وفي هذا الحديث من الفقه إزالة ما يستقذر وما يتنزه عنه ويتقزز منه من المسجد ، وأن ينظف ; وإذا كان رسول الله يحك البصاق من حائط المسجد ( من قبلته ) ; فكنسه وتنظيفه وكسوته يدخل في معنى ذلك ; وفي هذا الحديث أيضا [ ص: 155 ] دليل على أن للمصلي أن يبصق وهو في الصلاة إذا لم يبصق قبل وجهه ، ولا يقطع ذلك صلاته ، ولا يفسد شيئا منها ، إذا غلبه ذلك واحتاج إليه ، ولا يبصق قبل وجهه ألبتة ; ولكن يبصق في ثوبه وتحت قدميه ، على ما ثبت في الآثار ; وقد أجمع العلماء على أن العمل القليل في الصلاة لا يضرها ، وفي إباحة البصاق في الصلاة لمن غلبه ذلك ، دليل على أن النفخ في الصلاة إذا لم يقصد به صاحبه اللعب والعبث ، وكان يسيرا لا يضر المصلي في صلاته ، ولا يفسد شيئا منها ; لأنه قلما يكون بصاق إلا ومعه شيء من النفخ ، والنحنحة ، والبصاق ، والنخامة ، والنخاعة كل ذلك متقارب ; وقد فسرنا ذلك في باب nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة من هذا الكتاب ، والتنخع والتنخم ضرب من التنحنح ، ومعلوم أن للتنخم صوتا كالتنحنح ; وربما كان معه ضرب من النفخ عند القذف بالبصاق ، فإن قصد النافخ أو المتنحنح في الصلاة بفعله ذلك اللعب أو شيئا من العبث ; أفسد صلاته ، وأما إذا كان نفخه تأوها من ذكر النار إذا مر به ذكرها في القرآن وهو في صلاته فلا شيء عليه .
واختلف الفقهاء في هذا المعنى من هذا الباب ، فكان مالك يكره النفخ في الصلاة ، فإن فعله فاعل لم يقطع صلاته ، [ ص: 156 ] ذكره nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب ، عن مالك وذكر ابن خواز منداد قال : قال مالك : التنحنح والنفخ والأنين في الصلاة لا يقطع الصلاة ، رواه nindex.php?page=showalam&ids=16991ابن عبد الحكم قال : وقال ابن القاسم ذلك يقطع الصلاة يعني النفخ والتنحنح .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : كل ما كان لا يفهم منه حروف الهجاء فليس بكلام ، ولا يقطع الصلاة إلا الكلام ، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=11956أبي ثور لا يقطع الصلاة إلا الكلام المفهوم .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة ومحمد بن الحسن : إن كان النفخ يسمع فهو بمنزلة الكلام يقطع الصلاة ، وقال أبو يوسف : لا يقطع الصلاة ، إلا أن يريد به التأفيف ، ثم رجع فقال صلاته تامة .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل ، nindex.php?page=showalam&ids=12418وإسحاق بن راهويه : لا إعادة على من نفخ في صلاته . والنفخ مع ذلك مكروه عندهم على كل حال ; وعند nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ، nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ، والنخعي ، nindex.php?page=showalam&ids=16972وابن سيرين - مثله هو مكروه ولا يقطع الصلاة ، وقد جاء عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أن النفخ كلام وهذا يدل على أنه يقطع عنده الصلاة ، إن صح عنه .
أخبرنا أحمد بن قاسم ، حدثنا محمد بن معاوية [ ص: 157 ] ، حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=15205محمد بن يحيى المروزي ، حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=15833خلف بن هشام ، حدثنا أبو شهاب ، عن nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش ، عن nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم ، عن nindex.php?page=showalam&ids=17073مسروق ، عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : النفخ في الصلاة كلام . وهذا يحتمل أن يكون النافخ عامدا عابثا ، فيكون حينئذ مفسدا لصلاته .
قال أبو عمر : أجمع العلماء على كراهية النفخ في الصلاة ، واختلفوا في إفساد الصلاة به وكذلك أجمعوا على كراهية الأنين ، والتأوه في الصلاة ، واختلفوا في صلاة من أن وتأوه فيها ، فأفسدها بعضهم وأوجب الإعادة ، وبعضهم قال : لا إعادة في ذلك ، والتنحنح عند جميعهم أخف من الأنين ، والنفخ ، ومن التأوه ، ولا أصل في هذا الباب إلا إجماعهم على تحر يم الكلام في الصلاة كل على أصله الذي قدمنا عنهم في باب أيوب من هذا الكتاب ، فقول من راعى حروف الهجاء وما يفهم من الكلام أصح الأقاويل - إن شاء الله .
وأما قوله في هذا الحديث ، فإن الله قبل وجهه إذا صلى ، فكلام خرج على التعظيم لشأن القبلة وإكرامها - والله أعلم ، والآثار تدل على ذلك مع النظر والاعتبار ، وقد نزع بهذا الحديث بعض من ذهب مذهب المعتزلة في أن الله عز وجل في كل مكان ، وليس على العرش ، وهذا جهل من قائله ; [ ص: 158 ] لأن في الحديث الذي جاء فيه النهي عن البزاق في القبلة : أنه يبزق تحت قدمه وعن يساره ; وهذا ينقض ما أصلوه في أنه في كل مكان ، وقد أوضحنا هذا المعنى في باب nindex.php?page=showalam&ids=13283ابن شهاب ، عن أبي سلمة ، وأبي عبد الله الأغر - والحمد لله .
وحدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16502عبد الوارث بن سفيان ، قال حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16802قاسم بن أصبغ ، قال حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=15639جعفر بن محمد ، قال حدثنا سليمان بن داود ، قال حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن nindex.php?page=showalam&ids=13283ابن شهاب ، عن nindex.php?page=showalam&ids=15770حميد بن عبد الرحمن ، أن أبا سعيد ، nindex.php?page=showalam&ids=3وأبا هريرة ، أخبراه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=1013965رأى نخامة في جدار المسجد فتناول رسول الله حصاة فحكها ثم قال : إذا تنخم أحدكم فلا يتنخمن قبل [ ص: 160 ] وجهه ، ( ولا عن يمينه ) ، وليبزق عن يساره ، أو تحت قدمه اليسرى . ورواه nindex.php?page=showalam&ids=16008ابن عيينة ، والليث ، عن nindex.php?page=showalam&ids=13283ابن شهاب ، عن حميد ، عن أبي سعيد - لم يذكر nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة ; وروى nindex.php?page=showalam&ids=17000ابن عجلان ، عن عياض ، عن أبي سعيد ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله والأحاديث في هذا كثيرة جدا .
قال أبو عمر : البزاق يكتب بالزاي وبالسين وبالصاد ; وقد مضى فيما سلف من كتابنا هذا في باب نافع أيضا ; قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم : عرضت علي أجور أمتي ، فرأيت فيها حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد .