قد مضى معنى الكسوف والخسوف في اللغة فيما تقدم من حديث هشام ، ومضت معاني صلاة الكسوف في باب nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم ، وفي هذا الحديث من الفقه أن الشمس إذا كسفت بأقل شيء منها وجبت الصلاة لذلك على سنتها ، ألا ترى إلى قول أسماء : ما للناس ؟ فأشارت لها عائشة إلى السماء ، فلو كان كسوفا بينا ما خفي على أسماء ولا غيرها حتى تحتاج أن يشار إلى السماء ، وقالت طائفة من أصحابنا وغيرهم : إن الشمس لا يصلى لها حتى تسود بالكسوف أو يسود أكثرها ، لما روي في حديث الكسوف : إن الشمس كسف بها وصارت كأنها تنومة ، أي : ذهب ضوؤها واسودت ، والتنوم نبات أسود ، وهذا القول ليس بشيء ؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يقل : لا يصلى لكسوفها حتى تسود ، بل صلى لها في كلتا الحالتين ، وليس في إحداهما ما يدفع الأخرى ، وليس ما ذكر في الصحة كحديث أسماء .
وفيه أيضا من الفقه دليل على أن خسوف الشمس يصلي لها في جماعة ، وهذا المعنى وإن قام دليله من هذا الحديث فقد جاء منصوصا في غيره والحمد لله ، وهو أمر لا خلاف فيه ، وإنما الاختلاف في كيفية تلك الصلاة ، وفيه دليل على أن صلاة خسوف الشمس لا يجهر فيها بالقراءة ، وقد ذكرنا الحجة في أن القراءة في الكسوف سرا ، واختلاف العلماء في ذلك ووجوه أقوالهم في باب nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم من هذا الكتاب .
[ ص: 247 ] وفيه أن المصلي إذا كلم أشار ولم يتكلم ؛ لأن الكلام ممنوع منه في الصلاة ، وفيه أن النساء يسبحن إذا نابهن شيء في الصلاة ، لقول عائشة حين سألتها أسماء : ما للناس ؟ فقالت : سبحان الله ! وأشارت بيدها ولم تصفق ، وفي هذا حجة في قوله : إن النساء والرجال في هذا المعنى سواء ، من نابه منهم شيء في صلاته سبح ولم يصفق رجلا كان أو امرأة ، وقد ذكرنا ما في هذه المسألة من الآثار واختلافها وما للعلماء من المذاهب فيها في باب أبي حازم من كتابنا هذا ، والحمد لله .
وأما قوله : فحمد الله وأثنى عليه ، فذلك كان من الصلاة ، وقد ذكرنا اختلاف الفقهاء في الخطبة بعد الكسوف فيما تقدم من حديث nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة في هذا الكتاب ، وأما رؤيته - صلى الله عليه وسلم - للجنة والنار ، فذلك ثابت عنه في كثير من الآثار ، ونحن لا نكيف ذلك ولا نجده .
وأما قوله : nindex.php?page=hadith&LINKID=1016757أوحي إلي أنكم تفتنون في قبوركم ، فإنه أراد فتنة الملكين منكر ونكير حين يسألان العبد : من ربك ؟ وما دينك ؟ ومن نبيك ؟ والآثار في هذا متواترة ، وأهل السنة والجماعة كلهم على الإيمان بذلك ، ولا ينكره إلا أهل البدع ، وفي قوله : مثل أو قريب من فتنة الدجال ، دليل على أنهم كانوا يراعون الألفاظ في الحديث المسند ، وهذا في طائفة من أهل العلم ، وطائفة [ ص: 248 ] يجيزون الحديث بالمعاني ، وهذا إنما يصح لمن يعرف المعاني ومذاهب العرب ، وهو مذهب nindex.php?page=showalam&ids=13283ابن شهاب وعطاء والحسن وجماعة غيرهم ، وكان مالك لا يجيز الإخبار بالمعاني في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمن قدر على الإتيان بألفاظه : حدثنا خلف بن أحمد قال : حدثنا أحمد بن مطرف قال : حدثنا أحمد بن خالد قال : حدثنا يحيى بن عمر قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=14061الحارث بن مسكين ، أخبرنا يوسف بن عمرو ، ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب قال : سمعت مالكا وسئل عن المسائل إذا كان المعنى واحدا والكلام مختلفا ، فقال : لا بأس به إلا الأحاديث التي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
حدثنا أحمد بن سعيد بن بشر قال : حدثنا ابن أبي دليم قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=13629ابن وضاح قال : حدثنا زيد بن البشر قال : سمعت nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب يقول : سأل مالكا رجل فقال : الكتاب يعرض عليك فينقلب به صاحبه فيبيت عنده ، أيجوز أن أحدث به ؟ قال : نعم .
قال أبو عمر : هذا خلاف رواية nindex.php?page=showalam&ids=12321أشهب ؛ لأن nindex.php?page=showalam&ids=12321أشهب روى في مثل هذا المعنى ، أخشى أن يزاد في كتبه بالليل ، ومحمل الروايتين عندي على أن الثقة جائز أن يعار الكتب ثم يحدث بما استعار من ذلك ، وأما غير الثقة المأمون عليها فلا ، وأما الفتنة فلها في كلام العرب وجوه كثيرة منها أن يفتن الرجل في دينه ببلوى من سلطان غالب ، أو بهوى يصرفه ، عن الصواب في الدين ، أو بحب يشغل قلبه حتى يركب ما لا يحل له ، فهذه فتنة تشربها القلوب كما أشرب بنو إسرائيل حب العجل وفتنوا به ، والفتنة : الحرق بالنار ، وللفتنة وجوه كثيرة .
حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16002سعيد بن نصر قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16802قاسم بن أصبغ قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=12425إسماعيل بن إسحاق القاضي قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16719عمرو بن مرزوق قال : أخبرنا nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16589علقمة بن مرثد ، ، عن سعد بن عبيدة ، عن البراء بن محارب ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=1016759 ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ) قال : في القبر إذا سئل من ربك ؟ وما دينك ؟ ومن نبيك ؟ ورواه nindex.php?page=showalam&ids=16769غندر وغيره هكذا عن nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة بإسناده مثله .
وروى أبو معاوية ، عن nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش ، عن سعد بن عبيدة ، عن البراء مثله موقوفا .
وذكر nindex.php?page=showalam&ids=15549بقي قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=12410إسحاق بن أبي إسرائيل قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=17248هشام بن يوسف ، عن nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا ) لا إله إلا الله ، وفي الآخرة المسألة في القبر ، أخبرنيه nindex.php?page=showalam&ids=16446ابن طاوس ، ، عن أبيه .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش في حديثه : فيقولان من ربك ؟ وما دينك ؟ فيقول : لا أدري ، فيقولان : ما تقول في هذا الرجل ؟ فيقول : وأي رجل ؟ فيقولان : محمد ، فيقول : لا أدري ، سمعت الناس قالوا قولا فقلت كما يقول الناس ، قال : فينادي مناد من السماء أن كذب عبدي ، فأفرشوه من النار وأروه مقعده من النار ، ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه . . . وساقا الحديث إلى آخره .
وروينا عن nindex.php?page=showalam&ids=17004محمد بن عمرو بن علقمة ، ، عن أصحابه ، وعن معمر ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16705عمرو بن دينار ، وعن سعد بن إبراهيم ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16572عطاء بن يسار ، دخل حديث بعضهم في بعض والمعنى واحد : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لعمر : كيف بك يا عمر إذا [ ص: 251 ] جاءك منكر ونكير إذا مت وانطلق بك قومك فقاسوا ثلاثة أذرع وشبرا في ذراع وشبر ، ثم غسلوك وكفنوك وحنطوك واحتملوك فوضعوك فيه ، ثم أهالوا عليك التراب ، فإذا انصرفوا عنك أتاك فتانا القبر منكر ونكير أصواتهما كالرعد القاصف ، وأبصارهما كالبرق الخاطف ، يجران شعورهما ، معهما مرزبة لو اجتمع عليها أهل الأرض لم يقلوها ، فقال عمر : إن فرقنا فنحن أحق أن نفرق ، أنبعث على ما نحن عليه ؟ قال : نعم ؛ إن شاء الله ، قال : إذن أكفيكهما .
والآثار في عذاب القبر لا يحوط بها كتاب ، وإنما ذكرنا منها هاهنا ما في معنى حديثنا ، وما رجونا أن يكون تفسيرا له ، والآثار المرفوعة كلها في هذا المعنى تدل على أن الفتنة - والله أعلم - مرة واحدة .
[ ص: 252 ] وكان nindex.php?page=showalam&ids=16531عبيد بن عمير فيما ذكر nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن الحارث بن أبي الحارث عنه يقول : يفتن رجلان مؤمن ومنافق ، فأما المؤمن فيفتن سبعا ، وأما المنافق فيفتن أربعين صباحا .
قال أبو عمر : الآثار الثابتة في هذا الباب إنما تدل على أن الفتنة في القبر لا تكون إلا لمؤمن أو منافق ممن كان في الدنيا منسوبا إلى أهل القبلة ودين الإسلام ممن حقن دمه بظاهر الشهادة ، وأما الكافر الجاحد المبطل فليس ممن يسأل عن ربه ودينه ونبيه ، وإنما يسأل عن هذا أهل الإسلام ، والله أعلم ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ) الآية .
وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يستعيذ من فتنة القبر وعذاب القبر وعذاب النار في حديث واحد ، وذلك دليل على أن عذاب القبر غير فتنة القبر - والله أعلم - لأن الفتنة قد تكون فيه النجاة ، وقد يعذب الكافر في قبره على كفره دون أن يسأل ، والله أعلم .
وقد تقدم عن nindex.php?page=showalam&ids=16531عبيد بن عمير أنه قال : إنما يفتن رجلان مؤمن ومنافق ، وهو معنى ما قلنا ، وفي حديث nindex.php?page=showalam&ids=47زيد بن ثابت ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=1016769إن هذه الأمة تبتلى في قبورها ، ومنهم من يرويه تسأل في قبورها ، وهذا اللفظ يحتمل أن تكون هذه الأمة خصت بذلك ، وهو أمر لا يقطع عليه ، والله أعلم .
[ ص: 254 ] وحديث nindex.php?page=showalam&ids=47زيد بن ثابت هذا رواه عنه nindex.php?page=showalam&ids=44أبو سعيد الخدري ذكره سنيد nindex.php?page=showalam&ids=12508وأبو بكر بن أبي شيبة قالا : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=13382إسماعيل بن علية ، عن nindex.php?page=showalam&ids=13999الجريري ، ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12179أبي نضرة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=47زيد بن ثابت ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=1016769إن هذه الأمة تبتلى في قبورها ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة : تسأل في قبورها ، فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر ما أسمع .
وقد يجوز أن يتأول متأول في هذا الحديث وسياقته على ما ذكره nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة فيه أن فتنة القبر والسؤال فيه هو عذاب القبر ، ولكن ما ذكرنا أظهر في المعنى ، وأحكام الآخرة لا مدخل فيها للقياس والاجتهاد ، ولا للنظر والاحتجاج ، والله يفعل ما يشاء لا شريك له .
وقد ذكر سنيد ، عن nindex.php?page=showalam&ids=13382إسماعيل بن علية ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12514سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة قال : ذكر لنا أن عذاب القبر ثلاثة أثلاث : ثلث من البول ، وثلث من الغيبة ، وثلث من النميمة . وهذا لا حجة فيه ؛ لأنه ليس بمسند ولا متصل ، ولا يحتج بمثله على أنه يحتمل أن يكون عذاب القبر هاهنا للمرتاب بعد السؤال الذي هو الفتنة وسببها ، والله أعلم .
ويحتمل أن يكون قوله : عذاب القبر ، بمعنى فتنة القبر ، فإنها تئول إلى العذاب وفيها عذاب - والله أعلم - بحقيقة ( ذلك ) لا شريك له .