اختلف الناس في كراء المزارع ، فذهبت فرقة إلى أن ذلك لا يجوز بوجه من الوجوه ، ومالوا إلى ظاهر هذا الحديث ، وما كان مثله ، قالوا : إنه قد روي عن nindex.php?page=showalam&ids=46رافع بن خديج من هذا الوجه وغيره - خلاف ما حكاه ربيعة عن حنظلة عنه من تأويله .
[ ص: 33 ] هذا ، وذكروا أن أحاديث رافع في ذلك مضطربة الألفاظ ، مختلفة المعاني ، واحتجوا بما حدثناه إسماعيل بن عبد الرحمن القرشي ، قال : حدثنا محمد بن العباس الحلبي ، قال : حدثنا أبو عوانة الحسين بن محمد الحراني بحران ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16713عمرو بن عثمان الحمصي ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16240ضمرة بن ربيعة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=13286ابن شوذب ، عن مطر ، عن عطاء ، عن جابر قال : خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : من كانت له أرض فليزرعها أو ليزرعها ، ولا يواجرها ، وحدثنا إسماعيل أيضا قال : حدثنا محمد بن العباس قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=17135أبو عبد الرحمن محمد بن عبد الله مكحول البيروتي ببيروت ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=12117أبو عمير عيسى بن محمد بن النحاس ، قال : حدثنا ضمرة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=13286ابن شوذب ، عن nindex.php?page=showalam&ids=17096مطر الوراق ، عن عطاء ، عن جابر مثله ، سواء مرفوعا .
[ ص: 34 ] قالوا : فهذا جابر يروي ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - النهي عن كراء الأرض مطلقا ، ولم يختلف عن جابر في ذلك كما اختلف عن رافع .
وذكر من ذهب إلى هذا المذهب من حديث رافع ما رواه nindex.php?page=showalam&ids=13283ابن شهاب ، عن سالم : أن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر كان يكري أرضه ، حتى بلغه أن nindex.php?page=showalam&ids=46رافع بن خديج كان ينهى عن كراء الأرض ، فترك nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر كراء الأرض .
ورواه جماعة عن nindex.php?page=showalam&ids=13283ابن شهاب هكذا ، وكذلك رواه جويرية وحده عن مالك ، عن nindex.php?page=showalam&ids=13283ابن شهاب ، عن سالم : أنه سأله عن كراء المزارع فقال سالم : أخبر nindex.php?page=showalam&ids=46رافع بن خديج عبد الله بن عمر : أن عميه ، وكانا شهدا بدرا أخبراه : nindex.php?page=hadith&LINKID=1010752أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن كراء المزارع فترك عبد الله كراءها ، وكان يكريها قبل ذلك ، والذي في الموطأ مالك : عن nindex.php?page=showalam&ids=13283ابن شهاب أنه قال : سألت nindex.php?page=showalam&ids=15959سالم بن عبد الله عن كراء الأرض بالذهب والفضة ، فقال : لا بأس بذلك ، قال : فقلت : أرأيت الحديث الذي يذكر عن رافع بن خديج ؟ فقال : أكثر nindex.php?page=showalam&ids=46رافع بن خديج ، ولو كانت لي أرض أكريتها ، هكذا . هو في الموطأ ، عن أبي شهاب ، عن سالم قوله ، ورواه جويرية مرفوعا ، وقد روى نافع عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر مثله .
[ ص: 35 ] ولما كان سالم يذهب إلى إجازة كراء الأرض بالذهب ، والورق ، ولم يحمل نهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن كراء المزارع على العموم ، اعترضه nindex.php?page=showalam&ids=13283ابن شهاب بحديث رافع ، والقول بظاهره ، فقال سالم : أكثر رافع في حمله الحديث على ظاهره ، ومنعه من كرائها بالذهب والورق ; لأن المعنى عند سالم وطائفة من العلماء كان النهي عن كرائها ; لوجوه سنذكرها مفسرة ، بعد هذا إن شاء الله :
منها : أنه إنما نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن كراء الأرض ; لأنهم كانوا يكرونها ببعض ما يخرج منها .
ومنها : قول nindex.php?page=showalam&ids=47زيد بن ثابت : إنه أعلم بذلك من رافع لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتاه قوم قد تشاجروا وتقاتلوا في كراء المزارع ، وهذا كله يدل على أن ليس الحديث على ظاهره ، ولا عمومه ، وأنه لمعنى ما قدمنا قد اعتقده كل فريق فيه ، فلهذا قال سالم : أكثر رافع ، يعني في حمل الحديث على ظاهره - والله أعلم - أي حجر ما قد وسعه الله تعالى ، وتأول ما يضيق على الناس ، على أنه قد روي عن رافع إجازة كرائها بالذهب والورق ، وغير ذلك مما يأتي بعد ، إن شاء الله .
أخبرنا nindex.php?page=showalam&ids=16502عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16802قاسم بن أصبغ قال : حدثنا أحمد بن زهير قال : حدثنا أبي قال : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، عن أيوب ، عن نافع ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أنه كان يكري أرضه في عهد أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وصدرا من إمارة معاوية حتى إذا كان في آخرها بلغه أن رافعا يحدث في ذلك بنهي [ ص: 36 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأتاه ، وأنا معه فسأله فقال : نعم نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن كراء المزارع فتركها nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر بعد .
قالوا : وهذا أيضا على الإطلاق والعموم ، وما رواه nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث بن سعد ، عن nindex.php?page=showalam&ids=17346يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي عفير أن nindex.php?page=showalam&ids=46رافع بن خديج كان يقول : منعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نكري المحاقل .
والمحاقل : فضول يكون من الأرض .
وما رواه عبد الكريم ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد ، عن ابن رافع بن خديج ، عن أبيه سمعه يقول : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن إجارة الأرض .
وإلى هذا ذهب nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس اليماني فقال : لا يجوز كراء الأرض بالذهب ولا بالورق ولا بالعروض ، وبه قال أبو بكر الأصم عبد الرحمن بن كيسان فقال : لا يجوز كراء الأرض بشيء من الأشياء ، قال : لأنها إذا استؤجرت ، وحرثها المستأجر وأصلحها ، لعله أن يحرق زرعه فيردها وقد زادت ، فانتفع رب الأرض ، ولم ينتفع المستأجر ، فمن هناك لم يجز لأحد أن يستأجرها - والله أعلم - .
حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16502عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16802قاسم بن أصبغ قال : حدثنا أحمد بن زهير ، وبكر بن حماد ، قال أحمد : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=12180الفضل بن دكين ، وقال بكر : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=17072مسدد ، قال : حدثنا أبو الأحوص ، عن طارق بن عبد الرحمن فذكره ، وذكر أبو داود ، عن nindex.php?page=showalam&ids=17072مسدد مثله .
قالوا : فلا يجوز أن يتعدى ما في هذا الحديث لما فيه من البيان والتوقيف ، ولأن رافعا بذلك كان يفتي ألا ترى ما ذكره ربيعة عن حنظلة عنه .
وكان nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل يقول : أحاديث رافع في كراء الأرض مضطربة ، وأحسنها حديث nindex.php?page=showalam&ids=17389يعلى بن حكيم ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16049سليمان بن يسار ، عن nindex.php?page=showalam&ids=46رافع بن خديج .
[ ص: 39 ] وقال آخرون : جائز أن تكرى الأرض بكل شيء من الأشياء حاشا الطعام .
واحتجوا بما رواه nindex.php?page=showalam&ids=17389يعلى بن حكيم ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16049سليمان بن يسار ، عن nindex.php?page=showalam&ids=46رافع بن خديج قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : nindex.php?page=hadith&LINKID=1010756من كانت له أرض فليزرعها أو ليزرعها أخاه ، ولا يكريها بثلث ، ولا ربع ، ولا طعام مسمى ذكره أبو داود قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=15036عبيد الله بن عمر بن ميسرة قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=15792خالد بن الحارث قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة عن nindex.php?page=showalam&ids=17389يعلى بن حكيم ، وذكره أيضا عن محمد بن عبيد ، عن nindex.php?page=showalam&ids=15743حماد بن زيد ، عن أيوب قال : كتب إلي nindex.php?page=showalam&ids=17389يعلى بن حكيم : إني سمعت nindex.php?page=showalam&ids=16049سليمان بن يسار فذكره .
وذكر مالك عن nindex.php?page=showalam&ids=13283ابن شهاب أنه سأل nindex.php?page=showalam&ids=15959سالم بن عبد الله عن كراء المزارع ، فقال : لا بأس بها بالذهب والورق .
وإلى هذا ذهب مالك ، وأكثر أصحابه على ما بينا عنهم ، وعن [ ص: 40 ] غيرهم من العلماء في باب nindex.php?page=showalam&ids=15855داود بن الحصين ، والحمد لله .
قالوا : فقد حجر في هذا الحديث على كراء الأرض بالطعام المعلوم ، وذكروا نهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المحاقلة ، وقد تأولوا في ذلك أنها استكراء الأرض بالحنطة ، وما كان في معناها ، وقد ذكرنا اختلاف العلماء في معنى المحاقلة والمخابرة وكراء الأرض في باب داود من كتابنا هذا بما يغني عن إعادته هاهنا ، وإنما ذكرنا هاهنا اختلاف الآثار في ذلك ، وجملة الأقاويل ، وبالله التوفيق .
وقال آخرون : جائز أن تكرى الأرض بالذهب ، والورق ، والطعام كله ، وسائر العروض إذا كان ذلك معلوما .
وكل ما جاز أن يكون ثمنا لشيء فجائز أن يكون أجرة في كراء الأرض ما لم يكن مجهولا ، ولا غررا .
واحتجوا بما روى nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي ، عن nindex.php?page=showalam&ids=15885ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، عن حنظلة بن قيس الأنصاري قال : ( ( سألت nindex.php?page=showalam&ids=46رافع بن خديج عن كراء الأرض بالذهب ، والورق ، فقال : لا بأس بذلك إنما كان الناس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يواجرون بها على الماذيانات وأقبال الجداول ، فيهلك هذا ، ويسلم هذا ، ويسلم هذا ، ويهلك هذا ، ولم يكن للناس كراء إلا هذا فلذلك زجر عنه - صلى الله عليه وسلم - فأما بشيء معلوم فلا بأس به ) ) .
[ ص: 41 ] قالوا : ففي هذا الحديث إجازة كراء الأرض بكل شيء معلوم ، وإنما النهي عن ذلك بأن يجهل البدل ، ذكره أبو داود عن nindex.php?page=showalam&ids=12396إبراهيم بن موسى ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16753عيسى بن يونس ، عن nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي ، قال أبو داود : روى الليث عن ربيعة مثله ، قال : ورواية nindex.php?page=showalam&ids=17314يحيى بن سعيد عن حنظلة نحوه مثله .
واحتجوا أيضا أن حديث nindex.php?page=showalam&ids=46رافع بن خديج إنما معناه النهي عن المزارعة ، وهي كراء الأرض بالثلث والربع بما حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16502عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16802قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=12180أبو نعيم الفضل بن دكين ، قال : حدثنا الحكم بن أبي عبد الرحمن بن أبي نعيم ، قال : سمعت أبي يقول : عن nindex.php?page=showalam&ids=46رافع بن خديج ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : أنه نهى عن المزارعة .
وحدثنا عبد الوارث ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16802قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا أحمد بن زهير ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد ، عن أسيد بن ظهير قال : أتانا nindex.php?page=showalam&ids=46رافع بن خديج ، فقال : nindex.php?page=hadith&LINKID=1010761إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهاكم عن الحقل .
[ ص: 44 ] والحقل : المزارعة بالثلث والربع ، وهو معنى حديث ثابت بن الضحاك ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : أنه نهى عن المزارعة .
وعللوا حديث جابر بأنه يحتمل أن يكون على الندب ، وأن مطرا الوراق قد خالفه غيره فيه ، فرواه عن عطاء ، عن nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله قال : كان لرجال هنا فضول أرضين على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وكانوا يواجرونها على النصف والثلث ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من كانت له أرض فليزرعها أو ليمنحها أخاه فإن أبى فليمسك ، فقالوا : فقد تبين بهذا أن النهي إنما خرج عن المزارعة ، والمخابرة ، وذلك كراء الأرض ببعض ما تخرجه .
وكذلك روى nindex.php?page=showalam&ids=11862أبو الزبير ، عن جابر ، قال : كنا في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - نأخذ الأرضين بالثلث ، والربع ، وبالماذيان فنهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك .
[ ص: 45 ] قالوا : وأما بالطعام المعلوم فلا بأس بذلك كسائر العروض ، ولم يفرقوا بين كراء الأرض ، وكراء الدار ، وإلى هذا ذهب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي - رحمه الله - .
وقال آخرون : أحاديث رافع في هذا الباب لا يثبت منها شيء يوجب أن يكون حكما لاختلاف ألفاظها واضطرابها ، وكذلك حديث جابر .
حدثناه أبو محمد عبد الله بن محمد قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16544عثمان بن أبي شيبة قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=17376يزيد بن هارون ، قال : حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16582عكرمة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، عن [ ص: 46 ] محمد بن عبد الرحمن بن أبي لبيبة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب عن سعد قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=1010765كنا نكري الأرض بما على السواقي ، فنهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك ، وأمرنا أن نكريها بذهب أو ورق . وهذا على نحو ما قاله nindex.php?page=showalam&ids=17314يحيى بن سعيد عن حنظلة عن رافع في ذلك . قوله : لك هذه القطعة ، ولي هذه ، فربما أخرجت هذه ، وربما لم تخرج هذه ، ومثله ما رواه nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي عن ربيعة عن حنظلة عن رافع ، وذلك كله مجهول وغرر ، ولا يجوز أخذ العوض على مثله في الشريعة للجهل به .
قالوا : فأما الثلث والربع والجزء المعلوم فجائز ; لأن ذلك معلوم سنة ماضية في قصة خيبر ; إذ أعطاها - صلى الله عليه وسلم - اليهود على نصف ما تخرج أرضها وثمرتها .