1598 [ ص: 140 ] الحديث الخامس عشر nindex.php?page=showalam&ids=15944لزيد بن أسلم مسند صحيح
مالك ، عن nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم ، عن ابن وعلة المصري : أنه سأل nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس عما يعصر من العنب ، فقال nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : أهدى رجل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - راوية خمر ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : أما علمت أن الله حرمها ؟ قال : لا ، قال : فساره إنسان إلى جنبه ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : بم ساررته ؟ قال : أمرته ببيعها ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن الذي حرم شربها ، حرم بيعها ، قال : ففتح المزادتين حتى ذهب ما فيهما .
ابن وعلة هذا اسمه عبد الرحمن بن وعلة السبئي ، أصله من مصر ، ثم انتقل إلى المدينة وسكنها ، وهو في أهل المدينة معدود ، وكان ثقة من ثقات التابعين ، مأمونا على ما روى وحمل ، روى عنه [ ص: 141 ] nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم ، والقعقاع بن حكيم ، وأبو الخير اليزني ، وغيرهم .
ذكر nindex.php?page=showalam&ids=15106إسحاق بن منصور ، عن nindex.php?page=showalam&ids=17336ابن معين ، أنه قال : عبد الرحمن بن وعلة ثقة .
وفي هذا الحديث من الفقه أن ما يعصر من العنب يسمى خمرا في لسان العرب ، لكن الاسم الشرعي لا يقع عليها ، إلا أن تغلى وترمى بالزبد ، ويسكر كثيرها ، أو قليلها .
وفي اللغة : قد يسمى العنب خمرا ، لكن الحكم يتعلق بالاسم الشرعي دون اللغوي .
وفيه : أن النهي من قبل الله إذا ورد ، فحكمه التحريم ، إلا أن يزيحه عن ذلك دليل يبين المراد منه ، ألا ترى إلى قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أما علمت أن الله حرمها ، ثم قال : إن الذي حرم شربها ، حرم بيعها ، فأطلق عن الله تحريمها .
ولا خلاف بين علماء المسلمين أن تحريمها إنما ورد في سورة المائدة بلفظ النهي في قوله عز وجل : إنما الخمر والميسر ، إلى : فاجتنبوه لعلكم تفلحون ، وإلى : فهل أنتم منتهون . وهذه الآية نسخت كل لفظ ورد بإباحتها ، نصا أو دليلا ، فنسخت ما جرى من ذكرها في سورة البقرة ، وسورة النساء ، وسورة النحل .
[ ص: 142 ] وأجمعت الأمة على أن خمر العنب حرام في عينها قليلها وكثيرها ، فأغنى ذلك عن الإكثار فيها ، وقد تقدم في كتابنا هذا في باب الألف من ذلك ما فيه كفاية ، إن شاء الله تعالى .
وفي هذا الحديث دليل أن الخمر لم تكن حراما حتى نزل تحريمها .
وفي سياقة الحديث ما يدل على أن ما سكت الله عن تحريمه فحلال ، وأن أصل الأشياء على الإباحة حتى يرد المنع ، ألا ترى أن المهدي لراوية الخمر في هذا الحديث ، إنما أهداها اعتقادا منه للإباحة .
ولا خلاف بين أهل الإسلام أن الخمر لم ينزل الله في كتابه أنه أمر بشربها ، ثم نسخ ذلك بتحريمها ، وفي إجماعهم على ذلك دليل على صحة ما قلنا ، وإن ما عفا الله عنه وسكت ، فداخل في باب الإباحة ، ألا ترى إلى قول nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير ، حيث قال : كان الناس على أمر جاهليتهم حتى يؤمروا أو ينهوا .
وسؤال الصحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الخمر في أول الإسلام ، إنما كان لما كانوا يجدونه من الشر والسفه ، عند [ ص: 143 ] شربها على ما جاء منصوصا في الآثار في تفسير قوله : يسألونك عن الخمر والميسر الآية .
وفيه أيضا دليل أن كل ما لا يجوز أكله ، أو شربه ، من المأكولات والمشروبات ، لا يجوز بيعه ، ولا يحل ثمنه ، لقوله عليه السلام : إن الذي حرم شربها حرم بيعها . ويوضح ذلك أيضا قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، حيث قال : لعن الله اليهود - ثلاثا - حرمت عليهم الشحوم ، فباعوها ، وأكلوا أثمانها ، وإن الله إذا حرم على قوم أكل شيء حرم ثمنه .
حدثنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا قتيبة ، قال : حدثنا الليث ، عن nindex.php?page=showalam&ids=17346يزيد بن أبي حبيب ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء بن أبي رباح ، عن nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله : أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول عام الفتح وهو [ ص: 144 ] بمكة : nindex.php?page=hadith&LINKID=1019181إن الله حرم بيع الخمر ، والميتة ، والخنزير ، والأصنام .
وحدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا محمد ، حدثنا أبو داود ، حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=12265أحمد بن صالح ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=17110معاوية بن صالح ، عن عبد الوهاب بن بخت عن nindex.php?page=showalam&ids=11863أبي الزناد ، عن nindex.php?page=showalam&ids=13723الأعرج ، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=1019182إن الله حرم الخمر وثمنها ، وحرم الخنزير وثمنه .
والقياس ما قاله مالك ، وهو مذهب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، وظاهر هذا الحديث شاهد لصحة ذلك ، فلم أر وجها لذكر اختلاف الفقهاء في بيع السرجين ، والزبل ، هاهنا ، لأن كل قول تعارضه السنة وتدفعه ، ولا دليل عليه من مثلها ، لا وجه له . قال الله عز وجل : [ ص: 145 ] " وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم " .
وفي هذا الحديث أيضا دليل على أن الإثم مرفوع عمن لم يعلم قال الله عز وجل : وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ومن أمكنه التعلم ولم يتعلم ، أثم ، والله أعلم .
وفي هذا الحديث أيضا دليل على أن الخمر لا يجوز لأحد تخليلها ، ولو جاز لأحد تخليلها ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليدع الرجل أن يفتح المزادتين حتى ذهب ما فيهما ، [ ص: 146 ] لأن الخل مال ، وقد نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن إضاعة المال ، بل كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمره أن يخللها ، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : نعم الإدام الخل ولأنه - صلى الله عليه وسلم - أنصح الناس للناس ، وأدلهم على قليل الخير وكثيره .
وذكر nindex.php?page=showalam&ids=13629ابن وضاح أن nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون كان يذهب هذا المذهب .
وقد اختلف الفقهاء في تخليل الخمر : فقال مالك فيما روى عنه ابن القاسم ، nindex.php?page=showalam&ids=16472وابن وهب لا يحل لمسلم أن يخلل الخمر ، ولكن يهرقها ، فإن صارت خلا بغير علاج ، فهو حلال لا بأس به ، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، وعبيد الله بن الحسن البصري ، nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد بن حنبل .
وروى nindex.php?page=showalam&ids=12321أشهب عن مالك ، قال : إذا خلل النصراني خمرا ، فلا بأس بأكله ، وكذلك إن خللها مسلم ، واستغفر الله .
وهذه الرواية ذكرها nindex.php?page=showalam&ids=16991ابن عبد الحكم في كتابه . وقال nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب : سمعت مالكا يقول فيمن اشترى قلال خل ، فوجد فيها قلة خمر ; قال : لا يجعل فيها شيء يخللها ، قال : ولا يحل للمسلم أن يعالج الخمر حتى يجعلها خلا ، ولا يبيعها ، ولكن ليهرقها ، فإن فات علاجها بعد أن وجدت خير علاج ، فإنها حلال لا بأس بها إن شاء الله .
[ ص: 147 ] قال nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب : وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب ، nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري ، وربيعة ، وكان nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة ، nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري ، nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي ، nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث بن سعد : لا يرون بأسا بتخليل الخمر ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة : إن طرح فيها السمك والملح ، فصارت مريا ، وتحولت عن حال الخمر جاز .
وخالفه محمد بن الحسن في المري ، وقال : لا يعالج الخمر بغير تحويلها إلى الخل وحده .
قال أبو عمر : الصحيح عندي في هذه المسألة ما قاله مالك في رواية ابن القاسم ، nindex.php?page=showalam&ids=16472وابن وهب عنه ، والدليل على ذلك ما رواه nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري ، عن nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ، عن أبي هبيرة ، عن أنس ، قال : جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وفي حجره يتيم ، وكان عنده خمر له حين حرمت ، فقال : يا رسول الله ! نصنعها خلا ؟ قال : لا ، فصبها حتى سال الوادي .
حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16002سعيد بن نصر ، nindex.php?page=showalam&ids=16502وعبد الوارث بن سفيان ، قالا : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16802قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=13629محمد بن وضاح ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=12508أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16349عبد الرحمن بن مهدي ، عن سفيان ، عن nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ، عن يحيى بن عباد ، عن nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك ، قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=1019187سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الخمر تتخذ خلا ؟ قال : لا .
وذكر nindex.php?page=showalam&ids=16931أبو عبد الله المروزي ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=11942أبو بكر الحنفي ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16318عبد الحميد بن جعفر ، قال : حدثني nindex.php?page=showalam&ids=16128شهر بن حوشب ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16345عبد الرحمن بن غنم ، عن nindex.php?page=showalam&ids=155تميم الداري ، أنه قال : أهدى رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - راوية من خمر ، فلما كان العام الذي حرمت جاء براوية خمر ، فلما نظر إليه ضحك ، وقال : هل شعرت أنها قد حرمت ، فقال : يا رسول الله ! أفلا أبيعها ، وأنتفع بثمنها ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لعن الله اليهود - ثلاث مرات - انطلقوا إلى ما حرم الله من شحوم البقر ، والغنم ، فأذابوه ، وجعلوه إهالة ، فابتاعوا به ما يأكلون ، وإن الخمر حرام ، وثمنها حرام .
[ ص: 150 ] قال أبو عبد الله : وحدثنا إسحاق ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16925محمد بن بشر ، قال : حدثنا مطيع الغزال ، عن nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي ، عن عبد الله بن عمر ، عن أبيه nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب ، قال : لا تحل التجارة في شيء لا يحل أكله وشربه .
قال : وحدثنا nindex.php?page=showalam&ids=17342يحيى بن يحيى ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=17249هشيم ، عن مطيع بن عبد الله ، قال : سمعت nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي يحدث عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر عن عمر ، فذكره .
فأما إذا تخللت من ذاتها بغير صنع آدمي ، فقد روي فيها عن عمر ما تسكن النفس إليه ، وقال به مالك ، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، وأكثر فقهاء الحجاز ; على ما قدمنا ذكره في باب إسحاق ، والحمد لله .
واحتج العراقيون في تخليل الخمر nindex.php?page=showalam&ids=4بأبي الدرداء ، وهو حديث يروى ، عن nindex.php?page=showalam&ids=11811أبي إدريس الخولاني ، عن nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء من وجه ليس بالقوي : أنه يأكل المري الذي جعل فيه الخمر ، ويقول دبغته الخل والملح ، وهذا ومثله لا حجة في شيء منه إذا كان مخالفا لما ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وقد ذكرنا كثيرا من معاني هذا الباب مجودا في باب إسحاق ، وذلك يغني عن تكريره هاهنا .
[ ص: 151 ] وذكر nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب ، عن يونس ، عن nindex.php?page=showalam&ids=13283ابن شهاب ، قال : لا خير في خل من خمر أفسدت ، حتى يكون الله الذي أفسدها . قال : وحديث nindex.php?page=showalam&ids=12493ابن أبي ذئب ، عن nindex.php?page=showalam&ids=13283ابن شهاب ، عن nindex.php?page=showalam&ids=14946القاسم بن محمد ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12313أسلم مولى عمر بن الخطاب ، عن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب ، قال : لا تؤكل خمر أفسدت ، ولا شيء منها ، حتى يكون الله تولى إفسادها .
وروى nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن بن أبي الحسن ، عن nindex.php?page=showalam&ids=61عثمان بن أبي العاص ، أن تاجرا اشترى خمرا ، فأمره أن يصبها في دجلة ، فقالوا : ألا تأمره أن يجعلها خلا ؟ فنهاه عن ذلك .
فهذا nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب ، nindex.php?page=showalam&ids=61وعثمان بن أبي العاصي ، يخالفان nindex.php?page=showalam&ids=4أبا الدرداء في تخليل الخمر ; وليس في أحد حجة مع السنة ، وبالله التوفيق .
وقد يحتمل أن يكون المنع من تخليلها كان في بدء الأمر عند نزول تحريمها ، لئلا يستدام حبسها بقرب العهد بشربها ، إرادة لقطع العادة في ذلك ، وإذا كان هذا هكذا لم يكن في النهي عن تخليلها حينئذ ، والأمر بإراقتها ما يمنع من أكلها إذا تخللت ، ولم يسأل عن خمر تخللت ، فنهى عن ذلك ، والله تعالى الموفق للصواب لا شريك له .