هذا الحديث ظاهره العموم ، والمراد به الخصوص ، وهو خبر خرج على رجل بعينه كافر ، ضاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعرض له معه ما ذكر في هذا الحديث ، فأخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنه بأنه إذ كان كافرا كان يأكل في سبعة أمعاء ، ولما أسلم أكل في معى واحد ، والمعنى في ذلك أنه كان إذ كان كافرا رجلا أكولا أجوف ، لا يقوم به شيء في أكله ، فلما أسلم بورك له في إسلامه ، فنزع الله من جوفه ما كان فيه من الكلب والجوع وشدة القوة على الأكل ، فانصرفت حاله إلى سبع ما كان يأكل إذ كان كافرا ، فكأنه إذ كان كافرا يأكل سبعة أمثال ما كان يأكل بعد ذلك إذ أسلم ، والله أعلم .
وقد روي أن هذا الرجل الذي أضاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعرض له معه ما ذكر في هذا الحديث هو : جهجاه بن سعيد الغفاري ، وقد ذكرناه وذكرنا خبره في كتاب الصحابة ، ومن طرق حديثه : ما حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16002سعيد بن نصر ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16802قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=13629محمد بن وضاح ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=12508أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=15945زيد بن الحباب ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=17171موسى بن عبيدة ، قال : حدثنا عبيد الله بن أبي عبد الله الأغر ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16572عطاء بن يسار ، عن جهجاه الغفاري أنه قدم في نفر من قومه يريدون الإسلام ، فحضروا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المغرب ، فلما سلم ، قال : ليأخذ كل رجل منكم بيد جليسه ، فلم يبق في المسجد غير رسول [ ص: 265 ] الله - صلى الله عليه وسلم - وغيري ، وكنت رجلا عظيما طوالا ، لا يقدم علي أحد ، فذهب بي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى منزله ، فحلب لي عنزا فأتيت عليها ، حتى حلب لي سبعة أعنز ، فأتيت عليها ، ثم أتيت بصبيغ برمته فأتيت عليها ، فقالت أم أيمن : أجاع الله من أجاع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه الليلة ، فقال : مه يا أم أيمن ، أكل رزقه ، ورزقنا على الله فأصبحوا قعودا ، فاجتمع هو وأصحابه ، فجعل الرجل يخبر بما أتى عليه ، فقالجهجاه : حلبت لي سبعة أعنز فأتيت عليها ، وصبيغ برمته فأتيت عليها ، فصلوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المغرب ، فقال : ليأخذ كل رجل منكم جليسه ، فلم يبق في المسجد غير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وغيري ، وكنت رجلا عظيما طويلا ، لا يقدم علي أحد ، فذهب بي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى منزله فحلبت لي عنز ، فترويت وشبعت ، فقالت أم أيمن : يا رسول الله ، أليس هذا ضيفنا ؟ قال : بلى ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنه أكل في معى مؤمن الليلة ، وأكل قبل ذلك في معى كافر ، والكافر يأكل في سبعة أمعاء ، والمؤمن يأكل في معى واحد .
قال أبو عمر :
يحتمل أن الإشارة بالألف واللام في الكافر والمؤمن في هذا الحديث إلى ذلك الرجل بعينه ، وإنما يحملنا على هذا التأويل ; لأن المعاينة - وهي أصح علوم الحواس - تدفع أن يكون ذا عموما في كل كافر ومؤمن ، ومعروف من كلام العرب الإتيان بلفظ العموم ، والمراد به الخصوص ، ألا [ ص: 266 ] ترى إلى قول الله عز وجل ( الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم ) ، وهذه الإشارة في الناس إنما هي إلى رجل واحد أخبر أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - أن قريشا جمعت لهم وجاء اللفظ كما ترى على العموم ، ومثله ( تدمر كل شيء ) ( ما تذر من شيء أتت عليه ) ، ومثل هذا كثير لا يجهله إلا من لا عناية له بالعلم ، وقد قيل : إنه في كل كافر ، وإنه لموضع التسمية يقل أكله ، وهذا تدفعه المشاهدة ، وعلم الضرورة ، فلا وجه له .
وأما قوله في هذا الإسناد : عبيد الله الأغر ، فليس عبيد الله يعرف بالأغر ، وإنما يعرف بالأغر أبوه - وهو عبيد الله بن سلمان الأغر - وهو عبيد الله بن أبي عبد الله الأغر ، وأبو عبد الله الأغر اسمه سلمان ، والله المستعان .