هذا حديث مسند صحيح ، ولا فرق بين أن يسمي التابع الصاحب الذي حدثه أو لا يسميه في وجوب العمل بحديثه ، لأن الصحابة كلهم عدول مرضيون ثقات أثبات ، وهذا أمر مجتمع عليه عند أهل العلم بالحديث .
[ ص: 48 ] وقد روي معنى هذا الحديث من وجوه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وجابر nindex.php?page=showalam&ids=44وأبي سعيد الخدري ، وقد ذكرناها في باب nindex.php?page=showalam&ids=15767حميد الطويل ، ومنها ما ذكرنا في باب nindex.php?page=showalam&ids=13283ابن شهاب .
وفي هذا الحديث من الفقه الصيام في السفر في رمضان ; لأن سفره هذا عام الفتح كان في رمضان لا خلاف في ذلك ، وفي صومه - صلى الله عليه وسلم - رمضان في سفره إبطال قول من قال لا يصوم أحد رمضان في السفر وجعل الفطر عزمة من الله لقوله - عز وجل - : ( فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر ) ، يقول : إن المسافر لا يصوم في سفره ; لأن الله أراد منه صيام أيام أخر ، وهذا قول يروى عن عبيدة nindex.php?page=showalam&ids=16072وسويد بن غفلة ، وكان أبو مجاز يقول : لا يسافر أحد في رمضان ، فإن سافر ولا بد فليصم .
وفي هذا الحديث وشبهه مما تقدم ذكرنا له في باب nindex.php?page=showalam&ids=13283ابن شهاب عن عبيد الله ما يبطل هذا التأويل ، وعلى إجازة الصوم في السفر في رمضان وغيره جماعة فقهاء الأمصار .
حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16502عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16802قاسم بن أصبغ قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16988محمد بن عبد السلام قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16937محمد بن جعفر ، حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة ، عن منصور ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد ، عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=hadith&LINKID=1016554أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج من المدينة في رمضان حين فتح مكة فصام حتى أتى عسفان ثم دعا بماء أو أتي بماء فشرب ، فكان nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس يقول : من شاء صام ومن شاء أفطر .
[ ص: 49 ] ، وفي هذا الحديث وشبهه بطلان قول من قال : الصائم في السفر كالمفطر في الحضر . وهو قول شاذ هجره الفقهاء كلهم ، يروى عن nindex.php?page=showalam&ids=38عبد الرحمن بن عوف والسنة ترده ، وقد ذكرنا كثيرا من معاني هذا الحديث في باب حميد وباب nindex.php?page=showalam&ids=13283ابن شهاب عن عبيد الله من هذا الكتاب ، واتفق الفقهاء في المسافر في رمضان أنه لا يجوز له أن يبيت الفطر ; لأن المسافر لا يكون مسافرا بالنية ، وإنما يكون مسافرا بالعمل والنهوض في سفره ، وليست النية في السفر كالنية في الإقامة ; لأن المسافر إذا نوى الإقامة كان مقيما في الحين ; لأن الإقامة لا تفتقر إلى علم ، والمقيم إذا نوى أن يسافر لم يكن مسافرا حتى يأخذ في السفر ويعمل عمل المسافر ويبرز عن الحضر ، فيجوز له حينئذ تقصير الصلاة وأحكام المسافر ، ولا خلاف بينهم في الذي يؤمل السفر أنه لا يجوز له أن يفطر في الحضر حتى يخرج .
واختلف أصحاب مالك في هذا إن أفطر قبل أن يخرج ، فذكر nindex.php?page=showalam&ids=13211ابن سحنون عن nindex.php?page=showalam&ids=12873عبد الملك بن الماجشون أنه قال : إن سافر فلا شيء عليه من الكفارة ، وإن لم يسافر فعليه الكفارة ، قال : وقال nindex.php?page=showalam&ids=12321أشهب : لا شيء عليه من الكفارة ، سافر أو لم يسافر . قال : وقال nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون : عليه الكفارة سافر أو لم يسافر ، وهو بمنزلة المرأة تقول غدا تأتيني حيضتي فتفطر لذلك ، ثم رجع إلى قول عبد الملك وقال : ليس مثل المرأة ; لأن الرجل يحدث السفر إذا شاء ، والمرأة لا تحدث الحيضة .
وقال ابن حبيب : إن كان قد تأهب لسفره وأخذ في سبب الحركة ، فلا شيء عليه ، وحكي ذلك عن أصبغ وعن nindex.php?page=showalam&ids=12873ابن الماجشون ، فإن عاقه عن السفر عائق كان عليه الكفارة ، وحسبه أن ينجو إن سافر .
[ ص: 50 ] وروى عيسى عن ابن القاسم أنه ليس عليه إلا قضاء يوم ; لأنه متأول في فطره .
واختلف الفقهاء في الذي يصبح في الحضر صائما في رمضان ، ثم يسافر في صبيحة يومه ذلك وينهض في سفره ، هل له أن يفطر ذلك اليوم أم لا ؟ فذهب مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة وأصحابهم إلى أن لا يفطر ذلك اليوم بحال ، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري nindex.php?page=showalam&ids=17293ويحيى بن سعيد nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي ، وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=11956أبو ثور .
واختلفوا إن فعل ، فكلهم قال يقضي ولا يكفر ، وروي عن بعض أصحاب مالك أنه يقضي ويكفر ، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=13469ابن كنانة والمخزومي ، وليس قولهما هذا بشيء ; لأن الله قد أباح له الفطر في الكتاب والسنة ، وإنما قولهم لا يفطر استحبابا لتمام ما عقده ، فإن أخذ برخصة الله كان عليه القضاء ، وأما الكفارة فلا وجه لها ، ومن أوجبها فقد أوجب ما لم يوجبه الله .
وروي عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر في هذه المسألة أنه يفطر إن شاء في يومه ذلك إذا خرج مسافرا ، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي ، وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل وإسحاق ، قال أحمد : يفطر إذا برز عن البيوت . وقال إسحاق : يفطر حين يضع رجله في الرحل . وهو قول داود .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري : يفطر في بيته إن شاء يوم يريد أن يخرج .
قال أبو عمر : قول الحسن شاذ ، ولا ينبغي لأحد أن يفطر وهو حاضر ، لا في نظر ولا في أثر . وقد روي عن الحسن خلاف ذلك .
ذكر nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق عن معمر عمن سمع الحسن يقول : لا يفطر ذلك اليوم إلا أن يشتد عليه العطش ، فإن خاف على نفسه أفطر . وقال إبراهيم : لا يفطر ذلك اليوم .
[ ص: 51 ] واختلفوا في الذي يختار الصوم في السفر فيصوم ثم يفطر نهارا من غير عذر ، فكان مالك يوجب عليه القضاء والكفارة ، وقد روي عنه أنه لا كفارة عليه ، وهو قول أكثر أصحابه إلا عبد الملك فإنه قال : إن أفطر بجماع كفر ; لأنه لا يقوى بذلك على سفره ، ولا عذر له . وعلى ذلك مذاهب سائر الفقهاء بالحجاز والعراق أنه لا كفارة عليه ، وروى nindex.php?page=showalam&ids=13920البويطي عن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي قال : إن صح حديث الكديد لم أر بأسا أن يفطر المسافر بعد دخوله في الصوم في سفره ، وروى المديني عنه كقول مالك أنه لا يرى الكفارة على من فعل ذلك .
[ ص: 53 ] فهذه الآثار كلها تبين لك أن للصائم أن يفطر في سفره بعد دخوله في الصوم مختارا له في رمضان ، وفيها دليل على أن الفطر أولى إن شاء الله ، وقد تقدم ذكر اختلاف العلماء في الأفضل من ذلك في باب nindex.php?page=showalam&ids=15767حميد الطويل .
قال : وأخبرنا معمر عن أيوب عن نافع قال : كان nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر لا يصوم في السفر ، قال : وما رأيته صام في السفر قط إلا يوما واحدا ، فإني رأيته أفطر حين أمسى ، فقلت له : أكنت صائما ؟ قال : نعم ، كنت أرى أني سأدخل مكة اليوم ، فكرهت أن يكون الناس صياما وأنا مفطر وذلك في رمضان .
واختلفوا في المسافر يكون مفطرا في سفره ويدخل الحضر في بقية من يومه ذلك ، فقال مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي وأصحابهما وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية وداود في المرأة تطهر والمسافر يقدم وقد أفطروا في السفر ، أنهما يأكلان ولا يمسكان . قال مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي : ولو قدم مسافر في هذه الحال ، فوجد امرأته قد طهرت جاز له وطؤها . قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : أحب لهما أن يستترا بالأكل والجماع خوف التهمة .
وروى nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري عن أبي عبيد ، عن nindex.php?page=showalam&ids=11867جابر بن زيد أنه قدم من سفر في شهر رمضان ، فوجد المرأة قد اغتسلت من حيضتها فجامعها ، وروي عن nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود أنه قال : من أكل أول النهار فليأكل آخره .
[ ص: 54 ] قال سفيان : هو كصنيع nindex.php?page=showalam&ids=11867جابر بن زيد . ولم يذكر سفيان عن نفسه خلافا لهما ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية : القول ما قال nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ، من أكل أول النهار فليأكل آخره . وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة وأصحابه nindex.php?page=showalam&ids=14117والحسن بن حي وعبيد الله بن الحسن في المرأة تطهر في بعض النهار والمسافر يقدم وقد أفطر في سفره : أنهما يمسكان بقية يومهما وعليهما القضاء . واحتج لهم nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي بأن قال : لم يختلفوا أن من غم عليه هلال رمضان فأكل ، ثم علم أنه يمسك عما يمسك عنه الصائم ، قال : فكذلك الحائض والمسافر . وفرق nindex.php?page=showalam&ids=16438ابن شبرمة بين الحائض والمسافر فقال في الحائض : تأكل ولا تصوم إذا طهرت بقية يومها ، والمسافر إذا قدم ولم يأكل شيئا يصوم يومه ويقضي .
قال أبو عمر : قد روى nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج عن عطاء في الذي يصبح مفطرا في أول يوم من رمضان يظنه من شعبان فيأكل ، ثم يأتيه الخبر الثبت أنه رمضان ، أنه يأكل ويشرب بقية يومه إن شاء ، ولا نعلم أحدا قاله غير عطاء ، والله أعلم . وقد مضى القول في كثير من معاني هذا الباب في باب nindex.php?page=showalam&ids=13283ابن شهاب عن عبيد الله من هذا الكتاب ، والحمد لله رب التوفيق .