكر البزار : حدثنا محمد بن مسكين بن نميلة ، حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=17309يحيى بن حسان ، حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16036سليمان بن بلال ، عن كثير بن زيد ، عن الوليد بن رباح ، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يجير على الناس أدناهم .
قال nindex.php?page=showalam&ids=13216أبو العباس بن سريج القاضي : الرجلان اللذان أجارتهما أم هانئ يوم الفتح : جعدة بن هبيرة المخزومي ، ورجل آخر معه ، وكانا من الشرذمة الذين قاتلوا خالدا ، ولم يقبلوا الأمان ، ولا ألقوا السلاح ، فأراد علي قتلهما ، فأجارتهما أم هانئ ، وكانا من أحمائها ، فأجار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أجارت ، هكذا قال ، وقد مضى القول فيه ، وأيا كان فالحديث إنما سيق لجواز جوار المرأة ، لا لغير ذلك .
قال أبو عمر :
وعلى جواز أمان المرأة جمهور علماء المسلمين أجاز ذلك الإمام أو لم يجزه ، على ظواهر الأخبار المذكورة في هذا الباب ، عن أم هانئ وعائشة وغيرهما ، وممن قال ذلك : مالك وأصحابه ، إلا nindex.php?page=showalam&ids=12873عبد الملك بن الماجشون ، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبي حنيفة ، وأصحابهما ، nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري ، nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي ، وأحمد ، وإسحاق ، nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبي ثور .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=12873عبد الملك بن عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون : لا يجوز [ ص: 191 ] أمان المرأة إلا أن يجيزه الإمام ، فشذ بقوله ذلك عن هذا الجمهور ، والله الموفق للصواب ، وهو المستعان ، وهو حسبي ، ونعم الوكيل .
أخبرنا nindex.php?page=showalam&ids=16900محمد بن إبراهيم ، حدثنا محمد بن أحمد ، حدثنا محمد بن أيوب ، حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=13863أحمد بن عمرو البزار ، حدثنا رجاء بن محمد ، حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16527عبيد الله بن موسى ، حدثنا بشير بن المهاجر ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16423عبد الله بن بريدة ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما نقض قوم العهد إلا كان القتل بينهم ، ولا ظهرت فاحشة في قوم إلا سلط عليهم الموت ، ولا منع قوم الزكاة إلا حبس الله عنهم القطر . ولا يروى مرفوعا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا الحديث إلا عن بريدة بهذا الإسناد ، والله أعلم .