قد ذكرنا ابن بحينة في الصحابة بما يغني عن ذكره هاهنا .
[ ص: 184 ] وفي هذا الحديث بيان أن الوهم والنسيان لا يسلم منه أحد من المخلوقين ، وقد يكون ما نزل به من ذلك ومن مثله ليس لأمته صلى الله عليه وسلم . ألا ترى إلى قوله صلى الله عليه وسلم : إني لأنسى أو أنسى لأسن .
وفي هذا الحديث من الفقه أن المصلي إذا قام من اثنتين واعتدل قائما لم يكن له أن يرجع ، وإنما قلنا : واعتدل قائما ; لأن الناهض لا يسمى قائما حتى يعتدل على الحقيقة ، وإنما القائم : المعتدل . وفي حديثنا هذا : ثم قام . وإنما قلنا : لا ينبغي له إذا اعتدل قائما أن يرجع ; لأنه معلوم أن من اعتدل قائما في هذه المسألة لا يخلو من أن يذكر بنفسه أو يذكره من خلفه بالتسبيح ، ولا سيما قوم قيل لهم : من نابه شيء في صلاته فليسبح [ ص: 185 ] وهم أهل النهى وأولى من عمل بما حفظ ووعى ، وأي الحالين كانت فلم ينصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الجلوس بعد قيامه ، فكذلك ينبغي لكل من قام من اثنتين أن لا يرجع ، فإن رجع إلى الجلوس بعد قيامه لم تفسد صلاته عند جمهور العلماء ، وإن اختلفوا في سجود سهوه وحال رجوعه وقد قال بعض المتأخرين : تفسد صلاته . وهو قول ضعيف لا وجه له ; لأن الأصل ما فعله ، وترك الرجوع رخصة ، وتنبيه على أن الجلسة لم تكن فرضا ، والله أعلم .
واختلف العلماء في هذه المسألة ، فقال مالك : من قام من اثنتين تمادى ولم يجلس وسجد لسهوه قبل السلام على حديث ابن بحينة هذا ، فإن عاد إلى الجلوس بعد قيامه هذا ، فصلاته تامة وتجزيه سجدتا السهو . قال ابن القاسم وأشهب : يسجدهما بعد [ ص: 186 ] السلام . وقال علي بن زياد : يسجدهما قبل السلام لأنه قد وجب عليه في حين قيامه ورجوعه إلى الجلوس زيادة فكأنه زاد ونقص .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ( إذا ذكر ولم يستتم قائما جلس ، فإن استتم قائما لم يرجع ( وهو قول علقمة والأسود ( nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة nindex.php?page=showalam&ids=14676والضحاك بن مزاحم nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي ، وفي قول nindex.php?page=showalam&ids=13790للشافعي : إذا رجع إلى الجلوس سجد سجدتي السهو ، وفي قول للأسود ( وعلقمة : لا يسجد للسهو بأن رجع .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=15741حماد بن أبي سليمان : إذا ذكر ساعة يقوم جلس ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم النخعي : يقعد ما لم يستفتح القراءة ، وقد روي عن مالك أن المصلي إذا فارقت الأرض أليته وهم بالقيام مضى كما هو ولا يرجع . وقال nindex.php?page=showalam&ids=15714حسان بن عطية : [ ص: 187 ] إذا تجافت ركبتاه عن الأرض مضى . وقال nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري : ينصرف ويقعد وإن قرأ ما لم يركع .
قال أبو عمر : قد روي في هذا الباب حديث وإن كان في إسناده من لا تقوم به حجة وهو جابر الجعفي ، فإنه أولى ما قيل به في هذا الباب وعليه أكثر أهل الفتوى : أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال : حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا الحسن بن عمرو عن nindex.php?page=showalam&ids=16422عبد الله بن الوليد ( ح ( وحدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16502عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16802قاسم بن أصبغ قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=13629ابن وضاح قال : حدثنا محمد بن عمرو قال : حدثنا مصعب بن ماهان ، جميعا عن سفيان عن جابر قال : حدثنا المغيرة بن شبيل أحمس عن nindex.php?page=showalam&ids=16834قيس بن أبي حازم عن المغيرة [ ص: 188 ] بن شعبة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=1013025إذا قام الإمام في الركعتين ، فإن ذكر قبل أن يستوي قائما ( فليجلس وإن استوى قائما ( فلا يجلس ويسجد سجدتي السهو .
قال أبو داود : وليس في كتابي عن جابر الجعفي إلا هذا الحديث .
قال أبو عمر : في هذا الحديث وفي حديث ابن بحينة وغيره من ترك الرجوع لمن قام من اثنتين دليل على صحة ما ذهب إليه أصحابنا ومن قال بقولهم : الوسطى سنة ليست بفريضة ; لأنها لو كانت من فروض الصلاة لرجع الساهي إليها متى ذكرها فقضاها ثم سجد لسهوه كما يصنع من ترك ركعة أو سجدة ، وكان حكمها حكم الركوع والسجود والقيام ، ولروعي [ ص: 189 ] فيها ما يراعى في السجود والركوع من الولاء والرتبة ، ولم يكن بد من الإتيان بها ، فلما لم يكن ذلك حكمها وكانت سجدتا السهو تنوب عنها ولم تنب عن شيء من عمل البدن غيرها ، علم أنها ليست بفريضة وأنها سنة ، ولو كانت فريضة ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجوع إليها ، ألا ترى أنه أمر بالبناء على اليقين كل من سها في ركوعه أو سجوده ليكمل فريضته على يقين ؟ وأجمع العلماء على أن الركوع والسجود والقيام والجلسة الأخيرة في الصلاة فرض كله ، وأن من سها عن شيء منه وذكره رجع إليه فأتمه وبنى عليه ولم يتماد وهو ذاكر له ; لأنه لا يجبره سجود السهو ، وبهذا يتبين لك وجوب فرضه ، والدليل من القرآن على ذلك قوله تعالى وقوموا لله قانتين فأمر بالقيام في الصلاة لمن قدر عليه لأنه لا تكلف نفس إلا وسعها ولا خلاف [ ص: 190 ] بين العلماء أن من صلى جالسا فريضة ، وهو قادر على القيام أن ذلك لا يجزيه ، وأن القيام فرض على كل من قدر عليه ، وكذلك الركوع والسجود لقول الله عز وجل اركعوا واسجدوا ومعلوم أنه لا يتهيأ ركوع ولا سجود إلا بقيام وجلوس ، ألا ترى أن أحدا لا يقدر على السجدة الثانية إلا بجلوس بين السجدتين ؟ والجلوس بين السجدتين فرض ( لا خلاف فيه ، وكذلك الجلسة الآخرة عند جمهور العلماء فرض ( واجب ( أيضا ( وما أعلم أحدا خالف فيها إلا بعض البصريين بحديث ضعيف انفرد به من لا حجة في نقله ، فكيف بانفراده ؟ وسنذكر ذلك إن شاء الله .
[ ص: 191 ] وإنما اختلفوا في الجلسة الوسطى وحدها من حركات البدن كلها في الصلاة ، فذهب أصحابنا وغيرهم إلى ما ذكرنا ، وحجتهم ما وصفنا ، وذهب آخرون إلى أنها فرض واجب ، قالوا : ولكنها مخصوصة بأن لا ينصرف إليها وأن تجبر بسجدتي السهو بدليل حديث ابن بحينة هذا وما كان مثله ، وقالوا : هي أصل في نفسها مخصوصة بحكم كالعرايا من المزابنة ، والقراض من الإجارات .
وأجمعوا أنه لا يقاس عمل البدن في السهو عليها ، إلا فرقة شذت وغلطت ، واعتلوا أنها لو كانت سنة لما فسدت صلاة من تركها عامدا ; لأن السنن حكمها عندهم أن من ترك منها عامدا فقد قصر عن حفظ نفسه ولم يبلغ حد الكمال ، ولا يجب عليه مع ذلك إعادة ، واستدلوا بأن المضمضة والاستنشاق [ ص: 192 ] عند من لم يجعلهما فرضا من العلماء لا يفسد بتركهما صلاة من تركهما عامدا ، وهما عند من لم يوجبهما فرضا من أوكد السنن وكذلك قراءة السورة مع أم القرآن وهي سنة مسنونة ، وكذلك التشهد عند من لم يوجبه فرضا هو سنة ، ومثل هذا كثير ، وقالوا : خرجت الجلسة الوسطى بدليلها من بين فروض الصلاة وانفردت بحكمها ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم خصها بذلك كما خص المأموم إذا أحرم وراء إمامه وهو راكع أن ينحط إلى ركوعه بإثر إحرامه دون أن يقف ، هذا مما لا خلاف فيه بين العلماء ، والوقوف عليه لو كان منفردا فرض . قالوا : ولما كان قوله صلى الله عليه وسلم nindex.php?page=hadith&LINKID=1011729إنما جعل الإمام ليؤتم به يمنع المأموم من أن يقف بعد إحرامه ومن أن ( يجلس في ( ثانية له وأن يقوم بعد أولى له - كان دليله على ( مخالفة رتبة الصلاة اتباع إمامه ، وجاز له في اتباعه ما لو [ ص: 193 ] فعله عامدا هو وحده فسدت صلاته ، أو فعله ساهيا لم تجزه ، وكان دليله على ( ذلك كله ( قوله صلى الله عليه وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=1011729إنما جعل الإمام ليؤتم به مع إجماع العلماء ، وخص بهذا الدليل تلك الجمل ( العظام ( والأصول ، فغير نكير أن يكون ترك انصرافه صلى الله عليه وسلم إلى الجلسة الوسطى دليلا على أنه خصها من بين فرائض الصلاة ( بحكم تجبر فيه بسجدتي السهو من بين سائر الفرائض في الصلاة ( وهي مع ذلك فرض كسائر حركات البدن ; إذ ليس من حركات البدن ( في الصلاة ( شيء غير فرض . قالوا : فالجلسة الوسطى ( أصل في نفسها ( لا يقاس عليها غيرها ; لأنها مخصوصة .
وقد قال nindex.php?page=showalam&ids=12429إسماعيل بن إسحاق في كتاب أحكام القرآن في باب قوله عز وجل يابني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد الآية بعد كلام كثير يحتج فيه على [ ص: 194 ] من جعل السترة من فرائض الصلاة ( قال ( وهذا مما يبين لك أن لبس الثوب ليس من فرائض الصلاة ; لأن المفترض في الصلاة حركات البدن من حين يدخل في الصلاة إلى أن يخرج منها في تكبير أو قراءة أو ركوع أو سجود ، ولبس الثوب إنما يكون قبل أن يدخل في الصلاة ، ثم يبقى في الصلاة كما كان قبل أن يدخل ، وإنما هو زينة للإنسان وستر له في الصلاة وغيرها . قال : ولو كان الثوب من فروض الصلاة لوجب على الإنسان أن ينوي به الصلاة عند اللبس كما ينوي بتكبيرة الافتتاح ( الدخول ( في الصلاة ( هذا كله قول إسماعيل وإنما جلبناه لقوله : إن حركات البدن مفترضات في الصلاة ( ولم يستثن فيها شيئا .
[ ص: 195 ] وقد ذهبت فرقة إلى إيجاب الجلسة الوسطى فرضا ، ورأت الانصراف إليها ما لم يعمل المصلي بعدها من العمل ما يمنعه من الرجوع إليها ، وشذت في ذلك . وقولها عندي مردود بدليل السنة المذكورة في هذا الباب من حديث ابن بحينة nindex.php?page=showalam&ids=19والمغيرة بن شعبة .
وذهب nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية إلى أن الجلسة الآخرة من أركان الصلاة وليست بفرض ; قياسا على الجلسة الوسطى ، واحتج في الوسطى بحديث ابن بحينة وفي الآخرة بحديث عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : إذا رفع أحدكم رأسه من السجود الآخر فقد تمت صلاته ، وإن أحدث فقد أجزأته صلاته وهذا حديث لا يثبت من جهة النقل ، والناس على خلافه ، والجلسة الوسطى لا تخلو ( من ( أن تكون مخصوصة فلا يجوز القياس ( عليها ( أو تكون سنة فذلك أبعد من أن يقاس عليها الفرض . قد قامت [ ص: 196 ] الدلائل على فرض القيام والركوع والسجود من القرآن والسنة والإجماع ، وقد ذكرناها . وكل أعمال البدن قياسا على ذلك إلا ما خصته السنة من الجلسة الوسطى ، فلا وجه لقول nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية مع شذوذه أيضا فيه ( والقول ( بأن الجلسة الوسطى ليست من فرائض الصلاة أولى بالصواب ، والله أعلم . لأني رأيت الفرائض يستوي في تركها السهو والعمد إلا في المأثم . ألا ترى أنه تفسد صلاة من سها عن مسح رأسه ومن تعمد ذلك ، ومن سها عن سجدة ، ومن تعمد ذلك . وسائر الفرائض في الصلاة والطهارة على هذا إلا أن المتعمد آثم ، والساهي قد رفع الله عنه الإثم . فلو كانت الجلسة الوسطى فرضا للزم الساهي عنها ( الانصراف إليها ( والإتيان بها ولفسدت صلاته بترك الرجوع إليها والنبي صلى الله عليه وسلم قد سبح به لها فما انصرف إليها . وحسبك بهذا حجة لمن يعاند ، والله نسأله العصمة والتوفيق .
[ ص: 197 ] حدثنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=15036عبيد الله بن عمر الجشمي ( ح ( وحدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16502عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16802قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا الحسن بن سلام السويقي ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=11997زهير بن حرب ، قالا : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=17376يزيد بن هارون ، قال : أخبرنا المسعودي ، عن nindex.php?page=showalam&ids=15939زياد بن علاقة ، قال : صلى بنا nindex.php?page=showalam&ids=19المغيرة بن شعبة ، فنهض في الركعتين ، فسبح به من خلفه فأشار أن قوموا . فلما أتم الصلاة .
[ ص: 198 ] قال أبو داود : وكذلك رواه nindex.php?page=showalam&ids=12526ابن أبي ليلى عن nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي عن nindex.php?page=showalam&ids=19المغيرة بن شعبة ( يرفعه ورواه nindex.php?page=showalam&ids=11882أبو العميس عن ثابت بن عبيد قال : ( ( صلى بنا nindex.php?page=showalam&ids=19المغيرة بن شعبة مثل حديث nindex.php?page=showalam&ids=15939زياد بن علاقة ، قال أبو داود : أبو عميس نضر المسعودي . وفعل nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص مثل ما فعل المغيرة ( nindex.php?page=showalam&ids=40وعمران بن حصين nindex.php?page=showalam&ids=190والضحاك بن قيس nindex.php?page=showalam&ids=33ومعاوية بن أبي سفيان . وأفتى بذلك nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=16673وعمر بن عبد العزيز ، هذا كله قول أبي داود .
وحدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16502عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16802قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا أحمد بن زهير ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=12156أبو معاوية محمد بن حازم ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12428إسماعيل بن أبي خالد ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16834قيس بن أبي حازم ، عن nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص ، أنه نهض في الركعتين [ ص: 200 ] فسبحوا به فاستتم قائما ، ثم سجد سجدتي السهو حين انصرف ، ثم قال : كنتم تروني أجلس ، إنما صنعت ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع .
قال أحمد بن زهير : وحدثنا أبي ، عن محمد بن عبيد ، عن إسماعيل ، عن قيس ، عن سعد ، موقوف . وقد سئل nindex.php?page=showalam&ids=17336يحيى بن معين عن حديث nindex.php?page=showalam&ids=12156أبي معاوية الضرير ، عن إسماعيل عن قيس ، عن سعد ، في القيام من الركعتين ، قال يحيى : خطأ ليس يرفع . قال أحمد بن زهير : وحدثنا أبو نعيم قال : حدثنا أبو الأحوص ، عن بيان ، عن قيس ، قال : أمنا سعد فقام في الركعتين الأوليين ، فسبح به من خلفه فذكر الحديث موقوفا .
وحدثنا عبد الوارث قال : حدثنا قاسم قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=17420يونس بن محمد المؤدب قال : حدثنا ليث [ ص: 201 ] عن nindex.php?page=showalam&ids=17346يزيد بن أبي حبيب أن عبد الرحمن بن شماسة حدثه ، أن nindex.php?page=showalam&ids=27عقبة بن عامر قام في صلاته وعليه جلوس ، فقال الناس : سبحان الله ( سبحان الله ( فعرف الذي يريدون ، فلما أتم صلاته سجد سجدتين وهو جالس ، ثم قال : إني سمعت قولكم ، وهذه السنة .
قال أبو عمر : ذكرنا هذه الآثار لما فيها من التسبيح بالساهي القائم من اثنتين ، وإعلامه بسهوه ذلك ، وإبايته من الانصراف . وذلك دليل على أن الجلسة الوسطى ليست من فرائض الصلاة ، وهذه الآثار موافقة لحديث ابن بحينة من وجه ، مخالفة له من آخر ; لأن فيها السجود بعد السلام ، وبهذه الآثار يحتج من رأى السجود بعد السلام في الزيادة والنقصان .
واختلف العلماء في سجود السهو ، فقال nindex.php?page=showalam&ids=12300ابن شهاب الزهري nindex.php?page=showalam&ids=17314ويحيى بن سعيد الأنصاري ، nindex.php?page=showalam&ids=15885وربيعة بن أبي عبد الرحمن ، nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي ، nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث بن سعد ، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي : السجود كله قبل السلام . وروي هذا [ ص: 202 ] القول عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، وابن أبي السائب ، nindex.php?page=showalam&ids=16414وعبد الله بن الزبير ، ومعاوية ، nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ، وبه قال مكحول .
والحجة لقائله : حديث عبد الله بن بحينة هذا من رواية nindex.php?page=showalam&ids=13283ابن شهاب ، nindex.php?page=showalam&ids=17293ويحيى بن سعيد ، عن nindex.php?page=showalam&ids=13723الأعرج ، عن ابن أبي بحينة ، وهو أقوى إسنادا من حديث المغيرة وأثبت ، وحجتهم في الزيادة : حديث nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري ، nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=38وعبد الرحمن بن عوف ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في البناء على اليقين والسجود ( في ذلك قبل السلام ( وقد ذكرنا الحديث ( في ذلك في باب nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم ( .
حدثني nindex.php?page=showalam&ids=15829خلف بن القاسم الحافظ ، قال : حدثني عبد الرحمن بن عمر بن راشد البجلي بدمشق قال : حدثنا أبو زرعة قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=12153أبو مسهر عن محمد بن مهاجر ، عن أخيه عمرو بن مهاجر ، أن nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري قال nindex.php?page=showalam&ids=16673لعمر بن عبد العزيز : السجدتان قبل [ ص: 203 ] السلام . فقال عمر : أبى ذلك nindex.php?page=showalam&ids=12031أبو سلمة بن عبد الرحمن يا زهري .
وحدثنا nindex.php?page=showalam&ids=15829خلف بن القاسم ، قال : حدثنا أبو ميمون عبد الرحمن بن عمر ، قال : حدثنا أبو زرعة ، قال : أخبرنا nindex.php?page=showalam&ids=15974سعيد بن أبي مريم ، قال : أخبرني يحيى بن أيوب ، قال : أخبرني nindex.php?page=showalam&ids=17000محمد بن عجلان ، أن nindex.php?page=showalam&ids=13283ابن شهاب أخبره ، أن nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز صلى للناس المغرب فسها ، فنهض في الركعتين فقال الناس : سبحان الله . فلم يجلس ، فلما فرغ من صلاته سجد سجدتين ثم انصرف فسأل nindex.php?page=showalam&ids=13283ابن شهاب ، فقال : أصبت إن شاء الله ، والسنة على غير الذي صنعت . فقال له عمر : فكيف ؟ قال : تجعلهما قبل السلام . قال عمر : إني قلت : إنه دخل علي ولم يدخل عليهم . قال nindex.php?page=showalam&ids=13283ابن شهاب : ما دخل عليك دخل عليهم .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري nindex.php?page=showalam&ids=14117والحسن بن صالح nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة وأصحابه : [ ص: 204 ] السجود كله بعد السلام . وروي ذلك عن nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب nindex.php?page=showalam&ids=10وعبد الله بن مسعود ، nindex.php?page=showalam&ids=37وسعد بن أبي وقاص ، nindex.php?page=showalam&ids=56وعمار بن ياسر ، nindex.php?page=showalam&ids=190والضحاك بن قيس ، nindex.php?page=showalam&ids=40وعمران بن حصين ، واختلف في ذلك عن nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية بن أبي سفيان ، وعن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وعن nindex.php?page=showalam&ids=16414ابن الزبير ، وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري ، nindex.php?page=showalam&ids=12031وأبو سلمة بن عبد الرحمن ، nindex.php?page=showalam&ids=16673وعمر بن عبد العزيز ، nindex.php?page=showalam&ids=12354وإبراهيم النخعي ، nindex.php?page=showalam&ids=12526وابن أبي ليلى ، ويجزيه عند nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة وأصحابه أن يسجدهما قبل السلام .
قال أبو عمر : هذا يدلك على أن حديث ابن بحينة أصح عند nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل - وهو إمام أهل الحديث - من حديث nindex.php?page=showalam&ids=19المغيرة بن شعبة على ما ذكرت لك . قال nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل : وإذا شك فرجع إلى اليقين سجدهما قبل السلام أيضا ، على حديث nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري . قال : وإذا سلم من اثنتين سجدهما بعد السلام ، على حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة في قصة ذي اليدين . قال : وإذا شك فكان [ ص: 206 ] ممن يرجع إلى التحري سجدهما بعد السلام على حديث nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود . قال : وكل سهو يدخل عليه سواء ما ذكرنا يسجد له قبل السلام . وبهذا كله من قول أحمد قال سليمان بن داود وأبو خيثمة .
قال أبو عمر : قد روى nindex.php?page=showalam&ids=15822خصيف عن nindex.php?page=showalam&ids=12077أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يشك فلا يدري كم صلى ، أنه يبني على أكثر ظنه ، ويسجد قبل السلام . ذكره nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي عن عمرو بن هشام عن nindex.php?page=showalam&ids=16969محمد بن سلمة عن nindex.php?page=showalam&ids=15822خصيف ، وهو خلاف nindex.php?page=showalam&ids=12251لأحمد بن حنبل وهو موافق لحديث nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري ، وقد تقدم في باب nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم القول في التحري وفي البناء على اليقين ، وهما عندنا شيء واحد ، وبالله التوفيق .
[ ص: 207 ] وقال داود : لا يسجد أحد للسهو إلا في المواضع التي سجد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم والسجود عنده في القيام من اثنتين بعد السلام ، على حديث nindex.php?page=showalam&ids=19المغيرة بن شعبة ، وزعم أنه زاد على حديث ابن بحينة زيادة يجب قبولها ، وحجته حديث علقمة عن nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=1013033إنما أنا بشر أنسى كما تنسون ، فإذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فإذا سلم فليسجد سجدتين وقد أوضحنا الحجة لهذه الأقوال من جهة النظر في باب زيد بن أسلم ، والحمد لله .
واختلفوا في التشهد في سجدتي السهو والسلام منهما ، فقالت طائفة : لا تشهد فيهما ولا تسليم . وروي ذلك عن nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن البصري ورواية عن عطاء وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي [ ص: 208 ] nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ; لأن السجود كله عندهما قبل السلام ، فلا وجه لإعادة التشهد عندهما ، وقد روي عن عطاء : إن شاء تشهد وسلم وإن شاء لم يفعل .
وقال آخرون : يتشهد فيهما لا يسلم . قاله nindex.php?page=showalam&ids=17368يزيد بن قسيط ، ورواية عن الحكم وحماد والنخعي nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة والحكم ، وبه قال مالك وأكثر أصحابه : nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث بن سعد ( nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري ( nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة وأصحابه .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=16972ابن سيرين : يسلم منهما ولا يتشهد فيهما .
قال أبو عمر : من رأى السلام فيهما ، فعلى أصله في التسليمة الواحدة والتسليمتين ، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سلم في سجدتي السهو من حديث nindex.php?page=showalam&ids=40عمران بن حصين ، وهو [ ص: 209 ] حديث ثابت في السجود بعد السلام . ومن رأى السجود كله قبل السلام فلا يحتاج إلى هذا لأن السلام من الصلاة هو السلام على ما في حديث ابن بحينة هذا ، وأما التشهد في سجدتي السهو فلا أحفظه من وجه صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وأما التكبير في الخفض والرفع في سجدتي السهو فمحفوظ ثابت في حديث ابن بحينة وغيره من رواية nindex.php?page=showalam&ids=13283ابن شهاب وغيره : حدثني nindex.php?page=showalam&ids=16900محمد بن إبراهيم قال : حدثنا محمد بن معاوية قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=15397أحمد بن شعيب قال : أخبرنا أحمد بن عمرو قال : أنبأنا nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب قال : أخبرني nindex.php?page=showalam&ids=16700عمرو بن الحارث nindex.php?page=showalam&ids=17423ويونس بن يزيد أن nindex.php?page=showalam&ids=13283ابن شهاب أخبرهم عن nindex.php?page=showalam&ids=13723عبد الرحمن الأعرج أن عبد الله بن بحينة حدثه nindex.php?page=hadith&LINKID=1013034أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام في اثنتين من الظهر فلم يجلس فلما قضى صلاته سجد [ ص: 210 ] في كل سجدة وهو جالس قبل أن يسلم وسجدهما الناس معه لمكان ما نسي من الجلوس .
وحدثنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16713عمرو بن عثمان قال : حدثنا أبي وبقية قالا : حدثنا شعيب عن nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري عن nindex.php?page=showalam&ids=13723عبد الرحمن الأعرج عن عبد الله بن بحينة مثل حديث مالك ، وزاد : فكان منا التشهد في قيامه : من نسي أن يتشهد وهو جالس .
وأما اختلاف العلماء في حكم الجلوس الأخير في الصلاة : فأما الفرض في ذلك فعلى خمسة أقوال ، أحدها أن الجلسة الأخيرة فرض والسلام فرض . وحكى مثل هذا الصعب في مختصره عن مالك وأهل المدينة وممن قال ذلك nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وأبو داود nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد بن حنبل في رواية ، وحجتهم أن بيانه صلى الله عليه وسلم فرض ; لأن أصل فرضها مجمل يفتقر إلى البيان ، فكل عمله فيها فرض إلا ما خرج بدليل سنة أو إجماع ، واحتجوا أيضا بقوله صلى الله عليه وسلم : صلوا كما رأيتموني أصلي وبأشياء يطول ذكرها ، منها حديث علي [ ص: 212 ] ابن طلق عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا نسي أحدكم في الصلاة فلينصرف وليتوضأ وليعد الصلاة قالوا : وما لم يسلم فهو في الصلاة ; لأن المصلي لا يتحلل منها بغير السلام .
والقول الثاني أن الجلوس فيها فرض والسلام فرض ، وليس التشهد بواجب . وممن قال ذلك مالك وأصحابه ، وأحمد في رواية ، وحجتهم أن عمل البدن كله فرض للإجماع على فرض القيام والركوع والسجود ، فكذلك كل عمل البدن إلا ما خرج بدليل ، وهي الجلسة الوسطى ، وحجتهم أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخرج قط من صلاته إلا بالتسليم . وقال : تحريمها التكبير وتحليلها التسليم ، وقام من اثنتين ولم يتشهد ، فسقط التشهد لذلك ، ولأنه ذكر ولا شيء من الذكر واجب غير قراءة أم القرآن وتكبيرة الإحرام والسلام .
والقول الثالث أن الجلوس مقدار التشهد فرض ، وليس التشهد ولا السلام بواجب فرضا . وممن قال ذلك nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة وأصحابه وجماعة من الكوفيين .
[ ص: 213 ] واحتجوا له بنحو ما تقدم في بيان مجمل الصلاة وعمل البدن بحديث nindex.php?page=showalam&ids=13786عبد الرحمن بن زياد بن الأنعم وهو الإفريقي أن عبد الرحمن بن رافع nindex.php?page=showalam&ids=15557وبكر بن سوادة حدثاه عند عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا أحدث الرجل وقد جلس في آخر صلاته قبل أن يسلم فقد تمت صلاته هكذا رواه nindex.php?page=showalam&ids=16418ابن المبارك عن الإفريقي .
والقول الخامس أن ليس الجلوس منها ولا التشهد ولا السلام بواجب . إنما ذلك كله سنة مسنونة . هذا قول بعض البصريين وإليه ذهب nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية وصرح بقياس الجلسة الأخيرة على الأولى فخالف الجمهور وشذ ، إلا أنه يرى الإعادة على من ترك شيئا من ذلك كله .
واحتج برواية من روى في حديث الإفريقي المذكور : إذا رفع رأسه فأحدث فقد تمت صلاته ولم يذكر جلوسا ، وهذا حديث لا يصح لضعف سنده واختلافهم في لفظه ، وبالله التوفيق .
وقد ذكرنا اختلاف العلماء في كيفية السلام ووجوبه في باب nindex.php?page=showalam&ids=13283ابن شهاب عن أبي بكر بن أبي حثمة .