[ ص: 4 ] هكذا قال يحيى خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام خيبر . وتابعه على ذلك عن مالك قوم منهم nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وابن القاسم nindex.php?page=showalam&ids=15020والقعنبي .
وقال جماعة من الرواة عن مالك في هذا الحديث : خرجنا مع رسول الله عام حنين ، والله أعلم بالصواب .
وقال يحيى : إلا الأموال الثياب والمتاع . وتابعه قوم .
وقال ابن القاسم : إلا الأموال والثياب والمتاع ، وكذلك قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وقال nindex.php?page=showalam&ids=15020القعنبي : فلم نغنم ذهبا ولا ورقا إلا الثياب والمتاع والأموال .
وروى هذا الحديث nindex.php?page=showalam&ids=11816أبو إسحاق الفزاري عن مالك قال : حدثني nindex.php?page=showalam&ids=15614ثور بن زيد قال : حدثني سالم مولى ابن مطيع أنه سمع nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة يقول : افتتحنا خيبر فلم نغنم ذهبا ولا فضة ، إنما غنمنا الإبل والبقر والمتاع والحوائط .
فجود أبو إسحاق مع جلالته إسناد هذا الحديث بسماع بعضهم من بعض ، وقضى بأنها خيبر لا حنين ورفع الإشكال .
ففي هذا الحديث أن بعض العرب وهي دوس لا تسمي العين مالا ، وإنما الأموال عندهم الثياب والمتاع والعروض ، وعند غيرهم المال الصامت من الذهب والورق ، وذكر nindex.php?page=showalam&ids=12590ابن الأنباري عن أحمد بن يحيى النحوي قال : ما قصر عن بلوغ ما يجب فيه الزكاة من الذهب والورق والماشية فليس بمال ، وأنشد :
[ ص: 5 ]
والله ما بلغت بي قط ماشية حد الزكاة ولا إبل ولا مال
قال : وأنشد أحمد بن يحيى أيضا :
ملأت يدي من الدنيا مرارا فما طمع العواذل في اقتصادي ولا وجبت علي زكاة مال وهل تجب الزكاة على جواد
وهذان البيتان أنشدهما nindex.php?page=showalam&ids=14413الزبير بن بكار عن محمد بن عيسى لفليح بن إسماعيل .
قال أبو عمر : المعروف من كلام العرب أن كل ما تمول وتملك فهو مال ، ألا ترى إلى قول أبي قتادة السلمي : فابتعت - يعني بسلب القتيل الذي قتلته يوم حنين - مخرفا في بني سلمة ، فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام .
وقال الله عز وجل : خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وأجمعوا أن العين مما تؤخذ منه الصدقة ، وأن الثياب والمتاع لا يؤخذ منها الصدقة ، إلا في قول من رأى زكاة العروض للمدير التاجر نض له في عامه شيء من العين أو لم ينض .
وقال صلى الله عليه وسلم : يقول ابن آدم : مالي مالي ، وإنما له من ماله ما أكل فأفنى أو تصدق فأمضى أو لبس فأبلى .
وهذا أبين من أن يحتاج فيه إلى استشهاد ، فمن حلف بصدقة ماله فذلك على كل نوع من ماله ، سواء كان مما تجب فيه الزكاة ، أو لم يكن ، إلا أن ينوي شيئا بعينه فيكون على ما نوى ، ولا معنى لقول من قال : إن ذلك على أموال الزكوات ; لأن العلم محيط [ ص: 6 ] واللسان شاهد في أن ما تملك وتمول يسمى مالا ، وسنذكر اختلاف العلماء فيمن حلف بصدقة ماله في باب عثمان من هذا الكتاب إن شاء الله .
أخبرنا خلف بن سعيد قال : حدثنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا أحمد بن خالد وأخبرنا nindex.php?page=showalam&ids=12549عبد الله بن محمد بن أسد قال : حدثنا أحمد بن محمد بن أبي الموت ، وحدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16502عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا محمد بن عيسى قالوا : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16628علي بن عبد العزيز قال : حدثنا أبو عبيد قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16349عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب قال : جاء ناس من أهل الشام إلى عمر فقالوا : إنا أصبنا أموالا خيلا ورقيقا نحب أن يكون لنا منها زكاة ، وذكر الحديث ، وفيه إباحة قبول الهدية للخليفة ، إلا أن ذلك لا يجوز لغير النبي عليه السلام إذا كان منه قبولها على جهة الاستبداد بها دون رعيته .
وروى حبيب ، عن مالك عن nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري عن أنس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها .
وهذا الحديث ، وإن كان إسناده غير صحيح لتفرد حبيب به ، عن مالك فإن قبول رسول الله صلى الله عليه وسلم الهدايا أشهر [ ص: 7 ] وأعرف وأكثر من أن تحصى الآثار في ذلك ، لكنه كان صلى الله عليه وسلم مخصوصا بما أفاء الله عليه من غير قتال من أموال الكفار أن يكون له خاصة دون سائر الناس ومن بعده من الأئمة حكمه في ذلك خلاف حكمه ; لأن ذلك لا يكون له خاصة دون المسلمين بإجماع ; لأنه فيء ، وفي حديث nindex.php?page=showalam&ids=187أبي حميد الساعدي في قصة ابن اللتبية ما يدل على أن العامل لا يجوز له أن يستأثر بهدية أهديت إليه بسبب ولايته ; لأنها للمسلمين .
[ ص: 8 ] ورواه nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة nindex.php?page=showalam&ids=11863وأبو الزناد عن nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة بن الزبير عن nindex.php?page=showalam&ids=187أبي حميد الساعدي عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله بمعناه .
روى nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع وغيره ، عن nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش عن شقيق قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استعمل nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ بن جبل على اليمن ، فلما استخلف أبو بكر بعث عمر على الموسم في تلك السنة ، وقدم معاذ من اليمن برقيق ، فلقي عمر بعرفة ، فقال له عمر : ما هؤلاء ، قال : هؤلاء لأبي بكر وهؤلاء لي ، فقال له عمر : أرى أن تأتي بهم إلى أبي بكر فتدفعهم إليه ، فإن سلمهم لك ، وإلا فهو أحق بهم ، فقال : وما لي أدفع رقيقي إلى أبي بكر لا أعطيه هديتي ، فانصرف بهم إلى منزله ، فلما كان من الغد جاء إلى عمر فقال : يا ابن الخطاب لقد رأيتني الليلة أشرف على نار قد أوقدت ، فأكاد أتقحمها وأهوي فيها ، وأنت آخذ بحجزتي ولا أراني إلا مطيعك ، قال : فذهب إلى أبي بكر فقال : هؤلاء لك وهؤلاء أهدوا لي ، قال : فإنا قد سلمنا لك هديتك ، فرجع معاذ إلى منزله ، فصلى فإذا هم خلفه يصلون ، قال : ما بالكم ، قالوا : نصلي ، قال : لمن ، قالوا : لله ، قال : فاذهبوا فأنتم لله . فأعتقهم .
وذكر nindex.php?page=showalam&ids=17383يعقوب بن شيبة قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=17041محمد بن يحيى النيسابوري قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري عن ابن nindex.php?page=showalam&ids=331لكعب بن مالك قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذا إلى اليمن أميرا وكان أول من تجر في مال الله ، فمكث حتى أصاب مالا ، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قدم معاذ .
[ ص: 9 ] فقال عمر لأبي بكر : أرسل إلى هذا الرجل فدع له ما يعيش به وخذ سائره منه ، فقال أبو بكر : إنما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليجبره ولست بآخذ منه شيئا ، إلا أن يعطيني ، وفي قوله في هذا الحديث : إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه - دليل على أنه غلول ، حرام ، نار ، قال الله عز وجل : ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : هدايا الأمراء غلول .
فكل من غل شيئا في سبيل الله ، أو خان شيئا من مال الله جاء به يوم القيامة إن شاء الله ، والغلول من حقوق الآدميين ولا بد فيه من القصاص بالحسنات والسيئات ، ثم صاحبه في المشيئة ، وسنذكر ما للعلماء في عقوبة الغال بعد هذا في هذا الباب إن شاء الله .
وذكر سنيد عن مبشر عن nindex.php?page=showalam&ids=16230صفوان بن عمرو عن حبيب بن عبيد ، عن nindex.php?page=showalam&ids=6201عوف بن مالك أن nindex.php?page=showalam&ids=200حبيب بن مسلمة أتى برجل قد غل ومعه غلوله ، فوجد الناس من ذلك وكان أول غلول رأوه في غزوهم بالشام ، فقام nindex.php?page=showalam&ids=6201عوف بن مالك في الناس ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أيها الناس إياكم وما لا كفارة له من الذنوب ، إن الرجل ليزني ، ثم يتوب فيتوب الله عليه ، وإن [ ص: 10 ] الرجل ليسرق ، ثم يتوب فيتوب الله عليه ، وإنهما لذنبان لا كفارة لهما : صاحب الغلول ، وآكل الربا ، قال الله تبارك وتعالى : وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة فلا كفارة لصاحب الغلول حتى يأتي الله به يوم القيامة ، وآكل الربا يبعثه الله يوم القيامة مختنقا يختنق .
قال سنيد : وحدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16513عبدة بن سليمان ، عن إسماعيل بن مسلم عن الحسن ، عن nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هدايا الأمراء غلول .
أخبرنا nindex.php?page=showalam&ids=16502عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16802قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=12425إسماعيل بن إسحاق القاضي قالا : أخبرنا nindex.php?page=showalam&ids=16719عمرو بن مرزوق قال : أخبرنا nindex.php?page=showalam&ids=16687عمران القطان ، عن قتادة عن nindex.php?page=showalam&ids=17366يزيد بن عبد الله بن الشخير عن عياض بن حماد قال : أهديت لرسول الله صلى الله [ ص: 12 ] عليه وسلم ناقة ، أو قال : هدية ، فقال : أسلمت ، قلت : لا ، قال : إني نهيت عن زبد المشركين .
أخبرنا أبو عمر أحمد بن محمد بن أحمد قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=17284وهب بن مسرة قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=13629ابن وضاح قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=17406يوسف بن عدي قال : أخبرنا nindex.php?page=showalam&ids=16418ابن المبارك عن يونس ومعمر عن nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري عن عبد الرحمن بن مالك عن عامر بن مالك الذي يقال له ملاعب الأسنة قال : قدمت على النبي عليه السلام بهدية ، فقال : إنا لن نقبل هدية مشرك .
واختلف العلماء في معنى هذين الحديثين ، فقال منهم قائلون : فيهما النسخ لما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبول الهدية من أهل الشرك مثل أكيدر دومة وفروة بن نفاثة والمقوقس وغيرهم .
وقال آخرون : ليس فيهما ناسخ ولا منسوخ ، والمعنى فيهما أنه كان لا يقبل هدية من يطمع بالظهور عليه وأخذ بلده ، أو دخوله في الإسلام ، فعن مثل هذا نهى أن يقبل هديته ويهادنه ويقره على دينه مع قدرته عليه ، أو طمعه في هدايته ; لأن في قبول هديته حملا على الكف عنه ، وقد أمر أن يقاتل الكفار حتى يقولوا لا إله إلا الله .
أخبرنا علي بن إبراهيم قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=14110الحسن بن رشيق قال : حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن سلام البغدادي قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=15856داود بن رشيد قال : حدثنا إبراهيم قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=14110الحسن بن رشيق قال : حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن سلام البغدادي قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=15856داود بن رشيد قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16753عيسى بن يونس عن nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة عن أبيه ، عن عائشة قالت : كان [ ص: 13 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها ، وقد قيل : إنه إنما ترك ذلك تنزها ، ونهى عن زبد المشركين لما في التهادي والزبد من التحاب وتليين القلوب ، والله عز وجل يقول : لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله الآية ، والله أعلم بما أراد رسوله بقوله ذلك ، وقد قبل صلى الله عليه وسلم هدية قوم من المشركين ، وأجاز قبولها جماعة من الفقهاء على وجوه نذكر منها ما حضر ذكره إن شاء الله .
حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16502عبد الوارث بن سفيان قراءة مني عليه أن nindex.php?page=showalam&ids=16802قاسم بن أصبغ حدثهم ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16530عبيد بن عبد الواحد قال : حدثنا محبوب بن موسى . ح ، وقرأت عليه أيضا أن nindex.php?page=showalam&ids=16802قاسم بن أصبغ حدثهم ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=13629ابن وضاح قال : حدثنا عبد الملك بن حبيب المصيصي ، قالا جميعا : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=11816أبو إسحاق الفزاري قال : قلت nindex.php?page=showalam&ids=13760للأوزاعي : أرأيت لو أن صاحب الروم أهدى إلى أمير المؤمنين هدية ، أترى بأسا أن يقبلها ؟ قال : لا أرى بذلك بأسا ، قلت : فما حالها إذا قبلها ؟ قال : تكون بين المسلمين ، قلت : وما وجه ذلك ؟ قال : أليس إنما أهداها له ; لأنه والي عهد المسلمين ، لا يكون أحق بها منهم ويكافيه بمثلها من بيت مال المسلمين ، قلت : nindex.php?page=showalam&ids=13760للأوزاعي فلو أن صاحب الباب أهدى له صاحب العدو هدية ، أو صاحب ملطية أيقبلها أحب إليك ، أو يردها ؟ ، قال : يردها أحب إلي ، فإن قبلها فهي بين المسلمين ويكافيه بمثلها ، قلت : فصاحب الصائفة إذا دخل فأهدى له صاحب [ ص: 14 ] الروم هدية ، قال : تكون بين ذلك الجيش فما كان من طعام قسمه بينهم وما كان سوى ذلك جعله في غنائم المسلمين .
قال أبو عمر : ليس أحد من أئمة الفقهاء زعموا أعلم بمسائل الجهاد من nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي وقوله هذا هو قولنا .
وروى عيسى ، عن ابن القاسم في الإمام يكون في أرض العدو فيهدي له العدو أتكون له خالصة أم للجيش ، قال : لا أراها لجماعة الجيش ، قال : لأنه إنما أهداها خوفا ، إلا أن يعلم أن ذلك إنما هو من قبل قرابة ، أو مكافأة فأراه له خالصا ، قيل : فالرجل من أهل الجيش تأتيه الهدية ، قال : هذه له خالصة لا شك فيه مثل أن يكون له قريب ، أو صديق فيهدي له فهو له خالص .
وقال الربيع ، عن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في كتاب الزكاة إذا أهدى واحد من القوم للوالي هدية ، فإن كانت لشيء نال منه حقا ، أو باطلا فحرام على الوالي أخذها ; لأنه حرام عليه أن يستجعل على الحق ، وقد ألزمه الله ذلك ، وحرام عليه أن يأخذ لهم باطلا ، والجعل عليه حرام ، قال : وإن أهدى إليه أحد من أهل ولايته على غير هذين المعنيين تفضلا ، أو تشكرا بحسن كان منه في العامة فلا يقبلها ، وإن قبلها كانت في الصدقات ، ولا يسعه عندي غيره ، إلا أن يكافيه من ماله عليه بقدر ما يسعه به أن يتمولها ، قال : [ ص: 15 ] وإن أهديت هدية إلى رجل ليس بذي سلطان شكرا على حسن كان منه فأحب إلي أن لا يقبلها ، ولا تحرم عليه عندي إن قبلها وأخذها ، وأحب إلي أن يدع قبولها ، ولا يأخذها على الحسن مكافأة ، هذا كله هو المشهور من قول nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في كتبه الظاهرة ، ثم أصحابه ، وقد روي عنه أن الحاكم إذا أهديت إليه هدية من أجل حكمه فحكم بالحق على وجوه لم تحرم عليه .
وأما العراقيون ، فقال أبو يوسف : ما أهدى ملك الروم إلى أمير الجيش فهو له خاصة ، وكذلك ما يعطى الرسول .
قال أبو عمر : احتج بعض من ذهب هذا المذهب .
وقال : إن الهدية تكون ملكا للمهدى له ، وإن كان واليا ، ولا تكون فيئا . احتج بإجماعهم على أن للإمام أن لا يقبل هدية الكفار ، قالوا : ولو كانت فيئا لما كان له أن لا يقبلها ويردها على الحربيين .
قال أبو عمر : هذا لا حجة فيه ; لأن تخييرهم الإمام في قبول هدية الكفار ، إنما هو من أجل أنه إن قبلها كان عليه أن يكافئ عليها من بيت المال لا أنها لا تكون فيئا ، وإذا كان عليه أن يثيب عليها كان مخيرا في قبولها ، ومعلوم أنه إنما أهديت إليه بسبب ولايته فاستحال أن تكون له دون المسلمين والحجة في هذا عندي حديث nindex.php?page=showalam&ids=187أبي حميد الساعدي في قصة ابن اللتبية .
أخبرنا خلف بن سعيد قال : أخبرنا عبد الله [ ص: 16 ] بن محمد قال : أخبرنا أحمد بن خالد ، قال : حدثنا عبيد بن محمد قال : حدثنا محمد بن يوسف ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق وعبد الملك بن الصباح ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري عن أبان ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12179أبي نضرة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : الهدايا للأمراء غلول .
وبه ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق وعبد الملك جميعا ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري عن عاصم عن nindex.php?page=showalam&ids=15916زر بن حبيش قال : قال nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود : الرشوة في الدين سحت .
قال سفيان : يعني في الحكم .
وبه ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري قال : جمع اليهود nindex.php?page=showalam&ids=82لابن رواحة حين خرص عليهم حليا من حلي نسائهم [ ص: 17 ] فأهدوه له ، فقال : هذه الرشوة سحت وإنا لا نأكلها ، وذكر nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع عن معاذ بن العلاء أخي nindex.php?page=showalam&ids=12114أبي عمرو بن العلاء عن أبيه ، عن جده ، قال : خطبنا علي بالكوفة وبيده قارورة وعليه سراويل ونعلان ، فقال : ما أصبت منذ دخلتها غير هذه القارورة أهداها لي دهقان .
وعن أبي البختري ، عن علي بن ربيعة أن عليا استعمل رجلا ، فلما جاء ، قال : يا أمير المؤمنين إنه أهدي لي في عملي أشياء ، وقد أتيت بها ، فإن كان حلالا أخذته وإلا جئتك به ، فجاءه به ، فقبضه علي رضي الله عنه ، وقال : إني أحسبه كان غلولا .
وأما هدية غير الكفار إلى من لم تكن له ولاية فمأخوذة من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : أجيبوا الداعي ، ولا تردوا الهدية .
وقال صلى الله عليه وسلم : ما أتاك من غير مسألة فكله وتموله .
وهذا إذا لم تكن الهدية على شرط أداء حق قد وجب عليه كالشهادة ونحوها ، فإن كانت كذلك فهي سحت ورشوة وشر من ذلك الأخذ على الباطل ، وبالله التوفيق .
قرأت على أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن أن محمد بن معاوية حدثهم ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=14660أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=15461الهيثم بن خارجة ، قال : حدثنا إسماعيل بن [ ص: 18 ] عياش عن عمرو بن مهاجر ، قال : اشتهى nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز تفاحا ، فقال : لو كان عندنا شيء من تفاح ، فإنه طيب الريح طيب الطعم ، فقام رجل من أهل بيته فأهدى إليه تفاحا ، فلما جاء به الرسول ، قال nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز : ما أطيب ريحه وطعمه ، يا غلام أرجعه وأقرئ فلانا السلام ، وقل له : هديتك قد وقعت عندنا بحيث تحب ، قال عمرو بن مهاجر : فقلت : يا أمير المؤمنين ابن عمك ورجل من أهل بيتك ، وقد بلغك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأكل الهدية ، ولا يأكل الصدقة ، فقال : إن الهدية كانت للنبي صلى الله عليه وسلم هدية وهي لنا اليوم رشوة .
قال أبو عمر : كان عمر رضي الله عنه في حين هذا الخبر خليفة ، وقد تقدم القول فيما للخلفاء والأمراء وسائر الولاة من الحكم في الهدية ويحتمل أن يكون ذلك الرجل من أهل بيته قد علم في كسبه شيئا أوجب التنزه عن هديته ، وأما قوله في الحديث شراك ، أو شراكان من نار ، وقوله في حديث nindex.php?page=showalam&ids=16709عمرو بن شعيب nindex.php?page=hadith&LINKID=1010347أدوا الخيط والمخيط فيدل على أن القليل والكثير لا يحل لأحد أخذه في الغزو قبل المقاسم ، إلا ما أجمعوا عليه من أكل الطعام في أرض العدو من الاحتطاب والاصطياد ، وهذا أولى ما قيل به في هذا الباب ، وما خالفه مما جاء عن بعض أصحابنا وغيرهم فليس بشيء ; لأن عموم قول الله عز وجل واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه يوجب أن يكون الجميع غنيمة خمسها لمن سمى الله وأربعة أخماسها لمن شهد القتال من البالغين الأحرار الذكور ، فلا يحل [ ص: 19 ] لأحد منها شيء إلا سهمه الذي يقع له في المقاسم بعد إخراج الخمس المذكور ، إلا أن الطعام خرج بدليل إخراج رسول الله صلى الله عليه وسلم له عن جملة ذلك ، فمن ذلك حديث nindex.php?page=showalam&ids=5078عبد الله بن مغفل في الجراب بالشحم ، وحديث nindex.php?page=showalam&ids=364عتبة بن غزوان المملوءة بالجوز ، وحديث nindex.php?page=showalam&ids=51ابن أبي أوفى كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر يأتي أحدنا إلى الطعام من الغنيمة فيأخذ منه حاجته وأجمع العلماء على أن أكل الطعام في دار الحرب مباح ، وكذلك العلف ما داموا في دار الحرب ، فدل على أنه لم يدخل في مراد الله من الآية التي تلونا ، وما عدا الطعام فهو داخل تحت عموم قوله واعلموا أنما غنمتم من شيء الآية ، إلا أن للأرض حكما سنذكره في غير هذا الموضع من كتابنا هذا إن شاء الله .
وقد روي عن nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري أنه قال : لا يؤخذ الطعام في أرض العدو ، إلا بإذن الإمام . وهذا لا أصل له ; لأن الآثار المرفوعة تخالفه ، ولم يقل به فيما علمت غيره .
ومن الآثار في ذلك ما ذكره nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=17072مسدد ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=15743حماد بن زيد عن أيوب ، عن [ ص: 20 ] نافع عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر قال : كنا نصيب في مغازينا العسل والعنب فنأكله ، ولا نرفعه .
قال أبو عمر : ما يخرج به من الطعام إلى دار الإسلام وكان له قيمة فهو غنيمة ، وكذلك قليل وكثير غير الطعام فهو غنيمة ; لأنهم لم يجمعوا على شيء منه .
حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16002سعيد بن نصر قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16802قاسم بن أصبغ قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=13629محمد بن وضاح قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=12508أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا عفان قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=11792أبان العطار nindex.php?page=showalam&ids=17258وهمام ، عن قتادة عن nindex.php?page=showalam&ids=15957سالم بن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة عن nindex.php?page=showalam&ids=99ثوبان عن النبي عليه السلام أنه قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=1010350من فارق منه الروح الجسد وهو بريء من ثلاث دخل الجنة : الكبر ، والغلول ، والدين .
[ ص: 21 ] وروى nindex.php?page=showalam&ids=15904رويفع بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فلا يأخذ دابة من المغنم فيركبها حتى إذا أنقضها ردها في المغانم ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فلا يلبس ثوبا من المغنم حتى إذا أخلقه رده في المغانم ، وهذا غاية في التحذير والمنع .
وأما قوله صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه نارا ، ثم قال للذي جاء بالشراك ، أو الشراكين : شراك ، أو شراكان من نار ففي قوله هذا كله دليل على تعظيم الغلول وتعظيم الذنب فيه ، وأظن حقوق الأميين كلها كذلك في التعظيم ، وإن لم يقطع على أنه يأتي به حاملا له كما يأتي بالغلول ، والله أعلم .
، وقد ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة على الرجل الذي غل الخرزات وهي لا تساوي درهمين عقوبة له ، وسيأتي هذا الحديث في باب nindex.php?page=showalam&ids=17314يحيى بن سعيد إن شاء الله .
وأما الشملة فكساء مخمل .
وقال الخليل : اشتمل بالثوب أداره على جسده ، قال : والاسم الشملة ، قال : والشملة كساء ذو خمل .
وقال الأخفش : الشملة إزار من الصوف .
وفي هذا الحديث أيضا دليل على أن الغال لا يجب عليه حرق متاعه ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحرق رحل الذي أخذ الشملة ، ولا متاعه ، ولا أحرق متاع صاحب الخرزات ولو كان حرق متاعه واجبا لفعله صلى الله عليه وسلم حينئذ ، ولو فعله لنقل ذلك في الحديث ، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : [ ص: 22 ] nindex.php?page=hadith&LINKID=1010353من غل فأحرقوا متاعه واضربوه رواه nindex.php?page=showalam&ids=12310أسد بن موسى وغيره ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16379الدراوردي عن صالح بن محمد بن زائدة عن سالم عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر .
وقال بعض رواة هذا الحديث فيه : فاضربوا عنقه وأحرقوا متاعه وهو حديث يدور على صالح بن محمد بن زائدة وهو ضعيف لا يحتج به .
وقد اختلف العلماء في عقوبة الغال فذهب مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة وأصحابهم nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث بن سعد إلى أن الغال يعاقب بالتعزير ، ولا يحرق متاعه .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وداود بن علي : إن كان عالما بالنهي عوقب ، وهو قول الليث قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : وإنما يعاقب الرجل في بدنه لا في ماله .
قال أبو عمر : اختلاف العلماء في المال دون البدن ، أو البدن دون المال قد ذكرناه في غير هذا المكان .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي : يحرق متاع الغال كله ، إلا سلاحه وثيابه التي عليه وسرجه ، ولا تنتزع منه دابته ، ويحرق سائر متاعه كله ، إلا الشيء الذي غل ، فإنه لا يحرق ويعاقب مع ذلك . وقول أحمد وإسحاق كقول nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي في هذا الباب كله .
وروي عن nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري أنه قال : يحرق رحله [ ص: 23 ] كله ، إلا أن يكون حيوانا ، أو مصحفا .
وممن قال : يحرق رحل الغال ومتاعه مكحول وسعيد بن عبد العزيز .
وحجة من ذهب إلى هذا القول حديث صالح المذكور ، وهو عندنا حديث لا يجب به انتهاك حرمة ، ولا إنفاذ حكم مع ما يعارضه من الآثار التي هي أقوى منه ، فأما رواية من روى فاضربوا عنقه وأحرقوا متاعه ، فإنه يعارضه قوله صلى الله عليه وسلم لا يحل دم امرئ مسلم ، إلا بإحدى ثلاث الحديث ، وهو ينفي القتل في الغلول .
وروى nindex.php?page=showalam&ids=16414ابن الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ليس على الخائن ، ولا على المنتهب ، ولا على المختلس قطع ، وهذا أيضا يعارض حديث صالح بن محمد بن زائدة وهو أقوى من حجة الإسناد ، والغال خائن في اللغة والشريعة .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي : لو صح حديث صالح المذكور احتمل أن يكون حين كانت العقوبات في الأموال كما قال في مانع الزكاة : إنا آخذوها وشطر ماله عزمة من عزمات الله .
وكما روى nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة في ضالة الإبل المكتومة : فيها غرامتها ومثلها معها ، وكما روى nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو بن العاص في المعلق : غرامة مثليه وجلدات نكال ، وهذا كله منسوخ .
قال أبو عمر : الذي ذهب إليه مالك nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة ومن تابعهم في هذه المسألة أولى من جهة النظر وصحيح الأثر ، والله أعلم .
وأجمع العلماء على أن على الغال أن يرد ما غل إلى صاحب المقاسم إن وجد [ ص: 24 ] السبيل إلى ذلك وأنه إذا فعل ذلك فهي توبة له وخروج عن ذنبه ، واختلفوا فيما يفعل بما غل إذا افترق أهل العسكر ولم يصل إليهم ، فقال جماعة من أهل العلم : يدفع إلى الإمام خمسه ويتصدق بالباقي ، وهذا مذهب nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ومالك nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري .
وروي ذلك عن nindex.php?page=showalam&ids=63عبادة بن الصامت nindex.php?page=showalam&ids=33ومعاوية بن أبي سفيان nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن البصري وهو يشبه مذهب nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ; لأنهما كانا يريان أن يتصدق بالمال الذي لا يعرف صاحبه ، وذكر بعض الناس عن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أنه كان لا يرى الصدقة بالمال الذي لا يعرف صاحبه .
وقال : كيف يتصدق بمال غيره ، وهذا عندي معناه فيما يمكن وجود صاحبه والوصول إليه ، أو إلى ورثته .
وأما إن لم يمكن شيء من ذلك ، فإن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله لا يكره الصدقة به حينئذ إن شاء الله .
ذكر سنيد حدثنا أبو فضالة عن أزهر بن عبد الله قال : غزا nindex.php?page=showalam&ids=16868مالك بن عبد الله الخثعمي أرض الروم فغل [ ص: 25 ] رجل مائة دينار فأتى بها nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية بن أبي سفيان فأبى أن يقبلها .
وقال : قد نفر الجيش وتفرق فخرج فلقي nindex.php?page=showalam&ids=63عبادة بن الصامت فذكر ذلك له ، فقال : ارجع إليه فقل له خذ خمسها أنت ، ثم تصدق أنت بالبقية ، فإن الله عالم بهم جميعا . فأتى معاوية فأخبره فقال : لأن كنت أنا أفتيتك بهذا كان أحب إلي من كذا وكذا ، وقد أجمعوا في اللقطة على جواز الصدقة بها بعد التعريف وانقطاع صاحبها وجعلوه إذا جاء مخيرا بين الأجر والضمان ، وكذلك الغصوب ، وبالله التوفيق .