التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
146 مالك ، عن ابن شهاب ، عن ابن السباق : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في جمعة من الجمع : يا معشر المسلمين إن هذا اليوم جعله الله عيدا للمسلمين فاغتسلوا ، ومن كان عنده طيب فلا يضيره أن يمس منه ، وعليكم بالسواك .


[ ص: 210 ] هكذا رواه جماعة من رواة الموطأ ، عن مالك ، عن ابن شهاب ، عن ابن السباق مرسلا ، كما يروى ، ولا أعلم فيه بين رواة الموطأ اختلافا .

ورواه حجاج بن سليمان الرعيني ، عن مالك ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، وحميد ابني عبد الرحمن بن عوف ، وعن أحدهما ، عن أبي هريرة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في جمعة من الجمع : يا معشر المسلمين ، إن هذا يوم جعله الله عيدا ( فاغتسلوا ، وعليكم بالسواك ) .

رواه عن حجاج هذا ، وهو حجاج بن سليمان بن أفلح الرعيني أبا الأزهر جماعة هكذا ، ولا يصح فيه عن مالك إلا في الموطأ .

وقد رواه يزيد بن سعيد الصباح ، عن مالك ، عن ابن شهاب ، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، ولم يتابعه أحد من الرواة على ذلك ، ويزيد بن سعيد هذا من أهل الإسكندرية ضعيف .

حدثنا خلف بن القاسم الحافظ قال : حدثنا أبو طالب محمد بن زكرياء ، عن يحيى بن أعين المقدسي بها قال : حدثنا الحسن بن أحمد بن سليمان أبو علي البصري قال : حدثنا يزيد بن سعيد الصباحي قال : حضرت مالكا سنة اثنتين وسبعين ومائة ، وهو يسأل عن غسل الجمعة قال : حدثني صفوان بن سليم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جمعة من الجمع : يا معشر المسلمين إن هذا يوم جعله الله عيدا فاغتسلوا ، وعليكم بالسواك .

[ ص: 211 ] قال أبو عمر :

لم يتابعه أحد على الإسنادين جميعا في هذين الحديثين ، ومما أجاز لنا أبو جعفر أحمد بن رحمون الإفريقي ، وحدثنا به عنه أيضا أبو العباس أحمد بن سهل بن المبارك البصري قال : حدثنا أحمد بن خالد بن ميسرة ، وأحمد بن قراد الجهيني قالا : حدثنا يزيد بن سعيد الصباحي قال : حدثنا مالك بن أنس ، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أبيه ، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في جمعة من الجمع : يا معشر المسلمين إن هذا يوم جعله الله عيدا فاغتسلوا ، وعليكم بالسواك .

وحدثنا خلف بن قاسم حدثنا أبو بكر أحمد بن صالح بن عمر المقري بالرملة أنبأنا عبد الله بن سليمان ، وحدثنا خلف حدثنا أحمد بن الحسن بن إسحاق الرازي حدثنا أبو رفاعة عمارة بن وثيمة بن موسى ، وأبو علي الحسن بن أحمد بن سليمان قالوا : حدثنا يزيد بن سعيد الصباحي الإسكندراني قال : سمعت مالك بن أنس يقول : حدثني سعيد بن أبي سعيد ، عن أبي هريرة .

وقال الحسن بن أحمد ، عن سعيد ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جمعة من الجمع : [ ص: 212 ] يا معشر المسلمين إن هذا يوم جعله الله عيدا فاغتسلوا ، وعليكم بالسواك .

وهذا اضطراب عن يزيد بن سعيد ، ولا يصح شيء من روايته في هذا الباب .

وقد اختلف في هذا الحديث أصحاب ابن شهاب أيضا ، فرواه مالك كما رأيت في هذا ، ورواه ابن لهيعة ، عن عقيل ، عن ابن شهاب قال : أخبرني أنس : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في جمعة من الجمع : يا معشر المسلمين إن هذا يوم جعله الله عيدا فاغتسلوا ، وعليكم بالسواك .

حدثني خلف بن قاسم أنبأنا أحمد بن الحسن بن إسحاق أنبأنا يحيى بن عثمان بن صالح أنبأنا أبي أنبأنا ابن لهيعة حدثني عقيل أن ابن شهاب أخبره عن أنس : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في جمعة من الجمع : يا معشر المسلمين إن هذا يوم جعله الله عيدا ) للمسلمين ، ومن كان عنده طيب فلا يضيره أن يمس منه ، وعليكم بالسواك .

ورواه معمر ، عن الزهري قال : أخبرني من لا أتهم من أصحاب محمد عليه السلام أنهم سمعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جمعة من الجمع وهو على المنبر ، وهو يقول : يا معشر المسلمين إن هذا اليوم جعله الله عيدا [ ص: 213 ] للمسلمين ، فاغتسلوا فيه بالماء ، ومن كان عنده طيب فلا يضيره أن يمس منه ، وعليكم بالسواك .

وفي هذا الحديث من الفقه الأمر بغسل الجمعة ، وقد مضى القول فيه في باب ابن شهاب ، عن سالم فأغنى عن إعادته هاهنا ، وفيه الغسل للعيدين لقوله : إن هذا يوم جعله الله عيدا فاغتسلوا ، وفيه أخذ الطيب في يوم الجمعة ، وأخذه مندوب إليه حسن مرغوب فيه ، كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعرف برائحة الطيب إذا مشى .

وقال - صلى الله عليه وسلم - : لا تردوا الطيب ، فإنه طيب الريح خفيف المحمل .

وفيه الحث على السواك ، والآثار في السواك كثيرة ، وقد مضى القول في سواك القوم فيما مضى من كتابنا أنه كان الأراك والبشام .

قال أبو عمر :

وكل ما جلا الأسنان ، ولم يؤذها ، ولا كان من زينة النساء ، فجائز الاستنان به ، وهذا القول يحمله أهل العلم أنه كان من [ ص: 214 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهو يخطب في الجمعة ، وإذا كان كذلك ، كان فيه دليل على أن للخطيب أن يأتي في خطبته بكل ما يحتاج إليه الناس من فصول الأعياد وغيرها ، تعليما لهم ، وتنبيها على ما يصلحهم في دينهم .

وفيه دليل على أن من حلف أن يوم الجمعة يوم عيد لم يحنث ، وكذلك إن قال : والله لأعطينك كذا ، ولأفعلن كذا يوم عيد ، ولم ينو يوم الفطر ، ولا الأضحى ، وأيام التشريق ، ولا نوى شيئا ، أنه يبر بأن يفعل ذلك يوم جمعة - والله أعلم - .

أخبرنا قاسم بن محمد قال : حدثنا خالد بن سعد قال : حدثنا أحمد بن عمرو قال : حدثنا محمد بن سنجر قال : حدثنا خالد بن مخلد قال : حدثنا سليمان بن بلال قال : حدثني عمرو بن أبي عمرو ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : الغسل يوم الجمعة ليس بواجب ، ومن اغتسل فهو خير ، وأطهر ثم قال : إن الناس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانوا يلبسون الصوف ، وكان المسجد ضيقا متقارب السقف ، خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الجمعة في يوم صائف شديد الحر ، ومنبره صغير إنما هو ثلاث درجات ، فخطب الناس ، فعرق الناس في الصوف ، فصاروا يؤذي بعضهم بعضا حتى بلغت أرواحهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على المنبر فقال : يا أيها الناس إذا كان هذا اليوم فاغتسلوا ، وليمس أحدكم ما يجد من طيبه أو دهنه .

التالي السابق


الخدمات العلمية