هذا حديث صحيح ، لم يختلف في إسناده ولا في متنه ، إلا أن nindex.php?page=showalam&ids=12430إسماعيل بن جعفر رواه عن nindex.php?page=showalam&ids=17195أبي سهيل نافع بن مالك بن أبي عامر ، عن أبيه عن nindex.php?page=showalam&ids=55طلحة بن عبيد الله ، أن أعرابيا جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر معناه سواء .
قال أبو عمر : قد روي عن النبي عليه السلام معنى حديث nindex.php?page=showalam&ids=55طلحة بن عبيد الله هذا ، من حديث أنس ، ومن حديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، ومن حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بأتم ألفاظ وأكمل معان ، وفيها ذكر الحج ، وليس ذلك في حديث nindex.php?page=showalam&ids=55طلحة بن عبيد الله ، وسنذكرها بعد في هذا الباب إن شاء الله .
وأما قوله في هذا الحديث : فإذا هو يسأل عن الإسلام فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : خمس صلوات فإن [ ص: 160 ] الأحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الإسلام تقتضي شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، والإيمان بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، ثم الصلوات الخمس ، والزكاة ، وصوم رمضان ، والحج .
وقد مضى ما للعلماء في معنى الإسلام ، ومعنى الإيمان في باب nindex.php?page=showalam&ids=13283ابن شهاب عن سالم من هذا الكتاب ، ومن الأحاديث في ذلك ما حدثناه nindex.php?page=showalam&ids=12549عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أسد ، قال : حدثنا سعيد بن عثمان بن السكن ، قال : حدثنا محمد بن يوسف ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16527عبيد الله بن موسى ، قال : أخبرنا nindex.php?page=showalam&ids=15776حنظلة بن أبي سفيان ، عن عكرمة بن خالد ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : nindex.php?page=hadith&LINKID=1014558بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، والحج ، وصوم رمضان .
وذكر nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16457ابن لهيعة ، وحيوة بن شريح ، عن nindex.php?page=showalam&ids=15559بكر بن عمرو المعافري ، أن nindex.php?page=showalam&ids=15562بكير بن الأشج حدثه عن نافع أن رجلا أتى nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، فقال : يا أبا عبد الرحمن ، ما حملك على الحج عاما ، وتقيم عاما ، وتترك الجهاد في سبيل الله ، وقد علمت ما رغب الله فيه ؟ فقال : يا ابن أخي ، بني الإسلام على خمس : إيمان بالله ورسله ، والصلوات الخمس وصيام رمضان [ ص: 161 ] وأداء الزكاة وحج البيت وذكر تمام الحديث ، وعلى هذا أكثر العلماء أن أعمد الدين التي بني عليها خمس على ما في خبر nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر هذا ، إلا أنه جاء عن حذيفة رحمه الله خبر يخالف ظاهره خبر nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر هذا في الإسلام ، رواه nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة وغيره عن أبي إسحاق ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16238صلة بن زفر ، عن حذيفة ، قال : الإسلام ثمانية أسهم : الشهادة سهم ، والصلاة سهم ، والزكاة سهم ، وحج البيت سهم ، وصوم رمضان سهم ، والجهاد سهم ، والأمر بالمعروف سهم ، والنهي عن المنكر سهم ، وقد خاب من لا سهم له .
وقد ذكرنا فرض الجهاد وما يتعين منه على كل مكلف وما منه فرض على الكفاية ، وأنه لا يجري مجرى الصلاة والصوم - في غير هذا الموضع ، فلا معنى لإعادته .
وأما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فليس يجري أيضا مجرى الخمس المذكورة في حديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ; لقول الله عز وجل ( ياأيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ) ; ولقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا رأيت شحا مطاعا ، وهوى متبعا ، وإعجاب كل ذي رأي برأيه ، فعليك بخاصة نفسك .
وروي عن nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ، وجماعة من الصحابة والتابعين - رحمهم الله - أنهم كانوا يقولون في تأويل قول الله عز وجل ( عليكم أنفسكم ) الآية قالوا : إذا اختلفت القلوب في آخر الزمن ، وألبس الناس شيعا ، وأذيق بعضهم بأس بعض ، وكان [ ص: 162 ] الهوى متبعا ، والشح مطاعا ، وأعجب كل ذي رأي برأيه ، فحينئذ تأويل هذه الآية ، وقد قيل في تأويل الآية : لا يضركم من ضل من غير أهل دينكم - إذا أدى الجزية إليكم وهذا الاختلاف في تأويل الآية يخرجها من أن تجرى مجرى الخمس التي بني الإسلام عليها ، وقد روي عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أن أعمدة الإسلام ثلاثة : الشهادة ، والصلاة ، وصوم رمضان .
حدثنا أبو محمد إسماعيل بن عبد الرحمن بن علي رحمه الله ، قال : حدثنا أبو إسحاق محمد بن القاسم بن شعبان ، قال : حدثنا علي بن سعيد ، قال : حدثنا أبو رجاء وسعيد بن حفص النجاري ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16862مؤمل بن إسماعيل ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=15743حماد بن زيد ، قال : حدثنا عمرو بن مالك النكري ، عن nindex.php?page=showalam&ids=11838أبي الجوزاء ، عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، قال حماد : لا أظنه إلا رفعه ، قال : عرى الإسلام وقواعد الدين ثلاثة بني الإسلام عليها ، من ترك منهن واحدة فهو حلال الدم : شهادة أن لا إله إلا الله ، والصلاة ، وصيام رمضان قال nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : نجده كثير المال ولا يزكي ، فلا نقول له بذلك : كافر ، ولا حلال دمه ، ونجده كثير المال ولا يحج ، فلا نراه بذاك كافرا ولا حلا دمه .
قال أبو عمر : في حديث مالك من الفقه أنه لا فرض من الصلاة إلا الخمس في اليوم والليلة ، وأنه لا فرض من الصيام إلا صوم شهر رمضان ، وفيه أن الزكاة فريضة على [ ص: 163 ] حسب سننها المعلومة ، وقد بينا ذلك في غير موضع من كتابنا هذا وفي سائر كتبنا ، ولم يذكر في حديث مالك الحج ، وقد قال بعض من تكلم في الموطأ من أصحابنا ومن قبله منهم : إن الحج لم يكن حينئذ مفترضا ، وأنه بعد ذلك نزل فرضه ، ومن قال هذا القول زعم أن فرض الحج على من استطاع السبيل إليه يجب في فور الاستطاعة على حسب الممكن ، وهذه مسألة ليس فيها لمالك جواب ، وقد اختلف فيها المالكيون : فطائفة منهم قالت : وجوب الحج على الفور ، ولا يجوز تأخيره مع القدرة عليه ، وإلى هذا ذهب بعض البغداديين المتأخرين من المالكيين ، وهو قول داود ، وقالت طائفة منهم : بل ذلك على التراخي ، وعلى هذا القول أكثر المالكيين من أهل المغرب وبعض العراقيين منهم ، وإليه ذهب أبو عبد الله محمد بن أحمد بن خواز منداد البصري المالكي ، وله احتج في كتاب الخلاف ، وجاءت الرواية عن مالك رحمه الله أنه سئل عن المرأة تكون صرورة مستطيعة على الحج ، تستأذن زوجها في ذلك فيأبى أن يأذن لها ، هل يجبر على إذن لها ؟ قال : نعم ولكن لا يعجل عليه ، ويؤخر العام بعد العام ، وهذه الرواية عن مالك تدل على أن الحج عنده ليس على الفور ، بل على التراخي - والله أعلم .
واختلف قول أبي يوسف في هذه المسألة ، فروي عنه أنه على الفور ، وروي عنه أنه في سعة من تأخيره أعواما ، وهو قول محمد بن الحسن ، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي .
[ ص: 164 ] قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : يجوز تأخير الحج بعد الاستطاعة العام بعد العام ولم يحد ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون - وسئل عن الرجل يجد ما يحج به فيؤخر ذلك سنين كثيرة مع قدرته على ذلك - هل يفسق بتأخيره الحج وترد شهادته ؟ قال : لا يفسق ، ولا ترد شهادته ، وإن مضى من عمره ستون سنة ، فإن زاد على الستين فسق وردت شهادته .
قال أبو عمر : لا أعلم أحدا قال : إنه يفسق وترد شهادته إذا جاوز الستين غير nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون ، وهذا توقيت لا يجب إلا بتوقيف ممن يجب التسليم له ، وكل من قال بالتراخي في هذه المسألة لا يحد في ذلك حدا ، والحدود في الشرع لا تؤخذ إلا عمن له أن يشرع - والله أعلم .
وقد اختلف في هذين الوجهين أصحاب مالك وأصحاب nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة وأصحاب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، إلا أن جمهور أصحاب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أنه على التراخي ، وهو تحصيل مذهبه .
وقال أبو العباس أحمد بن عمر بن شريح - محتجا لقول nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ومن تابعه على أن الحج ليس على الفور عند الاستطاعة - قال : وجه الأمر في ذلك أنا وجدنا المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها لا يفسقون من تأخر عاما أو عامين بعد بلوغه مع استطاعته على الحج ، ولا يسقطون شهادته ، ولا يزعمون أنه قد ترك أداء الحج في وقته ، وأنه ليس كتارك الصلاة حتى خرج وقتها فيكون قاضيا لها بعد خروج وقتها ، ووجدنا هذا [ ص: 165 ] من شأنهم ليس مما يحدث في عصر دون عصر ، فعلمنا أن ذلك ميراث الخلف عن السلف ، ووجدنا فرائض كثيرة سبيلها كسبيل الحج في ذلك ، منها : قضاء الصوم ، والصلاة ، فلم نرهم ضيقوا على الحائض إذا طهرت في قضاء الصلاة في أول وقتها - ولها أن تؤخره ما دام في وقتها سعة - ولا في قضاء ما عليها من الصوم ، ولا على المسافر إذا انصرف من سفره ، وكلهم لا يؤمن عليه هجمة الموت .
وقالت عائشة : إنه ليكون علي الصوم من رمضان فما أقضيه حتى يدخل شعبان ، فتبين بذلك أن هذه أمور لم يضيقها المسلمون ، فبطل بذلك قول من شذ فضيقها ، ثم نظرنا في أمر الحج إذا أخره المرء المدة الطويلة ، كرجل ترك أن يحج خمسين سنة - وهو مستطيع في ذلك كله - فوجدنا ذلك مستنكرا لا يأمر بذلك أحد من أهل العلم ، غير أنه إذا حج بعد المدة الطويلة لم يكن قاضيا للحج كقضاء من ترك الصلاة حتى خرج وقتها ، فقلنا : الوقت ممدود بعد وإن كان قد أخر تأخيرا مستنكرا ، فإذا مات علمنا أنه قد أخر الفرض حتى فات بموته ، وصار الموت علامة لتفريطه حين فات وقت حجه ، فإن قال قائل : فمتى يكون عاصيا ؟ وبماذا عصى ؟ قلنا : أما المعصية ، فتأخيره الفرض حتى خرج وقته ، ويقع عصيانه بالحال التي عجز فيها من النهوض إلى الحج ، وبان ذلك بالموت ، وكذلك قال nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب : من مات ولم يحج ، فليمت يهوديا إن شاء أو نصرانيا . فعلق [ ص: 166 ] الوقت بالموت ، أي : يموت كما يموت اليهودي والنصراني دون أن يحج ، والنصراني واليهودي يموت كافرا بكفره ، وهذا يموت عاصيا بتركه الحج مستطيعا له .
قال أبو عمر : الذي عندي في ذلك - والله أعلم - أنه إذا جاز له التأخير وكان مباحا له وهو مغيب عنه موته ، فلم يمت عاصيا إذا كانت نيته منعقدة على أداء ما وجب من ذلك عليه ، وهو كمن مات في آخر وقت صلاة لم يظن أنه يفوته كل الوقت - والله أعلم .
وقد احتج بعض الناس nindex.php?page=showalam&ids=15968لسحنون بما روى في الحديث المأثور عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : معترك أمتي من الستين إلى السبعين ، وقل من يجاوز ذلك وهذا لا حجة فيه ; لأنه كلام خرج على الأغلب من أعمار أمته - لو صح الحديث - وفيه دليل على التوسعة إلى السبعين ; لأنه من الأغلب أيضا ، ولا ينبغي أن يقطع بتفسيق من صحت عدالته ودينه وأمانته بمثل هذا من التأويل الضعيف - وبالله التوفيق .
[ ص: 167 ] ومما احتج به ابن خواز منداد في جواز تأخير الحج ، وأنه ليس على الفور - حديث ضمام بن ثعلبة السعدي من بني سعد بن بكر ، قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله عن الإسلام ، فذكر الشهادة ، والصلاة ، والزكاة ، وصوم رمضان ، والحج ، وقال في آخر الحديث : هل علي غيرها ؟ قال : لا إلا أن تطوع الحديث على نحو ما ذكره مالك من حديث nindex.php?page=showalam&ids=55طلحة بن عبيد الله في الأعرابي من أهل نجد ، إلا أنه ليس في حديث مالك ذكر الحج .
وقد روى حديث ضمام هذا nindex.php?page=showalam&ids=11عبد الله بن عباس ، nindex.php?page=showalam&ids=3وأبو هريرة nindex.php?page=showalam&ids=9وأنس بن مالك ، وفيها كلها ذكر الحج ، وحديث أنس أحسنها سياقة وأتمها ، ونحوه حديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، واختلف في وقت قدومه ، فقيل : قدم ضمام بن ثعلبة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سنة خمس ، وقيل : في سنة سبع ، وقال ابن هشام عن أبي عبيدة في سنة تسع : سنة وفد أكثر العرب .
وذكر nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق قدوم ضمام بن ثعلبة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يذكر العام الذي قدم فيه .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=15472الواقدي : قدم ضمام بن ثعلبة وافد بني سعد بن بكر عام الخندق بعد انصراف الأحزاب ، فأسلم فكان أول من قدم من وفد العرب ، ويقال : أول من قدم وافدا على النبي - صلى الله عليه وسلم - بلال بن الحرث المزني من وفد مزينة .
حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16900محمد بن إبراهيم ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=15397أحمد بن شعيب ، وحدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا حمزة ، حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=15397أحمد بن شعيب .
قال أبو عمر : قوله في هذا الحديث : الأمغر المرتفق ، يريد الأبيض المتكئ ، والأمغر : هو الذي يشوب بياضه حمرة ، وأصل الأمغر : الأبيض الوجه والثوب ، وقد يكون الأحمر كناية عن الأبيض كما قال - صلى الله عليه وسلم - : بعثت إلى الأحمر والأسود يريد الأبيض والأسود ، وفي خبر ضمام هذا دليل على أن فرض الحج قد كان تقدم قبل وقت وفادته على النبي عليه السلام ، وأن ذلك قد كان اشتهر ، وانتشر في قبائل العرب ، وظهر ظهور الصلاة والزكاة التي كان يخرج فيها السعاة إليهم [ ص: 170 ] ويأخذونها منهم على مياههم ، وكظهور صوم شهر رمضان ; لأنه على ذلك كله وقفه وسأله عنه ; لتقدم علم ضمام بأن ذلك كله دينه الذي بعث به إليه يدعو ، وأنه الإسلام ومعانيه وشرائعه التي كان يقاتل من أبى منها ، وقد روى هذا الحديث nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك ، nindex.php?page=showalam&ids=11وعبد الله بن عباس بأكمل سياقه من حديث طلحة ، ومن حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أيضا .
قال أبو عمر : في هذه الأحاديث كلها ذكر الحج ، وهي أحاديث ثابتة حسان صحيحة ، وقوله في حديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : وأما الخامسة فلا أسألك عنها يعني الحج بعد أن جعلها خامسة ، ففيه دليل على أن الإسلام ودينه على خمسة أعمدة عنده ، فمنها الحج ، والمعنى في قوله ذلك : أن العرب كانت تعرف الحج ، وتحج كل عام في الأغلب ، فلم ير في ذلك ما يحتاج فيه إلى المناشدة ، وكان ذلك مما ترغب فيه العرب لأسواقها وتبررها وتحنفها ، فلم يحتج في الحج إلى ما احتاج في غيره من السؤال والمناشدة - والله أعلم ، وأظن سقوط ذكر الحج من حديث مالك - حديث nindex.php?page=showalam&ids=55طلحة بن عبيد الله ، كان على ما في حديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، فلم يذكره أحد رواته فيه - والله أعلم .
ومن الدليل على جواز تأخير الحج : إجماع العلماء على ترك تفسيق القادر على الحج إذا أخره العام والعامين ونحوهما ، وأنه إذا حج بعد أعوام من حين استطاعته فقد أدى الحج الواجب عليه في وقته ، وليس عند الجميع كمن فاتته الصلاة حتى خرج وقتها فقضاها بعد خروج [ ص: 173 ] وقتها ، ولا كمن فاته صيام رمضان ; لمرض أو سفر فقضاه ، ولا عمن أفسد حجه فلزمه قضاءه ، فلما أجمعوا أنه لا يقال لمن حج بعد أعوام من وقت استطاعته : أنت قاض لما كان وجب عليك ، ولم يأت بالحج وفي وقته - علمنا أن وقت الحج موسع فيه ، وأنه على التأخير والتراخي ، لا على الفور ، وبالله التوفيق .
ومما نزع به من رآه على التراخي ، ما ذكر الله في كتابه من أمر الحج في سورة الحج وهي مكية ، ومن ذلك أيضا أن قول الله عز وجل ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ) في سورة آل عمران ، ونزلت في عام أحد ، وذلك سنة ثلاث من الهجرة ، ولم يحج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا سنة عشر ، فإن قيل : إن مكة كانت ممنوعة منه ومن المسلمين ، قيل : قد افتتحها سنة ثمان في رمضان ، ولم يحج حجته التي لم يحج بعد فرض الحج عليه غيرها إلا في سنة عشر ، وأمر عتاب بن أسيد إذ ولاه مكة سنة ثمان أن يقيم الحج للناس ، وبعث nindex.php?page=showalam&ids=1أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - سنة تسع فأقام للناس الحج وحج هو - صلى الله عليه وسلم - سنة عشر من الهجرة ، فصادف الحج في ذي الحجة ، وأخبر أن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض ، وأن الحج في ذي الحجة إلى يوم القيامة ; إبطالا لما كانت العرب في جاهليتها عليه في تأخير الحج المنسئ الذي [ ص: 174 ] كانوا ينسئونه له عاما بعد عام ، فأنزل الله تعالى ( إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ) الآية .
نقلت ذلك كله الكافة ، لم يختلفوا فيه ، واستقر الحج من حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذي الحجة إلى يوم القيامة إن شاء الله .
وأما قوله في حديث مالك : والله لا أزيد على هذا ولا أنقص منه ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : nindex.php?page=hadith&LINKID=1014567أفلح إن صدق ففيه دليل - والله أعلم - على أن من أدى فرائض الله وجبت له الجنة إذا اجتنب محارمه ; لأن الفلاح معناه البقاء في نعيم الجنة التي أكلها دائم وظلها ، وفاكهتها لا مقطوعة ولا ممنوعة ، وعلى أداء فرائض الله واجتناب محارمه وعد الله المؤمنين بالجنة ، والله لا يخلف الميعاد .
كان nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز رحمه الله يقول في خطبته : ألا إن أفضل الفضائل أداء الفرائض واجتناب المحارم .
وشكا رجل إلى nindex.php?page=showalam&ids=23سلمان الفارسي أنه لا يقدر على القيام بالليل ، فقال له : يا ابن أخي ، لا تعص الله بالنهار ، تستغن عن القيام بالليل .
[ ص: 175 ] [ ص: 176 ] وأصل الفلاح في اللغة : البقاء والدوام ، قال الشاعر :
لكل هم من الأمور سعه والمسي والصبح لا فلاح معه
أي : لا بقاء معه .
وقال لبيد : اعقلي إن كنت لما تعقلي ولقد أفلح من كان عقل وقال الراجز : لو كان حي مدرك الفلاح أدركه ملاعب الرماح أي : لو كان أحد يبقى ولا يموت لكان ذلك ملاعب الأسنة - وهو أبو البراء عامر بن مالك .