[ ص: 217 ] هكذا هو في الموطأ عند جمهور الرواة منقطعا ، ورواه حماد بن خالد الخياط ، عن مالك ، عن أبي النضر ، عن أبي سلمة ، عن عائشة ، فانفرد بذلك عن مالك .
أما قول عائشة في هذا الحديث : ما أسرع الناس ! ففيه عندهم قولان : أحدهما ما أسرع النسيان إلى الناس ، أو ما أسرع ما نسي الناس ، والقول الآخر : ما أسرع الناس إلى إنكار ما لا يعرفون ، أو إنكار ما لا يحبون ، أو إنكار ما قد نسوه ، أو جهلوه ، أو ما أسرع الناس إلى العيب ، والطعن ، ونحوه هذا ، ثم احتجت عليهم بالحجة اللازمة لهم ، إذ أنكروا عليها أمرها بأن يمر بسعد عليها ، فيصلى عليه في المسجد .
وكان nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص هذا قد مات في قصره بالعقيق على عشرة أميال من المدينة ، فحمل إلى المدينة على رقاب الرجال ، ودفن بالبقيع ، وقد ذكرنا خبره في بابه من كتاب الصحابة .
وكان nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص ، nindex.php?page=showalam&ids=85وسعيد بن زيد قد عهدا أن يحملا من العقيق إلى البقيع : مقبرة المدينة ، فيدفنا بها ، وذلك - والله أعلم - لفضل علموه هناك ، فإن فضل المدينة غير منكور ولا مجهول ، ولو لم يكن إلا مجاورة الصالحين والفضلاء من الشهداء وغيرهم ، وليس هذا مما اجتمع عليه العلماء ، ألا ترى أن مالكا ذكر عن nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة ، عن أبيه ، أنه قال : ما أحب أن أدفن في البقيع ، لأن أدفن في غيره أحب إلي ، ثم بين العلة ; مخافة أن ينبش له عظام رجل صالح ، أو يجاور فاجرا ، وهذا يستوي فيه البقيع وغيره ، ولو كان له فضل عنده ، لأحبه ، والله أعلم .
وقد يستحسن الإنسان أن يدفن بموضع قرابته وإخوانه وجيرانه ، لا لفضل ولا لدرجة ، وقد كان عمر - رضي الله عنه - يقول : اللهم إني أسألك الشهادة في سبيلك ووفاة ببلد رسولك . وهذا يحتمل [ ص: 219 ] الوجهين : مذهب سعد وسعيد ، ومذهب nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة ، والأظهر فيه تفضيل البلد ، والله أعلم .
وقد احتج قوم بهذا الحديث في إثبات عمل المدينة ، وأن العمل أولى من الحديث عندهم ; لأنهم أنكروا على عائشة ما روته لما استفاض عندهم .
واحتج آخرون بهذا الخبر في دفع الاحتجاج بالعمل بالمدينة ، وقالوا : كيف يحتج بعمل قوم تجهل السنة بين أظهرهم ، وتعجبت أم المؤمنين من نسيانهم لها ، أو جهلهم ، وإنكارهم لما قد صنعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسنه فيها ، وصنعه الخلفاء الراشدون ، وجلة الصحابة بعده ، وقد صلي على أبي بكر وعمر في المسجد ، قالوا فكيف يصح مع هذا ادعاء عمل ؟ أو كيف يسوغ الاحتجاج به ، وكثير ما كان يصنع عندهم مثل هذا حتى يخبره الواحد بما عنده في ذلك فينصرفوا إليه ، وقالوا : ألا ترى أن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة أم المؤمنين لم تر إنكارهم حجة ، وإنما رأت الحجة فيما علمته من السنة .
قال أبو عمر :
القول في هذا الباب يتسع وقد أكثر فيه المخالفون ، وليس هذا موضع تلخيص حججهم ، وللقول في ذلك موضع غير هذا ، وأما اختلاف الفقهاء في الصلاة على الجنائز في المسجد ، فروى ابن القاسم ، عن مالك ، أنه قال : لا يصلى على الجنائز في المسجد ، ولا يدخل بها المسجد ، قال : وإن صلي عليها عند باب المسجد وتضايق الناس وتزاحموا ، فلا بأس أن يكون بعض الصفوف في المسجد .
وقد قال في كتاب الاعتكاف من المدونة في صلاة المعتكف على [ ص: 220 ] الجنازة في المسجد : ما يدل على أنه معروف عندهم الصلاة على الجنازة في المسجد ، قال ابن نافع : قال مالك في المعتكف : وإن انتهى إليه زحام الناس الذين يصلون على الجنازة وهو في المسجد ، فإنه لا يصلي عليها ، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ومحمد بن الحسن : إنه لا يصلى على الجنائز في المسجد ، وأجاز ذلك أبو يوسف .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وأصحابه nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد بن حنبل وإسحاق nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور وداود : لا بأس أن يصلى على الجنائز في المسجد من ضيق وغير ضيق ، على كل حال ، وهو قول عامة أهل الحديث .
وحجة من قال بقول مالك : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يحفظ عنه أنه صلى على غير ابن بيضاء في المسجد ، وأن إنكار من أنكره على عائشة ، لا يكون إلا لأصل عندهم ; لأنهم يستحيل عليهم أن يروا رأيهم حجة عليها .
واحتجوا من الأثر بما حدثناه عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود .
وحدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16502عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16802قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا بكر بن حماد ، قالا : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=17072مسدد ، قال : حدثنا يحيى ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12493ابن أبي ذئب ، قال حدثني [ ص: 221 ] صالح مولى التوأمة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - nindex.php?page=hadith&LINKID=1016406من صلى على جنازة في المسجد ، فلا شيء له .
وحدثنا أحمد بن قاسم بن عيسى ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=13052عبيد الله بن محمد بن حبابة ، قال : حدثنا البغوي ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16598علي بن الجعد ، أخبرنا nindex.php?page=showalam&ids=12493ابن أبي ذئب ، عن صالح مولى التوأمة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=1016406من صلى على جنازة في المسجد ، فلا شيء له .
قال البغوي : وقد روى هذا الحديث nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12493ابن أبي ذئب ، حدثني به أحمد بن محمد القاضي ، حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=11980أبو حذيفة ، حدثنا سفيان ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12493ابن أبي ذئب ، عن صالح ، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - nindex.php?page=hadith&LINKID=1016407من صلى على جنازة في المسجد فليس له أجر .
واحتج من ذهب مذهب مالك بحديث صالح مولى التوأمة هذا ، مع ما ذكرنا من إنكار من أنكر ذلك على عائشة .
وقال الآخرون : أما رواية أبي حذيفة عن nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري لهذا الحديث ، وقوله فيه : فليس له أجر فخطأ لا إشكال فيه ، ولم يقل أحد في هذا الحديث ما قاله nindex.php?page=showalam&ids=11980أبو حذيفة .
هذا هو الصحيح في هذا الحديث ، قالوا : ومعنى قوله : لا شيء له يريد لا شيء عليه ، قالوا : وهذا صحيح معروف في لسان العرب ، قال الله عز [ ص: 222 ] وجل ( إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها ) بمعنى فعليها ، ومثله كثير .
قالوا : وصالح مولى التوأمة من أهل العلم بالحديث من لا يقبل شيء من حديثه لضعفه ، ومنهم من يقبل من حديثه ما رواه nindex.php?page=showalam&ids=12493ابن أبي ذئب عنه خاصة ; لأنه سمع منه قبل الاختلاط ، ولا خلاف أنه اختلط ، فكان لا يضبط ولا يعرف ما يأتي به ، ومثل هذا ليس بحجة فيما انفرد به ، وليس يعرف هذا الحديث من غير روايته البتة ، فإن صح ، فمعناه ما ذكرنا ، وبالله توفيقنا .
حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16502عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16802قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا أحمد بن زهير ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=12404إبراهيم بن عرعرة ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16008سفيان بن عيينة ، قال : لقينا صالحا مولى التوأمة ، وهو مختلط .
قال أبو عمر :
حديث عائشة صحيح ، نقله الثقات من وجهين صحيحين ، وحديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة انفرد به صالح بن أبي صالح مولى التوأمة ، وليس بحجة لضعفه ، ولو صح حديثه لم يكن فيه حجة للتأويل الذي ذكرنا ، وعلى هذا التأويل لا يكون معارضا لحديث عائشة ، وهو أولى ما حملت عليه الأحاديث التي جاءت معارضة له ، ويدل على صحة ذلك : أن أبا بكر صلى عليه عمر في المسجد ، وصلى صهيب على عمر في المسجد بمحضر جلة الصحابة من غير نكير منهم ، وليس من أنكر ذلك بعدهم بحجة عليهم ، فصار بما ذكر هنا سنة يعمل بها قديما ، فلا يجوز مخالفتها ، وبالله التوفيق .
[ ص: 223 ] قال أبو عمر :
احتج بعض من لا يرى الصلاة في المسجد على الجنائز من أصحابنا بحديث nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب ، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة nindex.php?page=hadith&LINKID=1016409أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج بالناس إلى المصلى حين صلى على النجاشي ، قال : فالخروج بالجنازة إلى الجنازة أحرى بذلك ، ولا يصلى عليها في المسجد ، قال : وإنما صلي على أبي بكر وعمر في المسجد ; لأنهما دفنا فيه ، وهذا لا يلزم إلا لمن قال : لا يصلى على الجنائز إلا في المسجد ، ولم يقله أحد ، وأما من قال : يصلى عليها في المسجد وفي غير المسجد ، فغير لازم له ما ذكر من ذكرنا قوله ، وقد مضى القول في هذا المعنى في باب nindex.php?page=showalam&ids=13283ابن شهاب من هذا الكتاب ، والحمد لله ، وإن أولى الناس بإجازة الصلاة في المسجد على الجنازة من زعم أن الثوب الذي يجفف فيه الميت ويغسل طاهر يستغني عن الغسل .