هذا حديث متصل صحيح ، وأبو مرة قيل اسمه يزيد ، وقيل عبد الرحمن بن مرة ، فالله أعلم ، وهو من تابعي أهل المدينة ، ثقة ، nindex.php?page=showalam&ids=397وأبو واقد الليثي من جلة الصحابة ، شهد حنينا والطائف ، اسمه الحارث بن عوف ، وقيل الحارث بن مالك ، وقد ذكرناه ونسبناه في كتابنا في الصحابة .
[ ص: 316 ] وفيه التخطي إلى الفرج في حلقة العالم ، وترك التخطي إلى غير الفرج ، وليس ما جاء من حمد التزاحم في مجلس العالم والحض على ذلك بمبيح تخطي الرقاب إليه ; لما في ذلك من الأذى ، كما لا يجوز التخطي إلى سماع الخطبة في الجمعة والعيدين ونحو ذلك ، فكذلك لا يجوز التخطي إلى العالم إلا أن يكون رجلا يفيد قربه من العالم فائدة ويثير علما ، فيجب حينئذ أن يفتح له لئلا يؤذي أحدا حتى يصل إلى الشيخ ، ومن شرط العالم أن يليه من يفهم عنه لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلني منكم أولو الأحلام والنهى يعني في الصلاة وغيرها ; ليفهموا عنه ويؤدوا ما سمعوا كما سمعوا من غير تبديل معنى ولا تصحيف ، وفي nindex.php?page=hadith&LINKID=1010256قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للمتخطي يوم الجمعة " آذيت وآنيت " بيان أن التخطي أذى ، ولا يحل أذى مسلم بحال في الجمعة وغير الجمعة ، ومعنى التزاحم بالركب في مجلس العالم الانضمام والالتصاق ، ينضم القوم بعضهم إلى بعض على مراتبهم ، ومن تقدم إلى موضع فهو أحق به إلا أن يكون ما ذكرنا من قرب أولي الفهم من الشيخ ، فيفسح له ، ولا ينبغي له أن يتبطأ ثم يتخطى إلى الشيخ ليرى الناس موضعه منه ، فهذا مذموم ، ويجب لكل من علم موضعه أن يتقدم إليه بالتبكير ، والبكور إلى مجلس العالم كالبكور إلى الجمعة في الفضل إن شاء الله .
وقد أتينا من القول في أدب العالم والمتعلم بما فيه كفاية وشفاء في كتابنا كتاب بيان العلم .
وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث " آوى إلى الله " يعني فعل ما يرضاه الله فحصل له الثواب من الله ، ومثل ذلك قوله عليه السلام [ ص: 317 ] الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ما آوى إلى الله يعني ما كان لله ورضيه ، والله أعلم .
وأما قوله في الثاني : فاستحيا فاستحيا الله منه ، فهو من اتساع كلام العرب في ألفاظهم وفصيح كلامهم ، والمعنى فيه ، والله أعلم أن الله قد غفر له لأنه من استحيا الله منه لم يعذبه بذنبه وغفر له ، بل لم يعاتبه عليه ، فكان المعنى في الأول أن فعله أوجب له حسنة ، والآخر أوجب له فعله محو سيئة عنه ، والله أعلم .
وأما قوله في الثالث ، فأعرض فأعرض الله عنه ، فإنه - والله أعلم - أراد : أعرض عن عمل البر فأعرض الله عنه بالثواب ، وقد يحتمل أن يكون المعرض عن ذلك المجلس من في قلبه نفاق ومرض ; لأنه لا يعرض في الأغلب عن مجلس رسول الله إلا من هذه حاله ، بل قد بان لنا بقول رسول الله : فأعرض فأعرض الله عنه ، أنه منهم ; لأنه لو أعرض لحاجة عرضت له ما كان من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك القول فيه ، ومن كانت هذه حاله كان إعراض الله عنه سخطا عليه ، وأسأل الله المعافاة والنجاة من سخطه بمنه ورحمته .