في هذا الحديث من الفقه أن الشيطان يوسوس للإنسان ، وأن الصلاة لا تحول بينه وبينه ، وأنه ساع على المرء فيما يفسد عليه دينه جاهدا ، والله يعصم منه من يشاء من عباده ، وقوله : فلبس عليه يعني خلط عليه ، وهو على فعل مخفف والمستقبل يلبس مثل ضرب يضرب ، وأما إذا كان من اللباس فالماضي منه لبس مثل سمع والمستقبل منه يلبس مثل يسمع ، وقد اختلف الفقهاء في معنى هذا الحديث ; فقال قوم منهم : معناه أن يبني على يقينه وعلى أكثر ظنه ثم يسجد قالوا : وهو حديث ناقص [ ص: 90 ] يفسره حديث nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري ، وحديث nindex.php?page=showalam&ids=38عبد الرحمن بن عوف ، وحديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، وغيرهم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=1012107إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر أثلاثا أم أربعا ؟ فليصل ركعة ويسجد سجدتين وهو جالس قبل التسليم قالوا [ ص: 91 ] والأحاديث كلها في السهو على خلاف هذا ، إنما هي أن يعتمد الإنسان على أكثر ظنه كما روى nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود أو يبني على يقينه ، كما روى أبو سعيد nindex.php?page=showalam&ids=38وعبد الرحمن بن عوف قالوا : وأما حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة فحديث مجمل مضمر قد ظهر في غيره من الأحاديث قالوا : فلا يجزي أحدا أبدا إذا شك في صلاته أن يخرج منها إلا حتى يستيقن تمامها ، وسواء اعتراه هذا مرة أو ألف مرة .
وقال آخرون : معنى حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة هذا في الذي يستنكحه السهو ويكثر عليه ، والأغلب في ظنه أنه قد أتم ; لكن الشيطان يوسوس إليه في ذلك كما يوسوس إلى قوم في كمال طهارتهم قالوا : فمن كانت هذه حاله أبدا أجزأه أن يسجد للسهو سجدتين دون أن يأتي بركعة ، واحتج بعضهم على تأويله هذا بما ذكره أبو داود قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=17173موسى بن إسماعيل قال : حدثنا أبان قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=17298يحيى بن أبي كثير عن هلال بن عياض عن nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=1012108إذا صلى أحدكم فلم يدر أزاد أم نقص فليسجد سجدتين وهو قاعد فإذا أتاه الشيطان فقال له [ ص: 92 ] أحدثت فليقل كذبت إلا أن يجد ريحا بأنفه أو صوتا بأذنه ، وروى هذا الحديث عن nindex.php?page=showalam&ids=17298يحيى بن أبي كثير جماعة منهم nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي ، nindex.php?page=showalam&ids=17235وهشام الدستوائي ، وعلي بن المبارك كلهم بمعنى واحد قالوا : فهذا أبو سعيد قد روى في هذا الحديث كما روى nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة ، وحصل في ذلك عند أبي سعيد حديثان ، ومحال أن يكون معناهما واحدا ; بل لكل واحد منهما موضع ، وهو مثل ما ذكرنا من أن هذا في الذي يعتريه الشك دائما لا ينفك عنه قد استنكحه .
ومع ذلك فإنه قد أتم في أغلب ظنه عند نفسه ، والحديث الآخر على من لم يدر أزاد أم نقص فيلزمه أن لا يخرج من صلاته إلا بيقين من تمامه ، وهكذا فسر nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث بن سعد حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة وحكى ذلك عنه nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب ، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب أيضا ، وقول مالك فيما ذكره nindex.php?page=showalam&ids=16741عيسى بن دينار في كتاب الصلاة عن ابن القاسم عن مالك قال : فإذا كثر السهو على الرجل ، ولزمه ذلك ولا يدري أسها أم لا ؟ سجد سجدتي السهو بعد السلام ثم قيل لابن القاسم : أرأيت رجلا سها في صلاته ثم نسي سهوه فلا يدري أقبل السلام أم بعده ؟ قال : يسجد قبل السلام أو بعده ، وقال أبو مصعب : من استنكحه السهو فليله عنه وليدعه ، ولو سجد بعد السلام كان حسنا ، واختلف القائلون في تأويل هذا الحديث القول الآخر في سجود هذا المستنكح الذي هو في أكثر ظنه قد أتم صلاته متى يكون سجوده ؟ فقال منهم قوم : يكون سجوده قبل السلام وهو مذهب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ولا حرج فيه عند مالك وأصحابه إن فعله قبل السلام [ ص: 93 ] والذي يستحبونه بعد السلام في ذلك واحتج قائلو هذا القول بأن ذلك منصوص في حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة هذا كذا ، رواه nindex.php?page=showalam&ids=16903محمد بن إسحاق ، ومحمد بن عبد الله بن مسلم ابن أخي الزهري جميعا عن nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري بهذا الإسناد عن أبي سلمة عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قالا فيه : فليسجد سجدتين وهو جالس ، وهو قول مجمل محتمل للتأويل لكنه قد يتبين في رواية ابن أخي nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ، وابن إسحاق عن nindex.php?page=showalam&ids=13283ابن شهاب قالوا : هذا على أن الأغلب في ظاهر حديث مالك أنهما قبل السلام ، وقال أبو داود : رواه nindex.php?page=showalam&ids=16008ابن عيينة ومعمر ، كما رواه مالك لم يقولوا قبل التسليم
قال أبو عمر :
وقال آخرون في هذا الموضع : بل يسجدهما بعد السلام ، وممن قال ذلك : مالك رحمه الله ، وحجة من قال ذلك : أن nindex.php?page=showalam&ids=166عبد الله بن جعفر روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال nindex.php?page=hadith&LINKID=1012109من شك في صلاته فليسجد سجدتين بعدما يسلم رواه nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج عن عبد الله بن مسافع عن مصعب بن شيبة عن عتبة بن محمد بن الحارث عن عبد الله [ ص: 94 ] بن جعفر قالوا : فهذا الحديث أولى ; لأنه مفسر قالوا : وحديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ليس بحجة على الذين لم يذكروه وكل ما ذكرنا قد قالته العلماء على ما وصفنا ، والقول في حديث nindex.php?page=showalam&ids=166عبد الله بن جعفر هذا كالقول في حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة هذا سواء ، وبالله توفيقنا ، وإسناد nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أثبت عند أهل النقل ، وهو أولى ما قيل في هذا الباب والأمر فيه متقارب ، والله الموفق للصواب .