هكذا روى مالك هذا الحديث لم يختلف عليه فيه ، ولم يقل جزافا ، وروى غيره عن نافع عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر فقال فيه : كنا نبتاع الطعام جزافا ، وقد ذكرنا مذهب مالك في الفرق بين الطعام المبيع على الكيل ، والطعام المبيع على الجزاف ، وأن ما بيع عنده وعند أكثر أصحابه من الطعام جزافا فلا بأس أن يبيعه مشتريه قبل أن يقبضه ، وقبل أن ينقله ، ومعنى نقله في هذا الحديث قبضه ، ومعنى قبضه عند مالك استيفاؤه ، وذلك عنده في المكيل والموزون ، دون الجزاف . وجعل [ ص: 336 ] مالك رحمه الله قوله حتى يستوفيه تفسيرا لقوله حتى يقبضه ، والاستيفاء عنده وعند أصحابه لا يكون إلا بالكيل أو الوزن ، وذلك عندهم فيما يحتاج إلى الكيل أو الوزن مما بيع على ذلك ، قالوا : وهو المعروف من كلام العرب في معنى الاستيفاء بدليل قول الله عز وجل ( الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ) وقوله ( فأوف لنا الكيل وتصدق علينا ) و ( وأوفوا الكيل إذا كلتم ) قالوا فما بيع من الطعام جزافا لا يحتاج إلى كيله فلم يبق فيه إلا التسليم ، وبالتسليم يستوفى فأشبه العقار ، والعروض ، فلم يكن ببيعه بأس قبل القبض بعموم قول الله عز وجل ( وأحل الله البيع ) .
هذا جملة ما احتج به أصحاب مالك ; لقوله في ذلك ( وجعل بعضهم هذا الحديث من باب تلقي السلع ، وقال : إنما جاء النهي في ذلك لئلا يترابحوا فيه بينهم فيغلو السعر على أهل السوق ، فلذلك قيل لهم : حولوا عن مكانه ، وانقلوه ; يعني إلى أهل السوق ، وهذا تأويل بعيد فاسد لا يعضده أصل ، ولا يقوم عليه دليل ) ولا أعلم أحدا تابع مالكا من جماعة فقهاء الأمصار على تفرقته بين ما اشتري جزافا من الطعام ، وبين ما اشتري منه كيلا إلا nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي فإنه قال : من اشترى طعاما جزافا فهلك [ ص: 337 ] قبل القبض فهو من مال المشتري ، وإن اشتراه مكايلة فهو من مال البائع ، وهو نص قول مالك ، وقد قال nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي : من اشترى ثمرة لم يجز له بيعها قبل القبض ، وهذا تناقض ، وأحسن ما يحتج به لمالك في قوله هذا ما حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=15602تميم بن محمد قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16751عيسى بن مسكين ، وحدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16502عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16802قاسم بن أصبغ قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=13629محمد بن وضاح قالا جميعا : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون عن nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب قال : أخبرنا nindex.php?page=showalam&ids=16700عمرو بن الحارث ، وغيره عن المنذر بن عبيد المدني عن nindex.php?page=showalam&ids=14946القاسم بن محمد عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر nindex.php?page=hadith&LINKID=1013830أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يبيع أحد طعاما اشتراه بكيل حتى يستوفيه .
قال أبو عمر : فقوله بكيل دليل على أن ما خالفه بخلافه ، والله أعلم .
ولم يفرق سائر الفقهاء بين الطعام المبيع جزافا ، والطعام المبيع كيلا أنه لا يجوز لمبتاعه أن يبيع شيئا منه قبل القبض فقبض ما بيع كيلا أو وزنا أن يكال على مبتاعه أو يوزن عليه فأتى ما اشترى جزافا أن ينقله مبتاعه ، ويحوله من موضعه ، ويبين به إلى نفسه فيكون ذلك قبضا له كسائر العروض ، والمصيبة عند جميعهم فيه إن هلك قبل القبض من بائعه ، ولا يجوز بيعه قبل قبضه ، وممن قال بهذا nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري ، nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة وأصحابه ، والشافعي ومن اتبعه ، وأحمد [ ص: 338 ] بن حنبل ، وإسحاق ، وداود بن علي ، nindex.php?page=showalam&ids=16935والطبري ، وأبو عبيد ، وروي ذلك عن nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب ، والحكم ، وحماد ، nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن البصري .
وحجة من ذهب هذا المذهب عموم نهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ربح ما لم يضمن ، وقوله nindex.php?page=showalam&ids=137لحكيم بن حزام إذا ابتعت بيعا فلا تبعه حتى تقبضه ، ولما قدمنا ذكره في الباب قبل هذا عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وجابر ، وغيرهما ، ولأن الصحابة كانوا يؤمرون إذا ابتاعوا الطعام جزافا أن لا يبيعوه حتى يقبضوه وينقلوه من موضعه .
قال أبو عمر : أخطأ nindex.php?page=showalam&ids=17015محمد بن كثير في هذا الحديث فرواه عن nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي عن nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري عن حمزة عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، والحديث محفوظ لسالم عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ليس لحمزة فيه طريق .
وقال أبو عمر : إذا آواه إلى رحله ، ونقله فقد قبضه ، وإنما كانوا يضربون على ذلك لئلا يبيعوه قبل قبضه ، وبيع الطعام جزافا في الصبرة ، ونحوها أمر مجتمع على إجازته ، وفي السنة الثابتة في هذا الحديث دليل على إجازة ذلك ، ولا أعلم فيه اختلافا فسقط القول فيه ، إلا أن مالكا لم يجز لمن علم مقدار صبرته وكدسه كيلا أن يبيعه جزافا حتى يعرف المشتري مبلغه ، فإن فعل فهو غاش ، ومبتاع ذلك منه بالخيار إذا علم كالعيب سواء .
وهذا موضع اختلف العلماء فيه ، فقال منهم قائلون : لا يضره علمه بكيله ، وجائز له بيعه جزافا ، وإن علم كيله ، وكتم ذلك على عموم قوله تعالى ( وأحل الله البيع ) فكل بيع حلال على ظاهر هذه الآية ، إلا أن تمنع منه سنة ، ولم [ ص: 341 ] ترد سنة في المنع من هذا ، بل قد وردت السنة في إجازة بيع الطعام جزافا ، ولم تختلف العلماء في ذلك ، ولم يفرق أكثرهم بين العالم بذلك والجاهل ، قالوا : فلا وجه للفرق بين علم كيل طعامه ، وبين من جهله في ذلك ، قالوا : وإنما الغش في بيع الطعام جزافا أن لا يكون الموضع الذي هو عليه مستويا ، ونحو ذلك من الغش المعروف ، فأما علم البائع بمقدار كيله فليس بغش ، وممن قال لا بأس أن يبيع الإنسان طعاما قد علم مقداره مجازفة ممن لم يعلم مقداره nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة ، وأصحابه ، nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري ، nindex.php?page=showalam&ids=14117والحسن بن حي ، وداود ، nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد بن حنبل ، nindex.php?page=showalam&ids=16935والطبري ، وروي ذلك عن nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري على اختلاف عنه ، ولم يختلف قول مالك في هذه المسألة أن البائع إذا علم بكيل طعامه ، وكتم المشتري كان ذلك عيبا ، وكان المشتري بالخيار بين التمسك والرد ، وجميع الطعام ، والإدام ، في ذلك سواء ، وعلم الكيل والوزن في ذلك سواء ، لم يختلف قولمالك في شيء من ذلك .
واختلف قول مالك في المسألة الأولى من هذا الباب ، فالمشهور عنه ما قدمنا ذكره ، وقد حكى أبو بكر بن أبي [ ص: 342 ] يحيى الوقار عن مالك أنه قال : لا يبع ما اشتري من الطعام ، والإدام جزافا قبل قبضه ونقله ، واختاره الوقار ، وهو الصحيح عندي في هذه المسألة ; لثبوت الخبر بذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعمل أصحابه ، وعليه جمهور أهل العلم .
وحدثنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=17006محمد بن عوف الطائي قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=15503أحمد بن خالد الوهبي قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16903محمد بن إسحاق عن nindex.php?page=showalam&ids=11863أبي الزناد عن nindex.php?page=showalam&ids=16529عبيد بن حنين عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر قال : ابتعت زيتا في السوق ، فلما استوفيته لقيني رجل فأعطاني به ربحا ، فأردت أن أضرب على يده ، فأخذ رجل من خلفي بذراعي ، فالتفت فإذا أنا بزيد بن ثابت ، فقال : لا تبعه حيث ابتعته حتى تحوزه إلى رحلك ، nindex.php?page=hadith&LINKID=1013842فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن تباع حيث تبتاع السلع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم .
عم في هذا الحديث السلع ، فظاهره حجة لمن جعل الطعام وغيره سواء على ما ذكرنا عنهم في الباب قبل هذا ، ولكنه [ ص: 343 ] يحتمل أن يكون أراد السلع المأكولة والمؤتدم بها ; لأن على الزيت خرج الخبر ، وجاء في هذا الحديث : فلما اشتريته لقيني رجل فأعطاني به ربحا ، الحديث ، وهذا يحتمل أن يكون اشتراه جزافا بظرفه فحازه إلى نفسه كما كان في ذلك الظرف قبل أن يكيله أو ينقله ، والدليل على ذلك إجماع العلماء على أنه لو استوفاه بالكيل أو الوزن إلى آخره لجاز له بيعه في موضعه .
وفي إجماعهم على ذلك ما يوضح لك أن قوله فلما استوفيته على ما ذكرنا ، أو يكون لفظا غير محفوظ في هذا الحديث ، والله أعلم ، أو يكون nindex.php?page=showalam&ids=47زيد بن ثابت رآه قد باعه في الموضوع الذي ابتاعه فيه ، ولم يعلم باستيفائه له فنقل الحديث من أجل ما ذكره زيد فيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
ولما أجمعوا على أنه لو قبضه ، وقد ابتاعه جزافا ، وحازه إلى رحله وبان به ، وهما جميعا في مكان واحد أنه جائز له حينئذ بيعه علم أن العلة في انتقاله من مكان إلى مكان سواه ، قبضه على ما يعرف الناس من ذلك ، وأن الغرض منه القبض ، وقلما يمكن قبضه إلا بانتقاله ، والأمر في ذلك بين لمن فهم ولم يعاند ، وأما مسألة المجازفة فقد تابع مالكا على القول بكراهة ما كره من ذلك nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث بن سعد ، وقد روي ذلك عن ( جماعة من التابعين ) .
[ ص: 344 ] أخبرنا أحمد بن عبد الله بن محمد قال : حدثني أبي قال : حدثنا محمد بن قاسم قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16988محمد بن عبد السلام الخشني قال : قرأت على محمود بن خالد قال : حدثنا عمرو بن عبد الواحد قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي قال : حدثني ابن أبي جميل قال : سألت مجاهدا ، nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوسا ، nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء بن أبي رباح ، nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن بن أبي الحسن عن الرجل يأتي الطعام فيشتريه في البيت من صاحبه مجازفة لا يعلم كيله ، ورب الطعام يعلم كيله فكرهوه كلهم .
وقال مالك في الجوز : إذا علم صاحبه عدده ، ولم يعلمه المشتري لم يبعه مجازفة قال : وأما القثاء ، ونحوه فله أن يبيعه مجازفة ، وإن علم البائع عدده ، ولم يعلمه المشتري ; لأن ذلك يختلف ، وتابعه على ذلك الليث ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي : إذا اشترى شيئا مما يكال عند حمله إلى بلد يوزن فيه فهو لم يبعه جزافا ، وإن كان حيث حمله لا يكال ولا يوزن فلا بأس أن يباع جزافا بذلك .
[ ص: 345 ] ولا يجوز عند مالك ، وأصحابه بيع شيء له بال جزافا نحو الرقيق والدواب والمواشي والبز ، وغير ذلك ; لما له قدر وبال ; لأن ذلك يدخله الخطر والقمار ، وهذا عندهم خلاف ما يعد ويكال ويوزن من الطعام والإدام ، وغيره ; لأن ذلك تحويه العين ، ويتقارب فيه النظر بالزيادة اليسيرة ، والنقصان اليسير ، وكان nindex.php?page=showalam&ids=12429إسماعيل بن إسحاق يحتج في كراهيته لمن علم كيل طعامه أو وزنه ومقداره أن يبيعه مجازفة ممن لا يعلم ذلك ، ويكتم عليه فيه بأن قال : المجازفة مفاعلة ، وهي من اثنين ، ولا تكون من واحد فلا يصح حتى يستوي علم البائع ، والمبتاع فيما يبتاعه مجازفة ، وهذا قول لا يلزم ، وحجة تحتاج إلى حجة تعضدها ، وليس هذا سبيل الاحتجاج ، والذي كرهه له مالك ; لأنه داخل عنده في باب القمار ، والمخاطرة ، والغش ، والله أعلم .
وروى العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من غشنا فليس منا .
وحدثنا عبد الوارث ، وسعيد قالا : حدثنا قاسم : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=13629ابن وضاح حدثنا أبو بكر : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=15801خالد بن مخلد : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16036سليمان بن بلال عن nindex.php?page=showalam&ids=16068سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من غشنا فليس منا .