إذا نزل السماء بأرض قوم رعيناه وإن كانوا غضابا
يعني : إذا نزل الماء بأرض قوم ، ألا ترى أنه قال : رعيناه ، يعني الكلأ النابت من الماء ، ولو أراد السماء لأنث ; لأنها مؤنثة ، فقال : رعيناها ، وقوله : رعيناه . يعني الكلأ النابت من الماء فاستغنى بذكر الضمير ; إذ الكلام يدل عليه ، وهذا من فصيح كلام العرب ، ومثله في القرآن كثير .محاهن صيب نوء الربيع من نجم العزل والرامحه
وغيث من الوسمي حو تلاعه وجادته من نوء السماك هواطله
ولا زال نوء الدلو يسكب ودقه بكن ومن نوء السماك غمام
بيض مسامح في الشتاء وإن أخلف نجم عن نوئه وبلوا
بشر بني عجل بنوء العقرب إذ أخلفت أنواء كل كوكب
وجف أنواء السحاب المرتزق
[ ص: 290 ] أي : جف البقل الذي كان بالأنواء ، أقام ذكر الأنواء مقام ذكر البقل استغناء بأن المراد معلوم ، وهذا نحو قول القائل الذي قدمنا ذكر قوله :إذا نزل السماء بأرض قوم
. وهو يريد الماء النازل من السماء ، وأشعار العرب بذكر الأنواء كثيرة جدا ، والعرب تعرف من أمر الأنواء وسائر نجوم السماء ما لا يعرفه غيرها ، لكثرة ارتقابها لها ونظرها إليها ; لحاجتها إلى الغيث وفرارها من الجدب ، فصارت لذلك تعرف النجوم الجواري ، والنجوم الثوابت ، وما يسير منها مجتمعا وما يسير فاردا ، وما يكون منها راجعا ومستقيما ; لأن من كان في الصحاري والصحاصح الملساء حيث لا أمارة ولا هادي ، طلب المنائر في الرمل والأرض ، وعرف الأنواء ونجوم الاهتداء ، وسئلت أعرابية فقيل لها : أتعرفين النجوم ؟ فقالت : سبحان الله ، أما أعرف أشباحا وقوفا علي في كل ليلة ؟ وسمع بعض أهل الحضر أعرابيا وهو يتفنن في وصف نجوم ساعات الليل ونجوم الأنواء ، فقال لمن حضره : أما ترى هذا الأعرابي يعرف من النجوم ما لا يعرف ، فقال : ويل أمك من لا يعرف أجداع بيته .وجف أنواء السحاب المرتزق
وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - في [ ص: 292 ] حديث ، عن ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار عتاب بن حنين ، عن أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : أبي سعيد الخدري لو أمسك الله القطر عن عباده خمس سنين ، ثم أرسله ، أصبحت طائفة من الناس كافرين ، يقولون : سقينا بنوء المجدح - فمعناه كمعنى ما مضى من الحديث في هذا الباب .