هذا الحديث يتصل من وجوه ثابتة عن جابر ، رواه عنه جماعة ، منهم :
أبو جعفر محمد بن علي ، nindex.php?page=showalam&ids=16920ومحمد بن المنكدر ، nindex.php?page=showalam&ids=13371وعبد الله بن محمد بن عقيل ، وأبو الزبير ، nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي .
وسنذكر وجوه هذا الحديث وطرقه ، من القول في معانيه إن شاء الله .
وفيه من الفقه : أن العدة واجب الوفاء بها وجوب سنة وكرامة ، وذلك من أخلاق أهل الإيمان ، وقد جاء في الأثر ( ( وأي المؤمن واجب ) ) أي واجب في أخلاق المؤمنين ، [ ص: 207 ] وإنما قلنا أن ذلك ليس بواجب فرضا ; لإجماع الجميع على أن من وعد بمال ما كان لم يضرب به مع الغرماء ، كذلك قلنا ( إيجاب الوفاء به ، حسن في المروءة ) ، ولا يقضى به ، ولا أعلم خلافا أن ذلك مستحسن ، يستحق صاحبه الحمد والشكر على الوفاء به ، ويستحق على الخلف في ذلك الذم ، وقد أثنى الله عز وجل على من صدق وعده ، ووفى بنذره ، وكفى بهذا مدحا ، وبما خالفه ذما ( ولم تزل العرب تمدح بالوفاء ، وتذم بالغدر والخلف ، وكذلك سائر الأمم - والله أعلم - .
قال سابق بن خديم :
متى ما يقل حر لطالب حاجة نعم يقضها والحر للوأي ضامن
والوأي العدة .
ولما كان هذا من مكارم الأخلاق ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أولى الناس بها وأنذرهم إليها ، وكان أبو بكر خليفته أدى ذلك وقام فيه مقامه في الموضع الذي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقيمه ) .
وقد اختلف الفقهاء فيما يلزم من العدة ، وما لا يلزم منها ، وكذلك اختلفوا في تأخير الدين الحال ، هل يلزم أم لا يلزم ، وهو من هذا الباب ، فقال مالك ، وأصحابه : من أقرض رجلا مالا ، دنانير أو دراهم ، أو شيئا مما يكال أو يوزن ، وغير ذلك إلى [ ص: 208 ] أجل ، أو منح منحة ، أو أعار عارية ، أو أسلف سلفا ، كل ذلك إلى أجل ، ثم أراد الانصراف في ذلك ، وأخذه قبل الأجل لم يكن ذلك له ; لأن هذا مما يتقرب به إلى الله عز وجل ، وهو من باب الحسبة .
قال أبو عمر :
ومن الحجة لمالك رحمه الله في ذلك عموم قوله تعالى وأوفوا بالعهد ، وقوله عليه السلام كل معروف صدقة ، وأجمعوا أنه لا يتصرف في الصدقات ، وكذلك سائر الهبات ) .
قال مالك : وأما العدة مثل أن يسأل الرجل الرجل أن يهب له الهبة فيقول له : نعم ، ثم يبدو له أن لا يفعل ، فما أرى ذلك يلزمه ، قال مالك : ولو كان ذلك في قضاء دين فسأله أن يقضيه عنه فقال : نعم ، وثم رجال يشهدون عليه ، فما أحراه أن يلزمه إذا شهد عليه اثنان .
وقال ابن القاسم : إذا وعد الغرماء فقال : أشهدكم ، إني قد وهبت لهذا ، من أين يؤدي إليكم ، فإن هذا يلزمه ، وأما أن يقول : نعم أنا أفعل ، ثم يبدو له ، فلا أرى ذلك عليه .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون : الذي يلزمه من العدة في السلف ، والعارية أن يقول للرجل : اهدم دارك ، وأنا أسلفك ما تبنيها به ، أو اخرج إلى الحج ، وأنا أسلفك ما يبلغك ، أو اشتر كذا ، أو تزوج وأنا أسلفك ثمن السلعة ، وصداق المرأة ، وما أشبهه مما [ ص: 209 ] يدخله فيه ، وينشبه به ، فهذا كله يلزمه قال : وأما أن يقول : أنا أسلفك ، وأنا أعطيك بغير شيء يلزم المأمور نفسه ، فإن هذا لا يلزمه منه شيء .
قال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة ، وأصحابه nindex.php?page=showalam&ids=13760، والأوزاعي ، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، وعبيد الله بن الحسين ، وسائر الفقهاء : أما العدة فلا يلزمه منها شيء ; لأنها منافع لم يقبضها في العارية ; لأنها طارئة ، وفي غير العارية أشخاص ، وأعيان موهوبة ، لم تقبض ، ولصاحبها الرجوع فيها .
وأما القرض فقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة ، وأصحابه سواء كان القرض إلى أجل أو إلى غير أجل : له أن يأخذه متى أحب ، وكذلك العارية ، وما كان مثل ذلك كله ، ولا يجوز تأخير القرض ألبتة بحال ، ويجوز عندهم تأخير المغصوب ( وقيم المستهلكات ، إلا nindex.php?page=showalam&ids=15922زفر ، فإنه قال : لا يجوز التأجيل في القرض ، ولا في الغصب ) ، واضطرب قول أبي يوسف في هذا الباب .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : إذا أخره بدين حال ، فله أن يرجع متى شاء ، وسواء كان من قرض أو من غير قرض ، أو من أي وجه كان ، وكذلك العارية وغيرها ; لأن ذلك من باب العدة والهبة غير المقبوضة وهبة ما لم يخلق .
قال أبو عمر :
في هذا الحديث أيضا دليل على أن يقضي الإنسان عن غيره [ ص: 210 ] بغير إذنه فيبرأ ، وإن الميت يسقط عنه ما كان عليه بقضاء من قضى عنه - والله أعلم - .
ورواه nindex.php?page=showalam&ids=15982سعيد بن سليمان سعدويه ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16799فليح بن سليمان ، عن nindex.php?page=showalam&ids=13371عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن جابر ، نحوه ، بمعناه .
( وذكر أهل السير : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعد nindex.php?page=showalam&ids=59عمرو بن العاص حين بعثه إلى المنذر بن ساوى ، أن يستعمله على صدقات معد ، فلما قدم بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، استعمله عليها أبو بكر إنفاذا لرأي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) .