كتب القتل والقتال علينا وعلى الغانيات جر الذيول
) . اختلف الفقهاء في طهارة الذيل على المعنى المذكور في هذا الحديث ، فقال مالك : معناه في القشب اليابس ، والقذر الجاف الذي لا يتعلق منه بالثوب شيء ، فإذا كان هكذا كان ما بعده من المواضع الطاهرة حينئذ تطهيرا له ، وهذا عنده ليس تطهيرا من نجاسة ; لأن النجاسة عنده لا يطهرها إلا الماء ، وإنما هو تنظيف ; لأن القشب اليابس ليس ينجس ما مسه ، ألا ترى أن المسلمين مجمعون على أن ما سفت الريح من يابس القشب ، والعذرات التي قد صارت غبارا على ثياب الناس ووجوههم لا يراعون ذلك ، ولا يأمرون بغسله ، ولا يغسلونه ; لأنه يابس ، وإنما النجاسة الواجب غسلها ما لصق منها وتعلق بالثوب وبالبدن [ ص: 106 ] فعلى هذا المحمل حمل مالك ، وأصحابه حديث طهارة ذيل المرأة ، وأصلهم أن النجاسة لا يزيلها إلا الماء ، وهو قول زفر بن الهذيل ، وأصحابه ، والشافعي وأحمد وغيره أن النجاسة لا يطهرها إلا الماء ; لأن الله تعالى سماه طهورا ، ولم يقل ذلك في غيره . قال : سمعت أبو بكر الأثرم سئل عن حديث أبا عبد الله يعني أحمد بن حنبل يطهره ما بعده ، قال : ليس هذا عندي على أنه أصابه بول فمر بعده على الأرض أنها تطهره ، ولكنه بالمكان يتقذره فيمر بمكان أطيب منه فيطهره هذا ذلك ، ليس على أنه يصيبه شيء . وقال أم سلمة : يجوز غسل النجاسة بغير الماء ، وكل ما زال به عينها فقد طهرها ، وهو قول أبو حنيفة داود وبه قال جماعة من التابعين ، ومن حجتهم الحديث المذكور في هذا الباب في ذيل المرأة . ومن حجتهم أيضا ما حدثناه عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا محمد بن عبد الله النفيلي ، وأحمد بن يونس قالا : حدثنا زهير قال : حدثنا عبد الله بن عيسى ، عن موسى بن عبد الله بن يزيد بني عبد الأشهل ، قالت : قلت : يا رسول الله ، إن لنا طريقا إلى المسجد منتنة ، فكيف نفعل إذا مطرنا أو تطهرنا ؟ قال : أليس بعدها طريق أطيب منها ؟ قالت : قلت : بلى قال : فهذه بهذه عن امرأة من . [ ص: 107 ] وحدثنا قال : حدثنا سعيد بن نصر قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا محمد بن وضاح ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، شريك ، عن عبد الله بن عيسى ، عن موسى بن عبد الله بن يزيد ، بني عبد الأشهل أنها سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - : إن بيني وبين المسجد طريقا قذرا ، قال : فبعدها طريق أنظف منها ؟ قالت : نعم قال : فهذه بهذه عن امرأة من . ومن حجتهم أيضا قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا وطئ أحدكم بخفيه - أو قال بنعليه - في الأذى فطهورهما التراب - أو قال التراب لهما طهور - وهو حديث مضطرب الإسناد ، لا يثبت ، اختلف في إسناده على وعلى الأوزاعي ، اختلافا يسقط الاحتجاج به . ومن حجتهم أيضا قول سعيد بن أبي سعيد عبد الله بن مسعود كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا نتوضأ من موطئ . وهذا أيضا محتمل للتأويل ليس فيه حجة ، ويلزم داود على أصله أن النجاسة المجتمع عليها لا يحكم بزوالها ، ولا بطهارة موضعها إلا بإجماع ، ولا إجماع في هذه المسألة إلا بما قاله مالك ، من الماء الذي جعله الله طهورا ، وخصه بذلك والشافعي [ ص: 108 ] فهذا وجه النظر عندي في هذه المسألة ، وبالله التوفيق ، والعصمة ، ومن هذا الباب أيضا الأرض تصيبها النجاسة ، هل يتيمم عليها أو يصلى إذا ذهب أثر النجاسة من غير أن تطهر بالماء ؟ فإن العلماء اختلفوا في ذلك ، فقال مالك وأصحابهما ، وهو قول والشافعي : لا يطهرها إلا الماء إذا علم بنجاستها ، وهي عندهم محمولة على الطهارة حتى يستيقن بنجاستها فإذا استوقفت النجاسة فيها لن يطهرها إلا الماء . ولا تجوز الصلاة عليها ، ولا التيمم ، إلا أن زفر مالكا قال : من تيمم عليها أو صلى أعاد في الوقت ، وقد قال : يعيد أبدا . وكذلك اختلف أصحابه فمنهم من قال : يعيد أبدا من تيمم على موضع نجس ، ومنهم من قال : يعيد في الوقت لا غير . ( هذا إنما هو في نجاسة لم تظهر في التراب ، وفيما لم تغيره النجاسة ، وأما من تيمم على نجاسة يراها أو توضأ بماء تغيرت أوصافه أو بعضها بنجاسة فإنه يعيد أبدا ، وكذلك عند جمهور أصحاب مالك من تعمد الصلاة بالثوب النجس أبدا ) ولم يختلف قول مالك ، وأصحابه فيمن صلى بثوب نجس أو على موضع نجس ساهيا أنه يعيد صلاته ما دام في الوقت ، واختلفوا فيمن صلى عامدا على ثوب نجس ، فقال ابن القاسم : يعيد أبدا ، وقال : أشهب [ ص: 109 ] لا يعيد إلا في الوقت ; لأن وجوب غسل النجاسة عندهم بالسنة لحديث ( أسماء ) ، ومثله في غسل النجاسة لقول الله تبارك وتعالى " وثيابك فطهر " ليستدرك فضل السنة في الوقت ، واختلف قولهم فيمن تيمم على موضع نجس ، فقال أكثرهم : يعيد في الوقت ، وبعده لقول الله عز وجل فتيمموا صعيدا طيبا يعني طاهرا ، وقال بعضهم : إلا في الوقت ، وهو قول قياسا على من صلى بثوب نجس ) ليستدرك فضل السنة في الوقت ، فإذا خرج الوقت لم يستدرك ( بذلك ) ألا ترى أن إعادة الصلاة في جماعة سنة لمن صلى وحده ، فلو أن أشهب رجلا صلى وحده في الوقت ، ثم وجد جماعة يصلون تلك الصلاة بعد خروج الوقت لم يؤمر بالدخول معهم ، ولو كانوا يجمعون في وقت تلك الصلاة ، وأقيمت عليه لأمر بالدخول معهم ; ليستدرك فضل السنة في الوقت ، ولا يومر بذلك بعد خروج الوقت . وقال الشافعي وزفر ، والطبري ، : يعيد في الوقت وبعده من تيمم على نجس ، أو صلى عليه ، أو بثوب نجس ، وأكثر علماء التابعين وأحمد بن حنبل بالمدينة ، وغيرها لا يرون إعادة على من صلى بثوب نجس في وقت ولا غيره ، وقد [ ص: 110 ] ذكرناهم في باب ) ، وقول هشام ( بن عروة ربيعة في ذلك كقول مالك : يعيد في الوقت . وقال أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد : إذا يبست الأرض ، وذهب منها أثر النجاسة جازت الصلاة عليها ، وأما التيمم فلا يتيمم عليها ألبتة . وقال : إذا جف فلا بأس بالصلاة عليه ، وقال الثوري الحسن بن حي : لا يصلي عليه حتى يغسله وإن صلى قبل ذلك لم يجزه ، وقال : إذا الشافعي بال الرجل في موضع من الأرض صب عليه ذنوب من الماء ، وإن بال اثنان لم يطهره إلا ذنوبان ، قال : ولو أشكل عليه الموضع النجس من الأرض تيمم ، وليس عليه أن يتحرى . قال أبو عمر : اختلافهم في قدر النجاسة الذي يجب غسله من الأرض أو الثوب ، وفي الخف يصيبه الروث أو البول ، وفي إعادة الصلاة لمن صلى بثوب نجس أو على موضع نجس ، وفي الثوب تصيبه النجاسة يخفى مكانها يطول ذكره ، وسنذكر ذلك في مواضع من كتابنا هذا إن شاء الله . ومن حجة من رأى الأرض تطهر إذا يبست ما حدثنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا قال : حدثنا أحمد بن صالح ، قال : أخبرني عبد الله بن وهب ، يونس عن قال : حدثني ابن شهاب ، حمزة بن عبد الله بن عمر ، قال : : كنت أبيت في المسجد ابن عمر [ ص: 111 ] على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكنت فتى شابا عزبا ، وكانت الكلاب تبول ، وتقبل وتدبر في المسجد ، فلم يكونوا يرشون شيئا من ذلك قال . قال أبو عمر : روى وغيره عن عبيد الله بن عمر ، نافع عن مبيته في ابن عمر مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولم يذكر إقبال الكلاب ولا إدبارها ، وبولها في المسجد ، ولم يذكر إلا مبيته خاصة . ومن حجة من قال : إن الأرض لا يطهرها إلا الماء أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بصب ذنوب من ماء على بول الأعرابي ، ولو طهرها يبسها لتركها - والله أعلم - حتى تيبس ، ومما يدل على أن الثوب ( ينجس ) إذا باشر النجاسة الرطبة أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسماء بغسل دم المحيض من ثوبها ، وسيأتي حديثها في موضعه من كتابنا هذا ، وذلك في باب ونذكر هناك ما للعلماء في ذلك من المذاهب والأقوال والآثار والاعتلال ( إن شاء الله تعالى ) . هشام بن عروة ،