قد أكثر الناس في تشقيق معاني الأحاديث المروية في قصة [ ص: 49 ] nindex.php?page=showalam&ids=216بريرة ، وتفتيقها ، وتخريج وجوهها :
nindex.php?page=showalam&ids=16935فلمحمد بن جرير في ذلك كتاب ، ولمحمد بن خزيمة في ذلك كتاب ، ولجماعة في ذلك أبواب ، أكثر ذلك تكلف ، واستنباط ، واستخراج محتمل ، وتأويل ممكن لا يقطع بصحته ، ولا يستغنى عن الاستدلال عليه .
والذي قصدته عائشة - رضي الله عنها - في هذا الحديث هو عظم الأمر في قصة nindex.php?page=showalam&ids=216بريرة ; لأن ذلك أصول ، وأحكام ، وأركان من الحلال والحرام ، وأنا أورد في تلك المعاني من البيان ما يوقف الناظر على بلوغ المراد منها ، وبالله التوفيق .
وقد تقصينا القول فيما توجبه ألفاظ حديث nindex.php?page=showalam&ids=216بريرة من الأحكام والمعاني في باب حديث nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة من هذا الكتاب ، والحمد لله .
وقد روي عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى في nindex.php?page=showalam&ids=216بريرة بأربع قضايا ، وهو على نحو ما قلنا في حديث عائشة هذا .
فأما قول عائشة : إن nindex.php?page=showalam&ids=216بريرة أعتقت فخيرت في زوجها فكانت سنة ، ولكن من ذلك سنة مجتمع عليها ، ومنها ما اختلف فيه : فأما المجتمع عليه الذي لا خلاف بين العلماء فيه ، فهو أن الأمة إذا أعتقت تحت عبد قد كانت زوجت منه ; فإن لها الخيار في البقاء معه أو مفارقته ، فإن اختارت المقام في عصمته لزمها ذلك ، ولم يكن لها فراقه بعد ، وإن اختارت مفارقته فذلك لها ، هذا ما لا خلاف علمته فيه .
فقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة ، وأصحابه ، وسائر العراقيين : إذا علمت بالعتق ، وبان لها الخيار ، فخيارها على المجلس .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري ، nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة ، nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي : إذا جامعها ( ( وهي لا تعلم بالعتق فلها الخيار لأنها جومعت ولا تعلم ، فإن علمت فجامعها ) ) بعد العلم فلا خيار لها .
[ ص: 51 ] قال nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري : فإن ادعت الجهالة حلفت ، ثم يكون لها الخيار .
( ( وقال مالك ، وأصحابه ، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، ومن سلك سبيله ، nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي : لها الخيار ) ) ما لم يمسها زوجها .
قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : لا أعلم في ذلك وقتا إلا ما قالته حفصة - رضي الله عنها - .
قال أبو عمر :
روي عن حفصة ، وعبد الله ابني عمر رضي الله عنهما : أن للأمة الخيار إذا أعتقت ما لم يمسسها زوجها .
( ( قال مالك : فإن مسها زوجها فادعت أنها جهلت أن لها الخيار ، فإنها تتهم ولا تصدق بما ادعت من الجهالة ، ولا خيار لها بعد أن يمسها ) ) هذا قوله في الموطأ .
وجملة قوله ، وقول أصحابه : لا ينقطع خيارها إذا أعتقت حتى يطأها زوجها بعد علمها بعتقها ، أو توقف فتختار ، ولا توقف بعد المسيس ، ولا يمين عليها ، وإذا صحت جهالتها بعتقها ، فلا يضرها مسه لها .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : إن أصابها زوجها ، فادعت الجهالة ففيها قولان :
[ ص: 52 ] أحدهما : لا خيار لها .
والآخر : أن لها الخيار ، وتحلف ، وهو أحب إلينا .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي : إذا لم تعلم أن لها الخيار حتى غشيها زوجها ، ثم علمت ، فلها الخيار ، وهذا كقول مالك .
وروى مالك ، عن nindex.php?page=showalam&ids=13283ابن شهاب ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة بن الزبير : أن مولاة لبني عدي ، يقال لها زبراء أخبرته أنها كانت تحت عبد ، وهي أمة يومئذ ، فعتقت ، قالت : فأرسلت إلي حفصة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فدعتني فقالت : إني مخبرتك خبرا ، ولا أحب أن تصنعي شيئا ، إن أمرك بيدك ما لم يمسك زوجك ، فإن مسك فليس لك من الأمر شيء ، قالت : فقلت : هو الطلاق ، ثم الطلاق ، ثم الطلاق ، ففارقته ثلاثا . وحدثنا مالك ، عن نافع ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أنه كان يقول في الأمة تكون تحت العبد فتعتق : إن لها الخيار ما لم يمسها .
قال أبو عمر :
لا أعلم nindex.php?page=showalam&ids=12لابن عمر ، وحفصة في ذلك مخالفا من الصحابة ، وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قصة nindex.php?page=showalam&ids=216بريرة من حديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ما فيه دليل واضح على ما ذهبنا إليه .
فقال مالك ، nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي nindex.php?page=showalam&ids=15124، والليث بن سعد : هو طلاق بائن .
قال مالك : هي تطليقة بائنة إلا أن تطلق نفسها ثلاثا ، فإن طلقت نفسها ثلاثا فذلك لها ، ولها أن تطلق نفسها ما شاءت من الطلاق ، فإن طلقت نفسها واحدة فهي بائنة .
قال أبو عمر :
حديث nindex.php?page=showalam&ids=13283ابن شهاب ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة في قصة nindex.php?page=showalam&ids=216بريرة دليل على صحة ما قلنا ، وما ذهب إليه مالك في أن لها أن توقع من الطلاق ما [ ص: 54 ] شاءت ، وقد قال قوم من العلماء : إنها لا تطلق نفسها إلا واحدة بائنة ، وقد روي ذلك عن مالك ، وقال به بعض أصحابه .
والمشهور عنه وعن جملة أصحابه ما قدمنا من مذهبه على حديث زبراء ، وهو أصل لا يدفع ; لأنه لم يبلغنا أن أحدا من الصحابة أنكر عليها ذلك ، وقد كان كثير من الصحابة في حياة حفصة متوافرين ، وفي القياس : من كان له أن يوقع طلقة كان له أن يوقع ثلاثا .
قال أبو عمر :
قد احتج بهذا الحديث من أصحابنا من أجاز لها أن توقع الثلاث تطليقات ( ( في اختيارها نفسها ، وليس ذلك على أصل مذهب مالك ) ) من وجهين :
أحدهما : إنه لا يجب لأحد إيقاع الثلاث مجتمعات ؟
والثاني : إنه طلاق معلق بعبد ، لا مدخل فيه للثلاث ; لأن الطلاق منوط بأحوال الرجال لا بالنساء ، وطلاق العبد إنما هو تطليقتان .
وقد حكى أبو الفرج أن مالكا لا يجيز لها أن توقع إلا واحدة فتكون بائنة ، أو تطليقتين ، فلا تحل له إلا بعد زوج ، وهو أصل مالك .
وروي عن بعض العلماء أنها طلقة رجعية .
قال nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي : لو أعتق زوجها في عدتها ، فإن بعض شيوخنا يقول : هو أملك بها ، وبعضهم يقول : هي بائنة .
[ ص: 55 ] وقد روى ابن نافع ، عن مالك : أن للعبد الرجعة إن أعتق ، قال ابن نافع : ولا أرى ذلك ، ولا رجعة له وإن أعتق .
وروى عيسى ، عن ابن القاسم في الأمة تعتق ، وهي حائض قال : لا تختار نفسها حتى تطهر ، قال : وإن أعتق زوجها قبل أن تطهر فلا أرى ذلك يقطع خيارها ; لأنه قد وجب لها الخيار ، وإنما منعها منه الحيض .
وقال ابن عبدوس : لا خيار لها إذا أعتق قبل أن تطهر وتختار نفسها .
قال أبو عمر :
لا معنى لقول من قال : إنها طلقة رجعية ; لأن زوجها لو ملك رجعتها لم يكن لاختيارها معنى ، وأي شيء كان يفيدها فرارها عن زوجها ، ومفارقتها إياه بتطليقها نفسها ، وهو يملك رجعتها ، هذا ما لا معنى له ; لأنها إنما اختارت نفسها لتخلصها من عصمته ، فلو ملك رجعتها لم تتخلص منه ، وإذا استحال ذلك فمعلوم أن الطلاق إذا وقع بائنا لم يكن رجعيا بعد ، وكيف يكون بائنا عند وقوعه ، وتكون لزوجها رجعتها إن أعتق ؟ هذا محال ، ومثله في الضعف قول ابن القاسم أن لها الخيار ، وزوجها قد أعتق ، وكيف يكون ذلك ، والعلة الموجبة لها الاختيار قد ارتفعت ؟ ألا ترى أنها لو أعتقت تحت حر لم يكن لها عنده وعند جمهور أهل المدينة خيار ، فكذلك إذا لم تختر نفسها حتى عتق فلا خيار لها ; لأن الرق قد زال .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري ، nindex.php?page=showalam&ids=14117والحسن بن حي ، nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة ، وأصحابه ، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، وأصحابه : إن اختارت الأمة المعتقة نفسها فهو فسخ بغير طلاق ، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل ، وإسحاق .
[ ص: 56 ] وقال nindex.php?page=showalam&ids=12427ابن أبي أويس : سئل مالك عن الجارية ، نصفها حر ، ونصفها مملوك ، يخطبها العبد فتأبى أن تتزوجه ، فيسألها سيدها ذلك فتطاوعه ، ثم تعتق بعد ذلك ، أترى لها الخيار ؟ قال : نعم إني لأرى ذلك لها ، فقيل : إنه لم يكن لها أن تأبى التزويج ، ولا يكرهها سيدها على ذلك ، قال : بلى ، قيل له : فكيف يكون لها الخيار ؟ قال : هي في حالها حال أمة ، وإنما ذلك بمنزلة ما لو أن أمة ليس فيها عتق ، طلبت إلى سيدها أن يزوجها عبدا ففعل ، فزوجها ، فلها الخيار ، فقيل له : إن هذه لو شاءت لم تفعل ، والأخرى لم يكن لها أن تأبى ، وهذه قد طاوعت ، ولم يكن ليجبرها على النكاح قال : لكنها في حالها كلها في حدودها ، وكشف شعرها كالأمة ، فما أرى إلا أن يكون لها الخيار .
واختلفوا أيضا في الأمة تعتق تحت الحر ، فقال nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري ، nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة ، وأصحابه ، nindex.php?page=showalam&ids=14117والحسن بن صالح : لها الخيار حرا كان زوجها أو عبدا ، ومن حجتهم أن الأمة لم يكن لها في إنكاحها رأي من أجل أنها كانت أمة ، فلما عتقت كان لها الخيار ، ألا ترى إلى إجماعهم على أن الأمة يزوجها سيدها بغير إذنها من أجل أموتها ، فإذا كانت حرة كان لها الخيار .
قالوا : وقد ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في تخيير nindex.php?page=showalam&ids=216بريرة ثم عتقها ما فيه كفاية ، ولم يقل لها : إن خيارك إنما وجب لك من أجل أن زوجك عبد ، فواجب لها الخيار أبدا متى ما عتقت تحت حر ، وتحت عبد ، على عموم الحديث .
[ ص: 57 ] ورووا عن nindex.php?page=showalam&ids=13705الأسود بن يزيد ، عن عائشة : أن زوج nindex.php?page=showalam&ids=216بريرة كان حرا ، وعن nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب مثله .
واحتجوا أيضا بما روي في بعض الآثار في قصة nindex.php?page=showalam&ids=216بريرة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لها : قد ملكت نفسك فاختاري قالوا : فكل من ملكت نفسها اختارت ، وسواء كانت تحت حر أو عبد ، وادعوا أن قول من قال : إن زوج nindex.php?page=showalam&ids=216بريرة كان حرا أولى ; لأن الرق ظاهر بزعمهم ، والحرية طارئة .
ومن أنبأ عن الباطن كان أولى .
وقال مالك ، وأهل المدينة ، nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي nindex.php?page=showalam&ids=15124، والليث بن سعد ، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، nindex.php?page=showalam&ids=12526وابن أبي ليلى : إذا أعتقت الأمة تحت حر فلا خيار لها ، وهو قول أحمد ، وإسحاق ، ومن حجتهم : أنها لم يحدث لها حال ترتفع بها عن الحر ، فكأنهما لم يزالا حرين ، ولما لم ينقص حال الزوج عن حالها ، ولم يحدث به عيب لم يكن لها خيار .
وأما حجتهم بقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لبريرة : قد ملكت نفسك فاختاري فإنه خطاب ورد فيمن كانت تحت عبد ; فأما من أعتقت تحت حر فلا تملك بذلك نفسها ; لأنه ليس هناك شيء يوجب ملكها لنفسها .
وأما رواية nindex.php?page=showalam&ids=13705الأسود بن يزيد ، عن عائشة : أن زوج nindex.php?page=showalam&ids=216بريرة كان حرا فقد عارضه عن عائشة من هو مثله ، وفوقه ، وذلك nindex.php?page=showalam&ids=14946القاسم بن محمد ، nindex.php?page=showalam&ids=16561وعروة بن الزبير رويا عن عائشة : أن زوج nindex.php?page=showalam&ids=216بريرة كان [ ص: 58 ] عبدا ، والقلب إلى رواية اثنين أشد سكونا منه إلى رواية واحد ، فكيف وقد روي عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر أن زوج nindex.php?page=showalam&ids=216بريرة كان عبدا .
حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16002سعيد بن نصر ، nindex.php?page=showalam&ids=16502وعبد الوارث بن سفيان قالا : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16802قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=13629ابن وضاح ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=17406يوسف بن عدي قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16513عبدة بن سليمان ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12514سعيد بن أبي عروبة ، عن أيوب ، عن عكرمة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : ( ( أن زوج nindex.php?page=showalam&ids=216بريرة كان عبدا حين أعتقت ) ) .
وذكر nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة ، عن عفان ، عن همام ، عن قتادة ، عن عكرمة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أن زوج nindex.php?page=showalam&ids=216بريرة كان عبدا يسمى مغيثا .
وقال : أبو بكر أيضا ، عن الحسين بن علي ، عن nindex.php?page=showalam&ids=15908زائدة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16052سماك بن حرب ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة : أن زوج nindex.php?page=showalam&ids=216بريرة كان عبدا .
حدثني nindex.php?page=showalam&ids=16502عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16802قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=13629محمد بن وضاح قال : حدثنا إبراهيم بن [ ص: 59 ] طيفور ، قال : حدثنا عبد الله بن موسى ، عن أسامة بن زيد ، عن nindex.php?page=showalam&ids=14946القاسم بن محمد ، عن عائشة : أن زوج nindex.php?page=showalam&ids=216بريرة كان عبدا .
وذكر حديث nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16524عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر قال : إذا أعتقت تحت حر فلا خيار لها .
وفي تخيير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - nindex.php?page=showalam&ids=216بريرة بعد أن بيعت من عائشة دليل على أن بيع الأمة ليس بطلاق لها ، وفي ذلك بطلان قول من قال : بيع الأمة طلاقها ; لأن بيعها لو كان طلاقا لم يخيرها [ ص: 60 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أن تبقى مع من طلقت عليه أو تطلق نفسها ; لأنه محال أن تخير وهي مطلقة ، وهذا واضح يغني عن الإكثار فيه ، وهذا القول يروى عن بعض الصحابة ، وأكثر الفقهاء على خلافه بحديث nindex.php?page=showalam&ids=216بريرة هذا - والله أعلم - ، وقد وضحنا هذا المعنى في باب nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة .
وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - : nindex.php?page=hadith&LINKID=1010771الولاء لمن أعتق فإنه يدخل في قوله من أعتق : كل مالك نافذ أمره ، مستقر ملكه ، من الرجال والنساء البالغين ، إلا أن النساء ليس لهن من الولاء إلا ما أعتقن ، أو الولاء عتق من أعتق ; لأن الولاء للعصبات ، وليس لذوي الفروض مدخل في ميراث الولاء ، إلا أن يكونوا عصبة ، وليس النساء بعصبة .
روى nindex.php?page=showalam&ids=16418ابن المبارك ، عن nindex.php?page=showalam&ids=17423يونس بن يزيد ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري أنه أخبره عن سالم أن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر : كان يورث موالي عمر دون بنات عمر ، وروي عن nindex.php?page=showalam&ids=47زيد بن ثابت معناه ، وعليه جماعة أهل العلم ، ولا يستحق الولاء من العصبات إلا الأقرب فالأقرب ، ولا يدخل بعيد على قريب ، وإن قربت قراباتهم ، فأقرب العصبات الأبناء ثم بنوهم ، وإن سفلوا ، ثم الأب ; لأنه ألصق الناس به بعد ولده وولد ولده ، ثم الإخوة لأنهم بنو الأب ، ثم بنو الإخوة ، وإن سفلوا ، ثم الجد أب الأب ، ثم العم ; لأنه ابن الجد ، ثم بنو العم ; فعلى [ ص: 61 ] هذا التنزيل ميراث الولاء ، وعلى هذا المجرى يجري ميراث الولاء ، وما أحرز الأبناء والآباء من الولاء ، فهو لعصبتهم .
حدثني nindex.php?page=showalam&ids=16002سعيد بن نصر قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16802قاسم بن أصبغ قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=13629محمد بن وضاح قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=12508أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا أبو أسامة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=15716حسين المعلم ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16709عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده قال : تزوج زياد بن حذيفة بن سعيد بن سهم أم وائل بنت معمر الجمحية ، فولدت ثلاثة أولاد ، فتوفيت أمهم فورثها بنوها رباعها ، وولاء مواليها ، فخرج بهم nindex.php?page=showalam&ids=59عمرو بن العاص معه إلى الشام ، فماتوا في طاعون عمواس ، فورثهم عمرو ، ( ( وكان عصبتهم ) ) فلما رجع عمرو جاءه بنو معمر يخاصمونه في ولاء أختهم إلى nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب ، فقال عمر : أقضي بينكم بما سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : nindex.php?page=hadith&LINKID=1010772ما أحرز الولد أو الوالد فهو لعصبته من كان فقضى لنا ، وكتب بذلك كتابا فيه شهادة nindex.php?page=showalam&ids=38عبد الرحمن بن عوف ، nindex.php?page=showalam&ids=47وزيد بن ثابت ، وآخر ، حتى إذا استخلف nindex.php?page=showalam&ids=16491عبد الملك بن مروان توفي مولى لها ، وترك ألف دينار ، وبلغني أن ذلك القضاء قد غير فخاصموه إلى هشام [ ص: 62 ] بن إسماعيل فرفعه إلى nindex.php?page=showalam&ids=16491عبد الملك بن مروان ، فأتيناه بكتاب عمر فقال : إن كنت لأرى أن هذا من القضاء الذي لا يشك فيه ، وما كنت أرى أمرا بالمدينة بلغ هذا أن يشكوا في القضاء به ، فقضى لنا به فلم ننازع فيه بعد .
وهذا صحيح حسن غريب ، فقال nindex.php?page=showalam&ids=17383يعقوب بن شيبة : ما رأيت أحدا من أصحابنا ممن ينظر في الحديث ، وينتقي الرجال ، يقول في nindex.php?page=showalam&ids=16709عمرو بن شعيب شيئا ، وحديثه عندهم صحيح ، وهو ثقة ثبت ، والأحاديث التي أنكروا من حديثه إنما هي لقوم ضعفاء زوروها عنه ، وما روى عنه الثقات فصحيح قال : وسمعت nindex.php?page=showalam&ids=16604علي بن المديني يقول : قد سمع أبوه شعيب من جده nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو قال علي : nindex.php?page=showalam&ids=16709وعمرو بن شعيب عندنا ثقة ، وكتابه صحيح ، nindex.php?page=showalam&ids=15716وحسين المعلم ثقة عندهم جميعهم .
وأما اختلافهم في الولاء للكبير ، فذكر nindex.php?page=showalam&ids=12429إسماعيل بن إسحاق قال : حدثنا حجاج قال : حدثنا هشام قال : حدثنا المغيرة ، عن إبراهيم أن عليا ، nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود ، وزيدا كانوا يقولون : الولاء للكبير .
قال : وحدثنا حجاج قال : حدثنا هشام ، عن الأشعث ، عن nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي ، عن علي ، nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود ، وزيد مثل ذلك .
قال إسماعيل : فأوجب هؤلاء الولاء للأقرب فالأقرب خاصة ، ولم يجعلوه مشتركا على طريق الفرائض .
[ ص: 63 ] قال : وحدثنا حجاج قال : حدثنا أبو عوانة ، عن المغيرة ، عن إبراهيم في أخوين ورثا مولى كان أعتقه أبوهما ، فمات أحد الأخوين ، وترك ولدا قال : كان شريح يقول : من ملك شيئا حياته ، فهو لورثته من بعده ، قال : وكان علي ، وعبد الله ، وزيد يقولون : الولاء للكبير .
قال أبو عمر :
على قول علي ، وعبد الله ، وزيد جمهور فقهاء الأمصار ، وأكثر أهل العلم يقولون : إن الولاء لا يجوز في الميراث إلا لأقرب الناس للمعتق يوم يموت الموروث المعتق ، وأنه ينتقل أبدا لهذه الحال .
قال إسماعيل : حدثنا حجاج قال : حدثنا حماد ، عن قتادة أن شريحا قال في رجل ترك جده ، وابنه ، ومولى قال : للجد السدس من الولاء ، وما بقي فللابن .
قال قتادة ، وقال زيد : الولاء للابن كله .
قال أبو عمر :
وعليه الناس اليوم .
وقال إسماعيل : وحدثنا حجاج قال : حدثنا حماد قال : سألت nindex.php?page=showalam&ids=12444إياس بن معاوية عن رجل ترك جده ، وابنه ، ومولاه ، فقال : الولاء للابن ، وقال : كل إنسان له فريضة مسماة ، فليس له من الولاء شيء قال إسماعيل : يعني إياس لا يكون له شيء من الولاء في هذه الحال التي له فيها فريضة مسماة ; لأنه لم يرث في هذا [ ص: 64 ] الموضع من طريق العصبة ، وإن كان قد يكون عصبة في موضع آخر ، فيكون له الولاء .
قال أبو عمر :
أجمع المسلمون على أن المسلم إذا أعتق عبده المسلم عن نفسه ; فإن الولاء له ، هذا ما لا خلاف فيه .
واختلفوا فيمن أعتق عن غيره رقبة بغير إذن المعتق عنه ، ودون أمره ، وكذلك اختلفوا في النصراني يعتق عبده المسلم قبل أن يباع عليه ، وفي ولاء المعتق سائبة ، وفي ولاء الذي يسلم على يد رجل ، فقالوا في ذلك كله أقاويل شتى :
ومنهم من نزع به رأيه ذلك ، وأداه اجتهاده إلى غير ذلك .
وأنا أبين أقوال الفقهاء : فقهاء الأمصار في هذه المسائل ، وأقتصر على ذكرهم في ذلك دون ذكر من قال بقولهم من التابعين قبلهم ، والخالفين بعدهم ، على ما اعتمدنا عليه من أول تأليفنا هذا وقصدناه لئلا نخرج عن شرطنا ذلك إذ كان مرادنا فيه الفرار من التخليط ، والإكثار ، وبالله التوفيق .
فأما عتق الرجل عن غيره فإن مالكا وأصحابه ، إلا nindex.php?page=showalam&ids=12321أشهب قالوا : الولاء للمعتق عنه ، وسواء أمر بذلك ، أو لم يأمر إذا كان [ ص: 65 ] مسلما ، وإن كان نصرانيا فالولاء لجماعة المسلمين ، وكذلك قال nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث بن سعد في ذلك كله .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=12074أبو عبيد القاسم بن سلام : من أعتق عن غيره فالولاء للمعتق عنه كقول مالك .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة ، وأصحابه ، nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري : إن قال : أعتق عبدك عني ( ( على مال ذكره ، فالولاء للمعتق عنه ; لأنه بيع صحيح فإذا قال : أعتق عبدك عني بغير مال فأعتقه فالولاء للمعتق ; لأن الآمر لم يملك منه شيئا ، وهي هبة باطل ; لأنها لا يصح فيها القبض .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : إذا أعتقت عبدك عن رجل حي أو ميت بغير أمره ، فولاؤه لك ، وإن أعتقته عنه بأمره بعوض أو بغير عوض ، فولاؤه له دونك ، ويجزئه بمال وبغير مال ، وسواء قبله المعتق عنه بعد ذلك أو لم يقبله .
قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : ولا يكون ولاء لغير معتق أبدا ، وكذلك قال أحمد ، وداود .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي فيمن أعتق عن غيره : الولاء لمن أعتق .
وأما nindex.php?page=showalam&ids=12321أشهب فيجيز كفارة الإنسان عن غيره بأمره ، ولا يجيزها بغير أمره في العتق ، وغير العتق ، وسنذكر ذلك في باب سهيل إن شاء الله .
فأما حجة مالك ، ومن ذهب مذهبه : فمنها ما حدثناه أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن ، وأحمد بن محمد بن أحمد ، قالا : حدثنا [ ص: 66 ] nindex.php?page=showalam&ids=16802قاسم بن أصبغ قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=12070محمد بن إسماعيل قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=17211نعيم بن حماد قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16418ابن المبارك قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=17423يونس بن يزيد ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16581عقيل بن خالد ، عن nindex.php?page=showalam&ids=13283ابن شهاب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في حديث ذكره فيه طول : إن نبي الله أيوب عليه السلام قال في بلائه : إن الله ليعلم أني كنت أمر على الرجلين يتنازعان ، ويذكران الله ، فأرجع إلى بيتي ، فأكفر عنهما كراهة أن يذكرا الله إلا في حق .
قال أبو عمر :
هكذا روى هذا الحديث يونس ، عن عقيل ، عن nindex.php?page=showalam&ids=13283ابن شهاب ( ( مرسلا ، ورواه نافع بن يزيد ، عن عقيل ، عن nindex.php?page=showalam&ids=13283ابن شهاب ) ) عن أنس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فوصله ، وفيه : أن أيوب كان يكفر عن غيره بغير أمره ، ولو لم يجز عند أيوب لم يكفر عنه ، والكفارة قد تكون بالعتق وغيره ; لأنه لم يبلغنا أن شريعة أيوب كانت في كفارة الأيمان على غير شريعتنا ، وإذا جاز العتق للإنسان عن غيره في شريعة أيوب عليه السلام لم ينسخ ذلك في شريعتنا ، إلا بأمر بين ، فالواجب الاقتداء به ; لقول الله عز وجل أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ، وقال ابن القاسم : من أعتق عن رجل بغير أمره في كفارة أنه يجزئه .
[ ص: 67 ] قال أبو عمر :
( ( حجتهم في ذلك ما تقدم ) ) ، والقياس على أداء الدين عن غيره بغير إذنه أنه براءة صحيحة .
قال أبو عمر :
إذا صح هذا الأصل صح الولاء للمعتق عنه ; لأنه يستحيل أن تجزئ عنه الكفارة فيما قد وجب عليه والولاء لغيره ، فإذا أجزأت عنه كفارة فالولاء له .
وذكر القاسم بن خلف ، عن nindex.php?page=showalam&ids=13658أبي بكر الأبهري أنه قال في مسألة ابن القاسم هذه : القياس أن لا يجوز ; لأنه غير جائز أن يفعل الإنسان عن غيره شيئا واجبا عليه لا يصح إلا بنية منه بغير أمره كالحج ، والزكاة ، وكذلك الكفارات ; لأنها أفعال تعبد بها الإنسان ، وليس كذلك الدين لأنه قد يزول عن الإنسان بغير أداء ، وهو أن يبرأ منه .
قال أبو عمر :
ومن حجة من لم يجز العتق عن غيره بغير أمره قوله - صلى الله عليه وسلم - : nindex.php?page=hadith&LINKID=1010771الولاء لمن أعتق . هذا معناه عندهم أن الولاء لا يكون إلا لمعتق ، والمعتق عنه غير المعتق ، فبطل ذلك عندهم ; لأن الولاء لا ينتقل ، وهو لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب ، وغير جائز في الحقيقة أن يضاف إلى الإنسان فعل لم يقصده ، ولم يعلم به ، فلهذا يستحيل أن يقال : إنه وهبه له ، ثم أعتقه عنه من غير توكيل منه ، وأما إذا أمره أن يعتق عبده عنه فأجابه المأمور [ ص: 68 ] إلى ذلك ، ثم أعتق عنه من غير توكيل ، وإنما هي هبة مقبوضة ينفذ فيها التوكيل ، والتسليط ، والمال في ذلك وغير المال سواء ; لأن الهبة والبيع في ذلك سواء .
وأما النصراني يعتق عبده المسلم قبل أن يباع عليه ، فإن مالكا وأصحابه يقولون : ليس له من ولائه شيء ، وولاؤه لجماعة المسلمين ، ولا يرجع إليه الولاء أبدا ، وإن أسلم ، ولا إلى ورثته ، وإن كانوا مسلمين ، وحجة من قال بهذا القول : أن إسلام عبد النصراني يرفع ملكه عنه ، ويوجب إخراجه عن يده ، فلما كان ملكه يرتفع بإسلامه لم يثبت الولاء له بعد عتقه ، وإذا لم يثبت له ثبت لجماعة المسلمين ، وإذا ثبت لهم الولاء لم ينتقل عنهم ; لأنه لحمة كلحمة النسب ، وسواء أسلم سيده بعد ذلك أو لم يسلم ; لأن الولاء قد ثبت لجماعة المسلمين قالوا : والدليل على ارتفاع ملك النصراني عن عبده المسلم عموم قول الله تعالى ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا ، وقوله تعالى وأنتم الأعلون ، والحديث : الإسلام يعلو ، ولا يعلى عليه .
[ ص: 69 ] وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، والعراقيون ، وأصحابهم : إذا أسلم عبد النصراني فأعتقه قبل أن يباع عليه فولاؤه له ، ولورثته من بعده ، فإن أسلم مولاه ، ثم مات المعتق ، ولم يكن له وارث بالنسب ، ورثه معتقه ، وإن لم يسلم لم يرثه لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا يرث المسلم الكافر ، ولا الكافر المسلم ، وحجتهم في أن الولاء له عموم قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : nindex.php?page=hadith&LINKID=1010771الولاء لمن أعتق . لم يخص مسلما من كافر ، ولو لم يكن له عليه ملك ما بيع عليه ، ودفع ثمنه إليه ، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - : الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ، ولا يوهب .
قال أبو عمر :
روي في هذا الباب حديث ليس بالقوي من جهة الإسناد ، ولكنه قد احتج به من ذهب هذا المذهب ، وهو ما حدثناه إبراهيم بن شاكر قال : حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى قال : حدثنا محمد بن أيوب الرقي قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=13863أحمد بن عمرو البزار قال : [ ص: 70 ] حدثنا إبراهيم بن الجنيد قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16704عمرو بن خالد قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16457ابن لهيعة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=17346يزيد بن أبي حبيب أن عروة بن غيلان الثقفي أخبره عن أبيه : أن نافع بن السائب كان لغيلان بن سلمة ، ففر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حاصر الطائف ، فأعتقه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما أسلم غيلان رد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولاء نافع إليه .
قال أبو عمر :
كان أهل الطائف حربيين يومئذ ، وما خرج عنهم من أموالهم إلى المسلمين كان للمسلمين ، وجائز أن يكون هذا قبل ( ( نهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الولاء وهبته ) ) ( ( ونهيه - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الولاء وهبته أقوى من هذا [ ص: 71 ] وبالله التوفيق ) ) ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في قوله - صلى الله عليه وسلم - : nindex.php?page=hadith&LINKID=1010773إنما الولاء لمن أعتق : بيان أن الولاء لا يكون إلا لمعتق ، وهو يوجب أن يكون الولاء لكل معتق كافرا كان أو مسلما ; لأنه قد جعله - صلى الله عليه وسلم - كالنسب ، فكما منع اختلاف الأديان من التوارث مع صحة النسب ، فكذلك منع اختلاف الأديان من التوارث مع صحة الولاء وثبوته ، فإذا اتفقا على الإسلام توارثا ، وليس اختلاف الأديان مما يمنع من الولاء ولا يدفعه ، كما أن اختلاف الأديان لا يمنع النسب ، ولكنه يمنع التوارث كما تمنعه العبودية والقتال عمدا ، قالوا : فولاء المسلم على الكافر ثابت ، وولاء الكافر على المسلم ثابت إذا أعتقه ، لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : nindex.php?page=hadith&LINKID=1010771الولاء لمن أعتق . قالوا : ولا يزيل إسلام عبد النصراني ملكه عنه ، وإنما يمنع استقراره واستدامته ، ألا ترى أنه إذا بيع عليه ملك ثمنه ، ولو ارتفع ملكه عنه لم يبع عليه ، ولا ملك المبدل منه ، ونظير ذلك ملك الرجل لمن يعتق عليه يمنع من استدامة الرق ، ويعتق عليه بالملك ، فيكون له ولاؤه ، وهذا ما لا خلاف فيه .
ومالك ، وأصحابه يقولون في العبد إذا اشتري اشتراء فاسدا ، فأعتقه المشتري : إن العتق واقع ، والولاء ثابت له ، وإن كان ملكه غير تام ، ولا مستقر .
[ ص: 72 ] قال أبو عمر :
أما المسلم إذا أعتق عبده النصراني ، فلا خلاف بين العلماء أن له ولاءه ، وأنه يرثه إن أسلم إذا لم يكن له وارث من نسبه يحجبه ، فإن مات العبد وهو نصراني ، فلا خلاف علمته أيضا بين الفقهاء أن ماله يوضع في بيت مال المسلمين ، ويجري مجرى الفيء إلا ما ذكره nindex.php?page=showalam&ids=12321أشهب عن المخزومي ، فإنه قال عنه : إن ميراثه لأهل دينه ، قال : فإن أسلم النصراني ميراثه ، ولم يطلبوه ، ولا طلبه منهم طالب ، أدخلناه بيت مال المسلمين معزولا ، ولا يكون فيئا حتى يرثه الله ، أو يأتي له طالب ، وهذا عندي لا وجه له إلا كون الكفار بعضهم أولياء بعض كما أن المسلمين بعضهم أولياء بعض ، والصحيح في ذلك ما قاله جمهور العلماء أنه يوضع في بيت المال ; لأن ولاءه قد ثبت للمسلمين ولاية نسب ، وهي أقعد من ولاية الدين في وجه المواريث ، إلا أن الشريعة منعت من التوارث بين المسلمين والكفار ، فكان هذا النصراني المعتق قد ترك مالا لا وارث له ، وله أصل في المسلمين عدم مستحقه بعينه ، فوجب أن يصرف في مصالح المسلمين ، ويوقف في بيت مالهم - والله أعلم - .
وأما الحربي يعتق مملوكه ، ثم يخرجان مسلمين ، فإن nindex.php?page=showalam&ids=11990أبا حنيفة ، وأصحابه قالوا : للعبد أن يوالي من شاء ، ولا يكون ولاؤه للمعتق ، وكذلك عندهم كل كافر أعتق كافرا ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : مولاه يرثه إذا أسلم ، واستحسنه أبو يوسف ، وهو قياس قول [ ص: 73 ] مالك في الذمي يعتق ذميا ، ثم يسلمان - وقولهم جميعا وبالله التوفيق .
وأما المعتق سائبة ; فإن nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب روى عن مالك قال : لا يعتق أحد سائبة : لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - nindex.php?page=hadith&LINKID=1010778نهى عن بيع الولاء ، وعن هبته ، وهذا عند كل من ذهب مذهب مالك إنما هو على كراهية السائبة ; لأن كل من أعتق عندهم سائبة نفذ عتقه ، وكان ولاؤه لجماعة المسلمين ، هكذا روى ابن القاسم ، وابن عبد الحكم ، وأشهب ، وغيرهم ، عن مالك ، وكذلك ذكر nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب ، عن مالك في موطئه ، وهو المشهور من مذهبه عند أصحابه ، وقد يحتمل أن يكون قول مالك : لا يعتق أحد سائبة رجوعا عن قوله المعروف - والله أعلم - ولكن أصحابه على المشهور من قوله .
قال مالك في موطئه : ( ( وأحسن ما سمعت في السائبة أنه لا يوالي أحدا ، وأن ولاءه لجماعة المسلمين ، وعقله عليهم ) ) ، وهذا يدلك على تجويزه لعتق السائبة .
وقال ابن القاسم ، nindex.php?page=showalam&ids=16472وابن وهب ، عن مالك : أنا أكره عتق السائبة ، وأنهى عنه ، فإن وقع نفذ ، وكان ميراثه لجماعة المسلمين ، وعقله عليهم .
[ ص: 74 ] وقال ابن نافع : لا سائبة اليوم في الإسلام ، ومن أعتق سائبة فإن ولاءه له .
وقال أصبغ : لا بأس بعتق السائبة ابتداء .
قال أبو عمر :
أصبغ ذهب في هذا إلى المشهور من مذهب مالك ، وله احتج nindex.php?page=showalam&ids=12425إسماعيل بن إسحاق القاضي ، وإياه تقلد ، ومن حجته في ذلك : أن عتق السائبة مستفيض بالمدينة لا ينكره عالم ، وأن عبد الله بن عمر ، وغيره من السلف أعتقوا السائبة ، وأن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب قال : السائبة والصدقة ليومهما ، أي لا يتصرف في شيء منهما .
وروى nindex.php?page=showalam&ids=16043سليمان التيمي ، عن nindex.php?page=showalam&ids=15558بكر المزني : أن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أتي بمال مولى أعتقه سائبة فمات ، فقال : إنا كنا أعتقناه سائبة فأمر أن يشترى به رقاب ، فتعتق ، وروىnindex.php?page=showalam&ids=16043سليمان التيمي ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12081أبي عثمان النهدي قال : قال nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب : السائبة والصدقة ليومهما .
[ ص: 75 ] وروى nindex.php?page=showalam&ids=16008ابن عيينة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش ، ولم يسمعه منه ، قال : سمعت إبراهيم يقول : أتى عبد الله رجل بمال فقال : خذ هذا فقال : ما هو ؟ قال : مال رجل أعتقته سائبة فمات ، وترك هذا ، قال : فهو لك قال : ليس لي فيه حاجة قال : وطرحه عبد الله في بيت المال .
( قال أبو عمر :
وهذا إن صح لم يكن فيه حجة لأن nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود قال : هو لك ، ولم يقل لجماعة المسلمين ، وإنما جعله في بيت المال ) ) ; لأن ذلك حكم كل مال يدفعه ربه عن نفسه إلى غير مالك معين ، وكذلك فعل nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب في طارق بن المرقع ، ذكره nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، عن بسطام بن مسلم ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء بن أبي رباح : أن طارق بن المرقع أعتق عبدا له فمات ، وترك مالا ، فعرض على طارق فأبى فقال : إنما جعلته لله ، ولست آخذ ميراثه ، فكتب فيه إلى عمر ، فكتب عمر : أن اعرضوا على طارق الميراث فإن قبله ، وإلا فاشتروا به رقيقا ، [ ص: 76 ] فأعتقوهم فبلغ خمس عشرة أو ست عشرة رأسا ، وأما أهل المدينة فأكثرهم على أن السائبة ميراثه لجماعة المسلمين ، وممن روي هذا عنه منهم nindex.php?page=showalam&ids=13283ابن شهاب ، وربيعة ، nindex.php?page=showalam&ids=11863وأبو الزناد ، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز ، nindex.php?page=showalam&ids=11873وأبي العالية ، وعطاء ، nindex.php?page=showalam&ids=16705وعمرو بن دينار .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري في قول عمر السائبة ليومها قال : يعني يوم القيامة لا يرجع في شيء منها إلى يوم القيامة .
وذكر nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب ، عن أسامة بن زيد ، عن نافع : أن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر كان إذا أعتق سائبة لم يرثه ، ولا يختلف في أن سالما مولى أبي حذيفة أعتقته مولاته ليلى أو لبنى بنت يعار ، وكانت تحت nindex.php?page=showalam&ids=266أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة فأعتقته سائبة ، ولم يقل أحد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ذلك ، ثم مات ، وترك ابنته ، فأعطاها nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب نصف ماله ، وجعل النصف في بيت المال ، والذي لم يختلف فيه من أمر سالم مولى أبي حذيفة أنه أعتق سائبة ، ولا خلاف أنه قتل يوم اليمامة ، وإنما [ ص: 77 ] نسب القضاء فيه إلى عمر ; لأنه كان بأمر أبي بكر ، وكان عمر القاضي لأبي بكر ، وقد روي أن عمر جعل ميراثه لابنته لما امتنع مواليه من قبول ميراثه ; إذ كان سائبة ، وروي أنها أعتقته سائبة فوالى أبا حذيفة ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي : ترك سالم مولى أبي حذيفة ابنته ، ومولاته ليلى بنت يعار امرأة nindex.php?page=showalam&ids=266أبي حذيفة بن عتبة ، فورث أبو بكر البنت النصف ، وعرض الباقي على مولاته ، فقالت : لا أرجع في شيء من أمر سالم ، إني جعلته لله ، فجعل أبو بكر رضي الله عنه النصف الباقي في سبيل الله ، وهذا أولى من رواية من روى أن عمر حكم بذلك ، إلا بما وجهنا من أمر أبي بكر له بذلك - والله أعلم - .
وروي عن عمر ، nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود أنهما قالا : يعرض مال المعتق سائبة على الذي أعتقه ، فإن تحرج عنه ، اشتري به رقاب وأعتقوا .
وعن nindex.php?page=showalam&ids=12112أبي عمرو الشيباني ، عن nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود قال : يضع السائبة ماله حيث شاء .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=11873أبو العالية ، nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري ، ومكحول ، nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك بن أنس ، لا ولاء عليه ، ويرثه المسلمون .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=13283ابن شهاب ، nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي nindex.php?page=showalam&ids=15124، والليث بن سعد : له أن يوالي من شاء ، فإن مات ولم يوال أحدا ، كان ولاؤه لجماعة المسلمين ، ومن حجتهم في ذلك قول عمر رحمه الله : لك ولاؤه في المنبوذ ، قالوا : فقام الصغير مقامه لنفسه ، لو ميز موضع الاختيار لها ، والدفع عنها ، فجاز بذلك للكبير أن يوالي من شاء إذا لم يكن له عليه ولاء ، وهؤلاء كلهم يجيزون عتق السائبة ، ويجعلون الولاء للمسلمين ، وحجتهم ما ذكرناه من عمل أهل المدينة قرنا بعد قرن في زعم المحتج بذلك ، ولأنه في معنى من أعتق عن غيره ، فيكون الولاء له ، ومن أعتق عبده سائبة فقد أعتقه عن جماعة المسلمين ; فلذلك صار الولاء لهم قالوا : وإنما يكون الولاء لمن أعتق إذا أعتق عن نفسه ، فهذا ما احتج به إسماعيل ، وغيره في عتق السائبة .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة ، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، وأصحابهما : من أعتق سائبة فولاؤه له ، وهو يرثه دون الناس ، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، وعطاء ، والحسن ، nindex.php?page=showalam&ids=16972وابن سيرين ، وضمرة بن حبيب ، nindex.php?page=showalam&ids=15880وراشد بن سعد ، وبه يقول nindex.php?page=showalam&ids=16991محمد بن عبد الله بن عبد الحكم .
[ ص: 79 ] واحتجوا أيضا بقول الله عز وجل ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ، والحديث : لا سائبة في الإسلام ، وبما رواه أبو قيس ، عن هذيل بن شرحبيل قال : قال رجل nindex.php?page=showalam&ids=10لعبد الله بن مسعود : إني أعتقت غلاما لي سائبة فمات ، وترك مالا فقال عبد الله : ( ( إن أهل الإسلام لا يسيبون ، إنما كانت تسيب الجاهلية ، أنت وارثه ، وولي نعمته ) ) .
وقد روى nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن عطاء : أن طارق بن المرقع كان أميرا على مكة ، فأعتق سوائب فماتوا ، فجاءوا بالميراث إلى عمر فقال : أعطوه ورثته ، فأبى الورثة أن يقبلوه ، فاشتروا به رقابا فأعتقوهم .
قال أبو عمر :
روى nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16024سلمة بن كهيل قال : سمعت nindex.php?page=showalam&ids=12112أبا عمرو الشيباني قال : سمعت nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود يقول : السائبة يضع ماله حيث شاء ، وهذا معناه أن المعتق له سائبة لم يكن حيا ، ولا عصبته ، ومن كانت هذه حاله فمذهب nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود فيه ، وفي كل من لا وارث له : أنه يضع ماله حيث شاء ، وأجاز له أن يوصي [ ص: 80 ] بماله لمن شاء ، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=17073مسروق ، وعبيدة ، nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي ، وأكثر أهل العراق .
وأما الذي يسلم على يد رجل أو يواليه ، فإن مالكا ، وأصحابه ، nindex.php?page=showalam&ids=16438وعبد الله بن شبرمة ، nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري ، nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي ، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، وأصحابه قالوا : لا ميراث للذي أسلم على يديه ، ولا ولاء له بحال ، وميراث ذلك المسلم إذا لم يدع وارثا لجماعة المسلمين ، وهو قول أحمد ، وداود ، ولا ولاء إلا للمعتق .
ومن حجتهم أيضا أن الميراث بالمعاقدة منسوخ ، فبطل بذلك أن يوالي أحد أحدا ; لأن الولاء نسب .
قال nindex.php?page=showalam&ids=12321أشهب عن مالك : جاء رجل من أهل مصر ذكر أن في يده ألف دينار من مال رجل هلك ، وقد أسلم على يديه ، فقيل له : ليس لك هذا ، فلا أراه إلا ردها ، قال nindex.php?page=showalam&ids=12321أشهب : الرجل الذي جاء هو nindex.php?page=showalam&ids=17178موسى بن علي بن رباح .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=15885ربيعة بن أبي عبد الرحمن : إذا أسلم كافر على يد رجل مسلم بأرض العدو ، أو بأرض المسلمين ، فميراثه للذي أسلم على يديه .
[ ص: 81 ] وقال nindex.php?page=showalam&ids=17314يحيى بن سعيد الأنصاري : إذا كان من أرض العدو فجاء فأسلم على يدي رجل ; فإن ولاءه لمن والاه ، ومن أسلم من أهل الذمة على يدي رجل مسلم فولاؤه للمسلمين عامة .
وذكر nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق ، عن معمر ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري قال : قضى nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب في رجل والى قوما ، فجعل ميراثه لهم ، وعقله عليهم ، قال معمر : وقال nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري : إذا لم يوال أحدا ورثه المسلمون .
قال أبو عمر :
في هذه المسألة أقوال :
أحدها : ما قدمنا ، عن مالك ، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، ومن تابعهما ، أنه لا يكون ولاؤه ولاء ميراث لمن أسلم على يديه ، وسواء والاه أو لم يواله .
وقول آخر : إذا أسلم على يديه ورثه ، وإن لم يواله ، روي ذلك عن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب ، nindex.php?page=showalam&ids=16673وعمر بن عبد العزيز ، وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث بن سعد : [ ص: 84 ] جعل إسلامه على يديه موالاة .
ومن حجة من ذهب إلى هذا حديث nindex.php?page=showalam&ids=155تميم الداري المذكور ، وما رواه nindex.php?page=showalam&ids=15744حماد بن سلمة ، عن جعفر بن الزبير ، عن القاسم بن عبد الرحمن ، عن أبي أمامة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من أسلم على يدي رجل فله ولاؤه .
[ ص: 85 ] وذكر nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16753عيسى بن يونس ، عن الأحوص بن حكيم ، عن nindex.php?page=showalam&ids=15880راشد بن سعد ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من أسلم على يديه رجل فهو مولاه ، وهي آثار ليست بالقوية ومراسيل .
وقالت طائفة : إذا والى رجل رجلا وعاقده ، فهو يعقل عنه ، ويرثه إذا لم يخلف ذا رحم .
وروي عن عمر ، وعثمان ، وعلي ، nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود : أنهم أجازوا الموالاة ، وورثوا بها ، وعن عطاء ، nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري ، ومكحول نحوه .
وقالت طائفة : إن عقل عنه ورثه ، وإن لم يعقل عنه لم يرثه .
[ ص: 86 ] روي عن nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب : أيما رجل أسلم على يدي رجل فعقل عنه ورثه ، وإن لم يعقل عنه لم يرثه .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة ، وأصحابه : إذا والاه على أن يعقل عنه ، ( ( ويرثه عقل عنه وورثه إذا لم يخلف وارثا معروفا ، قالوا : وله أن ينقل ولاءه عنه ما لم يعقل عنه ) ) ، أو عن أحد ولده ، وللموالي أن يبرأ من ولائه بحضرته ما لم يعقل عنه ، قالوا : وإن أسلم على يدي رجل ولم يواله لم يرثه ، ولم يعقل عنه ، وهو قول الحكم ، وحماد ، وإبراهيم ، وهذا كله فيمن لا تعرف له عصبة ، ولا ذو رحم يرث بها .
وأما قوله في الحديث : ألم أر برمة فيها لحم ؟ فقيل : بلى يا رسول الله ، ولكن ذلك لحم تصدق به على nindex.php?page=showalam&ids=216بريرة ، وأنت لا تأكل الصدقة ، فقال - صلى الله عليه وسلم - هو عليها صدقة ، وهو لنا هدية ففيه إباحة أكل اللحم ، وهو يرد قول من كرهه من الصوفية والعباد ، ويبين معنى قول عمر : ( ( إياكم واللحم ; فإن له ضراوة كضراوة الخمر ) ) ، وقد روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : سيد إدام الدنيا والآخرة اللحم ، وسيأتي من هذا المعنى ذكر عند قوله - صلى الله عليه وسلم - : نكب عن ذات الدر في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله .
ذكر الحسن بن علي ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=17081مسلم بن إبراهيم ، [ ص: 87 ] قال : حدثنا بكار بن عبد العزيز بن بريد الكندي ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16758غالب القطان قال : كان للحسن كل يوم لحم بنصف درهم ، وما وجدت مرقة قط أطيب ريحا من مرقة الحسن ، ( ( قال : وحدثنا عائذ قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=15743حماد بن زيد ، عن أيوب قال : ما وجدت مرقة أطيب ريحا من مرقة الحسن ) ) .
قال : وحدثنا عبد الصمد ، قال : حدثنا أبو هلال قال : ما دخلنا على الحسن قط إلا وقدره تفور بلحم طيبة الريح ، [ ص: 88 ] قال : ودخلت يوما على محمد ، وهو يأكل متكئا من سمك صغار .
وفي هذا الحديث أيضا : أن الصدقة كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يأكلها ، وكان يأكل الهدية ، وأجمع العلماء أن الصدقة كانت لا تحل له على لسانه - صلى الله عليه وسلم - ، ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : الصدقة لا تحل لمحمد ، ولا لآل محمد ، وأنه كان يأكل الهدية ، ولا يأكل الصدقة .
وقالت طائفة من أهل العلم : إن صدقة التطوع كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتنزه عنها ، ولم تكن عليه محرمة .
وقال آخرون : وهم أكثر أهل العلم : كل صدقة فداخلة تحت قوله - صلى الله عليه وسلم - : إن الصدقة لا تحل لنا ، واستدلوا بأنه كان عليه السلام لا يأكل صدقة التطوع ، وقالوا في اللحم الذي [ ص: 89 ] تصدق به على nindex.php?page=showalam&ids=216بريرة أنه كان من صدقات التطوع ; لأن المعروف في الصدقات المفروضات أنها لا تفرق لحما ، وإنما تفرق لحما لحوم الأضحية ، والعقيقة ، وغير ذلك من التطوع .
قال أبو عمر :
أما تحريم الصدقة المفترضة عليه وعلى أهله ، فأشهر عند أهل العلم من أن يحتاج فيها إلى إكثار ، ونحن نذكر هاهنا من ذلك ما فيه كفاية إن شاء الله .
أما الصدقة المفروضة ، فلا تحل للنبي عليه السلام ، ولا لبني هاشم ، ولا لمواليهم لا خلاف بين علماء المسلمين في ذلك ، إلا أن بعض أهل العلم قال : إن موالي بني هاشم لا يحرم عليهم شيء من الصدقات ، وهذا خلاف الثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وأبو رافع مولى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، واسمه nindex.php?page=showalam&ids=12313أسلم ، وقيل إبراهيم ، وقيل غير ذلك على ما قد ذكرنا في كتاب الصحابة .
واختلف العلماء أيضا في جواز صدقة التطوع لبني هاشم ، والذي عليه جمهور أهل العلم ، وهو الصحيح عندنا ، أن صدقة التطوع لا بأس بها لبني هاشم ومواليهم ، ومما يدلك على صحة ذلك : أن عليا ، والعباس ، وفاطمة رضي الله عنهم ، وغيرهم [ ص: 93 ] تصدقوا ، وأوقفوا أوقافا على جماعة من بني هاشم ، وصدقاتهم الموقوفة معروفة مشهورة .
ولا خلاف علمته بين العلماء في بني هاشم ، وغيرهم في قبول الهدايا والمعروف سواء ، وقد قال : - صلى الله عليه وسلم - : كل معروف صدقة ، وسنزيد هذا الباب بيانا في أولى المواضع به من كتابنا هذا إن شاء الله .
وأما امتناعه - صلى الله عليه وسلم - من أكل صدقة التطوع فمشهور ومنقول من وجوه صحاح .
حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=12549عبد الله بن محمد بن أسد قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=15762حمزة بن محمد بن علي قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=15397أحمد بن شعيب قال : أخبرنا nindex.php?page=showalam&ids=15936زياد بن أيوب ، وحدثنا عبد الله بن محمد بن يوسف قال : حدثنا أحمد بن محمد بن إسماعيل قال : حدثنا أحمد بن الحسن بن هارون الصباحي قال : حدثنا يعقوب بن إبراهيم [ ص: 94 ] الدروقي قالا : حدثنا أبو عبيدة عبد الواحد بن واصل قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=15579بهز بن حكيم ، عن أبيه ، عن جده قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=1010794كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أتي بشيء سأل عنه أصدقة أم هدية ؟ فإن قيل : صدقة ، لم يأكل منه ، وإن قيل هدية بسط يده .
وحدثنا nindex.php?page=showalam&ids=15829خلف بن القاسم قال : حدثنا مؤمل بن يحيى بن مهدي قال : حدثنا محمد بن جعفر بن حفص بن راشد الإمام قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16604علي بن المديني قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=17140مكي بن إبراهيم ، ويوسف بن يعقوب السدوسي قالا : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=15579بهز بن حكيم ، عن أبيه ، عن جده : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 95 ] كان إذا أتي بهدية قبلها ، وإذا أتي بصدقة أمر أصحابه فأكلوها .
حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16002سعيد بن نصر قال : حدثنا القاسم بن أصبغ قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=13629ابن وضاح قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=12508أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا عبد الله بن موسى قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أبي قرة الكندي عن nindex.php?page=showalam&ids=23سلمان الفارسي ، قال : كنت من أبناء أساورة فارس ، وكنت في كتاب ، وكان معي غلامان ، فإذا أتيا من عند معلمهما ، أتيا قسا ، فدخلا عليه ، فدخلت معهما عليه ، فقال : ألم أنهكما أن تأتياني بأحد ؟ فجعلت أختلف إليه حتى كنت أحب إليه منهما ، فقال لي : إذا سألك أهلك ما حبسك ؟ ، فقل : معلمي ، وإذا سألك معلمك : ما حبسك ؟ فقل : أهلي ، ثم إنه أراد أن يتحول ، فقلت له : أنا أتحول معك ، فتحولت معه فنزلت قرية فكانت امرأة تأتيه ، فلما حضر قال لي : يا سلمان احفر عند رأسي ، فحفرت عند رأسه ، فاستخرجت جرة من دراهم ، فقال لي : صبها على صدري ، فصببتها على صدره ، فجعل يقول : ويل لاقتنائي ، ثم إنه مات ، فهممت بالدراهم أن أحولها ، ثم إني ذكرت قوله فتركتها ، ثم إني أذنت القسيسين والرهبان به ، فحضروه ، فقلت لهم : إنه قد ترك مالا ، فقام شباب من القرية فقالوا : هذا مال أبينا فأخذوه ، قال : فقلت للرهبان : أخبروني برجل [ ص: 96 ] عالم أتبعه ، فقالوا : ما نعلم في الأرض رجلا أعلم من رجل بحمص ، فانطلقت إليه فلقيته ، فقصصت عليه القصة ، قال : وما جاء بك إلا طلب العلم ، قلت : ما كان إلا طلب العلم فقال : إني لا أعلم اليوم في الأرض أحدا أعلم من رجل يأتي بيت المقدس كل سنة ، إن انطلقت الآن وافقت حماره ، فانطلقت فإذا أنا بحماره على باب بيت المقدس ، فجلست عنده ، وانطلق فلم أره حتى الحول ، فجاء فقلت : يا عبد الله ما صنعت بي ؟ قال : وإنك لهاهنا ؟ قلت : نعم ، فإني والله ما أعلم اليوم رجلا أعلم من رجل خرج من أرض تيماء ، وإن تنطلق الآن توافقه ، وفيه ثلاث آيات : يأكل الهدية ، ولا يأكل الصدقة ، وعند غرضوف كتفه اليمنى خاتم النبوة مثل بيضة الحمامة ، لونها لون جلده ، قال : فانطلقت ترفعني أرض ، وتخفضني أخرى ، حتى مررت بقوم من الأعراب فاستعبدوني فباعوني حتى اشترتني امرأة بالمدينة ، فسمعتهم يذكرون النبي عليه السلام ، وكان العيش عزيزا ، فقلت لها : هبي لي يوما ، فقالت : نعم ، فانطلقت فاحتطبت حطبا فبعته فأتيت به النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وكان يسيرا فوضعته بين يديه فقال : ما هذا ؟ فقلت : صدقة ، فقال لأصحابه : كلوا ، ولم يأكل فقلت : هذه [ ص: 97 ] من علاماته ، ثم مكثت ما شاء الله أن أمكث ، ثم قلت لمولاتي : هبي لي يوما فقالت : نعم ، فانطلقت فاحتطبت حطبا فبعته بأكثر من ذلك ، وصنعت طعاما فأتيت به النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهو بين أصحابه فوضعته بين يديه فقال : ما هذا ؟ فقلت : هدية ، فوضع يده وقال لأصحابه : خذوا باسم الله ، فقمت خلفه فوضع رداءه فإذا خاتم النبوءة ، فقلت : أشهد أنك رسول الله صلى الله عليك فقال : وما ذاك ؟ فحدثته عن الرجل ، ثم قلت : أيدخل الجنة يا رسول الله ؟ فإنه حدثني أنك نبي ، فقال : لن يدخل الجنة إلا نفس مسلمة .
وحدثنا ابن القاسم قال : حدثنا محمد بن أحمد بن المسور قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=17133مقدام بن داود قال : حدثنا عبد الأحد بن الليث بن عاصم أبو زرعة قال : حدثني nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث بن سعد ، عن nindex.php?page=showalam&ids=17314يحيى بن سعيد ، عن nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب : أن سلمان الخير كان خالط الناس من أصحاب دانيال بأرض فارس قبل الإسلام ، فسمع ذكر النبي عليه السلام وصفته ، فإذا في حديثهم أنه يأكل الهدية ، ولا يأكل الصدقة في أشياء من صفته ، فأراد الخروج في التماسه فمنعه أبوه ، ثم هلك أبوه ، فخرج إلى الشام يلتمس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكان هناك في كنيسة ، ثم سمع بخروج رسول [ ص: 98 ] الله - صلى الله عليه وسلم - وذكره ، فخرج يريده ، فأخذه أهل تيماء فاسترقوه فقدموا به المدينة فباعوه ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة فلما قدم المدينة ، أتاه سلمان بشيء فقال : ما هذا ؟ فقال : صدقة ، فأمر بها فصرفت ، ثم جاء بشيء فقال : ما هذا ؟ فقال : هدية ، فأكل منها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فأسلم سلمان عند ذلك ، فأخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه مملوك فقال : كاتبهم بغرس مائة ودية ، فرماه الأنصار من ودية ووديتين فغرسها ، فأقبل يوما آخر ، وإنه لفي سقي ذلك الودي .
حدثنا خلف بن سعيد قال : حدثنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا أحمد بن خالد قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16628علي بن عبد العزيز قال : حدثنا ابن الأصبهاني قال : أخبرنا شريك بن عبيد المكتب ، عن nindex.php?page=showalam&ids=11871أبي الطفيل ، عن سلمان قال : أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - بصدقة فردها ، وأتيته بهدية فقبلها .
وإنما لم تجز صدقة التطوع للنبي عليه السلام - والله أعلم - لأن الصدقة لا يثاب عليها صاحبها ; لأنه لا يبتغي بها إلا الآخرة ، وأبيحت له الهدية ; لأنه يثيب عليها ، ولا تلحقه بذلك منة .
وقوله : لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة : يريد الصدقة المفروضة ، وأما على من ذكرنا على حسب ما وصفنا في هذا الباب ، إلا أن التنزه عنها حسن ، وقبولها من غير مسألة لا بأس به ، ومسألتها غير جائزة إلا لمن لم يجد بدا ، وسنبين هذه الوجوه كلها في مواضعها من كتابنا هذا إن شاء الله .
وقد استدل جماعة من أهل العلم على جواز شراء المتصدق صدقته من الساعي إذا قبضها الساعي ، وبان بها إلى نفسه - بحديث nindex.php?page=showalam&ids=216بريرة هذا ، وقالوا : شراء الصدقة من الساعي ، ومن المتصدق عليه جائز ; لأنها ترجع إلى مشتريها من غير ملك الجهة ; لأنه ليس بمانع للصدقة ، ولا عائد فيها من وجهها ، وقالوا : كما رجعت الصدقة على nindex.php?page=showalam&ids=216بريرة هدية إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولم يكن بذاك بأس ، وكذلك إذا اشتراها المتصدق بها ، وقالوا : كما أنه لو ورثها لم يكن بذلك عند أهل العلم بأس ، وقيل : [ ص: 101 ] ( ( إن استقاء nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب اللبن الذي سقيه من نعم الصدقة ، إنما استقاءه لأن الذي سقاه إياه كان من الأغنياء الذين لا تحل لهم الصدقة ، ولا يصح ملكها ، ولو كان ممن تحل له الصدقة ، ويستقر عليها ملكه ، ما استقاءه عمر ; لأنه كان يحل له حينئذ ; لأنه غني أهدى إليه رجل مسكين مما تصدق عليه على حديث بريرة وغيره مما قد ذكرناه في هذا الباب ، والحمد لله .
قال أبو عمر :
أما إهداء المسكين إلى الغني ، فقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - جوازه من حديث عائشة هذا وغيرها ، في قصة nindex.php?page=showalam&ids=216بريرة من حديث nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري أيضا وغيره ، وكذلك ما رجع بالميراث إلى المتصدق ، فقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - جوازه أيضا ، فوجب الوقوف ، ثم ذلك كله على حسب ما نقل عنه من ذلك - صلى الله عليه وسلم - .
وأما شراء الصدقة من المتصدق عليه ، ومن الساعي فقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - النهي عن ذلك ، بقوله عليه السلام لعمر في الفرس التي حمل عليها عمر في سبيل الله : nindex.php?page=hadith&LINKID=1010802لا تشترها ، ولا تعد في صدقتك ، الحديث ، فكيف يجمع بين أمرين فرق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينهما إلا أن أهل [ ص: 102 ] العلم حملوا نهيه على شراء الصدقة والعودة فيها على سبيل التنزه عنها لا على سبيل التحريم ، ولما في ذلك من قطع الذريعة ، لئلا يطلق للناس اشتراء صدقاتهم فيشترونها من الساعي والمتصدق عليه قبل القبض ، فيدخل في ذلك بيع ما لم يقبض ، وإعطاء القيمة عن العين الواجبة ، وسنذكر ما للعلماء في هذا المعنى في باب nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم من كتابنا هذا ، عند ذكر حديث عمر في الفرس إن شاء الله .
وأما رجوعها بالميراث إلى المتصدق بها فلا تهمة فيها ، ولا كراهية تدخله ، إلى ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من جوازه .
وفي قوله : هو عليها صدقة ، وهو لنا هدية دليل على أن ما لم يحرم لعينه كالميتة ، والخنزير ، والدم ، والعذرات ، وسائر النجاسات ، وما أشبهها ، وحرم لعلة عرضت من فعل فاعل إلى غيره من العلل ، فإن تحريمه يزول بزوال العلة ، ألا ترى أن الدرهم المغصوب والمسروق حرام على الغاصب والسارق من أجل غصبه له ، وسرقته إياه ، فإن وهبه له المغصوب منه والمسروق منه طيبة به نفسه حل له ، وهو الدرهم بعينه .
[ ص: 105 ] وقد اعتل قوم ممن نفى القياس في الأحكام ، وزعم أن التعبد بالأسماء دون المعاني بحديث nindex.php?page=showalam&ids=216بريرة هذا في قصة اللحم والصدقة به والهدية ، وزعم أن ذلك اللحم لما سمي صدقة حرم ، فلما سمي هدية حل ، فجاء بتخليط من القول ، وخطل منه ، واحتج على مذهبه في ذلك بقوله تعالى لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا ، وللكلام في هذا الباب موضع غير هذا ، ولو ذكرناه هاهنا خرجنا عما شرطنا ، وعما له قصدنا ، وبالله توفيقنا ، وعليه توكلنا .